رهان علي عبدالله صالح الأخير... لماذا خذلته قبائل طوق صنعاء؟

05 ديسمبر 2017
تحالف صالح وقبائل طوق صنعاء انهار لأسباب عديدة (Getty)
+ الخط -

لم يتوقع عضو حزب المؤتمر الشعبي العام اليمني حميد الورافي أن يقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد ثلاثة أيام فقط من دخول قواته في مواجهات مسلحة مع مليشيات الحوثي، رغم أن أغلب قبائل طوق صنعاء تدين بالولاء لـ"صالح"، "غير أن تلك القبائل خذلت صالح كما يقول" لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن صالح راهن كثيرا على تلك القبائل التي كانت قادرة على منع دخول تعزيزات لمليشيات الحوثي إلى مدينة صنعاء بعد توجيه صالح مناشدة عبر قناة "اليمن اليوم" التابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري لزعماء تلك القبائل للقيام بهبة لمواجهة مليشيات الحوثي في مديريات محافظة صنعاء، وبقية المحافظات، غير أن المفاجأة كانت بنظر الورافي وشباب الحزب بدخول تعزيزات المليشيات إلى أمانة العاصمة، دون أن تقم قبائل طوق صنعاء بواجبها إزاء صالح، وهو ما يؤكده فهد الأرحبي أحد رموز قبيلة أرحب الواقعة شمال العاصمة صنعاء، والذي قال لـ"العربي الجديد" أن قبائل طوق صنعاء تركت صالح وحيدا في مواجهته العسكرية مع مليشيات الحوثي حتى قتل، مضيفا أن قبائل طوق صنعاء مقاتلون ويمتلكون السلاح، وكانوا قادرين على ترجيح موازين القوى لمصلحة الرئيس المخلوع غير أنها خذلته.

وتتركز قبائل طوق صنعاء في 16 مديرية تحيط بالعاصمة صنعاء من جميع الجهات، ويسكنها 919 ألف نسمة يتوزعون على 117 ألف أسرة، وفقا لآخر إحصاء أجراه الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط والتعاون الدولي في عام 2004، ومتوسط ما تمتلكه الأسرة الواحدة من الأسلحة هي ثلاث قطع موزعة بين سلاح الكلاشينكوف والآر بي جي وبندقية الجرمل، بحسب الأرحبي.


رهان "صالح" الخاسر

بدأت شراكة الحوثي وصالح رسمياً عبر تشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة المحافظات التي تقع تحت سيطرتهم في 28 يوليو/تموز 2016، ومنذ الوهلة الأولى التي قرر فيها صالح فضّ الشراكة مع مليشيات الحوثي في 2 ديسمبر الجاري، راهن كثيراً على قبائل طوق صنعاء في مواجهته المسلحة مع مليشيات الحوثي، وفقا لتأكيد الشيخ محسن الحارثي أحد رموز قبيلة بني الحارث لـ"العربي الجديد"، لكنه فوجئ بعد اندلاع المواجهات بأنه يقاتل وحيدا، دون وجود لتلك القبائل التي أعلنت في بادئ الأمر أنها ستقف إلى جانبه في حربه مع مليشيات الحوثي وفقا للشيخ محمد ناجي (اسم مستعار بناء على طلبه) أحد زعماء قبائل همدان، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن بعض القبائل في مديريات طوق صنعاء بادرت إلى إغلاق بعض المنافذ المؤدية إلى مدينة صنعاء في 2 ديسمبر الجاري، ولا سيما في طريق مديرية همدان الواقعة غرب مدينة صنعاء، وطريق جدر الواقعة إلى الشمال من صنعاء، لكنها في مساء اليوم التالي تركت الباب مواربا، الأمر الذي سهل دخول تعزيزات مليشيات الحوثي منها، فضلا عن بقاء طرقات أخرى في تلك المديريات مؤدية إلى مدينة صنعاء مفتوحة أمام مليشيات الحوثي، إلى جانب إحجامها عن رفد صالح بالمقاتلين في الجهة الجنوبية من مدينة صنعاء حيث تقع المربعات التي كان يسيطر عليها صالح.

الحارثي تحفظ على هذا الرأي، لافتا إلى أن قبائل الطوق لم تكن مستعدة بالشكل الكامل للقيام بواجبها إزاء نصرة صالح في حربه مع الحوثيين، ناهيك عن انحياز الكثير من قبائل طوق صنعاء إلى سلطة الأمر الواقع، وليس في هذا خذلان له كما يقول.

