الإرهاب في سيناء... إعادة إنتاج دورة التطرف في المناطق "المحررة"

05 أكتوبر 2019
مواجهة الإرهاب في سيناء تحتاج إلى مقاربات مختلفة (Getty)
+ الخط -
جمع الثلاثيني المصري مروان سواركه أشلاء صديقه صالح سلامة ابريك، بعدما قتل في تفجير انتحاري قرب كمين يقع إلى جانب موقف سيارات، وسط مدينة الشيخ زويد في 18 يوليو/تموز 2019، عقب دقيقتين من جلوسه في مقهى مجاور لموقف السيارات كما يقول.

ويعد ابريك واحدا من بين 11 مدنيا قتلوا في حوادث إرهابية أدت إلى إصابة 32 آخرين، كما جرى اختطاف 12 مدنيا وذبح 4 على الطريق الدولي العريش القنطرة، بينما قتل 4 ضباط و14 جنديا من الجيش والشرطة، وفق ما رصده معد التحقيق عبر بيانات المتحدث العسكري للقوات المسلحة ووزارة الداخلية المصرية الصادرة في إبريل/نيسان 2019 وحتى يوليو/تموز.

وتأتي هذه الهجمات المتصاعدة والمتنوعة بين استهداف ارتكازات أمنية واختطاف مدنيين، "بعد هدوء صاحب عملية عسكرية واسعة بدأت قبل عام ونصف العام"، حسب العميد السابق والخبير الأمني رشدي فخر الدين غانم والذي سبق وأن عمل في العريش، والذي يعتمد في ما قال على إعلان الجيش على لسان متحدثه العسكري العقيد تامر الرفاعي إحكام قوات الجيش قبضتها على مداخل ومخارج مدن شمال شرق سيناء (الشيخ زويد ورفح والعريش)، وتطهيرها من المسلحين بعد تكثيف القوات حملاتها البرية والجوية وخاصة على الشريط الساحلي والظهير الصحراوي، لكن هجمات عناصر تنظيم "داعش" عادت للمناطق التي سبق وأن وصفها الرفاعي بأنها أصبحت خالية من الإرهاب، وتهيئتها جارية لأعمال التنمية، ضمن الإعلان عن نتائج المرحلة الثانية من العملية الشاملة، (سيناء 2018)، مؤكداً تطهير مدن الشيخ زويد ورفح والعريش من الإرهابيين تماماً، وتدمير المراكز الرئيسية التي تنتشر فيها الجماعات الإرهابية، ضمن إحكام السيطرة على كافة المحاور الرئيسية والفرعية في مناطق الشيخ زويد وتدمير معظم عربات الدفع الرباعي التي تستخدمها الجماعات الإرهابية، وفق ما جاء في بيان رسمي صدر في أغسطس/آب من العام الماضي.


تطمينات ووعود فارغة

"المناطق التي شهدت هجمات مسلحة مؤخرا، كانت هادئة وكانت هناك تطمينات من قيادات في أجهزة سيادية حول عودة المنقولين منها إلى بيوتهم ومزارعهم خلال الفترة المقبلة"، حسب ما يقوله الشيخ عارف أبوعكر، أحد رموز قبيلة السواركة بالشيخ زويد والقريب من أجهزة سيادية مصرية، والذي قال إن العمليات الإرهابية الأخيرة، وخاصة بالشيخ زويد، تأتي بالتزامن مع استعدادات محافظة شمال سيناء لافتتاح المرحلة الأولى من مدينة رفح الجديدة المقررة خلال احتفالات أكتوبر.

ويفسر أحمد شبانة، الباحث في شؤون الجماعات المسلحة بمركز إعلام سيناء، عودة الهجمات المسلحة بقوة إلى امتصاص تنظيم داعش الإرهابي للضربات التي تعرض لها، واستعادة زمام المبادرة والتكيف مع الوضع الميداني الجديد بسيناء قائلا: "يسعى التنظيم إلى التواجد في المناطق التي تعد ميدانا للعمليات لإثبات وجوده عسكريا وإعلاميا، لذلك يستهدف الارتكازات الأمنية".


