كل الطرق لم تكن تؤدي إلى 3 يوليو

21 يناير 2015
الدكتور البلتاجي والمحامي عصام سلطان وراء القضبان
+ الخط -

(1)

خبر لم يحدث:

اجتمع مساء أمس الأحد 1 أبريل/نيسان 2012 ممثلو المنسحبين من اللجنة التأسيسية للدستور (الأحزاب المدنية، شباب الثورة، الكنيسة، الأزهر)، مع ممثلي لجنة الدستور على رأسهم د.محمد البلتاجي، عصام سلطان.

انتهى الاجتماع بابتسامات ومعانقات، فقد تمت الموافقة على مطالب المنسحبين، وهي جعل التصويت على المواد بأغلبية الثلثين، واستبدال 20 اسماً من اللجنة لضمان تمثيل متوازن، وعدم سيطرة تيار بعينه.

صباح اليوم الإثنين أعلن حزب النور انسحابه، معتبراً أن الإخوان قد خضعوا لمطالب "العلمانيين"، وأن ما حدث سيؤدي إلى إلغاء المادة 216 المفسرة لمبادئ الشريعة.

الدكتور البلتاجي في أول رد فعل إخواني قال: "نتمسك بوجود حزب النور، لكننا لن نقبل أن تنجرف اللجنة إلى لعنة الاستقطاب الإسلامي العلماني الذي نعاني منه منذ استفتاء مارس"

وأشار البلتاجي أيضاً إلى أنه سيتم عقد اجتماع مصالحة مماثل مع أعضاء اللجنة الفنية الاستشارية للدستور، والذين كانوا قد أعلنوا استقالتهم جماعياً بدورهم، ومن أبرز أعضائها د.هبة رؤوف، حمدي قنديل، د.حسن نافعة، د.أحمد كمال أبو المجد.

(2)

الطريق إلى 25 يناير

مسيحي يسكب المياه ليتوضأ المسلم، فتاة غير محجبة تغني فيكتفي الملتحي بغضّ بصره باسماً. كانت هذه الصورة المثالية للميدان الجامع "للشعب" نتيجة تراكم سنوات أوصلتنا لإجابة واضحة على سؤاليّ الثورة والدولة.

سؤال الثورة: من عدونا؟ نظام حسني مبارك، بفساده واستبداده، وسؤال الدولة: ماذا سنفعل بعد إسقاط مبارك؟ سنقيم دولة مدنية نتشارك في حكمها وإصلاحها.

هذه الإجابات المشتركة كانت بعيدة جداً في السبعينيات التي شهدت معارك دامية بين الإسلاميين واليساريين في الجامعات، كما شهدت اغتيالات وتفجيرات من أجل إقامة "الدولة الإسلامية".

تدريجياً اقتربت الإجابات. خلال الثمانينيات والتسعينيات تم عزل يمين التيار الإسلامي ممثلاً في تنظيمات العنف التي سحقتها الدولة، وممثلاً أيضاً في المدرسة السلفية التي اعتبرت الانتخابات حرام من حيث المبدأ.

وفي المقابل تم عزل اليمين المدني الرافض جذرياً للإسلاميين، والذي تحول إلى مجموعة من المسنين البائسين، الذين دخلوا حظيرة وزارة الثقافة تحت أمر الوزير الفنان فاروق حسني، أو دخلوا حظيرة مجلس الشورى في حضن صفوت الشريف.

تدريجياً قام الطرفان بخطوات لبناء الثقة. الإخوان، الذين أصبحوا الممثل السياسي الوحيد للإسلاميين، أصدروا بيانات متتالية ترفض العنف، وتؤيد الحريات المدنية، حقوق المرأة والأقباط والأفراد، وكرروا رغبتهم في عصر يسود فيه شعارهم "مشاركة لا مغالبة"، ولذلك كانت بياناتهم بأيام الثورة تتعهد بعدم الترشح على أكثر من 30 % من مجلس الشعب.

أما تطبيق "الشريعة" وبناء "الدولة الإسلامية" فكانت أفكار لا تُذكر رسمياً إلا بصورة مؤجلة تماماً وغامضة للغاية، وبالطبع لم يكونوا يصفون منافسيهم السياسيين بكلمة "العلمانيين" ذات المعنى السيئ في الوجدان الجمعي للإسلاميين.

