الصحافة الفرنسية: "الجمهورية المذبوحة" في حرب مفتوحة

28 يوليو 2016
ما بعد الجريمة (شارلي تريبالو/فرانس برس)
+ الخط -
تصدّرت صورة الأب جاك هارمل الصفحات الأولى للجرائد الفرنسية صبيحة اليوم التالي للجريمة الإرهابية التي وقعت في كنيسة سانت-اتيان-دو روڤاري قرب مدينة روان (Rouen) والتي تبنّاها تنظيم داعش في بيان بثّته وكالة أعماق التابعة للتنظيم. وإذا كانت الصدمة هي الحالة الأولى التي طغت على كلام الصحافة، فإنّ التحليلات ركّزت على الاستهداف الرمزي للكنيسة الكاثوليكية، وعلى مسيرة أحد منفذي الاعتداء الذي تمّ الكشف عن هويته.
على صفحتها الأولى، استخدمت "لو فيغارو" كما صحيفة مدينة نيس المحلية (نيس-ماتان) عبارة "اغتاله البرابرة" مرفقة بصورة الأب جاك هارمل، في حين اختارت "لا ديبيش" وضع صورة للكنيسة مع خلفية سوداء، ذيّلتها بعبارة "داعش يضرب الكنيسة". وبين عبارات "الرعب" و"باسم من؟" و"فرنسا في مواجهة الألم"، و"التدنيس المخجل"، حاولت الصحافة الفرنسية أن تختار كلماتها بعناية لكنّ تخبّطاً واضحاً ساد في تغطية الخبر العاجل، إذ انقسمت وسائل الإعلام إلى قسمين: لم يتردّد الأول في الإشارة إلى ذبح الأب هارمل، في حين استخدم الثاني عبارة "قتل" أو "اغتيال".

"لو بوان" كانت الصحيفة الأولى التي أعلنت عن "ذبح الكاهن في الكنيسة بعد احتجاز 5 رهائن" وحصل ذلك في تمام الساعة الحادية عشر وثماني عشرة دقيقة. ثلاث دقائق بعد خبر "لو بوان"، كتبت "الإكسبرس" على موقعها الإلكتروني "تمّ ذبح الكاهن وأحد المصلّين".
في المقابل التزمت صحف "لوموند"، "ليبراسيون" و"لوباريزيان" وأغلب المواقع الإلكترونية بمهنية الخبر فاستخدمت كلمات "قتل" و"موت" و"اغتيال" الأب هارمل، بانتظار تأكيد
الشرطة لملابسات الجريمة وتصريح كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية. وهو الأمر الذي حصل فقد تبنّت كل الصحف والمواقع الإلكترونية عبارة "ذبح الأب هارمل" بعد ظهر أمس، الكلمة التي كان وقعها ثقيلاً على مسامع الفرنسيين الذين ودّعوا بالأمس 84 ضحية في نيس قضوا "دهساً" على مرأى مئات المارة.

نشرت "لوموند" صباح أمس محاضر التحقيق الخاصة بقضية أحد منفّذي الاعتداء، وهو شاب يبلغ 19 عاماً، اسمه عادل كرميش، حاول الانضمام إلى الجهاديين في سورية مرتين في العام الماضي وتمّ إيقافه والتحقيق معه ليعاد إطلاق سراحه ويبقى تحت المراقبة القضائية.

وكشفت "لوموند" أنّ عادل كرميش سلك طريقاً جهادياً منذ مارس 2015، شهرين على اعتداء شارلي إيبدو، وتمّ تجنيده وهو لم يبلغ الثامنة عشر عبر شبكة الإنترنت. وتنقل الصحيفة عن النائب العام فرانسوا مولينز قوله "في مايو من العام الماضي لاحظ رفاقه في الثانوية غيابه بشكل متقطّع عن حضور الدروس اليومية. حاول كرميش الوصول إلى سورية عبر ألمانيا وسويسرا ثم تركيا لكن الأجهزة الأمنية في ألمانيا وتركيا رصدته وتمّ إعادته إلى فرنسا ليقضي عشرة أشهر في السجن".

وبحسب المحاضر التي نشرتها "لوموند" فإنّ الشاب كرميش "تعرّض لحالة اكتئاب في السجن ووصل به الأمر إلى محاولة الانتحار وعبّر مراراً عن رغبته في الخروج من السجن لملاقاة رفاقه مجدداً ومتابعة حياته الدراسية والزواج". في أكتوبر من العام نفسه قرّر الادّعاء إيكال القضاة بتحقيق يرتكز على دراسة شخصية كرميش ويتناول الجوانب النفسية والاجتماعية للشاب. توصّل القضاء إلى إمكانية خروج كرميش من السجن بعد إصراره في الجلسات الأخيرة على ترداد عبارة "لست متطرفاً، أنا مسلم عادي تربى على قيم الإخاء والتسامح" وبعد إعلانه عن رغبته بالعمل في مجال المتابعة السيكولوجية مدعوماً بإيمان أهله به وبقدرته على التخلّص من "تجربة الماضي".

وفي حوار أجرته "لوموند" مع الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، عبّر عن أسفه الشديد لما حصل ودعا إلى "عدم الرحمة مع الإرهاب الإسلامي". من جهتها دعت عضو الجبهة الوطنية ماريون لوبان إلى الانضمام إلى القوات العسكرية الاحتياطية كواجب وطني تفرضه الحرب مع داعش. الحرب التي وصفها الرئيس الفرنسي هولاند بالـ "طويلة" والـ"متعبة" في تصريحه عقب الجريمة.

حملات الإدانة الإسلامية للاعتداء الإرهابي كانت واسعة، عبّر عنها دليل بوبكر متحدّثاً باسم مساجد باريس والطائفة الإسلامية في الإليزيه "على مسلمي البلاد أن يرفضوا أي عمل يطاول مبادئ الجمهورية لأنّه يطاول أولاً وأخيراً حيواتهم وحرياتهم وحقوقهم". بدوره قال أنور كبيباش، رئيس المجلس الفرنسي للطائفة الإسلامية "إنهّ عمل بربري مدان، هدفه خلق أرضية آهلة لحرب أهلية دينية" وشدّد القول على مسلمي فرنسا "كل من يعتدي على مسيحي أو يهودي، فإنه يعتدي على الإنسانية جمعاء، فلنتوحّد ولننبذ كل الدعوات للعنف والقتل".


المساهمون