معركة الإعلام السوري في قلب محرقة حلب

06 مايو 2016
حول الناشطون الوسم إلى "الأسد يحرق حلب" (Getty)
+ الخط -
يخوض النظام السوري والمعارضة معركة أخرى موازية لمعارك السلاح، تدور رحاها على شاشات المحطات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول كل طرف أن يثبت أن الطرف الآخر هو من يستهدف المدنيين في المدينة المقسمة بين الجانبين، حيث تسيطر المعارضة على 60 بالمائة من المدينة في شطرها الشرقي، ويسيطر النظام على الباقي في الجهة الغربية.

ولعل أبرز محطات هذه المعركة الإعلامية استهداف مستشفى الضبيط الواقع في حي السبيل الخاضع لسيطرة النظام في غربي المدينة، والذي أوقع قتلى وجرحى، حيث سارع النظام ووسائل إعلامه إلى اتهام فصائل المعارضة باستهداف المستشفى بصاروخ محلي يدعى "حمم"، لكن سرعان ما اضطر للتراجع عن روايته، بعد أن ثارت تساؤلات حتى بين أنصاره حول مدى دقة هذا الادعاء، في ضوء أن الصاروخ المذكور لا يتعدى مداه 1.5 كلم بينما المستشفى يبعد 6 كلم عن أقرب موقع لقوات المعارضة.

ثم عدل النظام روايته ليتحدث عن استهداف المستشفى بـ"تفجير" من دون تحديد طبيعته. وجاء تعليق للدكتور سامي ضبيط، صاحب ومدير المستشفى على صفحته على "فيسبوك" ليزيد من الشكوك في رواية النظام، حيث اكتفى ضبيط بشكر من واساه بالحادث، بدون أن يشير إلى تعرض المستشفى لصاروخ أو قصف من المعارضة. وحتى في تعليقه الثاني الذي أراد نفي أن يكون قصد تحميل المسؤولية للنظام، لم يحمل ضبيط المسؤولية لأي طرف.

وأظهرت الصور التي نشرها إعلام النظام، حدوث أضرار كبيرة في المستشفى، الذي يقع في منطقة تعتبر محصنة أمنياً، لوجود فرع أمن الدولة وقصر المحافظ فيها.



من جانبهم، شكك ناشطون معارضون في حلب بصحة رواية النظام التي تأتي بعد الاستهجان العالمي لقصف طائرات النظام مستشفى القدس في شرقي المدينة الذي تشرف عليه منظمة أطباء بلا حدود، والذي أوقع خمسين قتيلا، بينهم طبيب الأطفال الوحيد في المدينة محمد وسيم معاذ، ما استدعى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن خصصت لضرورة تجنيب المنشآت الطبية عمليات القصف.

ورأى ناشطون أن الإحراج الذي تسبب فيه استهدافه لمستشفى القدس، دفع النظام للبحث في كل الاتجاهات لتبديد هذا الصورة بأنه يستهدف المدنيين والمراكز الطبية، فلجأ الى استهداف مستشفى يقع في مناطق سيطرته بهدف تمييع المشهد، والادعاء بأن الجماعات المسلحة تستهدف أيضًا المراكز الطبية بعد أن بدت روايته الأولى بأن جبهة النصرة هي من استهدف مستشفى القدس غير مقنعة لأحد.

وقال أحد الناشطين إنّ حجم الدمار في السيارات أمام المستشفى، والذي وصل حدّ التفحم، يبعد التهمة عن فصائل المعارضة إذ لا يمكن لقذيفة أو جرة غاز أو أي نوعٍ من أنواع الأسلحة التي تملكها قوات المعارضة أن تتسبب به، ويصعب على هذه الأسلحة أن تصل أسفل الشارع من بين الأبنية المرتفعة، ومن المنطقي أن تسقط فوق المبنى، وأن يكون الدمار الرئيسي في الأعلى وليس في الشارع.

ورأى أن تفحم السيارات يشير إلى أن الانفجار سببه سيارةٌ أو لغمٌ أرضي، مضيفًا أن المنطقة مطوقة بحواجز أمن الدولة ويستحيل مرور أي سيارة من دون علم الحواجز.

وقال الناشط الإعلامي هادي العبد الله، عبر صفحته في فيسبوك، إنّ "أقرب نقطة لمستشفى الضبيط تسيطر عليها فصائل المعارضة هي منطقة البحوث العلمية، وتبعد ستة كيلومترات عن موقع المستشفى" فيما نشر ناشطون في مجموعة "مراسل سوري" الإخبارية صورة تظهر ما قالوا إنه مصدر النيران المحتمل، وهو مدفعية حلب الجديدة التابعة لقوات النظام والتي تقع على خط نظر واحد مع المستشفى الذي أصيب من الطرف المواجه لها.

وفي السياق ذاته، يشير الناشطون إلى المجزرة المزعومة التي تحدث عنها النظام وأدت الى سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء قصف المعارضة لجامع الملخانة في منطقة باب الفرج، الواقعة تحت سيطرة النظام، وهي مجزرة لم يذكرها أحد سوى إعلام النظام والمرصد السوري لحقوق الانسان الذي تثار منذ زمن بين أوساط المعارضة شكوك كبيرة بشأن مصداقيته، علما أنه لم يتم نشر أي صورة أو فيديو للمجزرة المزعومة.


وفي سياق هذه الحرب الإعلامية، التي تميل الكفة فيها لغير صالح النظام بسبب مواصلة طيرانه قصف الأهداف المدنية في شرق المدينة، سعى أنصار النظام إلى استثمار التعاطف الدولي مع محنة حلب لصالح النظام، فعمدوا الى استخدام وسم "#حلب_تحترق" الذي لاقى انتشارا واسعا خلال الأيام الماضية محاولين تمييع الصورة، وتحميل مسؤولية قصف المدينة وتدميرها للمعارضة، وهو ما دفع أنصار الأخيرة الى تعديل الوسم ليصبح "الأسد يحرق حلب" بهدف تحديد الفاعل، وعدم ترك الجريمة دون عنوان.