عشوائيات مصر..أحلام الفقراء لا تطاولها الثورات

01 سبتمبر 2014
17 مليون مصري يعيشون في العشوائيات(محمود حمص/فرانس برس/Getty)
+ الخط -


يسير صالح، بوجهه الشاحب، متكئاً على الجدار، محاولاً عبور مياه الصرف الصحي المنتشرة في الشارع، ليصل إلى كوخه، حيث يقطن وزوجته وأولاده السبعة، أمام كوخ من الطين والطوب اللبن، وسقف كرتوني، يقف أبناء صالح في انتظاره هرباً من ارتفاع حرارة الكوخ المكوّن من 4 جدران ويضم 3 "مراتب" ملقاة على الأرض، و"وابور الجاز"، وحشرات متراكمة في الأرجاء، فضلاً عن الفئران والثعابين التي تأتي عن طريق مياه الصرف المحيطة بأسرة صالح، إذ يتقاسم الجيران دورة مياه واحدة.

"دخلي 500 جنيه في الشهر" ( 70 دولاراً أميركياً)، يقول صالح. ويضيف: "على مدار ثلاث سنوات، بعد ثورة 25 يناير، كان لدينا أمل كبير في الانتقال من تلك المنطقة إلى منطقة أفضل، خاصة بعد القضاء على المسؤولين الذين يسرقون الشقق المخصصة لسكان المناطق العشوائية، لكن للأسف لم يحصل شيء، وظل الفساد منتشراً حتى الآن، وتضاعفت المناطق العشوائية وامتدادها".

صالح لم يعد قادراً على ممارسة وظيفته كحارس أمن في إحدى الشركات الخاصة، فيضطر أحياناً إلى إرسال ابنه الأكبر بدلاً منه في بعض الأيام التي تتدهور فيها حالته الصحية، حتى لا يتعرّض للحسم من مرتبه.

تتدخل زوجته، ميرفت، ويبدو عليها الشحوب: ''نفسي أعيش لحدّ ما أجد شقة أسكن فيها وأسرتي وأشعر بإحساس الآخرين نفسه، أني إنسانة وأترك المنطقة العشوائية".
حالة صالح وأمنية زوجته تتشابه و17 مليون مواطن مصري، وهو ما يعادل تقريباً 18% من الأسر تسكن العشوائيات في محافظات مصر، وذلك وفقاً لتقديرات الدكتور أبو زيد راجح، الرئيس السابق لمركز بحوث الإسكان والبناء والتخطيط العمراني (مركز حكومي)، ودراسة أخرى صادرة عن "المركز الديموغرافي" في القاهرة للدكتورة نادية حليم، كشفت أن النمو السكاني للعشوائيات يرتفع بنسبة 34% سنويّاً، كما هو الحال في عشوائيات قسم السلام في القاهرة، وفي عشوائيات أخرى يصل النمو إلى 9% سنويّاً، كما هو الحال في عشوائيات منطقة البساتين في القاهرة.



ووفقاً لإحصائيات أعلنتها وزارة التطوير الحضاري، جرى استحداثها أخيراً، وسبقتها إلى ذلك وزارة التنمية المحلية، ارتفع عدد المناطق العشوائية إلى 1221 منطقة. وتحتل القاهرة المركز الأول في عدد المناطق العشوائية بنحو 81 منطقة، مطلوب إزالة 12 منها وتطوير 67 منطقة، أما في الجيزة، فهناك 32 منطقة عشوائية مطلوب إزالة 4 وتطوير 28 منها، والإسكندرية فيها 41 منطقة مطلوب إزالة 8 وتطوير الباقي.

وتعتبر محافظة الدقهلية أعلى المحافظات احتواءً على المناطق العشوائية من بين كل المحافظات تقريباً، إذ تضم 109 مناطق. كما أن هناك ثمانية ملايين، من بين 15 مليوناً يسكنون العاصمة، يعيشون في تلك العشوائيات التي تحتل 45% من مسطح القاهرة الكبرى.

وبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يتصدّر إقليم الدلتا بعدد المناطق العشوائية في الجمهورية بعدد 362 منطقة، مقابل 192 و184 و159 منطقة في أقاليم جنوب الصعيد والقاهرة الكبرى والإسكندرية على التوالي، بينما خلت محافظتا جنوب سيناء والوادي الجديد من أي مناطق عشوائية.

زرزارة بورسعيد


في محافظة بورسعيد، تسبّب انتشار العشوائيات في تهديد استقرار المدينة، التي اعتبرت قنابل موقوته، خاصة عزبة أبو عوف وزرزارة وبعض المناطق في أطراف المدينة. ويروي عزت توفيق، أحد قاطني منطقه زرزارة  العشوائية، أنهم لا يجدون الماء النظيف ولا الكهرباء ولا الصرف الصحي، بالإضافة إلى أن الأطفال يتسرّبون من المدارس، ما ساعد على انتشار الأمية وتفشي الجريمة.

"المسؤولون في مصر هجرونا وطردونا من مكاتبهم"، قالها عزت، واصفاً منطقته التي يعيش فيها هو وزوجته وأولاده الأربعة: "المنطقة مستنقع مجاري ومقلب زبالة للأثرياء، حيث يلقي مسؤولو المحافظة مخلّفات بورسعيد لدينا حتى لا يجرحوا مشاعر الأغنياء".

ويسرد عزت وقائع يومية: المنطقة تشهد اقتتالاً يوميّاً بين البلطجية، وأصبحت أكبر بؤرة لتجمع الخارجين على القانون والهاربين وتجار المخدرات، مشيراً إلى وجود عشرات المحلات المهجورة منذ زمن في مساحة أرض تكاد تكون الأكبر على مستوى بورسعيد، يحصل فيها كل ما هو مخالف للقانون، مشيراً إلى أن الأهالي استغاثوا من قانون الغابة والبلطجة في العيش هنا، ولكن جرى طرد كل مَن اشتكى أو فكّر أن يعادي البلطجية، الذين سيطروا على المنطقة ولا تقدر الشرطة على إحكام قبضتها عليهم.

عشوائيات الصعيد

وفي صعيد مصر، انتشرت في الآونة الأخيرة المناطق العشوائية، واحتلت محافظة سوهاج مركزاً متقدماً من حيث عدد المناطق العشوائية التي زادت بصورة مخيفة نتيجة الزيادة السكانية والافتقار إلى التخطيط.



حميد عبد اللطيف (موظف)، يقطن في منطقة الكومة في مركز أخميم، وتبلغ مساحتها ‏15‏ فداناً و‏3‏ "قراريط" أملاك دولة، وفيها ‏847‏ وحدة سكنية، يقول: "نعيش هنا بسبب تدني مستوى الحالة الاجتماعية لسكانها، إذ إن راتبي لا يتعدى 500 جنيه، فكيف أعيش في منطقه جيدة وأقل إيجار منزل لدينا 500 جنيه، بالاضافة إلى غياب أدنى درجات احترام الانسان، فأنا أقطن مع زوجتي وأبنائي الستة وأمي المسنّة في غرفة وصالة وحمام ومطبخ، تشبه الحظيرة الصغيرة التي لا تتسع لـ3 مواشٍ".

ويضيف: "إننا نعيش وسط مدافن"، ويشير الى المقابر الموجودة، "ونشارك الأموات مكان راحتهم، لأن حكومتنا الموقرة على مر السنيين أقسمت أنها لن تترك حيّاً ولا ميتاً في حاله من دون أن يدفع غرامات وضرائب ومحسوبيات".

سكرتير عام محافظة سوهاج، علاء ياسين، أكد لـ"العربي الجديد"، أن إجمالي المناطق العشوائية في المحافظة 67 منطقة تم تطوير 45 منطقة منها بكلفة تزيد على 120 مليون جنيه وتبقى 22 منطقة.

الإسكندرية لم تتعافَ أيضاً

في الإسكندرية، يقول شحاته علي، سائق "عربة كارو"، يسكن في منطقه باب العبيد: "هنا لا مياه نقية ولا صرف صحي ولا كهرباء ولا  شوارع مناسبة".

