"يوتيوب" المغرب: بين جدل المحتوى وحرية التعبير

29 نوفمبر 2019
سيدات ينشرن يومياتهن في البيوت على يوتيوب (فريديريك سلطان/Corbis)
+ الخط -
"روتيني اليومي"، "لالة حادة" و"لالة نعيمة"، "إكشوان" وغيرها، هي عبارات وأسماء تحيل المغاربة إلى محتوى على "يوتيوب" يثير الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي. إذ بينما يعتبره البعض حرية تعبير في قنوات خاصة، يرى آخرون أنها عنوان الرداءة وتدني المستوى في الإنترنت، فيما يشتد الجدل حول تقنين هذا المحتوى من عدمه. 

كان آخر الحوادث التي أحدثت ضجّة كبيرة في مواقع التواصل، ما نشرته قبل أيام نجمة "يوتيوب" مغربية تدعى سارة أبوجاد، عندما قرّرت عمل مقلب لزوجة أخيها بإيهامه بأن طفلاً أسود البشرة هو ابنه. واعتبر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي أن هذا التصرف ينم عن عنصرية، مطالبين بمحاسبة سارة وإعادة النظر في محتوى "يوتيوب".




ومحتوى "يوتيوب" في المغرب لا يتوقف عن إثارة الجدل. إذ إنّ جولةً صغيرة في ترند المغرب تظهر عنوانا من قبيل "روتيني اليومي"، حيث ربات بيوت يعرضنَ حياتهن اليومية العادية، من كنس وتنظيف وزيارات عائلية، عبر الإنترنت.


هذا بينما تتعدد أسماء أخرى مثير للجدل مثل "نيبا"، وهو رجل مغربي شعبي يتحدث على سجيته ويعيش حياته اليومية غير الصاخبة مع عبارات سب وشتم بين الحين والآخر، فيما تنتشر مقاطع مثل "السيدة حادة والسيدة نعيمة ذهبا لتناول الشواء في السوق".


وبين الحين والآخر تصعد إلى ترند "يوتيوب" شخصيات تشتهر لأسباب قد لا تكون واضحة، مثل "إكشوان"، وهو شاب أخطأ لفظ اسم فيروس خلال حديثه أمام كاميرا شارع فتحول إلى محط سخرية، قبل أن تلاحقه الصحافة والعلامات التجارية وتحوّله إلى ظاهرة في الإنترنت المغربي. 



"الطوندونس" بين النقاش والسخرية
كل هذه الأمثلة التي تتصدّر "الطوندونس" (الترند بالفرنسية والاسم المتداول في المغرب) تلقي بثقلها على النقاش اليومي في الإنترنت، سواء بين المواطنين أو الإعلاميين أو المتخصصين في صناعة المحتوى.

نشرت الصحافية، ماجدة أيت لكتاوي، صوراً وهي في المطبخ مع تعليق ساخر يقلد نفس العناوين المنتشرة في المقاطع محل الجدل: "السلام بنات.. اليوم سأعد لكم الحرشة (خبز مغربي تقليدي) من أجل وجبة المساء. أولادي ساعدوني ولم أترك منها لزوجي". وتابعت "أفكر بأن أصبح نجمة "يوتيوب" أنا أيضاً أجيد طبخ الأكلات الرفيعة وأشارك أخوتي المغاربة يومياتي في كتابة التقارير. اليوم اتصلت بالوزير وتركني أنتظر...تعالوا لتشاهدوا معي أسرار كتابة قصة خبرية.. أريد أن أكتب تقريراً لكن أصابعي أصيبت بالحول"، ثم تساءلت ساخرة "هل أتجاوز أمي حادة وأمي نعيمة في عدد المشاهدات؟".


وينشر مغاربة آراءهم حول الموضوع على صفحاتهم بمواقع التواصل وفي تصريحات أيضاً. إذ قالت الإعلامية، إيمان أغوتان، في تصريح صحافي، إن ترند "يوتيوب" في المغرب بات "واحداً من عناوين البؤس في هذا البلد، لو كنت أجنبياً وأريد التعرف على هذا البلد فسوف تكون الصورة في الترند هي التي سوف تصل إليه". وتابعت أن "المغرب حضارة وتاريخ، لكن في الترند مغرب آخر، وأخاف أن يكون هذا هو المغرب الحقيقي وأنا لا أعلم".

