أزمة برامج الدراسات الاجتماعية في السعودية.. الوهن المعرفي

02 يوليو 2016
برامج الدراسات العليا الاجتماعية السعودية تحتاج إلى إعادة تقييم(Getty)
+ الخط -

تضم الجامعات السعودية أربعة أقسام تقدم برنامج البكالوريوس في علم الاجتماع، فيما تقدم خمس جامعات برنامج الدراسات العليا في المنهاج ذاته، إذ تقدم جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فيصل وجامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الملك سعود برامج البكالوريوس فيما تقدم جامعة القصيم برنامجاً للدراسات العليا، بينما لا يتوفر بها برنامج للبكالوريوس.

وتعتبر جامعة الملك سعود الأكبر من بين الجامعات الخمس في ما يتعلق ببرنامج علم الاجتماع، إذ يبلغ عدد أعضاء التدريس فيها 115 بمن فيهم المحاضرون والمعيدون، ثم جامعة الإمام محمد بن سعود بـ 110 أعضاء هيئة تدريس في البرنامج ذاته، أما جامعة الملك عبدالعزيز فتضم 35 عضو هيئة تدريس لبرنامج علم الاجتماع. وفي المقابل نجد أن قسم علم الاجتماع في جامعة بيركلي به 26 أستاذا، وكذلك جامعة هارفرد بها 25 أستاذا.

يطرح هذا العدد الكبير من أعضاء هيئة التدريس في أكبر ثلاثة أقسام لعلم الاجتماع في السعودية، تساؤلا مهما حول مدى توفر نتاج معرفي وإضافات بحثية لحقول علم الاجتماع المتعددة عبر أعمال هذه الأقسام البحثية والعلمية، كما يثير تساؤلا حول ما إذا كانت أقسام علم الاجتماع في الجامعات السعودية، لديها برامج دراسات عليا حقيقية وجادة أم أنها مجرد برامج روتينية وصورية، وتغلب عليها الرتابة والتقليد والجمود والبعد عن روح العلم من خلال إثراء المناهج والمواد بالبحث والتساؤلات والمناقشات الجادة. هذه التساؤلات وغيرها هو ما تتناوله السطور التالية. 


3 مقالات بحثية في 4 أعوام

تكشف دراسة تحليلية أجراها ساري حنفي، الأستاذ المشارك في علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، عن نشر 3 مقالات من أصل 5 مقالات مرسلة من باحثين في الجامعات السعودية إلى المجلة العربية لعلم الاجتماع "إضافات"، من بين 214 مقالا منشورا من أصل 548 مقالة تم إرسالها من جميع دول العالم العربي خلال الأعداد الثمانية الصادرة ما بين عام 2008 وحتى عام 2012 والذي نشرت فيه دراسة حنفي حول مقالات مجلة "إضافات" الاجتماعية التي تصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية.

من بين المقالات الثلاثة المنشورة، يوجد مقال واحد فقط كاتبه سعودي الجنسية، بحسب الدكتور حنفي، رئيس تحرير مجلة "إضافات" المحكمة، والتي تعتبر إحدى أهم مجلتين اجتماعيتين متخصصتين في العالم العربي.

أين ينشر الأكاديميون السعوديون أبحاثهم الاجتماعية؟

بعد اطلاع معد المادة، على المؤشرات الأولية للبيانات البحثية الخاصة بكل جامعة على حدة، يتضح أن الأبحاث تنشر في أكثر الأحيان في مجلات كليات الآداب في الجامعات العربية وبشكل خاص مصر والسودان، أو تنشر في حوليات مجلات كليات الآداب المحلية في الجامعات السعودية. وبالطبع فإن هذه المجلات والحوليات لا يمكن مقارنتها بالدوريات العربية والدولية المحكمة.

