صوماليون يخوضون رحلات الموت.. بحثاً عن الحياة

16 ديسمبر 2015
لاجئون صوماليون لدى وصولهم إلى الشواطئ الإيطالية (فرانس برس)
+ الخط -

"كانت تطفو على الماء، وظهرها المحروق عار، صورتها لا تفارق مخيلتي"، بهذه الكلمات روى الشاب العشريني الصومالي محمد ويس، قصة شقيقته فاطمة التي فقدها في رحلة الموت، التي خاضها و40 من أبناء مدينة بوصاصو الساحلية الصومالية، عبر البحر الأبيض المتوسط.

في مركز "فينوليو" للاجئين في تورينو شمالي إيطاليا، يقضى اللاجئ الصومالي محمد أيامه، التي يصفها بالبائسة، متحسراً على خوضه إحدى رحلات الموت نحو أوروبا، بعدما شاهد شقيقته و26 من رفاقه الشباب يقضون غرقاً. رحلة محمد ورفاقه، قطعت مئات الكيلومترات من مدينته عبر الشاحنات، حتى وصلت إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا على ظهر قوارب مطاطية لم تنجح بالصمود أمام الرياح البحرية.

دفع محمد وشقيقته 3000 آلاف دولار أميركي، في سبيل رحلتهما، يقول محمد "خلال الرحلة لا تعلم هل ستموت غرقاً، أو ستصل إلى بر الأمان، ثم قد تكتشف عندما تصل أن ستظل محبوساً في مركز مثل الذي نحن فيه".

بحسب تقديرات صومالية غير رسمية فإن الشباب يشكلون 95% من الصوماليين الذين يقضون غرقاً خلال رحلة الهجرة غير الشرعية، وتحمل رحلات الهجرة غير الشرعية، مخاطر عديدة مثل سوء المعاملة والابتزاز والترحيل والسجن.

وبحسب تقرير صدر عن منظمة الهجرة الدولية، فإن 22 ألف مهاجر قضوا غرقاً بالبحر الأبيض المتوسط ، من بين 40.000 ألف مهاجر قضوا نحبهم أثناء الهجرة "غير الشرعية"، عبر العالم، منذ عام 2000 حتى الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول 2015.

اقرأ أيضاً: السوريون في ليبيا... 5 محطات للهجرة إلى أوروبا

رحلة الموت تبدأ من الصحراء

في مركز تجمع المهاجرين ببلدة "سيتيمو" شمالي إيطاليا، التقى معد التحقيق الشاب الصومالي أبدولاهي أحمد (24عاماً)، والذي خاض تجربة مع الموت، للهجرة من الصومال، يقول أحمد "كنا نسير مشياً في الصحراء، رأيت هياكل لجثت مهاجرين، كانوا يسلكون الطريق الصحراوية نحو ليبيا"، يتابع لـ"العربي الجديد":" الماء هو الزاد الرئيسي لرحلات الهجرة غير الشرعية من الصومال مروراً بليبيا، ولا يمكن أن تعول على مياه المهربين، لأن العطش أول عدو قاتل بالصحراء، من رأيناهم مؤكد أنهم قضو عطشاً".

يتابع أحمد، بعد مسيرة مرهقة في الصحاري استمرت أسابيع، مشياً وعبر الشاحنات، وصلنا إلى صحراء أجدابيا بليبيا، هناك وضعنا المهربون في مخزن كبير، هددونا بالموت مالم ندفع، لهم 5 آلاف دولار"، ولأن المهربين يعرفون أن المهاجرين الصوماليين لا يتوفرون على المبلغ المالي المطلوب، وفّروا لهم هاتفاً نقالاً لمحادثة عائلاتهم في مدة أقل من ثلاثين ثانية، فقط لإخبارهم بأماكن تواجدهم وضرورة تحويل المال الذي حدده المهربون، كما يشرح محمد مسترسلاً: "لقد اضطرت والدتي بيع البيت العائلي، لإنقاذي من الموت".

اقرأ أيضاً: الهاربون إلى الجنة.. الطريق إلى أوروبا مفروش بجثث السوريين

نخاسة

في مدينة طرابلس الليبية، تعرض الشاب الصومالي يوسف عبدي، إلى البيع من جانب المهرب الصومالي الذي اتفق معه، لصالح آخر من نفس الجنسية بمبلغ 400 دولار، أجبر المهرب يوسف على العمل لديه لسداد ثمن "السحمة" أي الرحلة البحرية كما يقول، لكن يوسف يعتبر أن حظه نجح في انتشاله من أزمته، عقب علم المهرب بقدرته على قيادة قارب التهريب المتهالك.

وبحسب إيستر ساليس، الباحثة السوسيولوجية في المنتدى الأوروبي لدراسات الهجرة، فإن معظم القوارب التي يركبها المهاجرون من شمال إفريقيا يتم تشغيلها من الركاب أنفسهم، حينما يعلنون أنهم يتوفرون على الحد الأدنى من الخبرة في الملاحة البحرية، أو العمل كصيادين في بلدانهم الأصلية حسب توضيحات إيستر، لـ"العربي الجديد".

اقرأ أيضاً: الهاربون إلى الجنة..3 أسباب وراء هجرة السوريين من مصر

الموت في انتظار حرس السواحل الإيطالي


لكن سوء حالة القوارب، ونقص الخبرة، أدى إلى العديد من الحوادث المأساوية للاجئين الصوماليين، من هؤلاء محمد جلدي، الذي كان يقود قارب الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى إيطاليا، لكن سوء الأحوال الجوية أدى إلى غرق 17 من أصدقائه، قبل وصول النجدة، وحينما وصلت قوات خفر السواحل الليبية، زاد العدد إلى 26 ضحية، بعدما رفض العديد منهم الرجوع إلى البر، إذ كان ينتظرهم الموت في السجون الليبية، كما يقول.

