ويجب على المترشح للانتخابات الجزائرية المزمع إجراؤها في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، تقديم قائمة تتضمن 50 ألف توقيع فردي على الأقل لناخبين مسجلين في قائمة انتخابية، ويجب أن تُجمع عبر 25 ولاية على الأقل (من أصل 48) وينبغي ألا يقل العدد الأدنى من التوقيعات المطلوبة في كل ولاية من الولايات المقصودة عن 1200 توقيع، وفق المادة 142 من قانون رقم 19-08 المتعلق بنظام الانتخابات المؤرخ في 14 سبتمبر/أيلول الماضي. لكن صعوبة جمع بعض المتقدمين لهذا العدد من التوقيعات، جعل بعضهم يعمدون إلى تزوير الاستمارات، وفق ما يوثقه هذا التحقيق.
تزوير استمارات الترشح للرئاسيات
أثبت مندوبو سلطة الانتخابات في ولاية سوق أهراس، واقعة التزوير في 30 استمارة، تم تعبئتها عن طريق الحاسوب دون حضور أصحابها، وهو ما أكده رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي في مؤتمر صحافي في 17 أكتوبر الماضي، مشيرا إلى أن أربعة موظفين في فرع البلدية بحي درايعية في سوق أهراس، أُودعوا الحبس المؤقت في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد ضبطهم في حالة تلبس بتزوير الاستمارات لصالح المترشح فارس مسدور، وفق تأكيد منادي.
وفي رده على الواقعة، يقول فارس مسدور لـ"العربي الجديد" إنها محاولة لإقصائه. فيما نفت المتهمة الرئيسية في القضية فاطمة دعاس رئيسة الفرع البلدي بحي درايعية (قبل حبسها) تهمة التزوير، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن القضية تعود إلى خطأ ارتكبه أحد الأشخاص، إذ قام بجلب 30 استمارة للفرع البلدي من أجل المصادقة عليها، فبدل أن يكتب اسم الناخب الذي منحه التوقيع في الخانة المخصصة كتب اسم المترشح مسدور.
وأضافت: "عندما كنا ندقق على الحاسوب في المعلومات الشخصية للناخبين الواردة أسماؤهم على الاستمارات داهمتنا الشرطة وأوقفتنا بحجة أننا نقوم بتزوير الاستمارات"، بينما يرى رئيس بلدية سوق أهراس، مصطفى رواينية: أن "الحادثة فردية"، مؤكدا لـ"العربي الجديد" توقيف المتورطين عن العمل تحفظيا لحين إصدار العدالة قرارها النهائي.
وتم إقصاء 17 ملفا بسبب عجز المتقدمين للترشح للرئاسيات، عن جلب العدد الكافي للاستمارات والمقدرة بـ 50 ألف استمارة لكل مرشح، فضلا عن تقديم استمارات لأشخاص ما دون سن 18 سنة واستمارات بأسماء مكررة وفق تأكيد شرفي، موضحا أن المتقدم للترشح بلقاسم ساحلي رئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري، أكثر مرشح ألغيت استماراته المقدرة بـ 48 ألف من مجموع 66 ألف استمارة، منها 1693 مكررة و73 استمارة لأشخاص أقل من 18 سنة وباقي الاستمارات فارغة. لكن ساحلي يقول لـ"العربي الجديد" إن استماراته سليمة، مضيفا أنه تقدم بطعن رقم 01 إلى المجلس الدستوري في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ورفض المجلس الدستوري تسعة طعون قضت بموجبها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، برفض ترشيحات لانتخاب رئيس الجمهورية، لعدم التأسيس وعدم استيفائها الشروط الجوهرية المتضمنة في المادتين 139 و142 من القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، المعدل والمتمم وفق بيان المجلس المنشور في 9 نوفمبر الجاري، مؤكدا الموافقة على القائمة النهائية للمترشحين لانتخاب رئيس الجمهورية البالغ عددهم خمسة مترشحين.
