صدام الصحف والداخلية في مصر: عن البدلة الميري وأخواتها

21 ابريل 2015
تواصل الداخلية رفع الدعاوى ضد الصحف والصحافيين (Getty)
+ الخط -

بعد شهور عسل طويلة، بين وسائل الإعلام المصرية والنظام الحالي، ها هو هجوم مباغت تشنّه بعض هذه الوسائل ضد وزارة الداخلية المصرية.

وقال عضو سابق، في مجلس نقابة الصحافيين المصريين، إن ما نراه اليوم، ليس أكثر من صراع أجهزة داخل الدولة، "فجموع الصحافيين يعلمون، ويتحدثون علناً عن علاقة تربط بين بعض من أعدوا التقارير والتحقيقات المنشورة، وأجهزة أمنية في الدولة". وأضاف: "المقدمات واضحة، والنتائج ستتضح قريباً جداً، والتمهيد لتغيير كبير في واحد من أهم أجهزة الدولة القمعية، سيحدث عاجلاً، وقد بدأت مؤشراته".

من جانبه، لفت إعلامي مخضرم، في حديثه إلى "العربي الجديد" عن مفارقة ذات دلالة، حسب رأيه: "كثير من الوقائع، تم تسريبها للزملاء من داخل الجهاز الأمني نفسه، وبعضها من جهة قضائية"، مشيراً إلى صراع شبه معلن وخلافات داخل وزارة الداخلية، وبينها وبين مؤسسة القضاء من جهة أخرى.

"المصري اليوم" والبدلة الميري

لعلّ آخر هذه المواجهات كانت يوم الأحد الماضي بين مؤسسة "المصري اليوم"، التي أفردت صفحتين كاملتين في جريدتها المطبوعة، بعنوان "الشرطة شهداء وضحايا... ثقوب في البدلة الميري". الملف استعرض عدداً من التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبها جهاز الشرطة المصري، معتبراً أن "ممارسات الشرطة، السبب الأول لاندلاع انتفاضة الغضب ضد نظام حسني مبارك، وهى الآن البقعة التي تشوّه محاولات مصر بعد 30 يونيو/حزيران لبناء وطن قائم على العدالة والمساواة والكرامة وسيادة القانون، إذ يرفع بعض ضباط الشرطة شعار: للخلف در".

وقسمت الجريدة ملفها إلى عناوين فرعية "الشرطة في قبضة العدالة"، و"عنابر 5 نجوم للضباط المتهمين في السجون"، و"حاميها حراميها"، و"5 قضايا هزت عرش الداخلية"، وغيرها من العناوين الفرعية والحوارات القصيرة مع عدد من أهالي ضحايا الشرطة، ومسؤولين في الوزارة.

وانتقل الصراع الى وسائل التواصل أيضاً، حيث انتشر وسم  "#ثقوب_في_البدلة_الميري" للحديث عن الملف وانتهاكات الداخليّة، بينما أطلق مستخدمون مؤيدون للنظام المصري القائم وسم "#قاطعوا_المصري_اليوم" اعتراضاً منهم على فضح انتهاكات الوزارة أو حتى تسليط الضوء عليها.


غضب وزارة الداخلية

ومع صدور العدد الذي نشر الملف أصدرت وزارة الداخلية، بياناً للرد على الملف، قالت فيه "أولاً: تتحفظ الوزارة على ما تضمنته الصحيفة من تناولات غير مهنية لوزارة الداخلية، وتؤكد أنها ستتخذ الإجراءات القانونية قبل تلك التناولات. ثانياً: تؤكد وزارة الداخلية أنها تعمل لخدمة الشعب وتحت مظلة القانون. ثالثاً: إن الدافع وراء النشر هو سابقة قيام الوزارة بتقديم بلاغ ضد أحد المحررين في الصحيفة، ورئيس تحريرها آنذاك لنشر أخبار كاذبة تثير الرأي العام... حيث تم مثولهما أمام نيابة أمن الدولة العليا لسماع أقوالهما في البلاغ المشار إليه، وقررت النيابة إخلاء سبيلهما من سراياها بكفالة 5 آلاف جنيه لكل منهما، ومازال البلاغ قيد التحقيق"، بحسب البيان.

من جانبه، علق المستشار القانوني للجريدة، والمحامي الحقوقي المصري، نجاد البرعي، على ما دار بين الجريدة والوزارة، من خلال تدوينات على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلاً: "وزارة الداخلية قدمت بلاغا ضد رئيس تحرير "المصري اليوم" ومندوب الداخلية في الجريدة... وفي ظني أن الاجتماع الذي تم أمس بين رئيس الوزراء ووزير الداخلية والنائب العام، ربما من أجل ما كان معروفاً أن المصري ستنشره اليوم.. العبي يا ألعاب وفرحي الأحباب".

