عادل إمام بين السيسي والسعودية.. لا تصدقوا "الزعيم"

08 ابريل 2015
عادل إمام ومحمد حسنين هيكل (أرشيفية)
+ الخط -

أزعم أنني أعرف الفنان المصري عادل إمام، أتابع عن كثب، كصحافي، أخباره منذ 15 عاما، وأجريت معه عشرات الحوارات الصحافية، وحصلت منه على العديد مما يمكن أن نسميه الانفرادات على مدار سنوات عملي، وكنت أحد مقاصده لفترة لنشر أخباره، بعدما أقنعه صديق بأهميتي، أو بالأحرى أهمية المؤسسة الإعلامية التي كنت أعمل لها.

ربما يُمكِّنني الاستطراد السابق من تفسير جزء، ولو يسيراً من النظرية الإعلامية لـ"الزعيم"، حسب ما قرر أن يطلق على نفسه، وحسب ما روج إعلاميوه المنتشرون في العالم العربي.

يعشق عادل إمام الإعلام، مثله كل المشاهير، لكن علاقته بالإعلام دائما كانت ملتبسة، هو يرغب دوما في الظهور متى يشاء، وبالطريقة التي يشاء، وليس هذا في العرف الإعلامي متاحا دائما، ظل لسنوات مبتعدا عن الصحافة، لا يتحدث إلا إلى عدد يسير من الصحافيين الذين يعرفهم بشكل شخصي، وبالتالي يعرف ما سيكتبون عنه، أو للدقة هم يعرفون ما يريده ويكتبون حسب ما يريد.

في سنوات العقد الأخير، تراجعت الأسهم الإعلامية للنجم المصري الأشهر، وبعدما كان أحدنا يجاهد حتى يُحَصِّل منه تصريحا، أو يصل إلى موعد لحوار، بات هو حريص على تكوين مجموعة من الصحافيين (الشباب)، يكون على تواصل مستمر معهم؛ عبر وسطاء دائما، لنشر أخباره، عبر وسائل الإعلام الجديدة.

وبعدما كان ظهور عادل إمام التليفزيوني مقتصرا على أفلامه، بات يظهر في برامج المساء أكثر من غيره من الممثلين، بات ضيفا مكررا أحيانا، لكنه للحق كان ينتقي جيدا البرامج والأوقات، وكان من يستضيفه يمنحه الوقت والحق في الحديث كما لو أنه رئيس أو وزير.

أذكر أني حضرت لـ"الزعيم" حلقة في برنامج مسائي شهير على التليفزيون المصري الرسمي، كنت داخل الاستديو أتابع، والتقيته قبل وبعد الحلقة، وكان على الهاتف على الهواء لفترة وزير مصري شهير، يردد أكاذيب معتادة، وفوجئت بعادل إمام يدعي التثاؤب علنا أمام الجمهور، تعبيرا منه عن السخرية مما يكرره الوزير من هراء.

أشهد للرجل بالذكاء الحاد، ولست ممن يصبغون عليه أوصاف العبقرية في التمثيل، فغيره (أحمد زكي وسعيد صالح، كأمثلة) أكثر منه موهبة، لكنهم أقل منه ألمعية وقدرة على توظيف القدرات وتحكيم العقل.

فيما بعد الثورة على نظام حسني مبارك، لم يدهشني للحظة موقف عادل إمام، كنت أثق في خياراته المنحازة للنظام، هو ابن هذا النظام، وسيكون ابن أي نظام يحكم، وبالتالي لم تدهشني تحولاته اللاحقة المتكررة، والتي كان يبدو فيها مرتبكا للغاية، مثله مثل معظم المشاهير، وخاصة الفنانين.

حضرت له مؤتمرا عجيبا في القاهرة قبل نحو 10 سنوات، في أعقاب قتل مجند مصري على الحدود مع إسرائيل، ووقتها كانت حرب نظام مبارك على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على أشدها، وكان إمام يبدو جنرالا عسكريا أكثر من فنان في المؤتمر، وحاولت مجتهدا، وكنت أجلس في الصف الأول، طرح سؤال استنكاري تجاه ما يقوله، لكنه أصر على عدم السماح لي بتوجيه السؤال، وليلتها كتبت تقريرا أتهمه فيه بما لا ينكره من الانحياز لرواية النظام الفاشي الفاسد ضد المقاومة الفلسطينية، رغم محاولاته لسنوات ترويج أنه معارض للأنظمة الفاسدة.

وقتها غضب واستنكر ما كتبته علنا، وقاطعني لفترة، ولم أسع لإنهاء القطيعة، حتى كتبت عن إعلان تنظيم القاعدة - فرع الجزائر، إهدار دمه، ليهاتفني من باريس ويشكرني على ما كتبته، ويمنحني ما يمكن اعتباره انفرادا على لسانه.

في تصريحات نشرت اليوم في "العربي الجديد" للزعيم، مواصلة منه لما اعتاد هو واعتدنا نحن عليه، أشهد مبدئيا أن علاقته بمواقع التواصل الاجتماعي محدودة، لكني أشهد أيضا بقدرته المدهشة على صنع الجدل.

يمكن للبعض أن يسخر من كلام إمام حول أنه "فوجئ باتصال من الإعلامي عمرو أديب، ناقشه خلاله في مسألة هجومه على السعودية، ومطالبته السيسي، بعدم إرسال جنود إلى اليمن"، ثم إنه "طالب أن يكون ردّه مباشرةً على الهواء ليصل موقفه إلى الجميع".

لكنها اللعبة المعروفة وربما المفضوحة، فعمرو أديب أحد الأذرع الإعلامية للسيسي، وبرنامجه "القاهرة اليوم" والقناة التي يظهر فيها "أوربت" تمولها السعودية، بينما عادل إمام مع النظام دائما، وبلا تردد، ولم يعرف عنه يوما أن جاهر بموقف مناهض لتوجهات النظام الحاكم في مصر.

ومفارقة أن يفاجئه عمرو أديب باتصال، لا تحتاج شرحا، فهما "إمام وأديب" ضمن مجموعة من التروس في ماكينة واحدة، ينفذان ما يطلب منهما دون نقاش، والهجوم على السعودية الذي وصل مداه في قناة نجيب ساويرس، لا يمكن لأحد أن يتحمل أن ينتقل إلى أماكن أخرى، وليس مقبولا أن يصدر عن عادل إمام.

وربما علينا التنبه إلى إمكانية أن يكون ظهور عادل إمام في الصورة مجرد محاولة للإلهاء عن هجوم إبراهيم عيسي في القناة المجاورة، على طريقة "بص العصفورة"، وهي طريقة معروفة ومجربة وأثبتت فعالية في كثير من الوقائع.
المساهمون