تحترق أحلام الفنانين المبتدئين المطاردين لأضواء الفن السابع، داخل ورش تدريب على التمثيل تستنزفهم ماليا، بعضها وهمي، فيما الحقيقي يكلف مبالغ طائلة، في قطاع تغيب عنه الضوابط التنظيمية ما يسمح بتحاوزات أخلاقية كالتحرش.
- طارد الثلاثيني المصري أحمد سامي، حلمه بالعمل في مجال التمثيل عبر الالتحاق بعدة ورش تدريبية، تعرف عليها عن طريق إعلانات عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لكن آماله في تحقيق النجومية والشهرة تحطمت بعدما استنزفت تلك الورش أمواله القليلة وصار موقنا بأن الموهبة شيء وفرص العمل شيء آخر.
ما جرى لسامي وغيره من الشباب تصفه الناقدة السينمائية ماجدة خير الله، بـ "النصب باسم الفن السابع" موضحة أن "ظاهرة ورش التمثيل المنتشرة في الآونة الأخيرة، تعتمد على استغلال أحلام الشباب المصاب بجنون السينما"، مضيفة "هوس التمثيل يدفع هولاء إلى مدراس "بير السلم" (غير مؤهلة) هدفها جمع المال، عبر إيهام الشباب بترشيحهم لأدوار في أعمال فنية.
استنزاف أموال الشباب
التحق سامي بورشة مركز "السكة" التدريبي والتي تكلف ثلاثة آلاف جنيه (نحو 200 دولار أميركي)، بينما تتراوح أسعار ورش جهات التدريب عالية المستوى بين 10 آلاف (650 دولارا) و18 ألف جنيه (1150 دولارا)، مثل أكاديمية "دهب" التي يديرها السيناريست مدحت العدل، وتكلف إحدى ورشها 13 ألف جنيه (850 دولارا) وتستغرق شهرين، بمعدل جلسة تدريبية أسبوعية، كما تنظم دورات تمثيل وإخراج للمخرج مجدي أبو عميرة بما يزيد عن 18 ألف جنيه فضلا عن ورشة التمثيل للفنانة سوسن بدر بـ 11 ألف جنيه.
يقول سامي إنه اكتشف استنزافه مالياً بعد عدة ورش ما أهدر وقته وماله، وهو ما يعانيه الأربعيني شريف عرابي والذي ما يزال يلتحق بها بحثا عن فرصة حقيقية لدخول عالم التمثيل، وآخرها ورشة الفنان حسام داغر، والتي تكلف 6 آلاف جنيه، والتي يصفها بـ"الجيدة" على مستوى اكتساب المعرفة والمهارات، إذ تشمل تدريبات على صياغة مشاهد وتأديتها، وأخرى لتمرين الذاكرة والتعامل مع الانفعالات المختلفة. ولكن عقب فترة اكتساب المهارات، لم يستطع عرابي الحصول على فرصة حقيقية لدخول التمثيل، ولا يزال يبحث عن ورشة جديدة قد تساعده في ذلك، خصوصا أن الفرص باتت صعبة وتخضع لمعايير مختلفة أهمها العلاقات الشخصية.
وتؤكد مصادر التحقيق، ومن بينها سامي وعرابي، أن بعض مكاتب "الكاستينغ" (تجارب الأداء)، تعمد إلى خداع الممثلين المبتدئين، عبر الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي، بأنها كانت مسؤولة عن ترشيح الممثلين لفيلم أو مسلسل ما مشهور، عبر منشورات لأحد العاملين يقول فيه على سبيل المثال "الحمد لله على النجاح الكبير الذي حققه مسلسل (....) ويعطي الانطباع لدى الناس أن مكتبه هو من رشح أبطال العمل، بينما الحقيقة بأنهم وفروا الممثلين الثانويين (المجاميع أو الكومبارس)، من أجل استقطاب الشباب، إلى ورش وهمية تنظمها تلك المكاتب، على أمل الترشح بعد ذلك لدور ما في عمل كبير.
الاستغلال الجنسي
لا يتوقف الأمر على الاستغلال المالي كما تقول الناقدة خير الله، وتضرب مثالا بواقعة إحالة الممثل الشاب شادي خلف إلى محكمة الجنايات، لاتهامه بهتك عرض 7 فتيات داخل ورشة لتعليم التمثيل. وتابعت "عدد من الفتيات نشرن الصيف الماضي تعليقات على مواقع التواصل، يتهمن خلالها خلف باستغلال حاجتهن للتدريب في الاعتداء عليهن جنسيًا، قبل إبلاغ الشرطة".
ودشنت الفتيات هاشتاغ "#كله_هايتعرف" لسرد تجاربهن المؤلمة مع خلف ابن الشاعر الغنائي الراحل نبيل خلف مدير الادارة المركزية للحسابات والميزانية بوزارة الداخلية سابقا وهو المتهم الوحيد الصادر بحقه حكما بالسجن لمدة 3 سنوات وإلزامه برد مبلغ 62 مليون جنيه و120 ألفا و212 جنيها، والعزل من الوظيفة، في قضية الاستيلاء على أموال وزارة الداخلية التي كان متهما بها الوزير السابق حبيب العادلي.
