الصحافة الاسكندنافية: دور رقابي وتوعوي حول كورونا

19 مارس 2020
انتقادات لإجراءات السويد في ظل الفيروس (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)
+ الخط -
بقي فيروس كورونا متصدراً لتغطية صحافة ووسائل إعلام الدول الاسكندنافية على مدى الأيام الماضية، وأخذ بالتصاعد بحالة أشبه بـ"أخبار عاجلة" (باللونين الأصفر والأحمر)، وتصدر أغلفة الصحافة المطبوعة ونشرات الأخبار في النرويج والدنمارك والسويد.

إجراءات وانتقادات
مع الإجراءات والقرارات المتصاعدة من قبل السلطات، كانت وسائل الإعلام في الصدارة لنقل كل ما يخص فيروس كورونا وما رافقه من تهويل وبث إشاعات، بالإضافة إلى لعب دور رقابي بامتياز على تقصير الحكومات والمشرعين في حماية المجتمع من الوباء الذي يتفشى يومياً. ففي الوقت الذي استبقت كوبنهاغن شقيقتيها الاسكندنافيتين، أوسلو واستوكهولم، بخطوات للحد من انتشار الجائحة، حيث أبرزت الصحافة المحلية منذ الأربعاء الماضي ما تقوم به رئيسة الوزراء عن يسار الوسط، ميتا فريدركسن؛ واجه رئيس وزراء السويد اليساري، ستيفان لوفين، انتقادات لاذعة لتأخره في اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة. وفيما أعلنت فيه وسائل الإعلام الدنماركية، مكتوبة ومرئية، عن إغلاق المؤسسات العامة ودعوة الخاصة إلى العمل بأقل موظفين، إلى جانب الطلب من الحانات والمطاعم إغلاق أبوابها، كانت السويد حتى بداية هذا الأسبوع تعيش وضعاً مختلفاً.
وركّزت الصحافة على الجارة السويد قائلةً "لم تغلق الحانات وما يزال الناس على عكس الدنمارك يخرجون إلى المطاعم وأعمالهم"، بحسب ما نقلت "بوليتيكن" في كوبنهاغن والقناة الرسمية السويدية "اس في تي". لكنّ الوضع تغيّر مع توالي الأخبار العاجلة على التلفزيون السويدي عن تسارع تفشي الوباء، وبالأخص في العاصمة استوكهولم، بالإعلان صباح الاثنين عن وصول عدد المصابين في المدينة إلى نحو ألف ووفاة 3 أشخاص (والأرقام تتغيّر بشكل تصاعدي مع الوقت). حينها، بدأت الدعوات إلى "العمل من المنازل" تتصدر وسائل الإعلام السويدية. هذا إلى جانب المطالب بإغلاق السويد حدودها مع الدنمارك، حيث أصر لوفين على أنها "ليست ضرورية"، وفقاً لما نقلت عنه القناة الرسمية، اس في تي. ورغم هذا الانتشار "تصر السويد على إبقاء مدارسها مفتوحة"، كما نقلت الاثنين وسائل الإعلام الاسكندنافية، وهي من الأمور التي أثارت استغراب هذه الصحافة ووسائل الإعلام التي لم تترك معلومةً عن الفيروس، وطبيعته وكيفية انتشاره إلا وأفردت لها صفحات الصدارة وفي قمة هرم المانشيتات اليومية بشكل متوالٍ. وكان التلفزيون النرويجي قد نقل عن مختصين، مساء الأحد، "مخاوف من نقل الفيروس من السويد". وأثارت القناة الرسمية في أوسلو، ان ار كي، الموضوع بعنوان "أستاذ طب عدوى منتقداً: ثمة خوف من انتقال العدوى (إلى النرويج) من السويد". وأشارت القناة إلى أنه في ضوء "التصرفات السويدية ربما تتدخل وزيرة العدل في النرويج مونيكا مايلاند لوضع قواعد حجر على المسافرين من السويد".

للعنصرية صفحات
لم يكن غريباً، منذ بداية تفشي كورونا، استغلال مواقع إخبارية وصحافية أقرب إلى اليمين المتشدد من استغلال المرض للتحريض على اللاجئين، وخصوصاً في ما يتعلّق بالأزمة عند الحدود التركية اليونانية. وهو ما فعلته "اكسترا بلاديت" و"بي تي" و"دن كورت أفيز"، إلى جانب وسائل التواصل القريبة من اليمين الشعبوي في السويد بزعامة جيمي أوكسون، لإثارة مخاوف الشارع من "نقلهم الفيروس"، وذلك قبل أن تكشف الصحافة عن عدوى أصيب بها صحافي في القناة التلفزيونية الثانية في الدنمارك أثناء إجازته في شمال إيطاليا.



توعية وتصدٍّ للإشاعات ونظريات المؤامرة
صباح الاثنين الماضي، ومع بدء الدوام الرسمي في القطاع العام، تبين حجم الغياب في الدنمارك والنرويج خصوصاً، فأخذت "انفارماسيون" غلافها كاملاً لتتحدث عن انتقادات موجهة للحكومة في مواجهتها الفيروس. فيما عنونت "بيرلنغسكا" (يومية ليبرالية) "سيناريو مرعب مرتبط بالدنماركيين العائدين"، تحدثت فيه الصحيفة عن عدم تجهز الحكومة لعودة آلاف الدنماركيين من الخارج وبينهم من "يمكن أن يشكل مصدر عدوى ويشل المجتمع تماماً".

