الطريق الوطني رقم 1... الأول في حوادث المرور بالجزائر

12 أكتوبر 2017
الطريق الوطني رقم 1 الأخطر في عدد الحوادث(العربي الجديد)
+ الخط -
يتلقى الناشط الجزائري سيد علي يومياً، أنباء حوادث المرور التي تقع على شبكة الطرق الممتدة على طول البلاد وعرضها، من قبل متطوعين يرسلونها إلى صفحة "حوادث المرور في الجزائر" والتي لديها مليون ونصف مليون متابع على موقع  التواصل الاجتماعي"فيسبوك"، غير أن تلك الحوادث التي تقع على "الطريق الوطني رقم 1" الرابط بين شمال الجمهورية وجنوبها ابتداء من العاصمة وحتى ولاية تمنراست جنوبا، "تعد الأكثر عدداً وخطورة"، كما يقول قبل أن يستطرد موضحا "نتلقى أخبارا كثيرة عن حوادث تقع على طول الطريق الذي يمر عبر ولايات البليدة والمدية والجلفة والأغواط وغرداية وورقلة"، وهو ما يؤكده لـ"العربي الجديد" محمد العزوني رئيس الجمعية الوطنية للوقاية المرورية "طريق السلامة"، قائلا "يعد الطريق الممتد على 2335 كيلومتراً انطلاقا من العاصمة حتى مدينة عين قزام الحدودية، الأكثر تسجيلا لحوادث الطرقات في الجزائر".


خريطة حوادث الطرق في الجزائر

وقعت 1045 حادثة على الطريق الوطني رقم 1، خلال عام 2015، في حين شهد الطريق 870 حادثة خلال عام 2016 بينما حل في المرتبة الثانية الطريق الوطني رقم 3 الرابط بين ولايتي إليزي وسكيكدة بإجمالي 661 حادثة في عام 2015 و434 حادثة في عام 2016 وجاء في المرتبة الثالثة الطريق الوطني رقم 4 الرابط بين البليدة ووهران بإجمالي 552 حادثة في عام 2015 ، و295 حادثة في عام 2016، بحسب ما تكشفه "العربي الجديد" للمرة الأولى عبر إحصاءات مفصلة لحوادث الطرق في الجزائر حصل عليها معد التحقيق من المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرقات التابع لوزارة الداخلية.

وتعد طرق الوطني رقم 1 والوطني رقم 2 و3 و4 و5 و6 و11 الأكثر في عدد الحوادث على مستوى الجزائر بحسب إحصاءات المركز الوطني للوطني للوقاية والأمن عبر الطرقات، والذي حصر العدد الإجمالي لحوادث المرور في 2015 بـ 35199 حادثة في حين انخفض العدد إلى 28856 حادثاً في عام 2016 بينما وصل عدد الحوادث إلى 12358 حادثاً في الأشهر الستة الأولى من عام 2017.

وأسفرت الحوادث السابقة عن وفاة 4610 جزائري وجزائرية في عام 2015 وانخفض العدد مجددا إلى 3992 وفاة في عام 2016 في حين بلغ عدد الوفيات 1695 في السداسي الأول من العام الجاري.



سر زيادة عدد الحوادث

يعد فصلا الشتاء والربيع الأكثر تسجيلا للحوادث بالولايات الصحراوية، ومنها تلك التي يمر بها الطريق الوطني رقم 1 كالجلفة والأغواط وغرداية وورقلة وتمنراست، إضافة إلى ولاية المسيلة التي أحصت صفحة "حوادث المرور في الجزائر" التي يشرف عليها الناشط علي وزملاؤه، عدة حوادث خطرة في الفترة الأخيرة"، بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد".

ويمكن حصر السبب الرئيسي لوقوع الحوادث في تلك الطرق في سوء حالتها ووضعها، سواء في شمال البلاد وجنوبها، بحسب شكاوى الناجين من الحوادث، كما يقول سيد علي، وهو ما يفسره الأربعيني أحمد الشيخ والذي يعيش في ولاية تمنراست أقصى الجنوب الجزائري باهتراء الطريق الوطني رقم 1 ، خاصة في شقه الرابط بين أراك وعين صالح (2000 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائر) إذ شهد بنفسه في تلك المنطقة التي اعتاد المرور منها بسيارته عدة حوادث سير مميتة، قائلا بنبرة آسفة:"آخر حادث شهدته وقع منتصف أغسطس/آب الماضي وأدى إلى وفاة شخص إثر اصطدام بين شاحنتين في قرية أراك على مستوى الطريق الوطني رقم 1".

