السعودية.. حملات تبرع وهمية تجمع 100 مليون ريال

17 أكتوبر 2014
أطفال يتبرعون لحملات في السعودية (العربي الجديد)
+ الخط -

خلال جولة بسوق "الثقبة" للأثاث المستعمل في الخبر، شرق السعودية، فوجئ علي الخياط بأثاث بيته الذي تبرع به لصالح الفقراء بوساطة جميعه خيرية سعودية، يباع أمامه.

"لم أصدق أن ما تبرعت به سيذهب لجيوب المحتالين" يقول الخياط لـ"العربي الجديد"، ويكمل حديثه معنا ممتعضاً مما حل به "لم أكن أعرف الجمعية التي تبرعت لها، إذ وجدت حاويات عملاقه لجمع التبرعات عليها أرقام التواصل بها، تواصلت مع مسؤول آسيوي الجنسية ودفعت 250 ريال قيمة نقل الأثاث للجمعية، لأجد ما تبرعت به معروضاً في محل بيع أثاث مستعمل بالسوق ".

"ليس هذا فقط"، يكمل الخياط، "بل كان موعد البيع ذاته هو اليوم الذي تبرعت فيه بالأثاث. ويتابع "ثبت لي أنهم أخذوا الأثاث مني واتجهوا به مباشرة لسوق الأثاث المستعمل، حاولت الاتصال بهم مرة أخرى لكن أرقامهم تم إلغاؤها".

"هذه الحالة ليست يتيمة"، هكذا يرى أمين عام جمعية البر بالمنطقة الشرقية، الدكتور عبدالله القاضي، قائلاً لـ"العربي الجديد" "كثير من الحاويات المنتشرة في الشوارع ليس لها علاقة نهائياً بالجمعيات".

خاطب القاضي الجهات المختصة لإيجاد حل للمشكلة، إلا أن التوسع في تلك المؤسسات الخيرية الوهمية يزيد يوماً بعد يوم في السعودية، كما يقول. ومؤخراً أغلقت مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي) قبل أيام، حساب الداعية السوري عدنان العرعور، بعد جمعه تبرعات غير مرخصة تم وضعها في حسابه الشخصي، وهو ما يعد التحرك الوحيد للجهات الرسمية للتصدي لظاهرة الجمعيات الخيرة الوهمية.

100 مليون ريال تجمعها الحملات الوهمية

خلال العامَين الماضيَين قامت وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية (المخولة بمتابعة نشاط الجمعيات الخيرية) بإغلاق 41 حملة تبرع وجمعية خيرية وهمية، فيما صادرت 20 مليون ريال حصل عليها القائمون على هذه الجمعيات بالاحتيال.

وعلى الرغم من وجود أكثر من 700 جمعية خيرية مرخصة في السعودية، إلا أن كثيرين ينخدعون بعشرات الجمعيات الخيرية الوهمية التي لا وجود لها.

مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية كشف لـ"العربي الجديد" أن تقريراً خاصاً، أعدّته الوزارة، يؤكد على أن 100 مليون ريال (26.5) مليون دولار، من إجمالى أموال أموال الزكاة والتبرعات والصدقات التي تصل إلى 26 مليار دولار، يستولي عليها محتالون يختبئون خلف جمعيات وهمية.

وأضاف المسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية -رفض ذكر إسمه- أن أكاديمية سعودية واثنين من أشقائها يخضعون للمحاكمة، أمام المحكمة الجزائية في جدة، بتهمه إنشاء جمعية وهمية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، جمعوا بواسطتها أكثر من أربعة ملايين ريال استقرت في جيوبهم الخاصة.

العقوبة المفترضة

يدخل أصحاب حملات التبرع الوهمي تحت مسمى جرائم (النصب والاحتيال)، وسرقة أموال الناس بالباطل في السعودية، كما يؤكد المستشار القانوني أحمد الراشد لـ"العربي الجديد" .

ويعاقب القانون السعودي على الجريمة السابقة بالسجن لمدة 15 عاماً، ولا يشمل المدانين أي عفو، ويقول الراشد "تعد الجريمة من الجرائم الموجبة للتوقيف الفوري". ويتابع قائلاً لـ"العربي الجديد"، "إذا ذهبت الأموال لجهات خارجية إرهابية تدخل القضية تحت قانون مكافحة الإرهاب، وتراوح العقوبة فيه مابين 15 عاماً و25 عاماً من السجن، بحسب نوع الدعم المقدم".

وعلى الرغم من التحذيرات الرسمية، التي أطلقتها الجهات الرسمية مراراً وتكراراً، لاتزال الجمعيات الوهمية نشطة، وهو ما دفع بالمفتي العام للمملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، إلى إصدار فتوى رسمية بتحريم التعامل مع الجمعيات غير المعروفة، قائلاً " لا يجوز التبرع إلا لمن لديه ترخيص، وينبغي التأكد من المتبرّع لهم، والجهة المتبرع لها والتأكد منها، وأنها لا تشكّل خطراً علي الأمة، أو تعين الجماعات الإرهابية". وتابع "أخشى من عدم وجود ترخيص أنه خائف من شيء".