يتابع محمد "كنا نفضل انتظار قدوم قوات خفر السواحل الإيطالية، وهو ما كلف بعض الرفاق حياتهم".

بسبب حادث غرق قارب اللاجئين قرب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، في 3 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2013 الذي لقي فيه 368 مهاجراً حتفهم، تشكلت العملية الإنقاذية "بحرنا"/"ماري نوستروم" والتي أطلقتها الحكومة الإيطالية، ثم بعدها العملية الإنقاذية" "تريتون"، والتي تعرضت لانتقادات شديدة من لدن الحقوقيين، بسبب طبيعة التدبير من طرف الوكالة الأوروبية "فرونتيكس"، التي تهتم بحماية الحدود البحرية للاتحاد الأوروبي، دون الاهتمام بتطبيق القوانين التي تنص على حرية المهاجرين لمغادرة أي بلد، بما في ذلك بلدهم، وحريتهم في دخول أراضي دولة أخرى مع مضاعفة إمكانيات تسهيل الدخول القانوني للمهاجرين إلى أراضي أوروبا، وإغلاق المراكز التي تحجز المهاجرين، وإيقاف عمليات الطرد القسري المخالفة للمعاهدات الدولية. يضاف إلى ذلك تدابير أخرى أوروبية صدرت عقب القمة الأوروبية الاستثنائية بمالطا في الـ 12 تشرين الثاني/ نونبر 2015، والتي انتقدتها العديد من الجمعيات العربية والإيطالية في بيان مشترك.

اقرأ أيضاً: شبكات تهريب اللاجئين السوريين..4 طرق محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا

مسؤولية الاتحاد الأوروبي

في الـ19 من أبريل/نيسان الماضي، شهد الاتحاد الأوروبي نقاشات حقوقية موسعة، بعد اتهامه من طرف الحقوقيين والرأي العام الدولي بالتقصير في إنقاذ قرابة 900 مهاجر غرقوا في عرض المتوسط، مات من بينهم 700 مهاجر غرقاً، وعلى إثر هذا الحادث وبناء على طلب من منظمة العفو الدولية، (أمنيستي انترناشوال) وسعت عملية "تريتون" إجرءات عملها، من خلال توفير قدر أكبر من موارد الإغاثة، حسب ما قاله ريكاردو نوري، الناطق الرسمي باسم منظمة العفو الدولية في حديثه مع "العربي الجديد"، يضيف نوري "لو لم تكن انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان الأصلية للمهاجرين، وكذلك الحرب، التعذيب، الاضطهاد والجوع، لما أجبر العديد من المهاجرين على ترك أراضيهم وأسرهم".

وتؤكد مصادر أمنية إيطالية، أن عناصر الدرك (كارابنييري) التابعة لوحدة تحقيق غرفة عمليات كازيرتا (نابولي)، نفذوا في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2015 أمر اعتقال ضد ثمانية من المشتبه بهم بالتورط في تسهيل الهجرة غير الشرعية في إيطاليا. فيما سبق اعتقال ثمانية مهربين بتهمة التسبب بوفاة 49 مهاجراً خنقاً في قارب، وعلق المدعي العام في كاتانيا في تصريح صحافي على عملية الاعتقال قائلاً "إن موت المهاجرين خنقاً في عنبر السفينة، يُعدُّ قتلاً متعمداً"، في إشارة إلى عدم تمكين المهاجرين من التهوية اللازمة، حسب شهادات الناجين.

اقرأ أيضاً: "قوارب الحظ" تقتل اللاجئين السوريين على شواطئ ليبيا

المتهم الحقيقي

لا يحصر ريكاردو نوري، الناطق الرسمي باسم منظمة العفو الدولية، مسؤولية قتل المهاجرين في عرض المتوسط على عاتق المهربين فحسب، إذ قال لـ"العربي الجديد":"هناك مسؤوليات أخرى ذات طبيعة سياسية، في شخص قادة الحكومات والمؤسسات الأوروبية، التي فشلت في توفير الوضع القانوني والآمن للدخول إلى الاتحاد الأوروبي مما يدفع المهاجرين وطالبي اللجوء إلى وضع حياتهم في أيدي المجرمين".

يعلق اللاجئ الصومالي أبدولاهي على حديث نوري "الرحلة إلى أوروبا هي مغامرة نحو الموت، كنت أرغب في حجز تذكرة سفر من مقديشو إلى إيطاليا هروباً من التصفية الجسدية لأسباب سياسية، لكن لم تتح لي الفرصة لأخذ التأشيرة، فلم أجد سوى المهربين، لأسلك رحلة الموت إلى أوروبا".

وتؤكد الباحثة السوسيولوجية إيستر ساليس أن "المسؤولية غير المباشرة لموت المهاجرين تتحملها الحكومات الأوروبية الحالية والسابقة، والتي تبقي على سياسة إغلاق الحدود"، وتمضي إيستر في تحميل المسؤولية غير المباشرة لحكومات البلدان الأصلية للمهاجرين، من خلال تهاونها أوعدم اجتهادها في بلورة برامج تنموية تحد من الفقر أو تنشر السلم بدل الصراعات العسكرية، التي تدفع الناس إلى الهجرة"، مشيرة إلى أن "حكومات بلدان العبور لا تقوم بما يكفي للتصدي الفعّال لشبكات تجار البشر".