يستهدف محتالون ومزورون ثروات الغائبين والمتوفين الأردنيين، والتي يجري نشر إعلانات عنها في الصحف، قبل أن تؤول إلى الخزينة العامة، لمعرفتهم أن ضحاياهم لن يمثلوا أمام المحكمة، بسبب غياب نظام موحد لبيانات المواطنين.
-فوجئ الأربعيني الأردني عمر قاسم خلال مطالعته إحدى الصحف المحلية في العام الماضي، بأسماء أصدقاء له ضمن إعلان نشرته إحدى الشركات لأصحاب أسهم لم يجروا عليها أي عمليات، ومضت المدة القانونية من دون أن يطلبها أصحابها، وستؤول إلى خزينة الدولة بحسب قانون حكومي للأموال التي يلحقها التقادم، ولم يكن الورثة على علم بما لهم لدى تلك الشركة بعد وفاة والدهم، ولولا قراءة قاسم للإعلان عن طريق الصدفة وإعلامهم بذلك، لخسروا الأسهم التي أورثها الوالد لهم.
وعملا بقانون الأموال التي يلحقها التقادم رقم 35 لسنة 1985، فإن جميع الأموال التي تؤول للحكومة تصبح ملكا لها من تاريخ سقوط حق أصحابها في المطالبة بها بلا عذر شرعي، بعد انقضاء 15 عاما دون وجود مالك أو وريث لها، ويشترط لنفاذ هذا الحكم أن تنشر الهيئة التي تنطبق عليها الأحكام المفصلة في القانون إعلانا في الجريدة الرسمية وفي جريدتين محليتين يوميتين، تصف فيه الأموال الموجودة لديها وتنذر أصحاب تلك الأموال أنها ستؤول إلى الخزينة إذا لم يطالبوا بها، وذلك قبل أيلولتها للخزينة بثلاثة أشهر على الأقل. وفقا لنص القانون.
ويوضح المحامي وسام الحوامدة أن تلك الأموال أو الحسابات قام أصحابها بفتحها من دون إعلام ذويهم، أو أنهم هاجروا منذ فترات طويلة وتوفوا وليس لهم ورثة في الأردن، وهناك سيدات أرامل أو أطفال أيتام من أصحاب تلك الحقوق غير ملمين بهذه الأمور ولم يبحثوا عن حقوقهم.
وقد يخسر هؤلاء أموالهم، لذلك تعتبر النائب سابقا والمحامية وفاء بني مصطفى، أن التبليغ عبر النشر بالصحف المحلية لا يكفي وحده، كون الناس اليوم لا يقرأون الصحف كما في السابق في ظل انتشار الإنترنت، مؤكدة ضرورة التبليغ بالرسائل النصية إن وجدت أرقام الهواتف، وعن طريق البريد الإلكتروني وغيرها من الطرق الحديثة، كما أن مدة الإعلان قليلة نسبيا، وقد لا يتاح للمعنيين الاطلاع عليها، وفق قولها، مشيرة إلى ضرورة وجود دور أكبر لوزارة الخارجية وإدارة الإقامة والحدود للتحقق من وجود الشخص داخل البلاد أو خارجها منعا للنصب والتزوير.
استغلال الإعلانات في النصب والتزوير
تصف بني مصطفى أيلولة الأموال التي مضت عليها فترة التقادم إلى الخزينة في حال عدم مطالبة أحد بها بأنه "كسب بدون سبب مبرر بالقانون"، لأن تلك الأموال لم تدخل إلى الخزينة مقابل خدمة ما أو ضريبة أو غرامة، بل تمت مصادرتها لعدم وجود أشخاص يطالبون بها، ويشير النائب السابق المحامي غازي الهواملة إلى توجيهه سؤالا للحكومة العام الماضي لمعرفة كيف توظف هذه الأموال وإن كانت تعود بالنفع على الصالح العام، من دون أن يتلقى أي إجابة.
وعام 2019 وجه النائب في البرلمان الأردني المحامي صالح العرموطي سؤالا إلى الحكومة حول استيلاء أشخاص على أموال أردنيين غائبين، إما توفوا أو هاجروا، بعد ورود شكاوى تتعلق باستغلال أشخاص للإعلانات التي تنشر في الصحف اليومية المحلية والجريدة الرسمية حول الحسابات المالية والودائع والأرباح والأسهم التي ستؤول للخزينة، وفق قوله.إلا أن الحكومة لم ترد على سؤاله.