وكتبت الإعلامية، فاطمة بن غبور، على فيسبوك: "تقاس حرارة الأمم بتوجه النخبة. ومن معايير هذه النخبة في هذا الزمن المعرفة التكنولوجية. لذا إن أردت معرفة مستوى رقي أو انحطاط شعب، إنجازاته إخفاقاته، وضوحه وتناقضاته وخط سيره وحلم نومه وصحوه وأهدافه وذوقه...تفحص خانة "الطوندونس" في موقع "يوتيوب" تجد الجواب الشافي الكافي".



من جانبه، وصف الصحافي، أحمد أوسار، موقف البعض بالتناقض و"النفاق"، وكتب غاضباً على فيسبوك "أكبر شعب منافق. يتحدثون عن مهزلة اليوتيوب المغربي وفيديوهات روتيني اليومي والتفاهات. إذن من يوصلهم إلى الترند، ومن هم ملايين الاشتراكات في قنواتهم".



محاولات تقنين المحتوى
في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر مؤشرات على محاولات للتقنين وتقييد محتوى "يوتيوب" في المغرب، سواء بمحاولات من أفراد أو من طرف الحكومة المغربية.

وخلال مؤتمر صحافي قال وزير الثقافة المغربي، حسن عبيابة، إن قطاع الاتصال يسعى إلى إخراج قانون جديد يضبط النشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت وزارة الاتصال، في عهد وزيرها السابق مصطفى الخلفي، قد وضعت آخر اللمسات على مشروع قانون يجرّم الأخبار الكاذبة، لكن لم يتضح هل سوف يشمل تقنين محتوى "يوتيوب" أيضاً.

من جانبه أعلن المسوق الإلكتروني المغربي، مصطفى أقصاص، أنه قرّر إنشاء مجموعة ضغط مكونة من 150 شخصاً متخصصاً في تسويق "يوتيوب" ولديهم اتصال دعم مباشر من "يوتيوب"، من أجل العمل على إزالة هذا النوع من المحتوى. وفي اتصال مع "العربي الجديد"، أوضح أقصاص أن "المجموعة تتكون من الشباب الذين يعملون في مجال التسويق عبر "يوتيوب" و"فيسبوك" ولديهم اتصال مباشر وعملي بإدارة "يوتيوب"".

وتابع أن الفيديوهات التي سوف تحاربها المجموعة هي تلك المقاطع التي وصفها بأنها "ذات محتوى هزيل والفيديوهات التي تشجع على العنف والفساد"، و"فيديوهات تحريض وسب وخدش للحياء والفيديوهات ذات الطابع الجنسي من أجل كسب المشاهدات"، بحسب تعبيره.


بين التقنين وحرية التعبير
عند سؤاله إن كانت هذه الخطوة ضد حرية التعبير، رد أقصاص "التعبير في فضاء عام مثل "يوتيوب" مقبول، ولكن حرية التعبير تنتهي عندما تمس حرية الآخرين وتفرض عليهم محتوى غير مقبول في الترند".

لكن موضوع التقنين والتقييد يثير الجدل بين المتخصصين. بين من يرى فيه معضلة من حيث التنفيذ وبين من يرى أن الأولى تحسين المحتوى بدلاً من تقييده.

أنور ناش مدير حملات إعلانية في الإنترنت واشتغل مع منصات تسويق في "يوتيوب"، وأشرف على قنوات شهيرة، كما يمتلك قناة تضم مئات الملايين من المشاهدات في "يوتيوب". يقول ناش لـ"العربي الجديد" إن "كل المنصات، بما فيها "يوتيوب"، يجب أن تبقى بعيدة عن الرقابة، لأن الأمر يتعلق بحرية التعبير ويجب أن تبقى حرة. من خلالها نعرف ماذا يقع ونعرف رأي الناس وفي نفس الوقت نعرف اهتماماتهم".

وتابع "(يوتيوب) كمثال هو منصة تشجع على حرية صناعة المحتوى كيفما كان والتعبير. فيها من يقدم محتوى جيداً وهناك من يقدم محتوىً تافهاً، أو بالأحرى محتوى من دون قيمة كبيرة. لكن لكل محتوى جمهور ومهتمون". وأضاف "أنا أشجع على صناعة المحتوى المفيد أكثر، لأن المشكل يكمن في قلة التنافسية، الشيء الذي يجعل المحتوى العادي أو التافه ينتشر ويلقى انتشاراً واهتماماً أكبر".

