بالفيديو:آثار الموصل.. ثروة الحضارة حصى تحت مطارق التخلف

04 مارس 2015
لم يوفر الداعشيون وسيلة لهدم المعالم الحضارية (إنترنت)
+ الخط -

أثار تدمير عناصر من "داعش" موجودات متحف الموصل من القطع الأثرية عاصفة استنكار في جميع أنحاء العالم. وبادر الأمينان العامان للأمم المتحدة واليونسكو إلى إدانة هذا العمل البربري، فضلاً عن عشرات السياسيين والمثقفين في مختلف الدول . ويمكن وصف ردود الفعل العربية على الحدث بأنها متواضعة والأضعف من سواها، ومعظمها اقتصر على تعليقات إذاعية وإعلامية وبعض الأحاديث التي أدلى بها أساتذة ومختصون بعلم الآثار.

ولم يرتق الاستنكار والإدانة الى مستوى العمل الإيجابي من جامعة الدول العربية ووزارات الثقافة. وغابت الجامعات عن القيام بدورها في تنظيم حلقات وندوات دراسية ومحاضرات ومعارض مصورة للآثار العراقية وأهميتها الحضارية.

والحقيقة أن تراث العراق الحضاري الذي تستهدفه هذه الجماعة لم يعد ملكاً للشعب العراقي بمختلف مكوناته الاجتماعية والإثنية والدينية بعد أن بات جزءاً لا يتجزأ من الثقافة والتراث الإنساني العالمي.

ومن المعروف أن هذه الحضارات على مختلف مسمياتها تعتبر واحدة من أقدم الحضارات التي عرفها الاجتماع الإنساني، بل إن عدداً من علماء الأنثروبولوجيا يعتبرون العراق وبلاد الرافدين بأسرها المكان الأول ـ أو من الأمكنة الأولى - الذي أنشأ فيه الجنس البشري المدن، وبالتالي مركز انطلاق عجلة التقدم في مختلف مجالات العلوم والمعارف والفنون. وقد قدمت هذه الشعوب مجتمعة إسهامات ما تزال حاضرة حتى اليوم في مسيرة البشرية.

واذا كانت الكثير من المكتشفات قد تم تهريبها الى العواصم الكولونيالية في لندن وباريس وبرلين وموسكو وواشنطن، مما تتخم به متاحف هذه الدول، فإن ما تبقى لا يقل أهمية عما تم تهريبه. وهو ما كان عماد موجودات متحفي الموصل و بغداد، الذي لا ضرورة لإعادة التذكير بما أصابه خلال غزو القوات الأميركية للعراق واحتلال عاصمته بغداد من عمليات نهب.

والمفارقة، أنه فيما كان يعاد الاعتبار لهذا المتحف، ويعود الى فتح أبوابه بعد أن استعيدت ألوف القطع التي سرقت منه، كانت ضربات مطارق عناصر تنظيم "داعش" تعمل دكاً في متحف الموصل الذي لا يقل أهمية عن متحف بغداد، بالنظر إلى قربه من المناطق الأثرية العراقية.



من أين جاءت موجودات متحف الموصل؟

المعروف أن العراق اعتمد سابقاً ما تعتمده العديد من الدول من خلال إقامة متاحف مناطقية بهدف جذب الحركة السياحية والثقافية خارج العاصمة ضمن توجه لا مركزي يوزع الأنشطة على الأقاليم.

ولما كانت مدينة الموصل هي الموقع الأقرب إلى الكثير من المواقع الأثرية في المنطقة، فقد تم افتتاح متحف فيها، وخصوصاً أننا نتحدث عن مدينة تعد بالملايين، وتملك إضافة الى العمق التاريخي، مؤسسات أكاديمية وعلمية وثقافية وخدماتية يمكن أن تتفاعل مع وجود المتحف وما توجبه الحركة السياحية داخلياً وخارجياً من مجالات في الحياة اليومية.

في ما يأتي شرح مقتضب للمواقع الأثرية المجاورة للموصل وهي:

مدينة آشور، سميت على شرف الإله آشور، وقد بُنيت على الضفة اليمنى لنهر دجلة قبل التقائه بنهر الزاب الأكبر على تل صخري. وقد عثر في التل المذكور على نقوش مسمارية تتحدث عن انتصارات الملك شمش الأول الذي عاش قرابة العام 1835 قبل الميلاد.
وفي الحفريات التي شهدتها آشور عُثر على قصور ورؤوس نمور ونسور ورؤوس بشر مزينة بالقرون، وكذلك عُثر على أعمدة عليها نقوش ورسوم وعلى أضرحة مدفنية. ويعتبر تابوت آشور ناصر بانيبال، الموجود في متحف برلين قياسياً، بحجمه الذي بلغ طوله أربعة أمتار ووزنه 18 طناً.

كما تم اكتشاف مرافئ على ضفاف دجلة وعلى قنوات مياه جوفية. ولكن يعتبر المعبد المكرس للآلهة عشتار من أهم ما تم العثور عليه.نمرود، وهي العاصمة الآشورية القديمة كلخو، وتم تأسيسها على يد الملك آشور ناصر بعل ( 885- 860 ق .م ) بعد أن نقل العاصمة القديمة من آشور. وقد عثر فيها على قصور ومعابد وزيقورات ومنازل سكنية وأقنية صرف صحي، وقد قام خلفه ببناء قصر رئاسي خاص به، تولى خلفه توسيعه وترميمه بشكل كامل.

