لم تصدّق الشابة السودانية ريم الأمين، أن "كريمات تفتيح البشرة" التي تستعملها على الرغم من تحذيرات أسرتها، ستضر ببشرتها على المدى البعيد، وتتسبب في حروق شديدة في وجهها، بعد توقفها المفاجئ عن استخدامها، إذ كانت تعتقد أن المستحضر الكيمائي قد أدى مهمته في تحسين بشرتها، ما دعاها لإيقافه بسبب كلفته التي تبلغ 80 جنيها سودانيا، أي ما يعادل 7 دولارات أميركية.
هوس مركبات تفتيح البشرة
تجتاح الخرطوم حالة من الهوس بمركبات تفتيح البشرة التي تصنعها الصيدليات، كما وثّقت معدة التحقيق الأمر، عبر استطلاع في العاصمة، شمل عشر نساء، كانت إجابة سبع منهن على سؤال هل يلجأن الى الصيدليات لشراء مستحضرات التفتيح والعناية بالبشرة؟ "نعم، باعتبار أنها مضمونة ومجرّبة"، كما قالت الشابة السودانية ميادة عمر، التي تعمل في إحدى المؤسسات الخاصة، والتي تشكو من آثار سوداء ونمش في وجهها خلّفه حب الشباب.
تقول ميادة لـ"العربي الجديد": "شعرت براحة نفسية عندما وجدت حالة من الازدحام في الصيدلية، كان هذا دليلا على السمعة الطيبة لهذا الصيدلي. بعد فحص البشرة بواسطة عدسة مكبّرة، وصف الصيدلي خلطة كريم يتم تكوينها داخل الصيدلية، وغسول للوجه".
إلّا أن ميادة وأثناء انتظارها لاستلام المستحضر الخاص بها، لاحظت أن جميع المركبات التي يصفها الصيدلي لكل من يأتين إليه متشابهة، وهو ما دعاها إلى سؤال اثنتين من صديقاتها ذهبتا إلى الصيدلية نفسها بشكاوى مختلفة وكانت المفاجأة أن الصيدلي قدم لهما المركّب ذاته الذي أعطاه لها.
توقفت ميادة عن استخدام المستحضر الذي لا تدري ما هي المواد المكونة له، لكنها فوجئت بظهور حبيبات صغيرة في أجزاء متفرقة من وجهها مصحوبة بحكة وقشرة لا تزول إلا بعد معاودة استعمال المركب مرة أخرى. تقول ميادة والحيرة بادية على ملامحها لـ"العربي الجديد": "لا أدري ماذا افعل، أنا أعرف أن المركب به مواد كيميائية ضارة، لكن ليس لدي حل، أنا كما المدمن على المخدرات تماماً لا يستطيع الفكاك منها".
تكررت الشكوى نفسها مع سناء عمر، التي شعرت بأن بشرتها أصبحت أفضل، بعد أسبوع من استخدام مستحضر كيمائي مركّب في صيدلية، لكن ما أن توقفت حتى أصاب وجهها سواد شديد، كما تقول، وعندما راجعت الفتاة الصيدلي مرة أخرى، طلب منها مواصلة استعمال المركّب دون انقطاع.
اقرأ أيضا: التجميل يخدع نساء مصر
مستحضرات تجميل بالزئبق
لتوثيق الظاهرة، توجهت معدة التحقيق إلى إحدى الصيدليات المشهورة بتركيب مستحضرات تجميل كيميائية. بعد معاينته لحال البشرة بالعين المجردة وعبر شرح لما يعانيه وجهها من آثار حب الشباب، أعدّ الصيدلي مركّبا كيمائيا، مع وصف شفهي لطريقة الاستخدام مصحوباً بكريم آخر، عبارة عن واقٍ من أشعة الشمس دون أن ينسى توصيتها بالإكثار من شرب الماء لضمان نضارة البشرة. لدى عرض المستحضر على صيدلانية متخصصة في التحاليل الطبية، أكدت الدكتورة هناء أحمد، أن المركّب يحتوي على مواد الزئبق ومادة الهيدروكينون والإستروئيد.
بسبب خطورة استخدام الزئبق في مستحضرات التجميل، حذرت العديد من الهيئات الصحية في العالم من استخدامه، منها على سبيل المثال هيئة الصحة في أبوظبي التي حذرت الجمهور من استخدام مستحضرات تبييض البشرة التي تحتوي على مادة الزئبق، مؤكدة أن مادة الزئبق قد تؤدي إلى التسمم تدريجياً.
تقول الدكتورة هناء إنه تم حظر استخدام الزئبق في مستحضرات التجميل في دولة الإمارات، بعد أن لوحظ أنه يُمْتَص من خلال الجلد ويظهر في الدم، والبول، واللعاب، والحويصلة الصفراء، والحليب، كما وجد في العظام المتحجرة بعد الموت مثل الجمجمة، ولفتت إلى أن الزئبق يعد من المواد السامة ويمكن أن يدخل إلى الجسم من خلال الجلد بحيث يتراكم في الجسم، ولهذا فإن تأثيراته السامة تحدث بشكل تراكمي، الأمر الذي قد يؤدي إلى التسمم تدريجياً.