واستغل خلف وقائع التدريب ليتحسس أجساد الفتيات بزعم الدخول في أجواء المشاهد، وعندما اعترض الفتيات كان يخبرهن بأن ما يفعله في إطار التعليم وليس تحرشًا، وقالت إحداهن "أنا حصل لي نفس الموقف اللي كل البنات اتعرضت له، والمفاجأة إنها طلعت نفس الطريقة حصلت لكذا بنت بحجة تمارين تخص الورشة اللي كنا فيها، ولما أنا حصل معايا حاجات غريبة في التمرين اعترضت، وبعدت وكان رده: إنتي جبانة ولازم تشيلي الخوف من عليكي علشان تقدري تطلعي اللي جواكي وتستفيدي لشغل الورشة وكلام من ده، بعدها أنا سكت وما كنتش عارفة أفكر ومشيت من هناك وما روحتش تاني".
كيف تدرب كبار الفنانين؟
يمكن التوثيق لتدريب الممثلين المصريين، وفق ما يقول الفنان ومدرب التمثيل أحمد كمال، عبر مبادرات فردية بدأت من ورش بريطانية حضرها الممثل الكبير الراحل محمد توفيق، وبعده جاءت الفنانة منحة البطراوي والتي تعلمت في ورش فرنسية، ونقلت خبرتها إلى مصر وطبقتها في الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال فرقة "مسرح الشارع".
لكن العمل التدريبي المستمر والناجح والذي استمر أكثر من 5 سنوات، دون توقف، كان مع الدكتور نبيل منيب، رئيس قسم التمثيل والإخراج السابق بمعهد الفنون المسرحية، والذي درس في فرنسا الدراما والتدريب، بحسب كمال والذي يوضح، أن منيب كون في الثمانينيات مجموعة كبيرة حضرت فيها عبلة كامل وإلهام شاهين وأحمد بدير وأحمد عبد العزيز، وعادل القشيري وعلي خليفة وكذلك محمد عبد الهادي وأحمد مختار مدربا التمثيل حاليا، والعديد من المحترفين وغيرهم، بمجموع 400 شخص، ما أدى إلى تخريج أجيال من الفنانين.
وأضاف كمال "ورشة منيب تعد الأولى التي انتظمت دون توقف لمدة تقترب من 6 سنوات وتعلمنا فيها أسلوب الارتجال كعنصر أساسي، وتدريبات الاسترخاء والتنفس والتركيز، والتدريبات الصامتة واللافت أن الورشة كانت مجانية، ولم يتقاض منيب طوال عمله أي أجر.
وأكد الفنان أحمد كمال أن الفنان محمود حميدة أيضاً كانت له "أياد بيضاء" في التدريب، وقال "من خلال الورشة التي كنت مشرفاً عليها (ستوديو الممثل) وكان حميدة صاحب فكرتها والمسؤول عنها، كان التدريب بمقابل رمزي جداً 150 جنيها في الشهر، وكانت غير هادفة للربح نهائياً، على العكس، كان هدف حميدة الوحيد الإفادة والتعليم وإعطاء الفرصة للشباب".وأضاف كمال "الأسماء التي تدربت عند حميدة وأصبحت نجوماً كثيرة، ومعظم النجوم الحاليين مروا على ورشة حميدة التي استمرت نحو 15 عاماً وتوقفت نهاية 2010".
ورشة الفنان محمود حميدة كانت بأجر رمزي وتخرج منها العديد من المبدعين
والملاحظ، بحسب كمال، أن ورشا حالية تجد أن المدرب فيها حصل على ورشتين فقط وبعدها يمارس العمل، قائلا:" صرت مدربا بعد سنوات طويلة من العمل والتدرب على أيدي 27 مدرباً مصرياً وأجنبياً، وحصلت على ورش في الداخل وفي أميركا وروسيا، العلم والمعرفة والخبرة نقاط أساسية في هذا المجال، وإذا لم تتوفر فماذا سأعطي للمتدربين؟!".
صراع على عائدات الورش
حديث الفنان كمال يدعمه نقيب الممثلين أشرف زكي، والذي يحذر مما سماها بـ"الورش الوهمية"، قائلا إن النقابة "تنظم الورشة الوحيدة المعترف بها". وتابع: "بعض الورش تحظى بسمعة طيبة ومصداقية في الوسط الفني، وينظمها زملاء مشهورون، لكن ورشة نقابة المهن التمثيلية، هي الوحيدة التي تسمح بالحصول على تصريح عمل بالمجال".
وأضاف زكي أن باقي الورش "الوهمية" تشكل خطراً على المهنة كما أنها تستغل أحلام الشباب في النجومية، مؤكداً أن النقابة ستلاحق المشرفين عليها، بتهمة انتحال الصفة والتزوير، والنصب والاحتيال.
