- يوثق تحقيق "العربي الجديد" شهادات مسافرين مروا بمطار القاهرة، الأكبر في مصر، تكشف عن عدم فعالية إجراءات الوقاية من فيروس كورونا في الميناء الجوي الرئيسي لمصر، ما يهدد بتفاقم إصابات موجة كوفيد - 19 الثانية في البلاد
- فوجئ السائح اللبناني زياد مرتضى لدى وصوله إلى مطار القاهرة الدولي، بعدم فعالية إجراءات الوقاية والاحتراز من فيروس كورونا، إذ تأهب هو وعائلته لتنفيذ بروتوكول وقائي قرأ عنه وبدأ بأولى خطواته عبر تحليل "PCR"، تطبيقا لقرار الحكومة المصرية بحظر دخول القادمين من الخارج من دون التأكد بعدم إصابتهم بكوفيد 19 عبر نتائج تحليل يتم إجراؤه قبل الرحلة بموعد أقصاه 72 ساعة.
وبالفعل جاءت نتيحة تحاليل العائلة سالبة، كما يقول مرتضى الذي طلب تعريفه بهذا الاسم المستعار، متابعا، "كان بحوزتنا ورقة رسمية ومختومة تسمح بعبورنا من مطار رفيق الحريري إلى مصر، وعقب نزولنا من الطائرة وقبل دخول بوابات المطار، وبينما ننتقل في طابور، فجأة سُمح للجميع بالمرور دفعة واحدة، وبعدها بدقائق استوقفنا ضابط أمن وطالبنا بالتوقف أمام إحدى البوابات الإلكترونية الأمنية، فتكدسنا جميعًا في حيز ضيق. بعدها طُلب تسليم الإقرارات الصحية، ولم يلق أحد ولو مجرد نظرة على نتيجة تحليل الفيروس. لم يبحث أحد عن كلمة (نيغاتيف) وسط هذه الورقة المختومة والمكتوبة بالإنكليزية. ولم يتم التدقيق في أي من بنود الإقرار الصحي، رغم خلو خانات عدة من تدوين البيانات اللازمة".
فوضى في المطار
تستقبل مصر يوميًا، ما يقارب 20 ألف قادم من وجهات سفر مختلفة، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر البيانات الصادرة يوميًا عن مطار القاهرة الدولي، ومن بين هؤلاء العائدين المواطن المصري شريف شوقي، والذي قارن بين مطار القاهرة الذي هبطت فيه طائرته ومطار جدة الذي جاء منه، قائلا :"بعد الوصول فوجئنا بزحام شديد، ولا يوجد التزام بمسافات التباعد الاجتماعي داخل المطار، مظاهر الفوضى تهدد بانتشار الفيروس، خاصة مع عدم التزام البعض داخل المطار بارتداء الكمامات مشيرا إلى أنه كان يحمل معه تحليل "البي سي آر" الذي أجراه بتكلفة 800 ريال سعودي أي ما يزيد عن 3 آلاف جنيه مصري وهي "تكلفة مرتفعة بالنسبة له مع ظروف العمل الصعبة وتراجع الأجور بعد انتشار جائحة كورونا".
ويعاني العمال المصريون وتحديدا الفئات الدنيا ممن يعملون في وظائف هامشية بدول الخليج من عدم القدرة على توفير قيمة تحليل "بي سي آر"، خاصة أن العديد منهم يعانون من بطالة منذ بدأت الأزمة، نتيجة للإجراءات والتدابير الوقائية التي تفرضها الدول التي يوجدون فيها للسيطرة على تفشى الفيروس القاتل، فأصبح لا يوجد أمامهم من مفر إلا العودة إلى أرض الوطن بما تبقى معهم في ظل الظروف الاستثنائية والرحلات الاستثنائية أيضا عالية التكلفة، وفق تأكيد مصدر مسؤول بوزارة القوى العاملة المصرية، طلب عدم الكشف عن هويته للموافقة على الحديث، ويتابع :"الحال لا يختلف كثيرا في أوروبا عن دول الخليج، إذ يلجأ مصريون إلى إجراء التحليل لدى مستشفيات حكومية، وهو ما يؤخر صدور النتيجة ليصبح في نهاية الأمر بعد انتظار عدة أيام غير ساري الصلاحية، ويكون المسافر في هذه الحالة مجبرا على إجراء التحليل في المراكز الخاصة بتكلفة مالية عالية تزيد عليه أعباء وتكاليف العودة إلى أرض الوطن".