في الجزء الجنوبي الغربي بنى الملك أسرحدون (681 – 668 ق.م) قصره مستعملاً مواد بناء من قصور قديمة. وكذلك عثر على لوحات حجرية ومسلات وكؤوس برونزية. لكن الأهم من ذلك كله كانت الثيران والأسود المجنحة التي كانت على مدخل قصر أشور ناصر بعل. كما تم العثور على حجر بازلتي أسود يتضمن نصوصاً عن انتصارات الملك الآشوري شلمنصر.

وبلغ من كثافة اللقى في نمرود أن المتحف البريطاني الذي كان يتلقى هذه التحف طلب من الأثري ليبارد أن يتوقف عن التنقيب بعد أن فاض المتحف بالموجودات التي تم نقلها إليه. بالطبع، بعده تتابعت الحفريات ومعها العثور على المعابد والأسلحة وألوف الأسطوانات المصنوعة من العاج المطعم بالذهب وغيرها.

نينوى، كانت مدينة نينوى تقع على الضفة اليسرى لنهر دجلة المقابلة لمدينة الموصل الحالية. وقد باتت عاصمة الأمبراطورية الآشورية إبان حكم الملك سرغون الثاني. وكانت الحصون التي تزنر المدينة منيعة الى الحد الذي يصعب معه اختراقها. وإلى الجنوب من نينوى هناك تل يدعى تل النبي يونس. وعثر المنقبون على بوابات عدة، من بينها بوابتا الإله نيرغال وشمش.

ووجدت في قصر الملك سنحريب تماثيل ومكتبة تضم ألوف المحفوظات الفخارية في مجالات الطب والرياضيات والفلك والجغرافية والمعاجم وغيرها. وفي تل يونس عُثر إلى جانب اللقى على النص الذي يتحدث عن طوفان العالم مما هو مذكور ومعروف في الكتب الدينية باسم طوفان نوح.

دور شوركين، وتقع على مسافة تبعد عن نينوى حوالى عشرين كلم إلى الشمال الشرقي. ودور شوركين تعني الحصن أو القلعة على اسم مؤسسها سرغون الثاني، الذي سبق وعاش في مدينة كلخو، ولم يشعر بالراحة فيها فقرر مغادرتها وبناء عاصمة له. وكان للمدينة سبعة أبواب على عدد أيام الأسبوع. وكل واحد مزين بتماثيل لثيران وأسود مجنحة وتماثيل لغلغاميش.

وكانت إلى جوار قصر الملك ثلاثة معابد صغيرة وزيقورة كبيرة. لكن الملك سرغون توفي قبل أن ينجز البناء الذي لم يتابعه خلفه سنحريب والذي أعاد العاصمة الى نينوى مرة ثانية. وعثر المنقبون في دور شوركين، التي ظنها بعضهم بداية أنها نينوى، على تماثيل عملاقة وأسود وثيران مجنحة. وعلى مجمع قصور يحوي أحدها على حوالي مائتي غرفة، وعلى حوالي 30 قصراً أخرى. وكان للمدينة بوابات احتفالية ومذابح ثلاثة ومعابد للآلهة القمر والزهرة والشمس، وعلى أبراج ومقابر تزين مداخلها تماثيل لثيران عملاقة برؤوس بشرية.

وتضمنت مكتشفاتهم قوائم بأسماء الملوك الآشوريين ومدة حكم كل منهم. كما تم العثور على ستة الآف متر مربع من ألواح الممر وقاعات مخصصة للملك والدبلوماسيين والشخصيات وكبار الضيوف الأجانب، كما عثر في القصر على مكتبة تتناول شتى أنواع المعارف ومخازن أسلحة ومستودع أغذية وغيرها.

لكن الموصل ومحيطها تتجاوز هذه العجالة التي تناولت الحضارة الآشورية وبعض ما تم العثور عليه من بقاياها. إذ إن هذه المنطقة بمنوعات مدنها لعبت أدواراً أساسية في التاريخ، مما جعلها من المراكز الحضارية الرئيسية التي تربط بين مناطق واسعة شهدت حراكاً سياسياً وعسكرياً وتفاعلاً حضارياً وتجارياً حقيقياً في مختلف العصور.

من هنا يمكن أن نشير الى أن محتويات الموصل ومتحفها تتجاوز الحقبة القديمة لتنفتح على مراحل وحقب لاحقة. ومن هنا بالضبط تنبع مدى خطورة هذه الاستباحة والاستهانة بهذا المخزون الحضاري الذي تمثله المدينة، الذي سرق منه المنقبون الأجانب الكثير إبان فترات الاستعمار، ونقلوه الى العواصم الغربية.

لكن يمكن القول إن جلاوزة "داعش" هم بالتأكيد أقسى من منقبي الدول الاستعمارية.. إذ يظل المرء يأمل يوماً أن نتمكن من استعادة تراثنا المسلوب والمنهوب، أما وقد استحالت ثروتنا الانسانية مجرد حصى مفتتة فكيف يمكن استعادتها؟