العائدون إلى فرنسا... معضلة تعامل باريس مع الملتحقين بـ"داعش"

04 فبراير 2018
خطر الجهاديين العائدين يثير قلق الجهات الأمنية الفرنسية(فرانس برس)
+ الخط -
هربت الفرنسية صوفي كسيري من مدينة الرقة السورية، بعد شهرين من انضمامها بصحبة ابنها، إلى تنظيم "داعش"، غير أنها أودعت السجن بعد أسابيع من وصولها إلى فرنسا في عام 2015 بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية.

ولخصت صوفي تجربة عودتها إلى بلدها في كتابها "في ليلة داعش" الصادر عام 2016، عن دار روبير لافون، قائلة "احتجزت في زنزانة مع ست نساء يفترض أنها تستقبل نزيلتين فقط، لم أستفد من أي متابعة سيكولوجية. الخيارات صعبة لأن كل من يفكر في الخروج من الرقة يُقتل أو يسجن".

صوفي تعد واحدة من 66 امرأة و178 رجلاً عادوا إلى فرنسا منذ عام 2015 وحتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد إقامتهم لفترات متفاوتة في مناطق سيطرة تنظيم داعش في العراق وسورية، وفقا لبيانات الاستخبارات الفرنسية من بينهم 174 شخصا يتابعون قضائيا، إذ إن بعضهم تم توجيه اتهام لهم وينتظر المحاكمة، بينما أدين البعض الآخر بتهمة المشاركة في أعمال منظمة إرهابية.

وتكشف الإحصاءات الموثقة عن احتجاز 141 من العائدين والعائدات من مناطق التنظيم الإرهابي، وفق نظام الحبس الاحتياطي، أو لقضاء عقوبتهم بعد إدانتهم، بينما يتابع 33 شخصا قضائيا في وسط مفتوح، (مراقبة قضائية، أو تعديل للحكم)، والذي قد تتراجع عنه السلطة القضائية في حال حدث إخلال، أو صدرت مذكرة توقيف بحقهم، بالإضافة إلى 6 أفراد كانوا قاصرين زمن الانضمام إلى داعش، يُعرضون على محاكم جنائية للقاصرين. 
وتشير بيانات الاستخبارات الفرنسية إلى أن 500 جهادي متطرف، ونحو 1500 شخص كانوا في الطريق إلى التطرف يقبعون في السجون الفرنسية.


تطبيق القانون على العائدين

تعود ظاهرة الالتحاق بأراضي الجهاد إلى زمن الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفييتي، ثم الحرب في العراق ضد الاحتلال الأميركي، ولكن الظاهرة زادت في عام 2014، و2015، إذ قاتل 600 فرنسي في صفوف داعش من بين ثلاثين ألف مقاتل أجنبي يحاربون تحت راية التنظيم، فيما برز حضور النساء الفرنسيات بشكل ملفت في التنظيم، خلافا للتنظيمات الجهادية الأخرى، ففي 2013 شكلن 10% من مسلمي فرنسا لدى التنظيم، ثم ارتفع الرقم إلى 35% نهاية عام 2015، بحسب الباحث والمحلل النفسي الفرنسي فتحي بن سلامة، الذي ألف عدة كتب عن ظاهرة الانضمام إلى داعش، وكان آخرها: "جهادية النساء، لماذا اخترن داعش".

وتطبق النيابة العامة في باريس ذات السياسة الجنائية على الفرنسيات الملتحقات بالتنظيم مثل الرجال، إلا إذا ثبتَ أن إكراهاً مُورس عليهن، وبالتالي فإن من سافرن إلى سورية والعراق للالتحاق بالتنظيم، يقدمن للقضاء بشكل منظم وفقا لتقرير مجلس الشيوخ الفرنسي "نزع التأطير العقائدي وفك التعبئة وإعادة إدماج جهاديي فرنسا وأوروبا" الصادر في 12 يوليو/ تموز 2017.