شحاتة، الذي يعيش وحيداً تاركاً زوجته وأولاده الثلاثة لدى أسرة زوجته، يقول: "عايش هنا بعد انهيار بيتنا من سنتين في منطقه السيوف، ولا أملك دخلاً ثابتاً"، مشيراً إلى أن المنطقة توجد فيها 50 أسرة تتشارك في دورتي مياه.

جهود المجتمع المدني لمواجهة أزمة العشوائيات متواصلة، كان آخرها مشاركة حملة الفنان محمد صبحي لجمع مليار جنيه لمكافحة العشوائيات في مصر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وتنطلق المبادرة تحت عنوان: "مبادرة معاً لريادة مصر"، وذلك عبر بناء 5300 وحدة سكنية، لـ6 مناطق عشوائية.

أحد مسؤولي الحملة، رفض ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، قال إن الحملة ما زالت فى مرحلة جمع التبرعات، لأن المبلغ الحالي الذي جمعته لا يتعدى 105 ملايين جنيه، مضيفاً أنه من بين المشاكل التي كانت تواجه الحملة العثور على أرض، وقدمت له الحكومة، حينها، تسهيلات في الحصول على أرض تقدّر مساحتها بـ80 فداناً في 5 مدن مختلفة، مشيراً إلى أن هناك برتوكولاً موقعاً لمنظمة الإغاثة الإسلامية التي تبرعت بـ60 مليون جنيه، مؤكداً أن التبرعات توقفت نتيجة أن المتبرع لم يرَ شيئاً على أرض الواقع، أما الآن فالأمر أصبح واقعاً. متوقعاً زيادة التبرعات خلال الفترة المقبلة.



المدير التنفيذي لصندوق تطوير العشوائيات، المهندس خالد الجبرتي، أكد أن غياب ثقة المواطن في الحكومه هي أهم المعوقات أمام تطوير المناطق العشوائيه في مصر.

وأوضح خالد أن الخريطة القومية لحصر المناطق غير الآمنة في مصر كشفت عن وجود 383 منطقة غير آمنة تشمل 29 منطقة خطورة، درجة أولى فى محافظات أسوان والإسكندرية والبحر الأحمر والقاهرة وجنوب سيناء وكفر الشيخ، و226 خطورة درجة ثانية، و68 خطورة ثالثة، و20 منطقة خطورة درجة رابعة.

"وزارة تطوير العشوائيات وضعت استراتيجيات إعداد البدائل المختلفة لتطوير هذه المناطق"، قالها الجبرتي، مضيفاً أنه خلال العام المالي الحالي يتم تطوير 41 منطقة بارتباطات مالية تبلغ نحو 145 مليون جنيه في محافظات الغربية وقنا وكفر الشيخ وأسيوط والقاهرة ومطروح وأسوان والأقصر والإسماعيلية والسويس والاسكندرية والفيوم وبورسعيد ودمياط والجيزة وسوهاج.

ويؤكد الجبرتي أن محافظة القاهرة هي الأولى من حيث عدد المناطق العشوائية فيها، على عكس ما يتصوّره البعض بأن المحافظات تخلو من العشوائيات ومشاكلها، حيث تأتي محافظة البحر الأحمر في المرتبة الثانية من حيث زيادة المناطق العشوائية فيها، ويرجع ذلك الى كونها منطقة جبلية وتفتقر إلى وجود العديد من الخدمات فيها، وهذا يعرض سكانها الى الخطر، موضحاً: "نحاول بكل الجهود أن نمنع تكرار حدوث كارثة الدويقة مرة أخرى، والتي سقط فيها جزء من الهضبة على الأهالي".

ويضيف: هناك منطقة زرزارة في محافظة بورسعيد، العمل يجري فيها، مشيراً إلى أن الصعيد في قائمة اهتماماتنا لما يعانيه حتى الآن، وعلى مدار السنوات الماضية، من الاهمال، وهذا ما نعمل نحن عليه الآن.

ويكشف الجبرتي أن ميزانية الصندوق 300 مليون جنيه، وهي تكفي للمشروعات العاجلة فقط، ولكن توجد مساهمات من الخارج، فمن المستحيل أن نحقق أهدافنا من دون دعم خارجي.