تعد الأبحاث العلمية، العمود الفقري للدراسات العليا في علم الاجتماع، كغيره من بقية برامج الدراسات العليا، لكن معد المادة وعبر اطلاعه على آليات ومناهج البرامج الأكاديمية السعودية في علم الاجتماع، يمكنه القول إن تلك البرامج لا تعمل بالشكل الجاد الذي ينمي ويعزز مهارات الطالب البحثية، بل إن الطلبة يعتبرون الكتابة نوعاً من التكاليف غير المرغوب فيها ويحاولون بكل الحيل الممكنة أن يتم تجاوزها بالمجاملات تارة أو الاستعارة بكاتب بديل أو بحوث جاهزة.

يمكن القول إن هذا الحقل، بعيد تماما عن روح العلم، إذ قد يقوم بعض طلبة الدراسات العليا في علم الاجتماع في الجامعات السعودية بنقل الأبحاث من بعضهم أو الاستعانه بمن يكتب عنهم، وهو ما وثقته ورقة الدكتورة عائشة الأحمدي، الباحثة في شؤون التعليم والتربية في السعودية، حول أشكال الفساد الأكاديمي في الجامعات السعودية بشكل عام، إذ يقوم الطلبة بحسب الدراسة بسرقة أبحاث مكتوبة على الإنترنت وتقديمها على أنّها من إعدادهم، كما يقوم الطلبة بسرقة (انتحال)عبارات من بحوثٍ أخرى ينسبونها لأنفسهم، ويُضمّن الطلبة قائمة المراجع في تكليفاتهم مراجع لم يجْر الاطّلاع عليها بغية الزيادة في عدد المراجع، والاستشهاد بمراجع لم يتمّ الرجوع لها فعليًا، وإنّما مضمّنة داخل مراجع أخرى دون ذكر ذلك، وأخيراً استعانة الطلبة بمكاتب تجارية لكتابة رسائلهم العلمية أو مشاريعهم البحثية، بحسب الدراسة التي اعتمدت على وجهة نظر 2383 طالبًا وطالبة من طلبة الدراسات العليا في الجامعات الحكومية السعودية، في برنامجَي الدكتوراه والماجستير.


 

2% نسبة الباحثين الاجتماعيين إلى عدد السعوديين


تبلغ نسبة الباحثين الاجتماعيين مقارنة بعدد السكان في المملكة العربية السعودية 0.2%، بينما في دولة الكويت تصل النسبة إلى 6.7% كأعلى نسبة في العالم العربي، بحسب تقرير "العلوم الإجتماعية في العالم العربي: أشكال الحضور"، الصادر عن المجلس العربي للعلوم الاجتماعية والذي نشره المرصد العربي للعلوم الاجتماعية في العام الجاري.

وبحسب معد التقرير الدكتور محمد بامية، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيتسبرغ في الولايات المتحدة، فإن السعودية حازت على رقم صفر، من حيث نسبة المقالات المنشورة في 8 دوريات علمية محكمة حسب البدان البلدان والمناطق المدروسة من عام 2010 وحتى عام 2014، مقارنة ببقية البلدان التي أجريت فيها الدراسة.

يأتي هذا في الوقت الذي يشبه فيه الباحثون في علم الاجتماع، بلدان العالم العربي بشكل عام والسعودية بشكل خاص بـ"منجم ذهب للدراسات الاجتماعية"، التي تحتاج إلى جهد كبير وتطور في إنتاج نظريات علمية تساعد على فهم الظواهر التي تملأ المجتمع ولا تجد التفسير الجاد والراشد لها، تحت إيقاع التغيير السريع الذي حظيت به بلدان الجزيرة العربية بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، بفضل ثروات النفط التي أدت إلى بحبوحة العيش وملايين الفرص الوظيفية مع تغيرات حدثت سابقاً وتحدث حالياً، من دون مواكبة معرفية وبحثية تترافق مع هذا التغيير وتساعد على تحسين الواقع وتجنب إشكاليات عدة تحدث نتيجة بناء خطط وبرامج قد تكون هي حلول في نظر الجهات المختصة، لكن هي في الواقع إشكالية وأزمات مؤجلة للمستقبل.