وينشط التنظيم حاليا بمناطق جنوب رفح ووسط الشيخ زويد وجنوب العريش كما يقول الشيخ عواد أبو شيخه، أحد وجهاء قبيلة الأرميلات برفح ومن رموز المنطقة، موضحا أن التنظيم يستفيد من خصومة بين السكان المحليين والسلطات تتمثل في ملاحقة أبناء القبائل أمنيا واعتقالهم خلال مرورهم على الحواجز العسكرية، وهدم بيوتهم بعد إجبارهم على الرحيل من مناطقهم، وهو ما يؤدي إلى خلق بيئة حاضنة للمسلحين بسبب أفعال السلطة، وتابع "الحل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل في أن يسعى النظام لكسب أهالي سيناء إلى صفه، وللأسف لا توجد بوادر لهذا الأمر حتى اليوم".

ضرورة التعامل مع البيئة الحاضنة للتطرف، والتي تفرز إرهابيين بسبب استمرار العنف والانتقام والثأر، نقطة أساسية لمواجهة تلك الجماعات كما يقول أبو شيخة، محذرا من أن المسلحين يتم تجنيدهم بهدف الانتقام بسبب المظالم قبل التفسيرات الدينية، والتي تأتي متأخرة لإضفاء شرعية ما على القتل والإرهاب.

ويتفق الشيخ عبد المجيد المنيعي من قبيلة السواركة مع الرأي السابق، محذرا من أن تجدد العمليات الإرهابية بعد الإعلان عن قرب القضاء على المسلحين ينهي أي بارقة أمل لدى المواطن السيناوي الذي لم يتوقف عن دفع فاتورة الحالة الأمنية المتدهورة، داعيا إلى "العمل نحو حل الأزمة الراهنة في سيناء من جذورها، عبر إنهاء تداعيات المواجهات العسكرية، بإعادة المواطنين المهجرين إلى أماكن سكنهم كخطوة أولى، والإفراج عن المئات من أبناء سيناء الذين زجوا في السجون من دون توجيه أي تهمة واضحة، أو محاكمة، عدا عن عشرات المختفين قسريا منذ سنوات".


ما تؤكده المصادر السيناوية رصدته منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها، الصادر في 28 مايو/أيار الماضي، والذي لفت إلى أن السلطات المصرية كثيرا ما تحصي المدنيين بين المسلحين المزعومين الذين قتلوا، وأن مئات المدنيين قتلوا أو أصيبوا، واتهمت الجيش والشرطة بالقيام باعتقالات تعسفية واسعة النطاق، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والعقاب الجماعي، والإخلاءات القسرية. وأضاف التقرير "من المحتمل أن يكون الجيش قد شن أيضا هجمات جوية وبرية غير قانونية قتلت العديد من المدنيين، واستخدم ممتلكات مدنية لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى تجنيد وتسليح وتوجيه مليشيات محلية، تورطت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مثل التعذيب، والاعتقالات التعسفية".



خلق بيئة حاضنة للتطرف

عقب العمليات الإرهابية الأخيرة جرفت آليات تابعة للقوات المسلحة مئات الدونمات، خلال شهر يونيو/حزيران الماضي في مناطق الشلاق وقبر عمير والتومة، مكونة من أشجار الزيتون إلى جانب الموالح، وزراعات مثل الطماطم والخيار وغيرها تقدر قيمتها بملايين الجنيهات، بدعوى تحصن العناصر الإرهابية بها وإعاقة عمل الحملات العسكرية في ملاحقة وضبط العناصر المسلحة وفق ما يرويه شاهد العيان سالم المقلوظ، من أبناء قبيلة السواركة، ومن سكان قرية "الشلاق" الواقعة غربي الشيخ زويد، ولم تتوقف الإجراءات الرسمية عند هذا الحد كما يقول محمد جمعه سلام أحد أبناء المنطقة، والذي ذكر أن الجيش في أعقاب تفجير الحاجز الأمني قرب موقف الشيخ زويد، هدم عشرات المنازل القريبة من الموقف، وأجبر سكانها على الرحيل إلى داخل المدينة، فيما رحلت العشرات من العائلات مجددا باتجاه منطقة بئر العبد والقنطرة غرب، ما أدى إلى تشتت وتفرق العائلات بدعوى تأمين المناطق القريبة من الحواجز والمقرات العسكرية عبر عمليات الإخلاء تلك.