ثم علق ثانية في تصريح منشور في جريدة "المصري اليوم"، قائلاً "الدولة لم تتغير عما قبل يناير/كانون الثاني 2011، وما زالت وزارة الداخلية تتوقع أنه لن يتمكن أحد من أن يمسها، ولا بد أن تحقق الداخلية فيما نشر ضدها وأن تستخدم حقها في الرد على صفحات الجريدة"، مضيفا "ما نشر هو وقائع يجب أن ترد عليها، ولكن لو لجأت الداخلية للقضاء ستخسر".

كما علق رئيس قسم الحوادث في الجريدة، يسري البدري، قائلاً: "وزارة الداخلية تعلق فشلها على شماعة الإعلام بدلاً من مواجهة سلبياتها وأخطائها، واختارت الطريق الأسهل بمهاجمة الإعلام، وتحديداً "المصري اليوم" ولم يبق أمامها سوى مهاجمة الشعب نفسه".

أما منسق لجنة الحريات في نقابة الصحافيين المصرية، خالد البلشي، فقد اعتبر أن الوزارة تقدم درساً في الاستبداد وكيفية مصادرة الجهات التنفيذية لحرية الصحافة، مضيفاً "ملف "المصري اليوم" استند إلى وقائع حول فساد بعض الضباط بخلاف اتهامات التعذيب والتي وثقتها العديد من الجهات منها المجلس القومي لحقوق الإنسان والبلاغات الرسمية، وبدلاً من أن ترد الوزارة على الوقائع استندت إلى بلاغ سابق قدمته ضد الصحيفة والمحرر هو في حد ذاته استهداف لحرية الصحافة ومحاولة لتكميم الأفواه في محاولة للإيحاء بأن الموضوع كيدي"، على حد تعبيره.


الوطن.. الدستور.. البديل

ومن "المصري اليوم"، إلى جريدة "الوطن" المصرية، التي نشرت هي الأخرى تقريراً، على غير العادة، بعنوان "المتهمون يتساقطون في أقسام الشرطة.. والنيابة: تكدس بمصر القديمة"، قالت فيه إنه "للمرة الثانية خلال أسبوع، شهد حجز قسم مصر القديمة حالة وفاة". والصحيفة نفسها كانت قد اختارت عنواناً أو ملفاً مثيراً للجدل في شهر مارس/آذار الماضي وهو "13 جهة سيادية لا تدفع ضرائب موظفيها. الرئاسة والمخابرات والداخلية والدفاع في مقدمة المتهربين من الضرائب، والخسائر وصلت لـ7.9 مليارات جنيه (أكثر من مليار دولار)، والمالية: "ما تدخلوش عش الدبابير"... وهو المانشيت الذي دفع النظام إلى مصادرة الطبعة الأولى من جريدة "الوطن" الخاصة. وقد فهمت "الوطن" الدرس فاستبدلت المانشيت بآخر في طبعتها الثانية.

أما جريدة "البديل" فنشرت هي الأخرى ملفاً كاملا عن انتهاكات وزارة الداخلية، بعنوان "تعذيب وإرهاب المصريين على يد الشرطة المصرية"، والذي جاء فيه "تورط الجهاز الأمني للدولة في 228 حادث عنف، ووفاة أكثر من 70 مواطناً داخل أماكن الاحتجاز".

فيما سبق لـ "الدستور"، أن نشرت في صفحتها السادسة عشرة من العدد الصادر أول من أمس أي في 19 إبريل/نيسان تقريراً مفصلاً احتل الصفحة كاملة، أكدت فيه كذب وزارة الداخلية في التهم التي وجهتها لمندوب الجريدة، حسين محمود، المعتقل حالياً.

وأكدت الصحيفة أنها استخرجت الصحيفة الجنائية لمندوبها واتضح أنها نظيفة تماماً، وأنه لا يحمل أي سوابق كما ادعت وزارة الداخلية، مختتمة التقرير بـ "واقع الأمر الحقيقي أن الحشد المدجج من الشرطة هو رسالة للجريدة ولجميع الإعلاميين".

فهل بدأ المشهد الإعلامي في مصر يتغيّر حيث أن صراع الأذرع عاد إلى استخدام المؤسسات الإعلامية وتحديداً الصحف في حروبه الداخلية؟

إقرأ أيضاً: نقابة الصحافيين المصريين: لن نسمح بمصادرة الحريات
المساهمون