يوافقه في ذلك الكاتب والمحلل السياسي الدكتور معن دماج، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن المسألة ليست خذلان، لأن الولاءات داخل القبائل مختلفة ومتنوعة، والذي قال إن هناك أمراً آخر، وهو أن صالح لم يحضر للمواجهة العسكرية مع الحوثيين، بقدر ما أراد خلط الأوراق عندما أدرك أن قرار تصفيته قد اتُخذ بالهجوم على المربعات التي يسيطر عليها في جنوب العاصمة صنعاء، والهجوم على منازل أقربائه، فقرر فتح خط مع التحالف العربي، ورمى كرة النار في ملعب الحوثيين، بيد أن نتائج استطلاع رأي غير قياسي أجراه معد التحقيق مع 20 عضواً في حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء أظهرت أن 92% أكدوا أن صالح تعرض لخذلان من قبائل طوق صنعاء، رغم مناشدته لهم بالوقوف إلى صفه في مواجهة مليشيات الحوثي.


البادي أظلم

لم يكن خذلان قبائل طوق صنعاء مفاجئا للشيخ القبلي فهد الأرحبي، بعد أن تعرضت تلك القبائل التي ينتمي الكثير منها لحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح للخذلان منه، عندما تركهم منفردين أثناء تعرضهم لبطش مليشيات الحوثي، والتنكيل ببعضهم، مقابل الحفاظ على الشراكة مع الحوثيين خلال الأعوام الثلاثة الماضية كما يقول، مضيفا أن الأمر ازداد سوءاً بعد حشد صالح للقبائل في طوق صنعاء وبقية المحافظات للتظاهر بميدان السبعين وسط العاصمة صنعاء في 24 أغسطس/آب 2017، إذ كان تتوقع تلك القبائل أن هذا الحشد الجماهيري الذي دعا إليه صالح سيكون البداية للتخلص من بطش مليشيات الحوثيين للشركاء من المؤتمر الشعبي العام، وباقي أفراد الشعب، لكنهم فوجئوا بأن صالح لم يكن قادرا على فعل ذلك، رغم الحشد الجماهيري الكبير، وهو ما يؤكده أمين الوادعي أحد الذين شملهم استطلاع الرأي الذي أجراه معد التحقيق، مشيرا لـ"العربي الجديد" أن صالح خذل القبائل في طوق صنعاء وبقية الجماهير التي حضرت لوضع حد لتصرفات مليشيات الحوثيين وتسببها في أزمات اقتصادية متلاحقة للناس، ومنها عدم صرف رواتب الموظفين لعام كامل.

الكاتب والمحلل السياسي عبدالباري طاهر، يؤكد هذا الرأي بالقول لـ"العربي الجديد": "ليست القبائل من خذل صالح، وإنما هو من خذل القبائل وأعضاء حزبه في 24 أغسطس/آب الماضي، ووعدهم بموقف جديد ضد الحرب، وموقف جديد من تحالفه مع الحوثيين، وتبنى مطالبهم الحياتية، وبصم على بيان كان هو شهادة وفاته السياسية والأدبية والأخلاقية".


تدخل حوثي لوأد تحرك القبيلة

بالرغم من تسهيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح دخول مليشيات الحوثي إلى العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014 من خلال التنسيق مع قبائل طوق صنعاء للانقلاب على السلطة الشرعية، فإنه عجز عن حماية بعض رموز القبائل التي تعرضت للبطش من قبل مليشيات الحوثي، وعجز تاليا عن استمالتهم بالوقوف إلى جانبه في حربه مع ذات المليشيات حسبما يقول الشيخ القبلي الأرحبي.

تحرك صالح في 2014 لتسهيل دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء، مكّن الحوثيين من التغلغل وسط المكونات القبلية في طوق صنعاء والتأثير فيهم بالترهيب مرة، وبالترغيب أخرى بحسب مصدر قبلي، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن قيادات حوثية زارت قبائل طوق صنعاء عقب إعلان صالح الحرب عليهم في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ولعبت دورا في وأد تحركات بعض القبائل الأكثر ولاء لـ"صالح".

ويعترف القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام عادل السياغي بأن بعض الأجنحة القبلية في طوق صنعاء خذلت الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بعد قيام القياديين في مليشيات الحوثي محمد علي الحوثي وعلي أبو الحاكم، بزيارات إلى قبائل طوق صنعاء، قائلا لـ"العربي الجديد" إن القياديين في مليشيات الحوثي قدموا لبعض القبائل إغراءات، كوعدهم بمناصب إدارية في المرحلة القادمة، فيما عملوا على ترهيب بعضهم الآخر، مضيفا أن مليشيات الحوثي عندما قدمت من محافظة صعدة، مرورا بمحافظة عمران عملت على تفجير منازل كل من يقف في وجهها، وهذا الترهيب أخاف بعض مشايخ القبائل من المصير ذاته.