من الرعب إلى التحريض: الإعلام الغربي "جائع" للحرب

25 نوفمبر 2015
صحافيون يتجمعون للتغطية أمام مسرح الباتاكلان في باريس (Getty)
+ الخط -
من الصدمة إلى الرعب فالتحليل والتحريض.. تأرجح الإعلام العالمي على مدى الأسبوعين الماضيين. فجأةً، تصدّرت "داعش" المشهد الإعلامي في الغرب، وحازت على اهتمام أكبر من ذلك الذي حازت عليه تغطية ذبح الصحافي الأميركي، جايمس فولي، أو حتى اعتداءات "شارلي إيبدو" في العاصمة الفرنسيّة. كلّ ذلك مفهوم، نظراً لأنّ الاعتداء هذه المرّة تزامن مع اعتداءات في العالم أجمع بالإضافة إلى ارتفاع عدد ضحايا اعتداءات باريس. لكنّ ما حصل في الإعلام، تحديداً اليميني منه، كان فضيحة بكلّ المقاييس.

أجمعت وسائل إعلاميّة حول العالم على تسمية اعتداءات فرنسا، ليل الجمعة 13 تشرين الثاني/نوفمبر، بـ "سبتمبر 11 الفرنسي". وبينما بدأت التغطية العالميّة للحدث بالصدمة والإدانة للجريمة الإرهابية، انتقلت إلى حملات تحريض واسعة ضدّ العرب والمسلمين، واللاجئين. لكنّ الفرق بين الإعلامين الفرنسي والأميركي كان واضحاً.

الإعلام الأميركي: للتحريض عنوان

على "فوكس نيوز"، سيدة تقول "على عكس "القاعدة"، هؤلاء أشخاص يعيشون بيننا، وهذا على ما أعتقد أكبر تهديد هنا". على ABC رجل يتحدث عن أنّ "جهاز "أف بي آي" اعتقل، هذا العام، عشرات المناصرين لتنظيم "داعش". ما يعني أنّ التنظيم يجد تعاطفاً هنا يوميّاً".

لطالما حرّضت "فوكس نيوز" وMSNBC على المسلمين، لكنّ قناة "سي إن إن" كانت النجمة في أسبوعين. كميّة تحريض هائلة انتشرت على القناة، سأل مذيعان ضيفهما (المسلم) عن "مسؤولية المسلمين في ما يحصل في فرنسا والإرهاب في العالم"، وعندما قال، إنّ المسلمين ليسوا مسؤولين عن تصرّفات مجموعة وإنّ هذه المجموعة لا تُمثّلهم. سألاه "و"لماذا لم يكن أحد يعرف من المسلمين ما كان إرهابيو اعتداءات باريس ينوون القيام به؟، و"ما هي مسؤوليات المسلمين أمام هؤلاء الذين يحملون أسلحة ويقومون بجرائم قتل؟". كلمة "مسؤوليّة" انتشرت على القناة خلال طرح المواضيع عن الإسلام والمسلمين وداعش وهي في هذا السياق تحديداً، تساهم في تأجيج الرأي العام والإشارة إلى أنّ المسلمين جميعاً مسؤولون عمّا يفعله "داعش".



وظهر رجل أمني على قناة "سي إن إن" ليقول، إنّ التشفير كان سبباً في تقدم داعش ورمي الاتهامات على ما كشفه سنودن في تطوّر داعش". كما سأل مراسل القناة، الرئيس الأميركي باراك أوباما، "لماذا لا نقضي على هؤلاء الأوغاد؟". بينما سأل دون ليمون أحد ضيوفه (مسلم أيضاً) "هل تؤيد داعش؟" هذا عدا عن دعوة المذيعة كريستيان أمانبور إلى حرب أكبر في سورية. بينما سألت مذيعة موظفة حكومية في إحدى مدن ميشيغن: "هل أنتِ خائفة من كون المسلمين أغلبية في مدينتك؟"

اقرأ أيضاً: (فيديو) هكذا تُحرّض "سي إن إن" على المسلمين

لاقت هذه التغطيات غضباً واسعاً، فقال مايكل توماسكي في مقاله على موقع "ذا دايلي بيست": "هل سنُكرّر الأخطاء التي ارتكبناها بعد "سبتمبر 11"؟ إذا استمرّ الإعلام على طريقه هذا، يبدو أنّ الإجابة هي نعم". أما الصحافي في "ذا انترسيبت"، والحائز على جائزة "بوليتزر" غلين غريينولد، فاعتبر أنّ الإعلام "جائع للحرب"، وقال: "الإعلام الأميركي يستفيد من الحرب. أعداد هائلة تشاهده خلال الحرب، ويستطيع مراسلوه الذهاب إلى مناطق الحرب وارتداء بزّات الجيش. يعتبرون الأمر مثيراً، ويفوزون بجوائز بسبب ذلك. يشعرون أنّهم وطنيّون ويقولون للشعب أنّهم جزء من حرب لنشر الحرية والديمقراطية. يجعلهم ذلك يحسّون أنّهم جيّدون، وخصوصاً المراسلين. المراسلون لهذا وأكثر، جائعون (يتعطّشون) للحرب.