ويظل البالغون العائدون منذ فترة طويلة، والذين لا يخضعون لمتابعات قضائية، محط متابعة من قبل دوائر الاستخبارات الفرنسية، أو مصالح الشرطة القضائية في أفق استجوابهم وتقديمهم إلى السلطة القضائية وفق ثلاثة اتهامات قانونية جنائية، الأول يدخل ضمن نطاق تهمة الإعداد لأعمال ذات طابع إرهابي والتي قد يصل الحكم فيها في حالة الإدانة إلى قضاء 10 سنوات في السجن، وثانيا تهمة تكوين عصابة إجرامية ذات طابع إرهابي تعدّ لاعتداءات على أشخاص (قتل وتعذيب)، أو تدمير بواسطة حرائق ومتفجرات، والتي يعاقب عليها بحسب قانون 21 يوليو/تموز 2016، وبالسجن ما بين 20 عاماً إلى 30 عاما، وثالثا تهمة إدارة مجموعة إرهابية، والتي يعاقب عليها بالسجن المؤبد، بحسب المحامي فرانك بيرتون الذي دافع عن المتهم صلاح عبد السلام، أحد أهم المتهمين والمدبرين لهجمات باريس في 13 نوفمبر 2015 التي خلفت 130 قتيلا بعد عودته من سورية في عام 2014.

ويؤكد المحامي بيرتون لـ"العربي الجديد": "أن الاتهامات والتحقيقات تعتمد على وقائع يتم برهنتها، وغالباً ما يلجأ القضاءُ إلى إظهار أقل ما يمكن من الرحمة في هذا الوقت المضطرب بالذات، إذ إن الرأي العام الفرنسي في وضعية احتياج ماسّة إلى الأمن والطمأنينةّ".


مخاوف فرنسية


على الرغم من أن كثيرا من السياسيين الفرنسيين، خاصة من اليمين، ومن بينهم النائب اليميني إريك سيوتي ومارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني، يطالبون بالقضاء على الملتحقين بصفوف داعش والمقاتلين في ساحات الحرب الشرق الأوسطية، وعدم السماح لهم بالعودة، إلا أن المسؤولين الفرنسيين، "الذين لن يتأسفوا على رحيل هؤلاء الفرنسيين، الذين يشنون الحرب على بلدهم ومواطنيهم"، يشددون على أن فرنسا بلد حقوق ومؤسسات، وبالتالي فهي مستعدة، كما يصرح أكثر من وزير فرنسي، من بينهم وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي، في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للتعامل مع كل حالة جهادي عائد على حدة.

وتُشير مصادر في وزارة الداخلية الفرنسية إلى تلقيها اتصالات بين حين لآخر من بعض الراغبين في العودة إلى فرنسا، وتسليم أنفسهم للسلطات الأمنية، لكن غالبيتهم من الأعضاء الأقل تأثيرا في داعش، في حين أن فرنسا لا تعول على عودة قياديين فرنسيين كبار في التنظيم.

المحتجزون في سورية والعراق

تشدد مصادر أمنية فرنسية على عدم وجود أي اتصال بسلطات دمشق في ما يخص الجهاديين الذين يزعم النظام السوري اعتقالهم، بينما أكدت المصادر أن فرنسا عبرت عن ثقتها في قدرة الحكومة العراقية على محاكمة الجهاديين الفرنسيين المعتقلين لديها، حتى وإن كانت لا تتفق مع تصريحات مسؤولين عراقيين، من بينهم سفير العراق في بروكسل، والذي تحدث عن "نحو مائة جهادي أوروبي معتقل في العراق تنتظر بعضهم أحكام بالإعدام".


كيف يتم التعامل مع القاصرين العائدين؟

شمل قرار الرعاية المدنية للقاصرين العائدين من العراق وسورية تطبيقا لمرسومي 23 و24 مارس/آذار 2017، 58 قاصرا من الذين كانوا يوجدون على التراب الوطني بعد أن أقاموا في سورية والعراق.


