مثّل نصر السادس من أكتوبر عام 1973 مرحلة فارقة في التاريخ المصري المعاصر؛ إذ أزال مرارة الهزيمة والانكسار، وتحققت خلاله معجزة عسكرية بعبور خط بارليف المنيع، الأمر الذي جعل ذكرى النصر مناسبة رسمية لا يمكن لأي رئيس أن يتخلف عنها لإلقاء خطاب يمكن عبر تحليله وقراءته معرفة توجهاته وفهم منطلقاته السياسية الداخلية والخارجية، وهو ما تعمل هذه المادة عليه عبر مقارنة الخطابات الأخيرة لثلاثة رؤساء مصريين (حسني مبارك ومحمد مرسي وعبدالفتاح السيسي)، في محاولة لتسليط الضوء على أولويات كل نظام في مراحل: ما قبل ثورة يناير 2011، وما بعدها، ومرحلة ما بعد الانقلاب العسكري منتصف 2013.
ملامح عامة لكل خطاب
توجد ملاحظات عامة في خطابات الرؤساء الثلاثة، إذ ربط كل من مبارك والسيسي بين الحرب وبين دورها في تحقيق السلام وحفاظ مصر عليها، بينما لم يتكلم مرسي عن اتفاقية السلام في خطابه، كذلك كان خطاب مرسي عام 2012 طويلا للغاية مقارنة بالكلمات المسجلة لكل من مبارك والسيسي، إذ قاربت كلمة مرسي على ساعتين إلا ربع الساعة، وربما كان هذا لكون خطابه جماهيريا حضره عشرات الآلاف، بخلاف الخطابات المسجلة، كما مثّل كل خطاب طبيعة المرحلة التي يمر بها، فبينما بدأ مرسي خطابه بالهتاف الشهير "ثوار أحرار هنكمل المشوار"، مؤكدا بذلك أنه امتداد للثورة، ركز السيسي على دور وسائل الاتصال الحديثة في نشر الشائعات، فيما بدت كأنها إشارة إلى ما ينشره المقاول والفنان محمد علي عن الفساد في إدارة المال العام ودور عائلة السيسي في النظام المصري، بينما كان خطاب مبارك يتحدث برسائل محددة تشير إلى ثقته في استقرار النظام السياسي.
من جهة أخرى، انقسمت كلمة مرسي إلى عدة أقسام بدأت بالحديث عن النصر، وربَطَه بتكاتف الشعب مع الجيش، لكنه ركز في هذا القسم على أهمية وحدة المجتمع بكل مكوناته، وشدد على مفهوم تكاتف المصريين، في انعكاس واضح لحالة الانقسام السياسي التي كانت ملمحا لتلك المرحلة من حكمه، ثم انتقل للحديث عن الإنجازات الاقتصادية وشدد فيها على ترسيخ مواجهة الفساد بالقانون ورفض الإجراءات الاستثنائية، وختم خطابه بتفنيد ما يقال بحقه في وسائل الإعلام خاصة ما يتعلق بالجوانب المالية.
بينما كانت كلمة مبارك عام 2010 تتحدث عن النصر، ثم القضية الفلسطينية، ورؤيته لمحددات حل الخلافات بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، وختم حديثه برؤيته لشكل مصر كدولة مدنية حديثة، في حين ركزت كلمة السيسي منذ يومين على مواجهة مصر لحرب عبر وسائل التواصل الحديثة، بعد الإشادة بدور القوات المسلحة في تحقيق النصر.
كيان الاحتلال في الخطاب
تجنب كل من مرسي والسيسي ذكر اسم دولة الاحتلال الإسرائيلي طوال الخطاب، سواء بالسلب أو الإيجاب، مع الاكتفاء بالحديث عن استرداد العزة والكرامة بالنصر، بينما تحدث مبارك عنها عدة مرات في سياق تحميلها مسؤولية انتكاسات عملية السلام عبر "احتلالها للأراضي العربية (فلسطين وسورية ولبنان) وقمع الفلسطينيين بقوة السلاح"، كما لفت إلى سعي مصر لـ"عدم انهيار المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على صخرة المستوطنات"، معتبرا المستوطنات الإسرائيلية أكبر خطر يحول دون الوصول إلى اتفاق بين الطرفين، وختم خطابه بالتوجه إلى القوات المسلحة قائلا: "السلام تحميه القوة، وأنتم درع الوطن وحماة السلام".