وتعد تلك الأموال هدفا لمحتالين ومزورين يخططون للاستيلاء عليها من خلال إحضار بطاقات شخصية أو كمبيالات ووكالات مزورة وتقديمها إلى محامين، والمضي بالطرق القانونية من خلال تقديمها إلى أحد القضاة بدائرة التنفيذ في المحاكم، والحصول على حكم قانوني لنيلها والتصرف بها، لمعرفتهم أن هؤلاء الغائبين لن يمثلوا أمام المحكمة، ولن يكون لديهم أي محامين للدفاع عنهم وفق توضيح الخبير الدستوري ليث نصراوين، مؤكدا أن التهمة تكون في حال اكتشاف العملية تزويرا معنويا، يعاقب عليه القانون بالحبس من سنة إلى 3 سنوات في حال كانت الأوراق خاصة، وبالأشغال الشاقة المؤقتة من 5 سنوات إلى 15 سنة في حال كانت الأوراق المزورة رسمية.
ووثق "العربي الجديد" عبر موقع قرارك القانوني الخاص بنقابة المحامين، قضية تواطأ فيها كاتب لدى دائرة تنفيذ محكمة بداية عمّان مع شخص آخر، للاستيلاء على مبلغ 453.345 ألف دينار(639 ألف دولار) مودعة في حساب ورثة الأردني هشام نسيبة، واتفق الكاتب مع شريكه على تزوير وكالة عامة كمفوض بالقبض عن ورثة نسيبة، وتمكنا عبر هذه الوكالة ومن خلال معرفة كاتب العدل بإجراءات ومراحل استرداد الأموال في مثل هذه القضايا، من الاستيلاء على المبلغ، بعد أن تقدم الشريك بطلب رد المبالغ المودعة في القضية التنفيذية (695/2008ب)، ونظم أمر رد أمانة رقم (479254) للمفوض، ونظم له شيك في 24 يناير/كانون الثاني عام 2013، باعتباره وكيلا عن الورثة، وصرف المتهمان المبلغ وتقاسماه، ولدى اكتشاف الاختلاس، أحيلا للقضاء، وحُكم كاتب العدل بالأشغال الشاقة لمدة 5 سنوات و6 أشهر، وشريكه بالأشغال الشاقة لمدة 8 سنوات.
وفي ملف القضية البدائية الجزائية رقم 1518/2017، والتي اطلع عليها "العربي الجديد" عبر ذات المصدر، قامت المشتكية شركة البنك العربي بنشر أسماء العملاء الذين مضى على ودائعهم أكثر من 15 عاما في 29 سبتمبر2011، وعند اطلاع المدان على الإعلان قام بتزوير كمبيالات بأسماء أشخاص وهمية كدائنين لأصحاب الودائع في البنك العربي، وقام بطرح 8 كمبيالات في دائرة تنفيذ محكمة عين الباشا في عمان بموجب وكالات عامة، وقبض قيمة 3 قضايا بقيمة 11691,427 دينارا (16490دولارا)، لكن إخبارا وصل إلى المدعي العام بأن بعض المدينين متوفون، وأن الكمبيالات التي استعملها المدان مزورة، وعن طريقها تمكن من تحصيل المبالغ المالية، ليتم وقف باقي القضايا التنفيذية، وعلى ذلك قدمت الشكوى وجرت الملاحقة.
ويحصر مصدر قضائي طلب عدم ذكر اسمه بسبب منع القضاة من التصريحات الإعلامية، 10 قضايا تزوير واحتيال للاستيلاء على الأموال التي ستؤول للخزينة بعد النشر عنها في الصحف المحلية سجلت العام الجاري، ويقر بوجود الاحتيال من قبل أشخاص امتهنوا الأمر، وذلك من خلال رصدهم الإعلانات التي تنشرها البنوك والهيئات المالية في الصحف، مشيرا إلى أنه تم اكتشاف محاولات النصب هذه يحدث صدفة، وهناك عمليات احتيال تمت دون اكتشافها.