وبعد الفصل في الطعون، قرر المجلس الدستوري الموافقة على القائمة النهائية للمترشحين لانتخاب رئيس الجمهورية المقرر يوم 12 ديسمبر 2019، مرتبين حسب الحروف الهجائية لألقابهم على النحو التالي: "بلعيد عبد العزيز، بن فليس علي، بن قرينة عبد القادر، تبون عبد المجيد، وميهوبي عز الدين" وفقا للمصدر ذاته.
وأكد المكلف بالإعلام في السلطة المستقلة للانتخابات علي ذراع لـ"العربي الجديد"، أن جهاز العدالة رافق عملية جمع الاستمارات، مضيفا أنه تم كشف التزوير في ولاية سوق أهراس فقط، لكن التحقيق مستمر في القضية.
كيف تتم عملية التزوير؟
تُزوَّر الاستمارات من خلال تعبئتها بالمعلومات الشخصية دون علم المواطنين ثم القيام بالتوقيع عليها في مقار البلديات، وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية المعارض عبد الله جاب الله (ترشح في رئاسيات 1999 و2004).
وتوجد في الجزائر 1541 بلدية كلها تشهد مراكز لتوقيع الاستمارات، بحسب تأكيد أستاذ القانون في جامعة باتنة الحكومية نجيب بيطام، والذي دعا في إفادته لـ"العربي الجديد" إلى تشديد الرقابة على البلديات، لأنها المعني الرئيسي بالمصادقة على الاستمارات.
ويؤكد الوالي الأسبق لوهران، بشير فريك، لـ"العربي الجديد" أن الولاة هم من يراقب عمل البلديات، وفي حال حصول تزوير، على الولاة تقديم شكاوى لدى جهاز العدالة ضد الأعوان، أو الأشخاص المنتخبين داخل المجالس البلدية المتورطين في التزوير، مشيرا إلى وجود وسائل أخرى لتزوير الاستمارات، إذ تقوم أحزاب محسوبة على السلطة في الجزائر والتي لديها أو تدعم مرشحين للرئاسيات ولديها منتخِبون في البلديات تستعين بهم لتزوير استمارات الترشح من خلال تعبئة هذه الاستمارات بأسماء مواطنين من سجلات الحالة المدنية والقيام بعدها بالمصادقة عليها، وأحيانا أخرى تجري تعبئة الاستمارات بأسماء الموتى، حسب قوله.
مساعدات رمضان
قامت خمس بلديات وهي الجزائر الوسطى، وندرومة غربي الجزائر، وبرحال في الشرق، وبلديتا قرارة وغرداية في الجنوب، بوضع إعلانات تدعو المواطنين إلى تسجيل أنفسهم للحصول على مساعدة مالية لشهر رمضان 2020، وفق ما وثقه معد التحقيق.
وتزامن وضع الإعلانات مع فترة جمع استمارات الترشح التي بدأت يوم 16 سبتمبر/أيلول واستمرت حتى 24 أكتوبر الماضي، رغم أن البلديات كانت تفتح التسجيلات لإعانة رمضان قبل حلوله بثلاثة أشهر، بحسب تأكيد سعيدة بن حبيلس رئيسة الهلال الأحمر الجزائري والتي تقول لـ"العربي الجديد" إن التسجيل بدأ هذه المرة مبكرا لتفادي التأخير في منح الإعانة.
وتطلب البلديات من المعوزين تقديم ملف يحوي نسخة من الهوية، إضافة إلى استمارة فيها جميع المعلومات الشخصية، وفق ما وثقه معد التحقيق. وتستخدم مثل هذه الممارسات لاستقطاب المواطنين، ومن ثم أخذ معلوماتهم دون درايتهم، بحسب فريك.