فلسطين والقضايا العربية غياب أم حضور؟
كان ملفتا أن السيسي لم يتحدث إطلاقا عن أي دور لمصر في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأي أرض عربية، وتحدث مرسي باقتضاب عن "أن قيام مصر بإعانة الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، واجب عليها، مؤكدا التزامه الدائم بدعم القضية الفلسطينية، ونفى نية نظامه التنازل عن جزء من سيناء لتوطين سكان من غزة بها" كما تحدث عن الشعب السوري ومشاركته في حرب أكتوبر، ليشير إلى مشاركة مصر لهم "حتى تتحقق لهم الحرية والكرامة".
بينما كان خطاب مبارك أكثر تحديدا فأشار إلى سعي مصر لـ"سلام عادل ودائم وشامل ينهي احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، ويعيد الحقوق لأصحابها، ويضع نهاية لمعاناة الشعب الفلسطيني، ويقيم دولته المستقلة عاصمتها القدس الشرقية بمسجدها الأقصى وحرمه الشريف". وحدد مبارك رؤية مصر للمفاوضات بأن تركّز على "قضية رسم الحدود الدائمة لدولة فلسطين المستقلة على أساس حدود عام 1967، وهو ما سيسهم في حل باقي المشكلات بما فيها قضية المستوطنات" كما لم يغفل الداخل الفلسطيني، فتحدث عن الانقسام وأمل مصر في إنهائه، لـ"دعم المفاوض الفلسطيني وقضيته العادلة".
رسائل الداخل
تحدث مبارك عن أهمية تماسك الشعب، وإن "تعددت الرؤى حول المستقبل، نلتقي حول ما يجمعنا لا ما يفرق بيننا، ونعلي جميعا مصلحة الوطن"، وأشار إلى أن مصر خاضت معركة ضد الإرهاب والتطرف، وأنها نجحت في إنجازات في شتى قطاعات الإنتاج والخدمات، من دون ذكر أرقام محددة.
في حين اهتم السيسي بالأزمة الداخلية الحالية، فركّز على تغيّر "وسائل الحرب، التي أصبحت تستهدف الروح المعنوية للشعوب من خلال وسائل الاتصال الحديثة، عبر إثارة الشك والحيرة وبث الخوف والإرهاب، كما تستهدف تدمير الثقة بين المواطن ومؤسساته الوطنية، وتصوير الدولة كأنها هي العدو، وتصبح الجهات الخارجية التي تشن الحرب كأنها هي الحصن والملاذ، وفي تلك الحرب التي تعتمد على الأكاذيب والشائعات يكون النصر فيها معقودا على وعي كل مواطن".
أما مرسي فقد تزامن خطابه عن النصر مع نهاية برنامج الـ100 يوم الأولى من حكمه، فعرض ما تم تحقيقه خلالها في خمسة ملفات "الأمن والوقود والنظافة والخبز والمرور" بأرقام تفصيلية ونسب إنجاز ما تحقق في هذه الملفات خلال هذه الفترة، مركزا على الشهرين اللذين أعقبا تشكيله حكومة في 2 أغسطس 2012، وهذا التفصيل يختلف عن الخطابين الآخرين، وقد يكون مفهوما في ظل حالة التركيز الإعلامي على ما تم إنجازه في هذا البرنامج، بالإضافة لكون الخطاب جماهيرياً، وربط مرسي ما قام به من إجراءات استهدفت تغيير أفراد في الجهات الرقابية بحالات فساد، مؤكدا أن المستحقات المالية المتأخرة أو المنهوبة ستعود، ولا تهاون في ذلك. كما أكّد التزام مؤسسات الدولة بتوفير حياة كريمة لمصابي وأسر شهداء حرب أكتوبر وكل من ساهم فيها، وكذلك لأسر شهداء ومصابي ثورة يناير، معتبرا إياها العبور الثاني.