على الجانب الآخر، أنجبت القوى المدنية أخيراً وجوهاً مختلفة. حركة "كفاية" جمعت رموز هذا التيار الرافضين للحظائر، كما تجمع شبابه في عدة حركات أبرزها 6 أبريل، وكلهم رحبوا، بل طالبوا، بمشاركة الإخوان بكل الفعاليات، وكلهم لم يقصروا في إدانة محاكمات مبارك العسكرية للإخوان، أو رفض تزوير الانتخابات ضدهم.

إذا شاهدت صور حفل إفطار الإخوان السنوي، سترى أكبر تجمع سياسي في مصر. أصبحت الإجابات محسومة عند الجميع..

(3)

يبدو أننا ننجح

منذ تجربة التحالف الأولى في انتخابات 1984 التي تحالف بها الإخوان مع حزب الوفد، وحتى انتخابات 2012 التي ترشح بها رموز حزب الكرامة، حزب حمدين صباحي، على قوائم الإخوان، ومروراً بالشراكة الكاملة في جمع توقيعات "بيان التغيير" الذي أطلقه البرادعي عام 2010، وجد الطرفان أن كلاهما يمكن أن يربح، ويربح معه المجال السياسي بشكل عام.

كان مدهشاً ومبهجاً دخول عنصر آخر من خارج اللعبة القديمة، وهو حشود من ملايين الشعب غير المسيس سابقاً، تم اجتذابه لمطالب وهتافات الميدان العامة.

ورغم الخلافات بين الإخوان والحركات الشبابية في فترة المجلس العسكري، مع ترك الجماعة للميدان، وهجوم قطاع واسع من الإسلاميين على المتظاهرين بوصفهم بلطجية أو منحلين أخلاقياً أو أطراف مؤامرة، إلا أن المشهد كان يحمل زخمه، الذي شهد صحوته الأخيرة مع الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة.

رفع الإخوان شعاراً "قوتنا في وحدتنا"، خرجوا بمسيرات تهتف هتافات الثورة، اجتمع مرسي في فندق فيرمونت مع عدد كبير من الرموز الإعلامية والسياسية، تم توقيع وثيقة من ستة بنود، تشكلت على إثرها "الجبهة الوطنية"، وظهر بعدها مرسي بينما يقف خلفه كل هؤلاء في رسالة واضحة.. سنستمر في طريقتنا التي أثبتت نجاحها.

(4)

إنذار من الشعب ..

كشفت نتائج الانتخابات عن مفاجأة كبرى: 49% من الشعب المصري فضلوا انتخاب أحمد شفيق.

شفيق الذي قدّم نفسه بصراحة تامة، بكونه ممثل النظام القديم، والذي رفض بإصرار أن يسمي ما حدث "ثورة"، والذي كرر مراراً امتداحه لمبارك، والمتهم بالفساد، والذي توعد الثوار والمتظاهرين بقبضة صارمة فور فوزه..

هذا الـ "شفيق" كان معروضاً أمام الشعب في مقابل محمد مرسي، نظيف اليد، الذي لم يكن يمثل نفسه أبداً وقتها، بل كان الإخوان ينشرون بكثافة صور مؤيديه من مختلف "رموز الثورة". أذكر جيداً الدعاية المليئة بصور وائل غنيم، علاء الأسواني، بلال فضل..إلخ.

نصف الشعب قال لنا بوضوح: لا نريدكم جميعاً يا كل قوى التغيير! لا نريدكم كلكم، بشبابكم وكباركم، بإسلامييكم ومدنييكم!

واكتشفنا في مظاهرة المنصة الهائلة لأنصار شفيق للمرة الأولى أن الفريق الآخر يمكنه الحشد مثلنا، ويبدو أنها كانت لحظة الاكتشاف بالنسبة لهم أيضاً. سيستخدمون آليات الثورة لوأد الثورة، سيغادرون الكنبة مرة واحدة ليضمنوا العودة لها إلى الأبد، وهو ما سيصل بنا في النهاية إلى أحد أبرز جوانب مشهد 30 يونيو.