ومن بين المواطنين العائدين، سامح الياس، القادم من اليونان لمطار شرم الشيخ، لكنه لم يكن قد أجرى تحليل "بي سي آر"، ليدفع 30 دولارا أميركيا في المطار مقابل إجراء التحليل، غير أنه لم يتابعه أحد من وزارة الصحة وكان باستطاعته التحرك وعدم عزل نفسه في الفندق الذي حجز به، قبل ظهور نتيجة التحليل السالبة وهو ما يهدد بنشر الفيروس في حالة إصابة أحد القادمين من الخارج دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
ولا تقتصر مخالفات بروتوكول مواجهة كورونا على القادمين من الخارج، إذ إن بعض المغادرين أيضاً تم التلاعب في اختبارات "بي سي آر" الخاصة بهم، وخرجوا من مطار القاهرة الدولي عائدين إلى بلادهم دون التأكد من خلوهم من الفيروس، بحسب ما قالته إحدى المشاركات بمهرجان الجونة السينمائي الذي أقيم في نوفمبر الماضي بمدينة الجونة السياحية وتؤكد المشاركة التي رفضت بشدة ذكر اسمها حتى لا يتم حرمانها من المشاركة مستقبلا، أنها أجرت اختبار كشف الفيروسات، الذي تطلبه السلطات قبل المغادرة بـ 48 ساعة على الأكثر، عن طريق حملة وزارة الصحة المشاركة في المهرجان، ولكن وبحسب ما أكدته، فإنها تمكنت من إجراء الاختبار قبل سفرها بخمسة أيام، ليصدر المسؤول عن إجراء الفحص نتيجة الاختبار بتاريخ متقدم حتى تستطيع السفر، في مقابل حصوله على رشوة، مؤكدة أنها لدى وصولها إلى مقر إقامتها في لندن، ستخضع إلى اختبار آخر وعزل منزلي إجباري.
الموجة الثانية
دفع تسارع معدل الإصابات في مصر والعديد من الدول العربية، المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لدول شرق المتوسط إلى التحذير من أن "الوضع الوبائي في الإقليم خطير ويبعث على القلق في ظل استمرار الجائحة"، وفق ما جاء في بيان صادر في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويتوقع مدير مكتب شرق المتوسط، أحمد المنظري، أن يزداد الوضع سوءاً، قائلا: "ستكون الأشهر المقبلة صعبة لأن الفيروس ينتشر، ومن المرجَّح أيضاً أن يؤدي موسم الإنفلونزا إلى تفاقم الوضع"، مؤكدا أن "هذه الزيادة غير المسبوقة بالحالات بمثابة تذكير صارخ بضرورة أن تقوم الحكومات والمجتمعات المحلية والشركاء، ومن بينهم منظمة الصحة العالمية، بالكثير والكثير لتغيير مسار الجائحة".
لكن مصادر التحقيق تؤكد أن الجهات القائمة على مطار القاهرة، لا تفعل ما فيه الكفاية، ومن بينهم مصدر مسؤول بالحجر الصحي في مطار القاهرة، طلب عدم الكشف عن هويته للموافقة على الحديث مع "العربي الجديد"، مؤكدا أن عددا ليس بالقليل من القادمين من الخارج لا يجرون تحليل "بي سي آر"، مشيرا إلى أن سلطات مطار القاهرة، اضطرت إلى إعادة 200 أجنبي إلى دولهم مرة أخرى منذ بدء تطبيق قرار رئيس مجلس الوزراء في أول سبتمبر/أيلول الماضي، والذي يحظر دخول جميع القادمين إلى مصر من المواطنين أو الأجانب بدون حصولهم على تحليل "بي سي آر" قبل وصولهم إلى مصر بـ 72 ساعة يفيد خلوهم من فيروس كورونا.