تزوير قديم جديد
كشف الحراك الجزائري الذي اندلع منذ 22 من فبراير/شباط، أكبر عملية تزوير للاستمارات، وفق بشير فريك الوالي الأسبق لوهران، الذي يؤكد أن أحزاباً سياسية كانت قريبة من السلطة، ادعت جمع خمسة ملايين استمارة لصالح الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لترشيحه لولاية خامسة، موضحا بالقول: "لدي معلومات أن هذه الأحزاب لجأت إلى الإدارات العمومية لتعبئة استمارات بأسماء مواطنين من دون علمهم، وبحكم تجربتي في التسيير لا يمكن جمع خمسة ملايين استمارة خاصة"، مضيفا أن الجزائريين كانوا رافضين لفكرة العهدة الخامسة. فكيف لهم أن يمنحوا توقيعاتهم لترشح بوتفليقة؟
وتم إيقاف حابي حموش الأمين العام لبلدية حيزر بمحافظة البويرة الواقعة شمالي الجزائر من طرف والي الولاية مصطفى ليماني، يوم 24 فبراير 2019 بسبب تورطه في توقيع ألفي استمارة لمصلحة بوتفليقة من دون أن يحضر أصحابها، بحسب فريك. وهو ما أكده المكلف بالإعلام في ولاية البويرة لطرش لعجال لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن ما قام به الأمين العام عمل غير لائق، ما استدعى توقيفه فورا. ورفض حموش التعليق على القضية، رغم أن هذا التزوير تسبب بخروج سكان بلدية حيزر للاحتجاج آنذاك، وفق ما وثقه معد التحقيق.
وتنص المادة 222 من قانون العقوبات على أنه "كل من قلد أو زور أو زيف رخصا، أو شهادات أو كتابات أو نشرات أو إيصالات أو جوازات سفر أو أوامر خدمة أو وثائق سفر أو تصاريح مرور أو غيرها من الوثائق الإدارية التي تصدرها الإدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية من 1500 إلى 15 ألف دينار جزائري (حوالي 12.52 إلى 126 دولاراً أميركياً).
وأشاد أستاذ القانون بيطام، بالإجراءات الردعية التي حملها قانون العقوبات ضد كل من تسوّل له نفسه القيام بالتزوير، سواء في الاستمارات أو في وثائق أخرى وفق قوله، مؤكدا أن تزوير الاستمارات يعد ظاهرة قديمة متجددة في الجزائر، مشيرا إلى أنه لأول مرة يتم توقيف المتورطين وإدخالهم السجون.
صعوبة الحصول على التوقيعات
يعمل متعاطفون مع المرشحين أو أصدقائهم أو مناضلين في الأحزاب على جمع الاستمارات. لكن مرشحون للرئاسيات، اعتبروا إلزامية جمع الاستمارات عائقا أمامهم، ومنهم المتقدم للترشح المحامي أحمد بوحجلة (مستقل) الذي واجه صعوبات في تنقل المواطنين الذين يمنحونه توقيع على الاستمارات إلى مقار البلديات، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه في بعض مناطق الجزائر توجد تقاليد بعدم السماح للمرأة بالخروج والتنقل إلى الإدارات باعتبار أن الرجل هو الذي يقوم بذلك "هذا العائق واجهته وحرمني من جمع استمارات بأسماء النساء. أرجو أن يعيدوا مراجعة قانون الاستمارات" يقول بوحجلة.
ويضيف المكلف بالإعلام في السلطة المستقلة للانتخابات، أن عملية الحصول على التوقيعات ليست سهلة، ويتمكن من ذلك من لديه شعبية ومعروف لدى المواطنين.
وتبدو صعوبة عملية جمع الاستمارات وفق ما يظهر في مقطع مصور داخل المنظمة الوطنية للمجاهدين التابعة لوزارة المجاهدين في مدينة ذراع بن خدة بولاية تيزي وزو شرقي الجزائر، اقتحمه مواطنون ليكتشفوا تسجيل مسنين هناك وإيهامهم أن الأمر يتعلق بالسكن. بيد أن الهدف من ذلك هو تعبئة الاستمارات لمصلحة المترشح عز الدين ميهوبي، وفق ما جاء في الفيديو الذي تداوله نشطاء على موقع فيسبوك في 24 أكتوبر.
لكن عز الدين ميهوبي، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، نفى علمه بالموضوع، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الاستمارات التي تحصل عليها هي بفضل المناضلين والشباب الذين وضعوا فيه الثقة، كما يقول.
واستدعت الواقعة فتح تحقيق في القضية، كما يقول الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، محند واعمر بن حاج، موضحا لـ"العربي الجديد" أن المجاهدين لا يدعمون أحداً في رئاسيات الجزائر.