كان هذا هو أهم تحدٍ على الإطلاق للإخوان بصفتهم النظام الحاكم، ثم لكل من يحسب نفسه على يناير بشكل عام. المنطق يقول إنه كان يجب فهم وتفهم أسباب تأييد نصف الشعب لممثل النظام القديم، ومحاولة تغيير ذلك بأساليب عملية وذكية، وبالطبع كان منطقياً أنه يجب التمسك بالتحالف الذي أدى إلى الفوز بالكاد بنصف الأصوات.

لكن بدلاً من ذلك قرر الإخوان محو هذه اللحظة الفارقة من وعيهم تماماً، والبدء دائماً من نقطة أننا الأغلبية ومعنا "الشعب"، وأي صوت آخر هو مجرد أقلية تافهة من مضللين، ومأجورين، وعلمانيين!

حتى الآن ما زال هناك إخوان يعتبرون أن حشود مظاهرات 30 يونيو كانت "فوتوشوب" وخداع من المخرج خالد يوسف، كأن 13 مليون مواطن انتخبوا شفيق منذ البداية، وقبل كل ما حدث في عهد مرسي، لا يمكنهم ملء كل ميادين البلاد!

ماذا تعرفون عن المنطق؟

(5)

إنذار من الدولة...

التحدي الثاني المفترض كان نظام مبارك المنتشر في مختلف مؤسسات الدولة، ليس أشخاصاً فقط بل عقلية كاملة، وبدلاً من دراسة كيفية التعامل مع المؤسسات، وتجارب الدول الأخرى في إصلاحها أو احتوائها، والتعديلات المطلوبة في القوانين وآليات الإدارة، واكتساب التوافق الوطني حول ذلك، والصراحة مع الشعب والحلفاء السياسيين، فَضَّل مرسي التعامل بنظام "المطيباتي"!

اختار التوافق مع هذه المؤسسات نفسها، وظن أن إغداق التطمينات لها، كمواد الجيش غير المسبوقة أبداً في الدستور، وأيضاً محاولة اختراقها بتطويع بعض القيادات، كافٍ لضمان استخدامها كأداة في يده. ظل مرسي يمتدح شرطته وجيشه وقضاءه حتى آخر يوم، بينما بقي الحديث عن "المؤامرة" مبنياً للمجهول.

حدث ذلك رغم أن الدولة لم تقصر في إظهار سوء نيتها، منذ أصدر المجلس العسكري قبل أيام من الانتخابات إعلاناً دستورياً ينتزع بعض صلاحيات مرسي، وحتى دعمت أطراف في الداخلية والحرس الجمهوري محاولة الانقلاب في أحداث الاتحادية حسب الرواية الإخوانية.

لا أؤيد شخصياً هذه الرؤية، لكن من الغريب للغاية أن تقول روايتك أن هناك محاولة فاشلة تمت للانقلاب، ثم لا تفعل أي شيء بعدها مطلقاً سوى امتداح المتهمين بالقيام بهذا الانقلاب، وتخفي كل المعلومات عن شعبك وشركائك فلا تتحدث عن الموضوع أبداً، بينما تشغل أنصارك بمعارك عبثية مع السياسيين والإعلاميين، حتى تكرر نفس الجهات محاولتها وتنجح!

(6)

خيرت الشاطر في وقت أبو الفتوح ...

بدلاً عن توسيع التحالف للتركيز على تحديات الشعب ومؤسسات الدولة سالفة الذكر، قررت الجماعة إلقاء شعار "قوتنا في وحدتنا" في أقرب سلة مهملات لترتفع مكانه شعارات "إسلامية إسلامية".

كانت الجماعة تحمل داخلها منذ البداية بذور هذا التوجه، منذ سنوات طويلة سيطر خلالها تيار تنظيم 65 على مفاصل الجماعة الدعوية والتربوية، فحافظ على بقاء خطاب "الإصلاحيين" التوافقي مجرد قشرة لا تصل إلى العمق.

لم يدرس الإخوان في "الأسر" التنظيرات الفقهية والفكرية التي تواكب التغير الحركي السريع للجماعة، وهذا مما سهل إسقاط هذا التغير فوراً والعودة إلى الأصل.