الإعلام الفرنسي: الإرهاب يطاول الجميع

لطالما كانت الصحافة الفرنسية عرضة للنقد بعد أي حدث يثير الإسلاموفوبيا في أوساط سياسية وثقافية وفكرية وغالباً ما كان المنتقدون ينطلقون من تعاطي الإعلام مع قضايا خلافية متعلّقة بالإسلام والهجرة والاندماج. ولم يكن أكثر المتشائمين في الشارع الفرنسي ليتوقّع تعرّض البلاد لأحداث دموية، كتلك التي وقعت في الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني، فأصبحت التغطية الإعلامية الفرنسية التي تلت الأحداث محطّ أنظار وتحليلات صحف ومواقع عالمية ركّزت في جزء كبير منها على اجتذاب المواقع الإلكترونية والقنوات الفرنسية لعدد كبير من المشتركين والمتابعين في الأيام العشرة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: أطرف 5 ردود على اتهام المسلمين بالإرهاب

الإحساس بالمسؤولية يبدو كبيراً هذه المرة لدى الصحافة الفرنسية، خصوصاً أنّ فئة لا بأس بها في المجتمع ستسعى جاهدة لاستغلال أحداث باريس لتسويق برنامجها السياسي-الفكري القائم على بث الكراهية تجاه المسلمين في فرنسا وستحكم العلاقة بين مسلمي هذه البلاد وباقي مكونات المجتمع مستقبل النظام السياسي، كما سترخي بظلالها على العلاقات الخارجية مع دول الجاليات العربية والإسلامية بشكل عام والمغاربية بشكل خاص. ويمكن في هذا الإطار فهم الدعوة التي أطلقها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في خطابه الأخير أمام الجمعية الوطنية والتي جاء فيها بصريح العبارة "علينا أن لا ننجر إلى أي فعل معاد للإسلام، العنصرية مرفوضة والإسلاموفوبيا كذلك".



الدعوة التي أطلقها هولاند لاقت صدى إيجابياً في الإعلام الفرنسي، فركّزت معظم البرامج التي عرضت على القنوات الفرنسية، في الأيام الأولى، التي تلت الأحداث الأليمة، على تحليل ظاهرة تحوّل بعض مسلمي فرنسا إلى الحالة الجهادية، وجانبت في قراءات تحليلية مواضيع متعلّقة بالهوية والتهميش وسوء تعاطي الحكومات الفرنسية المتعاقبة مع الجاليات المغاربية، واستضافت في استديوهاتها محلّلين وكتّاباً ومفكّرين فرنسيين من أصول عربية (أنور بن مالك، الطاهر بن جلون، زياد ماجد...) كما قدمت على الهواء شخصيات تمتلك ثقة كبيرة في الشارع الفرنسي، كلطيفة بن زياتن – والدة الجندي الفرنسي الذي قضى في عمل إرهابي سنة 2012 في تولوز- وآخرين عملوا على تصويب النقاش في الساحات العامة عبر ندوات وبرامج إذاعية أو محاضرات في الجامعات.

وفي السياق ذاته، عرضت بعض الصحف كيومية "لوموند" و"لوباريزان" وبعض الصحف الأنجلوسكسونية الناطقة بالفرنسية (slate وrue 89) تقارير رسمية مستقاة من إفادات مواطنين أو مستندة إلى محاضر الشرطة القضائية، فيها بعض الممارسات التي تعرّض لها مسلمون في فرنسا بعد أحداث باريس.

اقرأ أيضاً: بروباغندا "داعش": التنظيم يتجمّل في مناطقه

ومن ضمن الممارسات الإسلاموفوبيا التي ذكرت هو لجوء بعضهم إلى رسم صلبان حمراء على حائط مسجد مدينة كريتيل (Val-de –Varne) ورمي لحم الخنزير أمام مسجد مدينة بونتارلييه (Pontarlier)، إضافة إلى عبارات تدعو إلى الكراهية والانتقام مثل "الموت للمسلمين" و"عرب إرهابيون" على جدران مبنى بلدية إيفرو (Evreux).

الصحافي في 20 minutes ويليام مولينيه، غرّد على حسابه في "تويتر": "أصبح بعضهم هنا في الشارع يستند إلى طريقة لبس الآخرين لاتهامهم بالإرهاب. رأيت اليوم شرطياً باريسياً يتلقى عشرات التقارير والإفصاحات الكاذبة بشأن بلاغات مواطنين فرنسيين خائفين من سيدات محجبات أو شبان في زي إسلامي". على فرانس 24 عرضت القناة تقريراً عن تعرّض مواطن فرنسي من أصول مغاربية لإهانة من مسنة فرنسية في الميترو الباريسي RER A، كما نشرت صحيفة ليبراسيون تعرّض سيدة محجبة لاعتداء لفظي في الباص رقم 72 في باريس. وأضافت الصحيفة "اقترب منها وسألها رافعاً سبابته في وجهها "هل تعرفين العلمانية؟"، فردّت عليه سيدة فرنسية، كانت تجلس بالقرب منها "وهل تعرف ما هو الغباء؟".

أما صحيفة الأبوسرفتور، فقد نشرت مادة عن تزايد الإسلاموفوبيا كرد فعل على أحداث باريس ودعت على لسان رئيس الجمعية الإسلامية-الثقافية في مدينة بونتارلييه إلى نبذ كل أشكال التعصب ورفض الدعوة إلى معادة المسلمين واعتبارهم إرهابيين.



اقرأ أيضاً: لماذا على المسلمين ألا يعتذروا عن اعتداءات باريس؟