أما المستشار في التحول الرقمي والتسويق الاستراتيجي، والأستاذ والمحاضر في التسويق الرقمي، رياض السباعي، فيرى أن فكرة التقنين في حد ذاتها تواجه معضلة. ويوضح السباعي لـ"العربي الجديد" "تقنين المحتوى على الإنترنت مسؤولية من؟ الجرائد الإلكترونية تقع تحت طائلة الهاكا ووزارة الاتصال، وهذا إطار واضح يمكن من خلاله تقنين وتغيير المحتوى، لكن بالنسبة للمنصات الحرة والعامة الناس، ما هي المؤسسة التي ستؤدي هذا الدور، وإذ افترضنا أننا وجدنا توافقات في هذا الأمر، هل سنقبل بوصاية مؤسساتية على المحتوى الذي ينتجه الناس؟ إلى أين سيؤول بنا ذلك؟ ثم أليست خطوة كهذه ضرباً مباشراً في مبدأ حرية التعبير وحرية الرأي التي هي أساس وجود الإنترنت؟".

ويبدو أن هذه المشكلة مطروحة حتى عند اعتماد سياسة التبليغات ودون تدخل السلطات، يقول رياض إنه "أخلاقياً لا نستطيع إلا أن ننتقد المحتوى أو نمارس رقابة عليه بواسطة التبليغات وستبقى الكلمة الأخيرة للمنصات التي تحتضن هذا المحتوى"، لكن "كل يبلّغ عن المحتوى الذي يجده رديئاً أو مستفزاً من منظوره وتبقى هذه مسألة خلفية". ويختم بالقول "إنني مع مقاربة دعم المحتوى الهادف وليس محاربة المحتوى الذي لا يعجبنا"، "أظن أن الوسيلة الوحيدة للنهوض بالمحتوى هي اعتماد المقاربة التربوية للأجيال القادمة، والعمل على إذكاء وتطوير كل المبادرات للإنتاج الهادف".



ملايين المستخدمين
ينمو المحتوى المثير للجدل في بيئة خصبة في المغرب، سواء من حيث الولوج إلى الإنترنت أو استخدام "يوتيوب" و"فيسبوك"، أو من حيث المشاهدات العالية للقنوات المثيرة للجدل. وكشف تقرير DIGITAL 2019 الدولي من منصة إدارة مواقع التواصل "هوتسويت" أن أكثر من 22 مليون مغربي يستخدمون الإنترنت، ما يمثل نسبة 62 في المئة من مجموع السكان.

ويحتل "يوتيوب"، مصدر المحتوى المثير للجدل، المرتبة الثانية من حيث عدد الزيارات في المغرب مباشرة بعد "غوغل"، وحتى في "غوغل" تعتبر كلمة "يوتيوب" هي الأكثر بحثاً. ووصل عدد المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يناقشون المحتوى المثير للجدل، 17 مليون مستخدم، ما يمثل نسبة 47 في المئة من إجمالي السكان.

وبإلقاء نظرة على القنوات التي يتابعها المغاربة في "يوتيوب"، يلاحظ القارئ أن قناة "شوف تي في" تحتل المرتبة الأولى بما مجموعه مليارين ونصف مليار مشاهدة، وهي قناة مشهورة باستضافة الشخصيات والمحتوى المثير للجدل. تليها قنوات تلفزيونية وموسيقية. وتتمتع القنوات المثيرة للجدل بمشاهدات عالية، فقناة سارة أبوجاد مثلاً تضم 36 مليون مشاهدة، و"نيبا" حصد أكثر من 81 مليون مشاهدة، بينما تضم قناة "مربوحة" التي تستضيف محتوى شخصيتين مشهورتين في المغرب باسم "لالة حادة" و"لالة نعيمة" ما يزيد عن 103 ملايين مشاهدة.

وساعدت الهواتف الذكية وسرعة الإنترنت المتنامية على النمو الكبير في التفاعل المغربي مع المحتوى في الإنترنت.
وهناك أكثر من عشرين مليوناً من المستخدمين المغاربة النشطين في الإنترنت عبر الموبايل، 16 مليوناً منهم يستخدمون مواقع التواصل من الموبايل، بمعدل نمو يصل إلى مليون مستخدم هذا العام مقارنة بالعام الماضي. وربما تساعد سرعة الإنترنت في نمو هذا التفاعل أيضاً، ذلك أن مقاطع الفيديو تحتاج سرعات إنترنت مهمة، وسرعة إنترنت الموبايل في المغرب تنمو بنسبة 26 في المئة.