وتستجيب فرق الحماية المدنية سنويا إلى بلاغات في عدة مناطق ضمن الطريق الوطني رقم 1 في شقه الجنوبي، مثل منطقة عين صالح وآراك في تمنراست والتي وقعت فيها 256 حادثة في عام 2016 حسب حصيلة للحماية المدنية حصل عليها "العربي الجديد"، وكذلك الجزء الذي يربط الطريق بين مدينتي تمنراست وحاسي مسعود في ورقلة التي شهدت 610 حوادث، وفي منطقة المنيعة بغرداية والتي وقع فيها 600 حادث، وفي آفلو بالأغواط جنوبي الجزائر، التي وقع فيها 626 حادثاً، وكذلك في مناطق وسط البلاد كالشفة في البليدة والتي شهدت 2650 حادثاً وبن شكاو بالمدية والتي وقع فيها 1949 حادثاً، كما يقول المكلف بالإعلام في المديرية العامة للحماية المدنية الملازم الأول زهير بن أمزال.

وتعود 72 في المائة من حوادث السير التي تشهدها الطرقات الجزائرية إلى نوعية هذه الطرق التي لم تشيد حسب مقاييس علمية، وفق ما كشفه لـ"العربي الجديد" البروفيسور عبد الكريم شلغوم رئيس نادي المخاطر الكبرى (تجمع يضم مجموعة من العلماء والأساتذة الجزائريين المتخصصين في المجالات الهندسية والعمرانية والجيولوجية).

ويرجع شلغوم الحوادث إلى الخروقات المسجلة في تشييد الطرقات، إذ لا تتم مراعاة العوامل الجيولوجية للتربة الصحراوية أو خصائص التربة في الهضاب العليا والتي تتطلب دراسات متخصصة، وشركات ذات كفاءة عالية في تنفيذ طرق مماثلة، وهو ما يستبعده البروفسيور شلغوم، خاصة في ولايات الجنوب والتي لا تعتمد على مقاييس دولية في إنشاء الطرق، بالنظر إلى أن البلديات ومديريات الأشغال العمومية في الولايات تعد المختصة في منح هذه المشاريع للشركات المنفذة، قائلا "لا تمتلك تلك الإدارات الكفاءات والعناصر المؤهلة لتمييز المؤسسات المؤهلة لتشييد تلك الطرق".


السبب الأول للحوادث

رغم إقراره بأن بعض الطرق في الجزائر بعيدة عن المقاييس الواجب توفرها من أجل أمان المركبات، إلا أن مدير المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق أحمد نايت الحسين، أكد في حديثه مع "العربي الجديد" أن العنصر البشري يعد المتسبب الرئيس في حوادث المرور في الجزائر، إذ تكشف دراسة إحصائية للمركز ذاته إلى أن 95.47 في المائة من حوادث المرور التي وقعت في عام 2016 تعود إلى العنصر البشري وتتعلق بالسرعة الزائدة والتجاوز الخطر وعدم اليقظة وعدم احترام مسافة الأمان والمشي على جوانب الطريق، وتعود 2.83 في المائة من الحوادث إلى حالة السيارة و1.70 في المائة فقط إلى حالة الطرقات، حسب المركز نفسه.

ويؤيد المكلف بالإعلام في المديرية العامة للحماية المدنية هذا التحليل المتعلق بأسباب حوادث المرور، بالنظر إلى أن السائق مطالب بالتكيف مع نوعية الطريق، فإذا كان مهترئا عليه تخفيض سرعته حسب ظروف المسار الذي توجد عليه مركبته، كما أنه مطالب بمراعاة الخطورة التي تفرضها بعض النقاط السوداء المعروفة في بعض الطرق، حسب ما شرحه لـ"العربي الجديد".

وتغيب ثقافة الحفاظ على الحياة لدى السائقين الجزائريين، كما يقول بن أمزال مرجعا ذلك إلى ارتكابهم مخالفات واضحة تؤدي إلى وقوع حوادث سير مميتة، وهو رأي يشاطره فيه رئيس الجمعية الوطنية للوقاية المرورية والذي يؤكد أيضا أن العنصر البشري يبقى السبب الرئيس لحوادث المرور لأن أبجديات قيادة المركبات تقتضي أن تكون السرعة وفق حال الطريق الذي تسير عليه السيارة.



العاصمة في الصدارة

تأتي العاصمة الجزائر والتي ينطلق منها الطريق الوطني رقم 1 في صدارة المناطق التي تقع فيها حوادث المرور بـ 1750 حادثة في عام 2016، في حين بلغ عدد الحوادث التي وقعت في العاصمة، خلال السداسي الأول من العام الجاري 723 حادثاً مرورياً، ويرجع ذلك إلى العدد الهائل للسيارات التي تدخل العاصمة يوميا مقارنة بباقي الولايات، حسب ما أوضحه لـ"العربي الجديد" محمد العزوني، إضافة إلى وجود 1.459.720 سيارة في العاصمة لوحدها مايمثل 16.48 في المائة من حظيرة السيارات الوطنية، "ورغم أن العاصمة تسجل أكبر عدد من الحوادث، تتسم نوعية حوادثها بأنها غير مميتة مقارنة بباقي الولايات" كما يقول العزوني.

