المسرح السعودي.. اجتهادات فردية وحاجة للإنعاش

16 ابريل 2015
فايز المالكي في إحدى المسرحيات (العربي الجديد)
+ الخط -
رغم أنّ أوّل نص مسرحي سعودي كُتب في العام 1932، من تأليف حسين عبد الله سراج، ما يثبت أنّ المسرح ليس بجديد، فإن المعاناة من إهمال شديد، جعلت منه أشبه بجثة هامدة. ولم تنجح بعض المسرحيات المجانية التي تقام بين مناسبة وأخرى، في إنعاشه، وهذا ما يؤكّد أنّه لا يوجد في السعودية مسرح حقيقي.

كانت البداية الجادة في العام 1960 على يد أحمد السباعي، الذي أسّس فرقة مسرحية في مكة المكرمة، ومدرسة للتمثيل سمّاها "دار قريش للتمثيل الإسلامي". ظلّ يقاتل وحيداً حتى العام 1980، عندما ظهرت الجمعية السعودية للثقافة والفنون، وعرضت مسرحية "بيت من ليف" لناصر المبارك، و"الحل المفقود" لعبد الرحمن المريخي، ومسرحية "كان هنا بيتنا" لمحمد خضر، و"حضارة الإسلام" لمحمد سليمان الشايقي، و"من يكمل الثاني" لمحمد عريف، إلّا أنّ الجمعيّة ظلّت عاجزة طوال الـ 35 عاماً عن أن تقدم ما يشبّه بـ"المسرح السعودي الحقيقي".

يقلّل الممثلون والمخرجون السعوديون من أهمية النشاط المسرحي المحلي الذي يرون أنّه جامد، ولا يقدم شيئاً للجمهور، كما أنّه يحتاج إلى من يبث الروح فيه، فبضع مسرحيات تقام بدعم حكومي في الأعياد لا يحقق ذلك، خصوصاً أنّها لا تستمر لأكثر من ستة أيام سنوياً.

يرفض المخرج خالد الطخيم تسميته "المسرح السعودي" ويسميه "المسرح في السعودية"، ويشرح كلامه في حديث إلى "العربي الجديد": "لدي تحفظ على اسم المسرح السعودي، فهذا يعني أنّنا نملك مدرسة للمسرح، مثل المسرح الروماني أو المصري، وهذا غير صحيح. يُفضّل القول، المسرح في السعودية، لأنّنا لا نملك مدرسة للمسرح حقيقية أو نشاطاً مسرحياً له تاريخه وعراقته".

ويضيف: "المسرح في السعودية، نشاط محدود وبلا إمكانات. في التسعينيات، كان المسرح في حركة دائمة، وإنتاج جيد إلى حدّ ما، وتوجّه جاد لإنشاء مسرح بالشكل الطبيعي". ويتابع: "عندما بدأت الحركة التنموية في السعودية، كان هناك إصرار على أن يكون في كل مبنى وزارة أو جامعة مسرح، ممّا جعلنا نعتقد أنّنا أمام حركة مسرح ضخمة، لكن كل شيء سار عكس المطلوب، وأغلقت هذه المسارح من دون سبب، وما بقي منها فقط اجتهادات".

ويكشف الطخيم، أنّ كبار الممثلين السعوديين الحاليين، سطعوا من باب المسرح، مشدداً على ضرورة إعادة إحياء روح المسرح، ووضع خطط استراتيجيّة لاكتشاف نجوم جدد في المستقبل. ويلفت إلى أنّ ليس كل من أراد التمثيل، أصبح ممثلاً مسرحياً، أو مخرجاً مسرحياً، فالأمر يحتاج لأكثر من ذلك بكثير، مكرّراً أنّ لا بدّ من حماية هذا الفن وبث الروح في الحركة المسرحية، "كي نجد ممثلين يعملون فعلاً في هذا المجال".

ويشدد على أنّ "وزارة الثقافة هي من يجب أن تبدأ بالخطوة الأولى، كون المسرح نشاطاً ثقافياً بالدرجة الأولى، ويجب رعاية الثقافة في البلاد".