الاحتيال على المحامين
يقر نقيب المحامين الأردنيين مازن ارشيدات بتعرض المحامين لمكر المحتالين الذين يلجأون لتوكيل محام في القضايا التنفيذية التي تبلغ قيمتها 3 آلاف دينار فأكثر، مؤكدا أن هناك قضايا من هذا النوع منظورة أمام القضاء.
هذا ما حدث مع الهواملة عندما قدم له شخص سوري عام 2018 المستندات اللازمة لتوكيله بتحصيل كمبيالات من 3 أشخاص، قائلا إنه تعامل مع القضية كأي محام آخر بافتراض حسن النية مع موكله الذي قدم إثبات الشخصية والمستندات، وفوجئ بعد ثلاثة أشهر من السير في القضية بأن موكله زور الوثائق للاستيلاء على مبالغ مودعة للأشخاص الثلاثة في البنك العربي ومضت عليها مدة التقادم، ونشر استدعاء لأصحابها في الصحف، وانكشف الأمر لدى عودة أحد أصحاب المال الثلاثة من السعودية، واشتكى على موكله وتم اعتقاله قبل عام، حينها قام الهواملة بإسقاط القضية التي رفعها لموكله عندما اكتشف أنه ليس مستحقا لتلك الأموال.
غياب نظام موحد لبيانات الأردنيين
قالت وزارة المالية في ردها على "العربي الجديد"، إن الهيئات المالية والشركات تقوم بالتواصل مع أصحاب تلك الأموال حسب البيانات المتوفرة لديها، وبعد انتهاء المهلة القانونية يتم تحويل الأموال التي لم يسأل عنها أحد إلى وزارة المالية، وتبقى بحوزة الحكومة لحين مراجعة أصحابها أو ورثتهم الشرعيين لإعادتها لهم بعد التأكد من هوية الشخص وملكيته للأموال حسب الأصول، من دون أن تبين في ردها حجم تلك الأموال.
بينما يكشف مصدر في وزارة المالية طلب عدم الكشف عن هويته، أن حجم هذه الأموال يقدر بـ2.5 إلى 3 ملايين دينار سنويا (3.526 ملايين دولار إلى 4.231 ملايين دولار)، مؤكدا أن 20% فقط من أصحاب الحقوق يراجعون لتحصيلها.
ويرى ارشيدات أن على المواطنين تحديث بياناتهم لدى البنوك والهيئات المالية، حتى يتفادوا الاستيلاء عليها من قبل محتالين، مبينا أن غالبية الأموال المعلن عنها تعود لأشخاص خارج البلاد أو متوفين، وعلى الورثة التحري عن أملاك مورثهم في البنوك والشركات عن طريق تقديم طلب إلى البنك المركزي، أما الأشخاص المهاجرون فيتم تبليغهم عن طريق الصحف، ويتفق مدير دائرة الأحوال المدنية والجوازات فهد العموش مع الرأي السابق، مؤكدا أهمية ربط المحاكم والمؤسسات الرسمية بنظام الدائرة للاطلاع على بيانات المواطنين الأردنيين، قائلا :"البنوك يمكن ربطها بنظام الدائرة بموجب اتفاقيات وبمقابل مادي، حتى يمكنها التحقق من هوية المتعاملين وبيانات الاتصال بهم".
ويوضح العموش أن الدائرة تطلب بيانات الأشخاص كالعنوان وأقرب مَعلم عنده، ورقم الهاتف والبريد الإلكتروني، لكن لا يقدم غالبيتهم هذه المعلومات وتقديم رقم الهاتف ليس إلزاميا، وفي حال عدم تحديث المواطن لمكان سكنه خلال 30 يوما إذا انتقل من مكان لآخر تفرض عليه غرامة مالية قدرها 10 دنانير (14 دولارا)، وهي "غير رادعة"، وفقا لقوله، لذلك لا يبلغ الغالبية.
لكن نصراوين يوضح أن البنوك وإن كان لديها إمكانية الدخول لبيانات المواطنين ومعرفة وضع العميل، فإنها لا تستطيع في حال وفاته تغيير وضعه من حي إلى متوفى، وتعرض نفسها للمساءلة القانونية إن فعلت، وعليها أن تنتظر تحرك الورثة للمطالبة بالأموال.