دوافع الطلاب للالتحاق ببرامج الدراسات العليا الاجتماعية

بحسب ما وثقه معد المادة، عبر مقابلات مع الطلاب، فإن عددا من طلبة برامج الدراسات العليا الاجتماعية، يتقدمون لها من باب الوجاهة الاجتماعية، كأن يقال فلان دكتور، أو من باب تحسين الظروف الوظيفية، إذ إن الحصول على الماجستير أو الدكتوراه يتيح للموظف وهو على رأس العمل أن يترقى وظيفياً.

بالمقابل فإن عددا من الطلبة الجادين التحقوا بهذه البرامج لغير الأسباب السابقة، إذ يبحثون عن تنمية مهاراتهم البحثية في مجال العلوم الاجتماعية التي يهتمون بها، غير أنه ولدى سؤال عدد من الطلاب الجادين من منتسبي برنامج الماجستير في علم الاجتماع في أكثر من جامعة سعودية، حول مدى تأهيلهم ليكونوا باحثين اجتماعيين، يؤكد أحدهم بينما يوشك على الالتحاق ببرنامج للدكتوراه في أميركا، أنه "رغم اهتمامه الأصيل بعلم الاجتماع، فإن الفجوة الدراسية كبيرة وأنه يشعر أنه غير مؤهل لدراسة الدكتوراه".

وحول مدى تأهيل الطالب في مهارات البحث العلمي في العلوم الاجتماعية بالسعودية، قال طالب الدكتوراه "عملية التأهيل ضعيفة جداً وغير كافية". وبحسب شهادة أخرى من طالبة دراسات عليا في جامعة الملك فيصل، فإن عمل الأستاذة ينحصر و يتركز على إتمام المنهج المقرر واعتماد نتائج الاختبارات كمقياس لتقييم الدارسات؛ الأمر الذي يقتل روح البحث وشغف المعرفة لدى الدارسات لأنه في النهاية لا يخدم تقييمهن كما تفعل نتيجة الاختبار".

7 أسباب رئيسية لضعف برامج علم الاجتماع

بحسب مختصين التقاهم معد المادة، فإن سبب تراجع برامج علم الاجتماع والدراسات العليا بشكل خاص في السعودية، ترجع إلى نقص الحرية الأكاديمية، وضعف الترجمة إلى اللغة العربية من قبل اللغات الحية في علم الاجتماع، وكذلك عدم وجود مقررات من هذه اللغات مما ولد محتوى و مناهج ضعيفة للغاية، وكذلك أضعف التواصل المعرفي ما بين الطالب وما كتب بهذه اللغات الأخرى، وكذلك ضعف الكادر الأكاديمي معرفياً، وهذا السبب له عدة ظروف تدعم هذا الوهن، منها عدم وجود تحديات علمية أو قلق معرفي لهذه البرامج وللكادر الأكاديمي يدفعها نحو الإنتاج الرصين والجاد، وأخيراً سعودة القطاع التعليمي الأكاديمي على حساب الجودة والمعرفة والفرق الواسع في المزايا والرواتب المادية بين السعودي وغيره من الأساتذة العرب، ما ولد في كثير من الأحيان حالة من التبعية من الأستاذ العربي للسعودي، وكذلك فإن الترقية أو المشروعات البحثية المدعومة من قبل جهات مانحة بمعايير بحثية ضعيفة أدت إلى تراجع الإنتاج المعرفي للأكاديمي السعودي المتخصص في علم الاجتماع.

يؤشر ما سبق إلى أن حال معظم الجامعات السعودية مزرٍ تعليميا. غير أن أهم ما كُتب حول فشل التعليم العالي في السعودية، هو كتاب وزير التعليم الحالي الدكتور أحمد العيسى (التعليم العالي في السعودية: رحلة البحث عن هوية) الصادر عن دار الساقي 2011.

يمكن القول إن البيئة الأكاديمية في السعودية، ومن بينها أقسام علم الاجتماع، في أمس الحاجة إلى المراجعة والتقيم الشامل لإيقاف العبث الأكاديمي وتصحيح مسار التدريس وبرامج الدراسات العليا.

ختاماً، يقول الدكتور محمد بامية إن العلوم الإجتماعية لا تزدهر ببساطة بفضل الثروة الوطنية، بل بفضل الاهتمام العام والحرية النسبية لإجراء البحوث.

دلالات