وقبل أسابيع، جددت وزارة الداخلية تحذيراتها من أن "تقديم التبرعات لأفراد وجهات غير موثوقة أو نظامية، وفي حال جمع القرائن بشأن جمع التبرعات من غير المخولين بذلك، سيوقع صاحبها للمسائلة القانونية والعدلية"، وهي تحذيرات يشدد الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، حمود الزيادي، على أنها "تهدف إلى حماية المواطنين وحماية أموالهم، خاصة أن البعض يستغل حالة التعاطف من جانب السعوديين مع الشعب السوري مثلاً، ويجمع أموالاً يتم إنفاقها في طرق غير شرعية كدعم الجماعات المتطرفة على سبيل المثال".

محتالون في كل مكان

بحسب بيانات رسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية يوجد في السعودية 49 جمعية، تشرف على مجموعة دور لرعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، و629 جمعية كبيرة تدعم من الدولة ، و317 فرعاً لجمعية خيرية في مختلف مناطق السعودية، فيما بلغت عدد لجان التنمية الخاصة بالجهات والنواحي 352 لجنة، و6 فروع تابعة لها، إضافة إلى 165 جمعية تعاونية، ومع ذلك تعج مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الحملات المجهولة للتبرع للسوريين وغيرهم، منها من ينتسب لجمعيات خيرية، مثل (جمعية رعاية الأيتام في عرعر - شمال السعودية) التي حاول محرر التحقيق الاتصال بها، ولكن لم يرد أحد على الأرقام التي نشرت في إعلاناتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد التقصىي وراءها من قبلنا ثبت أنها غير مرخصة .

ليست جمعية رعاية الأيتام في عرعر الوحيدة، ففي وقت سابق ألقت شرطة الرياض القبض على حملة وهمية للتبرع للاجئي سورية، بعد أن وزع المحتالون عبر برنامج (واتس آب) والجوال رسائل للمواطنين تحثهم على التبرع، وهو ما أوقعهم بيد الشرطة، إذ اعترفوا في التحقيقات أنهم يقومون بوضع تلك التبرعات لحسابهم الخاص.

موقف الحكومة

شجع تأخر الحكومة السعودية في التدقيق على نشاطات حملات التبرع والجمعيات الخيرية كثيرين على التكسب من وراء الأمر، ويؤكد المحاضر بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم، ياسر المهنا، أن السلطات لم تبدأ الرقابة على هذه الأنشطة المالية إلا منذ عام 2011 بالإضافة إلى القيام بتعديلات قانونية تتعلق بسير العمل المصرفي والمالي لسد أي ثغرات يستغلها هؤلاء".

ومن الإجراءات الجديدة الصارمة التي طبقتها الجهات الرسمية، لمراقبة الحركة المالية للجمعيات الخيرية، تحديد حساب مصرفي واحد يشغل من قبل عضوين من مجلس إدارة الجمعية فقط، بعد الحصول على موافقة أمنية وأخرى من مؤسسة النقد السعودي، لفتح الحساب.

الشؤون الاجتماعية تتبرأ

بشكل رسمي تبرأت وزارة الشؤون الاجتماعية من الحملات الوهمية التي نشطت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تدعي مساعدة اللاجئين في سورية أو بورما، مؤكدة على أن الجمعيات السعودية الرسمية غير مخولة بالتبرع للخارج، وأكدت وزراة الشؤون الاجتماعية لـ"العربي الجديد" على لسان المتحدث الرسمي باسمها، خالد الثبيتي، أنه لا يسمح للجمعيات الخيرية المعتمدة بالقيام بحملات تبرع للخارج.

ويضيف "لا يمكن لأي جمعية لا تحمل تصريحاً بالعمل في السعودية الحصول على تبرعات، ونحن لسنا مسؤولين عنها، فالتعليمات واضحة، كل التبرعات توجه للداخل فقط، عدا جمعية أواصر التي تساعد السعوديين في الخارج". وتابع "وزارة الداخلية وهيئة التحقيق والدعاء العام هي الجهات المنوط بها مراقبة هذه الحملات الوهمية".

"غير أن هذا لم يمنع كثيرين من الوقوع في الفخ"، كما قال عضو مجلس الشورى السابق والمختص في شؤون العمل الأهلى الخيري، نجيب الزامل لـ"العربي الجديد".

ولفت الزامل إلى أنه ليس غرض كل التبرعات الوهمية سياسياً، بل مجرد أشخاص يسرقون مال المتبرع، كما هو حال الجمعية التي أنشأتها الأكاديمية وإخوتها في جده، لجمع تبرعات وهمية لصالح ذوي الاحتياجات الخاصة".

ويتابع الزامل "البعض يجمع التبرعات لإرسالها لأماكن مشبوهة، هناك كثير من الأموال جمعت وأرسلت للجهات الإرهابية، ولهذا فالغرب يتهمنا بدعم الإرهاب، وهي تهمه صحيحة وغير صحيحة، لأن الأموال فعلاً سعودية، ولكن غير صحيح أن الدولة تعلم عن هذه الأموال، لأنها تحاربها وتحاول الحد منها".

ويشدد الزامل على أن هناك أسباباً كثيرة لنهب الـ100 مليون ريال سنوياً من أموال المتبرعين، قائلاً "نمو العاطفة الدينية سبب رئيس، والدولة ساعدت في ذلك نوعا ما، عندما شجعت نوع معين من التدين، وشجعت الصحوة الدينية، وهو ما لا تقوم به حالياً".

ولا يتوقع الزامل أن تنتهي الظاهرة سريعاً، لأن كثيرين يغريهم المال السهل، وأكثر منهم من يقعون فريسة العاطفة ويتبرعون بمبالغ يرونها بسيطة، ولكن عندما تجتمتع معاً تشكل الملايين.

دلالات