وتشير إحصاءات عام 2016 إلى تسجيل 1233 حادثة في المسيلة و1205 في سطيف و1061 حادثة في بسكرة، و909 حوادث في برج بوعريرج و854 حادثة في البليدة و843 في تلمسان و840 في عين الدفلى و799 في بجاية و797 حادثة في باتنة.

وتصدرت ولاية الجلفة في عام 2016 قائمة الولايات من حيث الوفيات بـ149 وفاة بالنظر إلى أنها إحدى الولايات التي يمر بها الطريق الوطني رقم 1، وفق ما تكشفه إحصاءات المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق، لكن في السداسي الأول من 2017 جاءت ولاية المسيلة في الصدارة بوفاة 82 شخصا في حوادث المرور.

وتتوافق هذه الإحصاءات مع ما رصدته صفحة "حوادث المرور في الجزائر"، كما يقول سيد علي، لافتا إلى أن ولاية المسيلة هي أكثر الولايات التي رصدت بها مجموعته حوادث المرور خلال العام الماضي والسداسي الأول من 2017.


الشباب أكثر ضحايا الطرقات

جاءت ولاية اليزي في مقدمة الولايات من حيث الحوادث الخطرة بتسجيل وفاة 43 شخصا في 100 حادث جرت خلال عام 2016، بحسب إحصاءات المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق، والتي كشفت أن فئة الشباب تعد الأكثر تعرضا لحوادث المرور، إذ توفي 1806 شبان أعمارهم تقل عن 29 سنة في عام 2016، كما أصيب 23320 شابا من الفئة العمرية ذاتها لإصابات خلال العام ذاته، أما في السداسي الأول من عام 2017، فبلغ عدد الوفيات من الفئة العمرية ذاتها 776 شابا كما بلغ عدد المصابين 9705 شباب.

ولا تختلف هذه الملاحظة عما يسجل عالميا، إذ جاء في التقرير العالمي لحالة السلامة على الطرق لعام 2015 الصادر عن منظمة الصحة العالمية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016 أن حوادث المرور تشكل السبب الرئيسي للوفيات في العالم، والسبب الأساسي لوفاة من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، وتسجل الجزائر وفاة 24.8 شخصا في كل 100 ألف نسمة وفق التقرير ذاته.


ضعف تكوين السائقين

وقعت 8855 حادثة بسبب قائدي مركبات لا يزيد عمر رخصة سياقتهم عن عامين في 2016 بحسب الإحصاءات، كما أن 4796 حادثة تسبب فيها أشخاص يتخذون من السياقة مهنة لهم و37.94 في المائة، منهم أعمارهم تقل عن 29 سنة، وهو ما يؤكد ضعف التكوين الذي خضع له هؤلاء السائقون، وفق ما قاله رئيس المركز الوطني للأمن والوقاية عبر الطرقات.

ولا يربط يحياوي عبد النور عضو مكتب الجزائر للمنظمة الوطنية للناقلين (نقابة عمالية) هذه الأرقام بخبرة السائق فقط، إنما يرجعها بالأساس إلى ثقافة عدم احترام قوانين المرور التي انتشرت وسط الجزائريين، مثلما يقول لـ"العربي الجديد"، نافيا أن تكون مركبات نقل المسافرين هي المتسبب الأول في الحوادث رغم أنها حصدت أكبر عدد من الضحايا، وفقا لأرقام مركز الوقاية والأمن عبر الطرقات، إذ تسببت المركبات ذات الوزن الخفيف في 73.95 في المائة من الحوادث وذات الوزن الثقيل في 8.95 في المائة والدراجات النارية في 10.41 في المائة في 2016 ومركبات نقل المسافرين في 2.62 في المائة.

وبالنسبة للمكلف بالإعلام في الحماية المدنية زهير بن أمزال، فإن التقليل من حوادث المرور سواء على الطريق الوطني رقم 1 أو على مختلف الخطوط متعلق بكسب رهان العمل التوعوي التحسيسي والتطبيق الصارم للإجراءات الردعية التي يتضمنها قانون المرور، خاصة الجديدة منها بحسب نايت الحسين الذي أكد أن برنامج السلامة المرورية المطبق من طرف الحكومة والذي تم نقل هيئته من وزارة النقل إلى وزارة الداخلية ساهم في خفض عدد حوادث المرور من عام إلى آخر حسب ما تظهره إحصاءات 2015 و2016 و2017، إلا أن وقف نزيف الطرقات يبقى مرهونا بتكاثف جهود جميع فئات المجتمع.