داخلياً كان الرد على تساؤلات الشباب المتحمس يحمل فقط فكرة التأجيل، سواء بسبب وضع الشعب "هدفنا المجتمع المسلم قبل الدولة المسلمة، وهذا سيستغرق سنوات طويلة، كي يؤهل الشعب للحكم بالإسلام"، أو بسبب وضع الجماعة "نحن الآن في موضع استضعاف، وفقه الاستضعاف في مكة غير فقه التمكين في المدينة"، لذلك لم يكن من الصعب إقناعهم أن وقت السعي من أجل "التمكين" قد حان.

خرج المهندس خيرت الشاطر من السجن ليجد واقعاً متغيراً، فيه قوى سياسية متنوعة وذات شعبية، وفيه أيضاً ممثلون آخرون للإسلاميين. كان خياره هو أولوية السيطرة على المجال الإسلامي العام، فأسس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي ضمت أطيافاً سلفية مع الإخوان، ودعم التحالف مع حزب النور والجماعة الإسلامية، وبالتالي خضع الإخوان باستمرار لكل مزايدة إسلامية من حلفائهم الذين كانوا تقليدياً أكثر تشدداً، ودوامة المزايدة بطبيعتها لا تنتهي.

لذلك حين وصلنا لحظة الاختيار الحاسمة في لجنة الدستور؛ إما الإسلاميون الحليف الجديد، وإما القوى المدنية الحليف التاريخي، اختارت الجماعة طريق خيرت الشاطر، بالضبط في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إلى طريق أبو الفتوح.

لم يغير من هذا الخيار تعهد مرسي كتابياً سابقاً لحلفاء اجتماع فيرمونت بتغيير تشكيل اللجنة.. لم يكن القرار بيده على أي حال. (وفيما بعد حلت الجبهة الوطنية نفسها بعد تجاهل الرئيس وجودها أصلاً).

تدريجياً تعمق التصعيد ضد "العلمانيين"، "أعداء المشروع الإسلامي"، و"بلطجية حمدين والبرادعي". رفعت الحشود في مليونية "الشرعية والشريعة" صور نفس الرموز المؤيدة لمرسي سابقاً، وعلى رقابهم مشانق مع هتاف "اضرب يا ريس".

حتى وصلنا أخيراً إلى مشهد مهرجان الاستاد، حيث ينشد الآلاف والدموع في أعينهم أمام الرئيس "لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلماً... زحفاً جنود الله عادت تنطلق من مسجدي..."، ودعا الشيخ محمد عبد المقصود - بينما يردد الحضور آمين - بإهلاك العلمانيين الذين سيتظاهرون في 30 يونيو.

ثم يندهشون للغاية من رفض معارضيهم الوقوف معهم.. على كل حال لماذا يحتاج "جنود الله" لمن يقف معهم من "العلمانيين"؟

كان مشهد الاستاد يليق بالنهاية.. أراد الإخوان أن يكون المشهد مخيفاً جداً لمعارضيهم، كي لا ينزلوا إلى الشارع، فكانت النتيجة عكسية تماماً: لقد كان المشهد مخيفاً جداً إلى حد أنهم نزلوا جميعاً...

في تقريره المهم المنشور في منتدى العلاقات العربية والدولية، "الخروج من الميدان" - والذي تواردت بعض أفكاره هنا - يشير الصديق الكاتب بلال علاء، إلى زاوية خطرة أخرى:

"أصبح أمام الثورة المضادة، للمرة الأولى، ما كانت تفتقده من البداية: عدو واضح وصريح، يمكن الحشد إعلاميا ضده، كان التنوع والاختلافات الكثيرة وقت الثورة، ما صعب المهمة على إعلام مبارك وأجهزة أمنه، أن يصنع وحشا مخيفا من كل هؤلاء، المهمة أصبحت أسهل، ولم يحاول الإخوان مساعدة أنفسهم. بالوقت، ومع المعارك المتتالية مع بقية معسكرات الثورة كانت شيطنة الإخوان أسهل وأسهل".