تحملت وسائل الإعلام، وخصوصاً مواقع الصحافة المهنيّة في الدول الاسكندنافية، مسؤولية شرح فيروس كورونا المستجد وأعراضه، وإبراز دور النظافة وترك حيز متر بين الأشخاص. ولم تكلّ، منذ أكثر من أسبوعين، عن الاستمرار في تكرار بعض التوجيهات الصحية والإرشادات وتبسيطها من خلال لغة تأخذ صيغة غرافيك أحياناً ونقاط في أحيان أخرى لتسهيل وصولها إلى القارئ.
وكانت الصحافة قد تصدت لانتشار بعض الظواهر التي برزت بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن الفيروس تحول إلى وباء عالمي، الأربعاء الماضي، حيث تدافع الناس إلى المتاجر لتخزين الأطعمة وورق الحمام ومواد التنظيف. في كوبنهاغن كانت لغة الصحافة قاسية "هذه ليست قيم وأساليب دنماركية متحضرة"، بحسب ما ذهبت ومعها القناة الرسمية "دي آر". وبالفعل توقفت فورا تلك الظاهرة وبدأ البعض من المستهلكين، وعلى نفس صفحات الصحافة يعبر عن "الندم والأسف" لما قاموا به مساء الأربعاء وصباح الخميس.
وبسبب استغلال البعض لخوف الناس من الفيروس راح يخزن ويتاجر بمواد تعقيم وكمامات لبيعها بمبالغ خيالية من خلال صفحات "الجريدة الزرقاء"، فاتخذت الأخيرة قراراً بشطب كل إعلانات بيع لتلك المواد.
ومن ناحية ثانية كشف التلفزيون الدنماركي الرسمي، الاثنين، أن الكمامات ومواد التعقيم "تسرق من المستشفيات". وبعد الكشف عن ذلك، بدأت المشافي اتخاذ إجراءات تخزين الأقنعة والمعقمات خلف أبواب موصدة، وليس كما في السابق حين كانت متاحة وبمتناول الداخلين إلى المشافي، بحسب القناة الدنماركية. وتعرضت حمامات مستشفيات في بعض مدن الدنمارك لسرقة مواد التعقيم من الحمامات فيها، وفقاً لما نقلت "اكسترا بلاديت" الدنماركية عن الشرطة.
بل كان وما يزال للصحافة دور في مناقشة أسئلة كثيرة موجهة من الجمهور إلى مختصين في الطب وعلوم الاجتماع والطب النفسي حول ما يجب فعله. ومن بين الأشياء التي جرت مناقشتها خلال نهاية الأسبوع وصباح الاثنين "دعوا الجدين يرعيان الأطفال"، في إشارة إلى كيفية التصرف مع إغلاق دور رعاية الأطفال لأبوابها.
وواجهت الصحافة الاسكندنافية كغيرها حول العالم الإشاعات المترافقة مع انتشار الجائحة. وفي السياق قامت مواقع صحف يومية وقنوات تلفزيونية بتفنيد عديد الإشاعات التي انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي عن وصفات تقي من كورونا، وبعناوين لافتة كـ"الثوم لا يقي من كورونا". فيما ذهبت القناة الثانية الدنماركية لتفنيد بعض الإشاعات المنطلقة في وسائل التواصل عن الفيروس، استناداً إلى صفحة منظمة الصحة العالمية في الخصوص.
ولم يقتصر تغطية الصحافة المحلية على أوضاع كورونا في اسكندنافيا. فقد ذهبت "إنفارماسيون" في تقرير طويل، الاثنين، إلى اعتبار نشر نظرية المؤامرة لدى بعض الأنظمة هي محاولة للتغطية على ما يجري داخل تلك المجتمعات. وأخذت الصحيفة الصين مثلا بعنوان لافت "الصين تنشر نظرية المؤامرة لتحسين وجهها كمصدر للوباء". واعتبرت أن إرسال بكين لطائرة محملة بأطباء وأدوات إلى إيطاليا "تحمل معها أيضاً اتهامات جامحة للجيش الأميركي بمهاجمة الصين بفيروس كورونا، وتلك محاولة صينية هجومية لتقديم رواية بديلة تطمس مسؤولية الصين في الوباء العالمي وتسويق للنظام الاستبدادي كمتفوق على الديمقراطيات الغربية".



إجراءات للعاملين
قامت بعض المؤسسات الإعلامية بخفض دوام موظفيها، وبتغييرات في المواقيت لإتاحة الوقت للصحافيين مع أسرهم، وتقليل انشغال مكاتب المؤسسات بحشد كبير منهم. وكان لافتاً أنّ الصحافية الدنماركية الشهيرة، مراسلة تلفزيون الدنمارك في الشرق الأوسط من بيروت، بوك دامغورد، علِقت في القاهرة، فكتبت على حسابها على تويتر أفكارها وتعاطفها مع بلدها قائلةً "حيث أعيش في القاهرة حجر ذاتي لأسبوعين في وضع سيئ حيث دخلت مياه الأمطار إلى غرفة نومي وانقطع التيار الكهربائي، والنظام الصحي هنا (في القاهرة) على وشك الانهيار".
كذلك بدا لافتاً قيام "مركز الصحافة الدولي" (التابع للخارجية ويقع فيه مكتب "العربي الجديد" بكوبنهاغن) بتوجيه رسالة للمراسلين الأجانب بتقليص الدوام في المكاتب وإغلاق القاعة المشتركة فيه. ولكن بالعموم لم تتراجع وسائل الإعلام والصحافة عن دورها ولم تقم بتقليص موظفيها كما فعل كثير من شركات القطاع الخاص، فيما اختار بعض الصحافيين العمل من بيوتهم بدل الدوام في المكاتب.