ويخضع الأطفال القصر الذين تتراوح أعمارهم بين 10و13 عاما، عند عودتهم إلى فرنسا، من سورية والعراق للحبس الاحتياطي، أو الحجز، وفي حال تمت متابعتهم جنائيا، فإنه يتوجب على مدعي الجمهورية أن يدرس بموازاة ذلك جدوى إبلاغ قاضي الأطفال بطلب مساعدة تربوية، إذ يعاني معظم أبناء الجهاديين، المُعرَّضين منذ الصغر، لِمَشَاهدَ العنف، من الصدمة والهشاشة النفسية التي تستدعي قدرا أكبر من الحذر بالنسبة لطبيعة التوجه القضائي الذي يليق اعتمادُهُ تجاههم، وتعرف مختلف المتابَعات القضائية للقاصرين العائدين منذ بضع سنوات تشددا ملموسا بحسب قاضي الأطفال لوران غِيرْبْلير، والذي قال: "ما كان يُعتَبر في السابق أزمة مراهقة، أو نوعا من الاستفزاز، يُؤخَذ اليومَ مأخذ الجد، وهو ما يتطلب في كل حالة إجراء تقييم تربوي ونفسي بشكل منتظم لقياس درجة التطرف، مضيفا أن الحالات كثيرة ومختلفة، وهدف القاضي هو معرفة إن كان القاصر يشكل خطرا على نفسه وعلى الآخرين، وعلى ضوء هذه الإجابات، يقرّر الإجراءات العقابية والتربوية، التي قد تكون مرفقة بمنع القاصر من مغادرة التراب الوطني، وفي الحالات الأكثر خطورة، أي حين تكون العائلات نفسها متطرفة، يقرر القاضي وضعه لدى عائلة أخرى، أو في مركز تربوي، ويعتبر هذا القرار من أقسى القرارات، لأن مكان القاصر المثالي هو عائلته وأقرباؤه.

معالجات لم تكتمل

لا تزال فرنسا حديثة العهد بظاهرة عودة المسلحين من مناطق الصراع إلى أراضيها، ما يثير تفكير المختصين من أجل التوصل إلى الحلول الناجعة للتخلص منها، والتي توفّق ما بين الردع والعقوبة والتربية والإدماج بحسب الأكاديمي سلامة، ومن بين هذه الحلول مركز "الوقاية والإدماج والمُواطَنَة" الذي افتتحته وزارة الداخلية الفرنسية في سبتمبر/أيلول 2016 بصفة تجريبية، وبهدف "نزع التطرف" وعلى الرغم من أن التجربة تعد فريدة إلا أن المركزالذي صمم ليستوعب 25 شخصا أغلق أبوابه، بحجة أن هذه التجربة أثبتت فشلها، واستغل مؤيدو القرار واقعة إيقاف أحد المُتابَعين في المركز في إطار قضية عصابة إجرامية ذات أهداف إرهابية، بعد ما إذن له بالخروج، كما أن المركز جُوبِه برفض السكان في بلدة بونتوري الواقعة في منطقة أندري-إي-لوار، وهو ما دفع كثيرين من الموظفين للاستقالة.

ويصعب العثور خارج وزارة الداخلية على موقف يؤيد اغلاق المركز بحسب الأكاديمي والمحلل النفساني فتحي بن سلامة، الذي حاضَرَ في المركز قبل إغلاقه، وهو أيضا موقف عالم الاجتماع، جيرار برونير الذي قال لـ"العربي الجديد": "كان الغرض في البداية هو استقبال أناس يتجهون أو يعودون من مناطق سورية والعراق، ولكن بعد اعتداءات شارلي إيبدو، واعتداءات 13 نوفمبر في باريس التي راح ضحيتها 130 شخصا، أصبح من الصعب على رئيس الوزراء ألا يرسل بالعائدين من سورية إلى السجن، لأن الرأي العام، في نظره، لا يحتمل الأمر"، مضيفا أن القرار سياسي، واتخذ من قبل أناس لا يمكنهم أن يفعلوا شيئا غير هذا".