غائب تماماً
من جهته، يعتبر الممثل أسعد الزهراني أنّ المسرح السعودي غائب ولا وجود له، ويتساءل في حديثه إلى "العربي الجديد": "هل لدينا مسرح؟" مجيباً عن سؤاله، "لا يوجد لدينا مسرح من الأساس، كل ما لدينا، هو عبارة عن قاعات مؤتمرات تُستعار لتقام عليها بعض المسرحيات في المواسم، وهي غير متاحة لنا إلّا في حدود ضيقة. فمسرح التلفزيون مغلق منذ 16 عاماً، ومسرح جامعة الملك سعود غير متاح لنا إلّا بشروط صعبة ومعقّدة، وعندما نسعى لاستخدامه، يطلبون منّا موافقات رسمية. ولكي يكون لدينا حركة مسرحية حقيقية، يجب أن يكون لدينا مسرح حقيقي أوّلاً".

ويشدد الزهراني الذي يعتبر من نجوم الكوميديا السعودية حالياً، وأحد شخصيات مسلسل واي فاي، أنّ ليس هناك أي أرضية للعمل المسرحي في السعودية، "لا أحد يهتم بأن يكون لدينا مسرح، وحتى لو قررنا عمل مسرحية ما، فسنجد الكثير من المضايقات والمنع غير المبرّر". ويضيف أنّ المسرح يحتاج للحرية في الحركة وفي النص، و"هي أمور غير متوفرة".

بلا دعم
يتذكر السعوديون بحسرة مسرحيات حققت الكثير من النجاح في بداية التسعينيات، كتبت ولادة نجوم الكوميديا السعودية، أمثال محمد العلي، والراحلة بكر الشدي، وعبدالله السدحان، وناصر القصبي، وخالد سامي، وعبد الإله السناني، وراشد الشمراني، وغيرهم. لكن في ظلّ الأوضاع الفنية الحالية، لا أحد يتوقع مشاهدة شخصيات مثلهم.

ويؤكد الممثل فهد الحيان الذي كانت انطلاقته الفنية بعيداً عن المسرح، على أنّ ما يقام في السعودية بين فترة وأخرى، لا يصح أن يطلق عليه مسرحاً، معتبراً أنّ الحالة التي وصلت إليها الحركة المسرحية في السعودية، مزرية، ويقول لـ "العربي الجديد": "لن أقلّل بما تقوم به مدينة الرياض بين فترة وأخرى من جهود، لكن لا يوجد لدينا مسرح حقيقي، ولا يمكن مقارنة ما يقام في السعودية، بما يقام في الكويت أو مصر مثلاً، نملك مجرد اجتهادات فردية لا تصل لمسمى مسرح". ويشدد الحيان الذي اشتهر بدوره في المسلسل السعودي الأشهر (طاش)، على أنّ جمعية المسرحيين السعوديين بقيادة إبراهيم عسيري، تقوم بجهد كبير، لكنّها تفتقد الدعم اللازم. فهي تحاول إظهار صورة السعودية في المسارح العالمية، لكن لا وجود لها في الداخل.

ويضيف: "ما تقوم به جمعية المسرحيين السعوديين جيد، لكنه غير كاف، لا يوجد آليات للعمل، وحتى لو أردت ومجموعة من الممثلين إنشاء مسرح تجاري حقيقي، فلن أجد من يدعمني. هل ستقوم جمعية الثقافة والفنون بدعمي بالترويج والإعلانات، هل سيقدم لي التلفزيون السعودي إعلانات بأسعار مخفوضة كما يفعل التلفزيون الكويتي مع المسرحيات الكويتية؟ كل هذا لن يحدث، وبالتالي الأمر مكلف جداً، ولن يكون له أي مردود مادي. في مصر، بات المسرح المروج الأساسي للسياحة، أما في السعودية، فهو غائب تماما. ولكي نعمل ونقدّم منتجاً حقيقياً، لا بدّ من توفير الدعم الكامل".


اقرأ أيضا:
مهرجان أفلام السعودية ينجح باختتام عروضه رغم الصعوبات
معاناة المرأة السعودية في "العيال كثرت"
المساهمون