رسّام جداريات فلسطيني يسخر الفن لإعالة أسرته

23 ابريل 2015
جهاد الغول أثناء عمله في أحد المنازل (عبدالحكيم أبورياش)
+ الخط -
برشاقة عالية تثير إعجاب جميع المحيطين به، يتنقل الشاب الفلسطيني جهاد الغول (23 عاماً) بين غرف إحدى الشقق السكنية غرب مدينة غزة، ليزين جدرانها ببعض اللوحات والنقوش الفنية، متكئاً على عكازه الحديدي، بعدما أفقده الاحتلال الإسرائيلي قدمه اليسرى في ربيع العام 2008.

وأصيب جهاد، عندما استهدفته إحدى الطائرات الحربية بعدة صواريخ، خلال اجتياح جيش الاحتلال لمخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، مما تسبب ببتر كامل لقدمه اليسرى، مع بعض الإصابات في مختلف أنحاء جسمه، إلا أن ذلك لم يبعده عن ريشته الفنية المولع بها.

وشرع الغول بمسيرته الفنية منذ نعومة أظفاره، من أجل قضاء وقت الفراغ، عندما كان يمسك بقلم الرصاص محاولاً رسم بعض الشخصيات ومختلف المظاهر الطبيعية التي كانت تلفت انتباهه أو ما يجول في خاطره، الأمر الذي نال إعجاب والده فسعى لتوفير مستلزمات الرسم لنجله الأكبر رغم صعوبة أوضاعه المالية.

ويقول الغول لـ "العربي الجديد": "تدرجت في الرسم بشكل سلس، بعدما تحول لعادة شبه يومية، فانتقلت من الرسم بقلم الرصاص والفحم إلى استخدام الألوان المائية، والنقش على الخشب ثم رسم الجداريات في الأماكن العامة، إلى أن وصلت إلى التعليم الجامعي، والتحقت بكلية مجتمع غزة في قسم هندسة الديكور".

ولم يستطع جهاد إكمال تعليمه الجامعي بعدما أنهى عامه الأول، بسبب الظروف المادية التي تعيشها عائلته وانعدام مصادر الدخل المالي، الأمر الذي دفعه للتوجه إلى العمل في مجال الفن من أجل إعالة أفراد عائلته السبعة، وذلك بعد نحو ثلاث سنوات ونصف من الإصابة، التي ما زالت آثارها راسخة في جسده النحيل.

ويضيف الفنان "حاولت جاهداً تركيب طرف صناعي خارج القطاع، من أجل مساعدتي في العمل، إلا أن إغلاق المعابر الحدودية بسبب الحصار الإسرائيلي، وضعف دعم الجهات المختصة حال دون ذلك"، مبيناً أنه لم يستطع التأقلم مع قدم صناعية ركبت له محليا، بسبب ثقل وزنها وعدم مناسبتها لإصابته الحرجة.

اقرأ أيضا:مئة فنان فلسطيني وعالمي في "قلنديا الدولي"

وتمكن جهاد خلال عام 2010 من السفر إلى مصر وليبيا من أجل تمثيل فلسطين، في أحد المعارض الفنية على مستوى الوطن العربي والإسلامي بمناسبة يوم المعاق العالمي، برفقة 20 لوحة اصطحبها إلى المعرض، والذي انتهى بتتويج جهاد بالمركز الأول في مسابقة فنية أقيمت على هامش فعالياته.

ويتابع: "لم أتوقع أن تحصل لوحتي التي رسمتها خلال 90 دقيقة، وعبرت فيها عن معاناة الشعب الفلسطيني وانتهاكات جنود الاحتلال وظروف إصابتي، على المركز الأول، في أول مشاركة لي بمعرض فني سواء محلياً أو خارجياً، ولكن ذلك مثل لي دافعاً قوياً لخوض غمار الفن بهمة عالية دون النظر إلى المعيقات".

وباتت أعمال الغول سواء الخاصة أو العامة محط إعجاب كل من نظر لها، الأمر الذي فتح المجال أمامه لتلقي عروض العمل في العديد من المنشآت بمختلف مناطق القطاع، إلا أن تردي الظروف الاقتصادية لسكان القطاع، تجبره على الجلوس في البيت لبضعة أيام دون عمل.
ويلفت الشاب جهاد إلى أن أبرز ما يطمح له الآن تركيب قدم صناعية تساعده على قضاء الحاجيات اليومية، وتخفف من معاناته في الحركة، بجانب تزويده بسيارة تكون مصدر دخلٍ مالي له ولعائلته التي يعيلها بمفرده، بدلاً من العمل في الرسم، مما سيساعده في ذات الوقت على توفير تكاليف زواجه.

وما زال ينتظر إجراء العمليات الجراحية اللازمة لإخراج بعض الشظايا التي ما زالت مستقرة في قدمه اليمنى على إثر الإصابة الأولى، وما تبعها من إصابة جديدة أثناء الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2009، وهو على كرسيه المتحرك أمام منزله في مخيم البريج للاجئين.

ويبين الغول أنه يسعى إلى فتح نافذة حقيقية لتسويق لوحاته الفنية خارج القطاع، التي تركز غالباً على القضية الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بحق المدنيين العزل، الأمر الذي سيساهم بتحقيق أحلامه في الوصول إلى العالمية، ويفتح أمامه آفاقاً جديدة للعمل.

اقرأ أيضا:
لوحات فنية توثق الاعتداء على القطاع الصحي في غزة
عطا جبر: مقاومة الاحتلال بالكاميرا
معرض برام الله.. عندما يكون الشارع ريشة وورقة
المساهمون