مشهد الرعب والقمع اللبناني: النظام السوري فكرة

23 اغسطس 2015
قنابل غاز وخراطيم مياه على متظاهرين عُزّل (فرانس برس)
+ الخط -
عشرات آلاف المتظاهرين خرجوا ليقولوا لا. لا للفساد، لا للصفقات المشبوهة على حسابنا، لا للاستئثار بالسلطة. لم يكُن الأمر مجرّد أزمة نفايات أمس. عشرات الآلاف، وكثيرون منهم يخرجون للشارع للمرّة الأولى، خرجوا لإسقاط النظام، بسلميّة... ليجدوا أنفسهم في ساحة معركة.

حضّرت السلطات اللبنانيّة نفسها جيّداً للقمع. أسلاك وحواجز وجدران تُشيّد للمرة الأولى لمنع المتظاهرين من التقدم إلى ساحة النجمة (أمام مبنى البرلمان). حُصِر المتظاهرون في ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح (على بُعد أمتار من السراي الحكومي)، لأنّ السلطة تخاف من اقتراب مواطنين سلميين من مقرّات من يحرمون الشعب من حقّه في الانتخاب والمحاسبة والمشاركة في العمليّة السياسيّة.

إطلاق النار للمرّة الأولى كان من عناصر الجيش اللبناني، المتجمّعين أمام "الفيرجين" في ساحة الشهداء وسط بيروت. رصاص حي وقنابل غاز مسيّلة للدموع انهمرت على متظاهرين عُزّل تماماً. مشهد الرعب هنا، ليس كما ظهر على الشاشات. من وقف في الصفوف الأماميّة ليهتف بمطالبه، رأى الموت بعينيه. فعناصر الجيش لم تأبه للأعداد الكبيرة واستمرّت بإلقاء القنابل رغم عدم الاعتداء عليها. تدافع كبير من المتظاهرين ليهربوا من سموم الغاز، فتفرّقت مجموعات (عائلات، أصدقاء...) عن بعضها لوقت طويل وسط رصاص حيّ... ذلك هو الرعب بعينه.


"تشجّعت" القوى الأمنيّة الأخرى، فلم يُوفّر عناصر الأمن الداخلي المتواجدين في المكان أيّ طريقة لقمع المتظاهرين. اعتداءات وضرب واختطاف لمتظاهرين عُزّل يهربون من الغاز، رشق متظاهرين بالحجارة، عدا تصويب السلاح بوجه المتظاهرين وإطلاق النار.

تزامن مشهد القمع اللبناني أمس، مع مرور 10 سنوات على خروج النظام السوري في لبنان، لتعود هتافات "حُريّة، سيادة، استقلال" التي رُفعت في تظاهرات 2005 إلى ساحة الشهداء. دفع ذلك أحد المعلّقين على وسائل التواصل للقول: "النظام السوري فكرة، والأفكار لا تموت".





كُلّ هذا القمع موثّق بكاميرات هواتف المتظاهرين. آلاف الفيديوهات نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تُثبت كُلّ ذلك. لكنّ السياسيين اللبنانيين والقيادات، خرجوا إلى الشاشات، لينفوا علاقتهم بالأمر.

رغم تغطيتها الكبيرة للتظاهرات، فتحت القنوات اللبنانيّة الهواء للسياسيين. وزير داخليّة يقول إنّه "لا يعلم من أعطى الأوامر بإطلاق النار"، ثم يخبرنا كيف "تستعمل الدول الديمقراطية الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي ضد المتظاهرين". والنائب وليد جنبلاط يُلقي الاتهامات السياسيّة، بينما النائب نبيل نقولا يُعلن "تعليق عضويّته في البرلمان" (المُمَدد لنفسه والذي لا تنعقد جلساته أصلاً)... هي تصريحات غير مسبوقة من مسؤولين لا تحدث كُلّ يوم، فكيف نفوّت الفرصة؟


ليس مشهد القمع غير المسبوق أمس الوحيد المختلف. فقد اجتمعت قناتان لبنانيّتان لا تجتمعان على شيء. قناة "المنار" (حزب الله) وقناة "المستقبل" (آل الحريري) اجتمعتا على عدم دعم الحراك. على "المنار" تقول المراسلة: "العنف من الطرفين ما زال مستمراً"، بينما كان الاعتداء من قبل القوى الأمنيّة واضحاً على كُلّ الشاشات. أما "المستقبل"، والتي اتهمت المتظاهرين سابقاً بالانتماء لسرايا المقاومة (مليشيا تابعة لحزب الله)، فجالت على المستشفيات لتطمئنّ إلى أحوال عناصر القوى الأمنيّة، بدل التفتيش عن سلامة المتظاهرين.



اقرأ أيضاً: انتخابات نقابة المُحررين في لبنان: "أهلية بمحلية"
المساهمون