رحيل "أيقونة الثورة التونسية"... لينا بن مهني تغلق نافذتها

28 يناير 2020
تنقّلت بين الساحات التونسية لتوثيق ثورتها (سيريل هوليوت/فرانس برس)
+ الخط -
بين تظاهرات التونسيين والاشتباكات في العاصمة أو في المحافظات، كانت لينا بن مهني في الصفوف الأمامية: توثّق وحشيّة الأمن في التعامل مع المتظاهرين وتنقلها للعالم عبر مدوّنتها "بنية تونسية". تعرّضت لينا للضرب والتوقيف بسبب موقفها ذاك، وبسبب مساهماتها الكبرى في الثورة التي شاركت في كل فعالياتها، إذ تنقلت بين كل مناطق تونس من أجل نجاحها، وهو ما جعلها تُرشَّح لنيل جائزة نوبل للسلام سنة 2011.
عُرفت لينا بن مهني بكونها "نافذة الثورة التونسية على العالم"، وتعرّف إليها كلّ من خاض ساحات النضال من أجل الحرية والديمقراطية... تلك النافذة أُغلقت إثر وفاة بن مهني، أمس الإثنين، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز خمسة وثلاثين عاماً.

بن مهني هي ابنة المناضل اليساري الصادق بن مهني، وهي مناضلة حقوقية وأستاذة جامعية في اللغة الإنكليزية. كان والدها رفيقها في النضال وداعمها في كل تحركاتها، فتنقل معها في شهر ديسمبر/كانون الأول 2010 عند انطلاق شرارة الثورة التونسية إلى محافظتي سيدي بوزيد والقصرين لتوثق أحداث الثورة هناك، ساعدها في الفرار من محاصرة البوليس التونسي من خلال عمليات تمويه. كان النضال بالنسبة لها الأوكسيجين الذي تستمد منه حياتها، وكان حرصها على النجاح مهما كلفها ذلك عقيدة لا تريد الكفر بها أبداً.

شكلت بن مهني، برفقة سفيان الشورابي وياسين العياري وسليم عمامو وأسامة التليلي وهناء سارتر الطرابلسي وفاطمة آرابيكا الذراع الإعلامية الإلكترونية للثورة التونسية، وقد ساعدوا من خلال تدويناتهم على نجاحها وفكّ حصار التعتيم الذي كان مفروضاً عليها من قبل النظام التونسي حينها. كانت محبةً للآخرين، تعمل وتناضل من أجل سعادتهم تنقل أحزانهم وترسم معهم آمالهم في غد أجمل لتونس التي تحبها حد الذوبان فيها، وكان أكثر ما يغضبها أن يتهمها البعض ممن يختلفون معها في وطنيتها.

وحتى بعد نجاح الثورة، لم تسع لينا لمنصب ما وحتى ترشيحها لجائزة نوبل للسلام سنة 2011 كان خياراً شعبياً. ظلّت بعد الثورة تواصل مسيرة نضالها لأنها تؤمن بأن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، واختارت مواصلة المسيرة من خلال حضورها في كل التظاهرات المنادية بتحقيق أهداف الثورة. كان الفشل في تحقيق هذه الأهداف بمثابة الغصة التي لم تفارقها حتى وفاتها...

تعرضت لينا لفشل كلوي عندما كانت صغيرة، وهو ما اضطر الأطباء إلى زرع كلية لها تبرعت بها والدتها، لكن في العامين الأخيرين، رفض جسم لينا الكلية المزروعة، ما اضطر الأطباء إلى البحث عن حلول بديلة لعمل الكلى من خلال القيام بتصفية الدم أكثر من مرة في الأسبوع، وهو الأمر الذي لم يحتمله جسدها. وكانت لينا كثيراً ما تتندر بذلك وتقول: "أنا لو كنت صاحبة كليتين لمنحت واحدة لمن يستحقها واكتفيت بواحدة لأعيش بها".

عجز الأطباء عن إيجاد الحلول البديلة، فكانت لينا زائرةً دائمة للمستشفيات التي تحولت إلى ساحة نضالها من أجل الحياة. في آخر لقاء لـ"العربي الجديد" معها يوم 14 يناير/كانون الثاني 2019 عندما قام جمع من أصدقائها بتكريمها، أكدت لينا أنها تشعر بأن أيامها معدودة، وأن كل ما يفعله الأصدقاء من أجلها يعطيها شحنة إضافية لأيام أخرى من الحياة لن تطول، وقد كانت شديدة التأثر بما يحصل لها. وقالت وقد فاض الدمع من عينيها: "بيكم رجعت نتنفس البارح عاود طلبني الطبيب قالي الموعد الجاي بعد شهر بعد ما كنت نمشي عالأقل مرتين في الجمعة والله ما لقيتش كلام باش نشكركمو نوفيكم حقكم". (بفضلكم عدت للتنفس من جديد، ليلة أمس هاتفني الطبيب وقال لي يمكنكِ زيارتنا مرة في الشهر بعد أن كنت أزورهم مرتين في الأسبوع... لا أجد العبارات لأشكركم)".
المساهمون