إعادة 200 أجنبي إلى دولهم لعدم إجراء تحليل "بي سي آر"
ويخالط من أجرى تحليل "بي سي آر" وتبين أنه غير مصاب، من لم يجروا التحليل، وبينما يصل الاثنان إلى مصر، يوضح المصدر، أنه في حالة قبول شركة الطيران تحمل تكاليف التحليل فإن الموقف يختلف إذ تدفع 1650 جنيها (105 دولارات أميركية) في حالة إجراء تحليل للأجنبي و1260 جنيها (80 دولارا) للمصري، فضلا عن إجبارها على تحمل نفقات إقامته لمدة 24 ساعة داخل أحد الفنادق لحين صدور نتيجة التحليل، بالإضافة إلى تغريمها ألف دولار عن الراكب، وفي حال رفضت الشركة تحمل تكاليف التحليل، فإنها مجبرة على إعادته مرة أخرى لدولته.
عدم فعالية تلك الإجراءات تؤكده أيضا إفادات القادمين التي وثقها معد التحقيق، ومن بينهم مرتضى والذي قال "في نهاية الإقرار الطبي، توجد عبارة إرشادية عن التصرف في حال ظهور أي عوارض للفيروس، وكيفية التعامل مع هذا الأمر، وما إذا غيّر المسافر رقم هاتفه أو عنوانه المدون في الإقرار"، لكن العبارة السابقة اتضحت حقيقتها للسائح اللبناني بعد أن وقعت عيناه مصادفة على "رُزم" الإقرارات الصحية ملقاة أرضا بإهمال إلى جوار ممرضات فريق الحجر الصحي في المطار". يقول مرتضى "ذهلت من منظر الإقرارات الصحية الملقاة والمبعثرة في أرجاء الحجر، وأصبح لديّ يقين أن أحدًا لن يتصل بأي رقم هاتف مدون في أي من تلك الإقرارات".
الإجراءات الحكومية يجب أن تكون أكثر صرامة بسبب الزحام في المطارات
ويحذر الدكتور أمجد الحداد، استشاري الحساسية والمناعة بهيئة المصل واللقاح الحكومية، من أن الإجراءات الحكومية يجب أن تكون أكثر صرامة بسبب الزحام في المطارات، خاصة مع صدور قرار يسمح بدخول بعض المطارات دون إجراء تحليل "بي سي آر" وهو ما يشير إلى احتمالية إصابة بعض من هؤلاء الركاب بفيروس كورونا ونقله لآخرين إذ استثنى قرار رئيس الوزراء القادمين مباشرة إلى مطارات شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم وطابا من إجراء التحليل، قائلا إن: "انتشار فيروس كورونا في مصر يزداد حاليا لافتا إلى أن منحنى الإصابات يرتفع بشكل مضطرب".
تحذير من المطارات
بلغ عدد الإصابات في مصر 117 ألف حالة و6694 وفاة حتى 3 ديسمبر/كانون الأول، منذ الإعلان عن ظهور المرض في مصر منتصف فبراير/شباط الماضي، بحسب بيانات وزارة الصحة المصرية. ويؤكد الطبيب أمجد الحداد أن المطارات تعد مصدرا كبيرا لنقل العدوى إلى داخل مصر لذا يجب الالتزام التام بارتداء الكمامات المحكمة مثل كمامات "إن 95 " الأكثر أمانا في الأماكن المزدحمة مع الحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي مشيرا إلى أن عدم الالتزام بهذه الإجراءات الوقائية قد يتسبب بموجات ارتدادية للفيروس داخل مصر بشكل أكثر ضرارة.
وأفاد بأن فصل الشتاء ينشط فيه فيروس كورونا قائلا: "تحدي الشتاء هو الأخطر" نتيجة سرعة انتقال الفيروس مع ضرورة عدم دخول البلاد في حال عدم إجراء التحليل الذي يثبت خلو المسافر من الفيروس، بالمقابل يؤكد المهندس محمد سعيد محروس رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية المصرية أن عمليات التعقيم شملت كافة المطارات المصرية في إطار بروتوكول مكافحة فيروس كورونا المستجد، قائلا: "يتم التواصل بالمتابعة الدورية لتنفيذ كافة الإجراءات الاحترازية على جميع منشآت المطارات حرصا على سلامة الركاب والعاملين".