وفي منطقة قبر عمير شرقي العريش هدمت آليات الجيش تجمعا سكنيا يضم 15 منزلا، ما دعا سكانها لمغادرة المنطقة باتجاه مدينة العريش ليقيموا عششا داخل أحواش بالقرب من منطقة حي الزهور، وهو ما يدخل ضمن حالة من الانتهاكات المتصاعدة وصفها أحمد منصور، أحد رموز قبيلة السواركة بالمتصاعدة "جراء تزايد حالات الاعتقال الجماعية التعسفية والإخفاء القسري، إلى جانب عمليات قتل شائعة تطلق عليها قوات الجيش بأنها تأتي "بالخطأ" وتوقع قتلى في صفوف المدنيين، ومن بينها واقعة قتل 7 مدنيين في 27 يونيو من أبناء قبيلة السواركة، بقذيفة مجهولة المصدر خلال تواجدهم في منطقة تجمع الصالحين التابعة لقرية الميدان، على بعد 17 كيلومتراً من غرب مدينة العريش، في مجلسهم".



ويتكرر استهدف المدنيين، إذ استهدفت عربة تابعة للعمليات الخاصة بالشرطة سيارة لمدنيين كانت تهرب من وسط الاشتباكات برصاص كثيف، مما أدى لاشتعال السيارة وتفحم جثة المواطن أحمد يعقوب، كما أصيب المواطن حمادة فاروق (33 عاما) وتم بتر ذراعيه، كما أصيبت الفتاة صباح غانم (22 عاما) بشظايا أثناء الاشتباكات التي جرت لتقديم الدعم لحاجز "الموقف الجديد" الكائن شمال شرق مدينة العريش خلال مهاجمة مسلحين للحواجز الأمنية في 26 يونيو من العام الجاري وفق إفادة شاهد العيان أحمد سليم.


تكلفة اقتصادية متفاقمة

يؤكد رئيس مركز ومدينة العريش السابق، وليد المعداوي، أن العديد من المرافق الرئيسية بالمدينة أصيبت بالشلل التام بسبب أحداث الإرهاب، وتضررت البنية التحتية من طرق ومياه وكهرباء، إلى جانب تكلفة إعادة أعمارها أو إنشائها من جديد، والتي ستكبد الدولة خسائر فادحة تصل لعدة ملايين، مشيرا إلى تكلفة الوقت الضائع المهدر الناجم عن قطع الطرق والمواصلات ونحوها بسبب العمليات الإرهابية والاشتباكات، بينما لفت وكيل وزارة الصحة بشمال سيناء الدكتور طارق شوكة إلى أن تكلفة علاج المصابين بسبب العمليات الإرهابية في المستشفيات العامة والمركزية، كان من الممكن توجيهها إلى موارد أكثر أولوية لتحسين حياة المواطنين، بدلا من قتلهم وتدمير حياتهم وهو ما يتفق معه رجل الأعمال محمد درغام، والذي يملك مصنعا للرخام ومعصرة زيتون قائلا: "المصانع تعرضت لضربة قوية، ووصلت خسائرها إلى أكثر من 80%، بسبب العمليات الأخيرة، واضطررت لإغلاق مصنع الرخام الخاص بي الواقع جنوب العريش لارتفاع الخسائر بسبب إغلاق الطريق المؤدية للمصنع"، فيما تضررت الحركة التجارية بسبب الإرهاب، كما يقول رئيس الغرفة التجارية السابق بشمال سيناء عبد الله قنديل، خاصة خلال الشهرين الماضيين بسبب إغلاق الطرق، وخاصة شارع 23 يوليو الرئيسي وانتظار السيارات على حاجز "الريسه" باتجاه الشيخ زويد لساعات طويلة تحت الشمس ما يؤدي لتلف البضائع.