"فرانس 24" تسقط أيضاً في سورية

22 سبتمبر 2016
تدعي القنوات العالمية الحياد في سورية (بيرتراند غواي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد خمس سنوات على الثورة السوريّة والحرب، ارتكبت فيها قوات النظام السوري المئات من جرائم الحرب الموثقة، تستمر العديد من وسائل الإعلام الدولية الكبرى في الوقوع بسقطات خلال إذاعتها الأخبار الواردة من سورية، وهو ما يقرأه بعضهم على أنه تواطؤ مع الجاني وانحياز لجانب أحد أطراف الصراع.

وعقب استهداف غارات جوية سورية - روسية قافلات مساعدات إنسانية مكوّنة من عشرين شاحنة، بما فيها من متطوعين وعاملين مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر الدولي، في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب، مساء التاسع عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، ما تسبب بمقتل 12 متطوعاً وسائقاً، أذاعت قناة "فرانس 24" الاستهداف أنه تم على يد جهات مجهولة.
هذه العبارة أثارت غضب وحفيظة كثير من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، والذين اتهموا القناة بالتستر على المجرم.
وعلى الرغم من أنّ القناة نقلت خبرها عن "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، إلا أن مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، عاد وأوضح على القناة نفسها، واصفاً "عملية الاستهداف أنها جريمة حرب ارتكبت برعاية دولية، كون المجتمع الدولي يعطي غطاء لروسيا لتنفيذ جرائمها، في حين يحاول التنصل من استهداف روسيا القافلة"، مضيفاً "أننا في المرصد نوثّق ومن ثم ننشر، وقد رصدنا غارات جوية مكثفة".
هذه السقطة لم تسلم، أيضاً، من انتقاد كثير من الصحافيين الذين اعتبروا أن الصيغة التي قدمتها القناة في نقل الخبر لا يمكن أن تنبع من نية التزام الحياد، مؤكدين أنها تقدم صورة مشوشة عن واقع الخبر. فليس خفياً على أحد أن القوات الحربية الجوية الروسية والسورية هي من تسيطر جوياً على المنطقة وتنفذ طلعات وغارات جوية شبه يومية فيها، فيما لا تملك قوات المعارضة أيّ إمكانيات عسكرية جوية.
وكتب الصحافي السوري الفلسطيني، راشد عيسى، على صفحته الشخصية على "فيسبوك": "تبدو كلمة مجهولة من أجل الحياد والموضوعية. مع أنهم لو تركوا الخبر بدون تلك الكلمة لما تغير المعنى، مثلاً: سقوط 12 قتيلاً في غارات جوية استهدفت قافلة. استخدام كلمة مجهولة هو تعمية، وتضليل، بل إيحاء بجهات غير النظام السوري أو الطائرات الروسية. هذا شغل خلايا نائمة في المحطة الفرنسية -الصديقة".


وتعدّ سقطة القناة الفرنسية واحدة من عشرات السقطات التي تسجّلها وسائل الإعلام الدولية في تعاطيها مع الملف السوري. لكنّ أكثرها كان من نصيب قناة "بي بي سي العربية"، والتي كان ينظر إليها، حتى وقت قريب، على أنها مدرسة في الصحافة.

وكانت قناة "بي بي سي" قد تحدثت في الثاني عشر من سبتمبر/أيلول الجاري عن زيارة رأس النظام السوري، بشار الأسد، لمدينة داريا، قائلةً إن "زيارته جاءت بعد إخراج آلاف من مسلحي المعارضة منها"، متغاضيةً عن عملية التهجير القسري التي قام بها النظام بحق الآلاف من أهالي المدينة، بعد سنوات من حصارهم وتجويعهم، وعن عمليات القصف التي أحالت المدينة إلى خراب.
ويأتي هذا على الرغم من تعرض القناة لموجة كبيرة من الانتقادات والاتهامات بانحيازها لطرف النظام السوري في تعاطيها مع الملف السوري، ولعلّ أبرز ما عزز هذه الاتهامات هو انتشار صورة التقطت لمراسلها في سورية، عساف عبود، مع ضباط من جيش النظام، في أحد أحياء مدينة حلب، ويظهر فيها مبتسماً بعد إحكام قوات النظام السيطرة على الحي.
وكانت القناة قد عرضت، في وقت سابق من العام الجاري، مشاهد لغارات جوية تعرضت بها مناطق سيطرة المعارضة في حلب على أنها من مناطق سيطرة النظام، ما أثار موجة غضب واسعة حينها، واعتذرت القناة عنها في وقت لاحق.

وتضع هذه "الهفوات" إن صح تسميتها بذلك، كبرى مؤسسات العمل الصحافي الدولي أمام تحدي الحفاظ على مصداقيتها أمام جمهورها العربي، وعدم السقوط في مستنقع التجاذبات السياسية والتخلي عن أبسط مبادئ العمل الصحافي.
من جانب آخر، وبعيداً عن السياسة واتهامات الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، يبقى السؤال هو، أين تقف وسائل الإعلام الدولي من القضايا الإنسانية؟ وهل يقبل أن تنقل وسائل الإعلام جريمة حرب موصوفة ارتكبت بحق جهات إنسانية محايدة بصورة مشوشة؟ وهل ترى هذه القنوات أن الوقوف بين الضحية والجاني هو الحياد؟