لكن الممثل الشاب علاء عزمي يتهم نقابة المهن التمثيلية بمهاجمة ورش التمثيل الخاصة، من أجل أن تفعّل ورشتها والتي تتكلف 3 آلاف جنيه، موضحاً أن النقابة تشترط على غير أعضائها الراغبين في العمل بالمجال، الاشتراك في تلك الورشة، من أجل الحصول على تصريح العمل.
ويقول عزمي إن القانون واللائحة الداخلية للنقابة لم يشترطا الاشتراك في ورش التمثيل التي تنظمها النقابة من أجل الحصول على تصريح العمل، ويضيف: يفترض أن النقابة تعطي التصريح لغير النقابيين بنسبة 10% من مجمل العاملين بأي عمل فني، وتحصل منهم على 20% من أجرهم كما ينص القانون.
وتنص المادة 106 من القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية على أن، "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول عملاً من الأعمال المهنية المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون ولم يكن من المقيدين بجداول النقابة أو كان ممنوعاً من مزاولة المهنة، ما لم يكن حاصلاً على تصريح مؤقت للعمل طبقاً للمادة (5) من هذا القانون. كما يعاقب بذات العقوبة صاحب العمل إذا تعاقد مع أحد من غير أعضاء النقابة أو من غير الحاصلين على تصاريح مؤقتة للعمل".
وتنص المادة (2) من القانون على أن: "تضم نقابة المهن التمثيلية جميع المشتغلين بفنون التمثيل للسينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة والإخراج المسرحي وإدارة المسرح والمكياج والتلقين وتصميم المناظر والملابس المسرحية والفنون الشعبية والباليه ومؤدي ولاعبي العرائس وغيرهم ممن تنص عليهم اللائحة الداخلية للنقابة". كما تنص الفقرة الثانية من المادة (5) على أنه: "لا يجوز لأحد أن يشتغل بفنون المسرح أو السينما أو الموسيقى على النحو المنصوص عليه في المادة (2) من هذا القانون ما لم يكن عضواً عاملاً بالنقابة". وتنص الفقرة الثالثة من المادة نفسها على أنه: "ويجوز لمجلس النقابة التصريح بصفة مؤقتة لعمل محدد أو لفترة محددة قابلة للتجديد لغير الأعضاء العاملين وذلك تيسيراً لإظهار المواهب الكبيرة الواعية... أو مراعاة لظروف الإنتاج المشترك أو تشجيعها للتبادل الثقافي بين مصر والبلاد العربية وغيرها أو بسبب الندرة أو عدم وجود نظير من أعضاء النقابة لطالب التصريح...".
أما الفقرة الرابعة من المادة نفسها فتنص على أنه، "على طالب التصريح مصرياً كان أو أجنبياً أن يؤدي إلى صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة رسماً نسبياً مقداره 20% من الأجور والمرتبات التي يحصل عليها نتيجة التصريح المؤقت". ويضيف الممثل الشاب أن ورشة نقابة المهن التمثيلية هدفها الوحيد هو "جمع المال"، مشيراً إلى أنه يعرف بأن كثيرين من المتقدمين للحصول على تصاريح للعمل "سجلوا في تلك الورش ودفعوا الثمن دون حضور أية محاضرات، وتمنحهم النقابة في النهاية شهادة باجتياز الورشة وتصريحا بالعمل".
ويرد الفنان عزوز عادل عضو مجلس نقابة المهن التمثيلية، قائلا:" ورشة النقابة ثمنها لا يقارن بثمن أي ورشة في الخارج، ويتقدم لها أكثر من 1500 شخص، يتم اختيار 300 منهم فقط، وفي النهاية ورشة النقابة تعتبر "تقييمية" لقياس مستوى أداء الناس هل من حقها الحصول على تصريح أم لا".
1500 متقدم إلى ورشة نقابة المهن التمثيلية يتم اختيار 300 منهم سنوياً
وتحرص النقابة على تنظيم تلك الورشة مع كل موسم درامي (يوجد موسمان الأول في شهر رمضان، والثاني في شهر أغسطس/آب)، من أجل تنمية مواردها المالية، رغم أنها ليست قليلة، إذ تحصل على نسبة من جميع الملاهي ودور السينما إضافة إلى نسبة من عقود كل الممثلين، بحسب إفادة أحد أعضاء مجلس نقابة المهن التمثيلية السابقين والذي شدد على عدم ذكر اسمه للحديث بحرية، مضيفا "لا توجه النقابة هذه الأموال لخدمة أعضائها، إذ إن مشروعاً مثل دار المسنين جاء بدعم من حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، وحتى ملف الإعانات وعلاج الممثلين، يتكفل به فنانون كبار مثل أحمد السقا وبيومي فؤاد بالتنسيق مع النقابة"، معيدا سر هجومها على الورش الخاصة، بالرغبة في الاستفادة من أموال الراغبين في العمل بالمجال، ولذلك وقعت بروتوكولا مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي أسسها النظام وعلى صلات بجهاز المخابرات العامة المصري، بهدف منع غير الأعضاء من المشاركة في الأعمال الفنية التي تنتجها الشركة، دون الحصول على تصريح من النقابة، وبالتالي عليهم الاشتراك في ورشة التمثيل التابعة لها.