(7)

مغالبة لا مشاركة

قبل أسبوع واحد فقط من إصدار مرسي إعلانه الدستوري، دعا أبرز الرموز السياسية، أبو الفتوح وحمدين والبرادعي وعمرو موسى، إلى لقائه في القصر، للنقاش حول لجنة الدستور، كما التقى عدداً كبيراً من النشطاء والشباب، وخرجوا جميعاً يمتدحون كلام الرئيس الإيجابي للغاية.

وبالتوازي مع ذلك نشطت الهيئة الاستشارية لمرسي في عقد لقاءات مع ممثلي مختلف القوى، وقد حضر اثنان منهم شخصياً، وكان يسود الجو روح متفائلة، واتفق الحاضرون بمن فيهم ممثلو الإخوان على العديد من الأمور.

فجأة صدر الإعلان الدستوري كصفعة قاسية على وجوه الجميع. وزادت الصدمة بمعرفة أن الرئيس حتى لم يسأل مستشاريه - الذين استقالوا جماعياً بعدها - ومنهم د.سيف عبد الفتاح، مستشاره السياسي الذي قال وقتها إن هناك من يدير مؤسسة الرئاسة في الخفاء. وزير العدل، ونائب الرئيس أيضاً نفوا أي علم لهم.

قررت الجماعة أن تفرض صيغتها الخاصة للـ "مشاركة" وهي تعني أن نقوم بما نريد ثم تتبعونا... فقط!

الرسالة واضحة: كل ما تقومون به، كل كلامكم ولقاءاتكم مع مرسي، كل شيء بلا أي قيمة بما فيه كلام مرسي نفسه، إلا ما يخرج من مكتب الإرشاد... لكن عليكم أن تخضعوا لنا!

يتباكى أنصار الإخوان طيلة الوقت على موقف رافضي الإعلان الدستوري، من دون أي فهم لأن أسلوب خروجه المستفز سياسياً - فضلاً عن مجموع مواده الأخرى المرفوضة - لم يترك خياراً للجانب الآخر غير ذلك، بمن فيهم من بُحت أصواتهم في الهتاف سابقاً ضد النائب العام.

نتذكر هنا أن مرسي أقال طنطاوي وعنان قبلها وحظي بتأييد واضح، مثلاً علاء عبدالفتاح كتب أن القرار "نصر يستحق الاحتفال"، واعتبرته جميلة إسماعيل "إنجازاً"، وكتبت نوارة نجم قصة نزولها إلى التظاهر مع الإخوان أمام الاتحادية لدعم القرار.. بالطبع لم يقم أحد في الجماعة بمحاولة فهم سبب تحول نفس المؤيدين السابقين إلى معارضين، إلا بالتفسير السهل: علمانيون!

(8)

موسم العودة إلى الحظيرة

فجأة وجد قطاع كبير من التيار المدني أنفسهم مكشوفين تماماً..

من جانب يتلقون تهديدات معسكر الإخوان، مع أطيافه الأكثر راديكالية ورعباً كأنصار حازم أبو اسماعيل والجماعة الإسلامية، وطبعا لم يقصّر الأخ عاصم عبد الماجد في دوره كفزاعة، وكانت شعبيته وسط مظاهرات الإخوان، لا تخفى على أحد.

ومن جانب آخر يتلقون مزايدات أبناء تيارهم، خاصة ممن رفضوا جذريا دعم مرسي من البداية، وبعضهم فلول أقحاح، وبعضهم أصحاب مشروع أصيل في إفشال مرسي واستدعاء الجيش قبل كل شيء، الفاشلون والاستبداديون التاريخيون، أبناء مدرسة رفعت السعيد، وحضن صفوت الشريف، كان صوتهم خافتاً في وقت رفع "قوتنا في وحدتنا"، لكن أصواتهم ارتفعت بلا حدود الآن.

ومن جانب ثالث وجدوا أنفسهم فقدوا القاعدة الشعبية المعبرة عنهم.

هم لا يملكون تنظيماً قوياً، بل فقط يطلقون النداء. لم تعد الحشود من الجماهير الراغبة بالتغيير، حشود ميدان التحرير، التي تنزل بالنداء الشعبي العام من قوى الثورة، لأنه لم تعد هناك أصلا "قوى ثورة"، ولأن نظام مرسي أصبح مصدر غموض وقلق لا اطمئنان، أصبحت هذه الحشود السابقة أكثر ارتباكاً وتشتتاً.

في المقابل ظهرت حشود أخرى مختلفة، حشود تبدو قادمة من منصة مؤيدي شفيق، يغلب عليها المزاج المعادي للثورة، الترحم على أيام مبارك، أيام الاستقرار وقوة الشرطة والدولة. حشود تستخدم نفس أسلوب حشود الإخوان بطريقتها، التخوين مكان التكفير، "خائن" بالضبط في موضع "علماني"، ضد أي شخص يفكر بأي تقارب مع الإخوان، وهو ما أضاف المزيد من الضغط بالغ القسوة.

يحكي حمدي قنديل بحزن كبير عن الإهانات التي تعرض لها لأول مرة في حياته كلها، من الشباب المتحمس الذي حمله ذنب مسؤولية انتخاب مرسي، وفي المقابل تعرض لإهانات لا تقل قسوة من أنصار مرسي أيضاً.

اختار بعض شباب ورموز هذا التيار الانسحاب والانعزال، تعبوا من شيطنتهم من نوعيّ الحشود، بينما اختار غيرهم العودة إلى الخيار الأسلم: التحصن بحشود أنصار النظام القديم، واستدعاء الجيش، وهذه المرة كان الاستسلام الكامل، إلى حد تجاهل رموز هذا التيار، وهم داخل الحكومة الضغط للإفراج عن شباب تيارهم وأبناء أصدقاء عمرهم، المعتقلين بالقانون الذي أصدروه!

تم إغلاق الحظيرة بإحكام هذه المرة..

(10)

مراجعات أم تراجعات؟

أخيراً أصبحت الرواية السائدة عند الطرفين، أن موضع خطئهما هو بالضبط ما كان موضع قوتهما.

المراجعة الأكثر انتشاراً بين شباب الإخوان، هي أننا كان يجب أن نعتقل حمدين والبرادعي و"النوشتاء" - كما يسمونهم ساخرين - منذ البداية، ونغلق القنوات والصحف، ونؤسس حرساً ثورياً مسلحاً ليقاوم الجيش والشرطة. كان يجب أن يستجيب مرسي لهتافنا "اضرب يا مرسي"، ونعلن دولة إسلامية مع شركائنا الإسلاميين، أما كل تاريخ التعاون الماضي فقد كان خدعة كبيرة منهم.

وعلى الطرف الآخر نفس الخطاب: أخطأنا حين دعمنا مرسي، كنا مغفلين حين تحالفنا مع الإخوان، هم متطرفون إرهابيون طيلة عمرهم...إلخ.

لا يفكر كلاهما أنه لو كان المسار اختلف في أي فرصة مصيرية، منذ اجتماع ممثلي لجنة الدستور مع المنسحبين، وحتى الوساطة الأوروبية الأخيرة، والتي وثقت "رويترز" أنها توصلت بالفعل لاتفاق بين الدكتور سعد الكتاتني والأحزاب المدنية قبل أن يُفشلها مرسي، لو فقط تغير الطريق في أي مفترق، لكنتم حتى الآن تتغازلون كشركاء الثورة والدولة.

(11)

خبر لم يحدث:

انتهت بسلام مظاهرات الأمس 30 يونيو بحضور بضعة آلاف من المتظاهرين.

يُذكر أن البلاد كانت على حافة انفجار سياسي، قبل أن ينزع فتيل الأزمة اتفاق أوروبي في 7 أبريل/نيسان الماضي، بفضل جهود المبعوث برناردينو ليون.

نص الاتفاق على تغيير النائب العام، ورئيس الوزراء، مع خمسة وزراء تم استبدالهم بتكنوقراط غير حزبيين، والاستجابة لملاحظات المحكمة الدستورية على قانون الانتخابات البرلمانية (كان مجلس الشورى قد أرسل لها النص حاملاً نفس أسباب الرفض القانوني السابقة، فتكرر الرفض).

ستشارك الأحزاب خلال أيام في الانتخابات البرلمانية، وأصدرت بياناً مشتركاً يرفض مظاهرات 30 يونيو، ويصف المحرضين عليها بالشباب غير المسؤول، وبالداعمين بجهلٍ مؤامرةً تستهدف استقرار البلاد.