ومن أعراض التسمم بالزئبق الهيجان، والتهاب الفم واللثة، والشعور بالتعب والإرهاق، وفقدان الذاكرة، كما أنه يؤدي إلى مشاكل في الكلى والجهاز العصبي. ولا تقتصر مضار الزئبق في مستحضرات التجميل على الشخص الذي يستخدم المستحضر فقط بل إن أبخرته قد تؤثر على الأطفال في العائلة، ما قد يؤدي إلى تدمير الجهاز العصبي لديهم وإلى تأخر في نموهم العقلي، كما أنه يؤثر على الأشخاص الملامسين له.
وخلال الأعوام الماضية تم حظر مستحضرات تبييض للبشرة، من قبل جهات عالمية عديدة، بعد أن تم اكتشاف احتوائها على مادة الزئبق بنسبة أعلى من المسموح به عالمياً (1 جزء من مليون جزء).
ووفقا للمتخصصين، فإن الزئبق أو مشتقاته كان من المسموح استخدامها في كريمات تفتيح البشرة لتفتيح اللون حتى العام 1970، وفي العام 1976 وبعد اكتشاف خطورة الزئبق تم حظر استخدامه في تلك المستحضرات في أوروبا، وبعدها بسنوات تم حظره في الولايات المتحدة الأميركية.
اقرأ أيضا: سيناء ونساء داعش..دوافع عدة قادتهن للوقوع في شباك التنظيم
اختصاصيّو الجلدية يحذرون من مركبات تفتيح البشرة
لا تتوقف الدكتورة نهى نصار، اختصاصية الأمراض الجلدية، عن تحذير صديقاتها وقريباتها من استخدام مستحضرات التجميل المركبة في الصيدليات، وتشرح لـ"العربي الجديد"، كيف تتم عملية تبييض البشرة عبر المركبات الكيمائية قائلة: "تتم العملية عبر تقليل مادة الميلانين التي تحمي البشرة والمسؤولة عن صبغة اللون، وعند إزالة تلك الطبقة تكون البشرة معرضة للميكروبات وأشعة الشمس الضارة، ما يجعل احتمال الإصابة بسرطان الجلد يرتفع.
وتتابع "لا يتم تقليل مادة الميلانين عادة بصورة موحدة في كل الجسم، لذلك يتم اللجوء إلى الحقن أو تعاطي حبوب لوقف إنتاج خلايا الميلانين نهائياً، مثلاً يتم تناول فيتامين سي بواسطة الحقن لإحداث تبييض كامل البشرة، وهو ما قد يتسبب في حصى الكلى. غير أن أكبر مشكلة تعاني منها اللواتي لا يتوقفن عن استخدام تلك المستحضرات المركبة، هو تهتك الجلد أو ما يُعرف بـ(الشقريب)، وهو عبارة عن تشوهات تؤدي إلى تهتّك خطير في الجلد، وتظهر بشدة مع تكرار استخدام مستحضرات التبييض، بالإضافة إلى سواد في البشرة أو ما يعرف بالكلف في الوجه"، كما تقول الدكتورة نصار، وتواصل "الأمر صار هوسا، أعرف طبيبات يستخدمن مركبات التبييض رغم معرفتهن بخطورتها".
وداخل عيادة الدكتورة نصار وثّقت معدة التحقيق حالة لمريضة تعرضت لطفح جلدي وتهيّج شديد في البشرة بعد استعمالها لمركب تفتيح لمدة يوم واحد. تقول الطبيبة السودانية وهي ترفع المركب الذي أحضرته لها المريضة، إن الأخيرة قالت "إنها أصبحت لا تحتمل غسل وجهها بالماء".
بحسب متخصصين سودانيين، يجب التوقف عن استخدام مستحضر التفتيح سواء تم تركيبه داخل الصيدليات أو خارجها، في حال وجود أي من الكلمات التالية mercurouschloride, calomel, mercuric, mercurio or mercury، وعدم استخدام المنتج في حال لم يكن مكتوباً على العبوة محتويات أو مكونات المستحضر أو إن كانت مكتوبة بلغة غير مفهومة، والتوقف عن استخدام أي مستحضر في حال الشك في احتوائه على مادة الزئبق.
وكان المجلس القومي للأدوية والسّموم في السودان قد أعلن عبر موقعه الإلكتروني عن حظر استعمال مستحضر تجميل كريم Faiza Beauty وكريم Natural face التي تستخدم كمبيّضات للبشرة، وحذَّر المجلس من خطورة تداول وشراء وبيع هذه المستحضرات لعدم "مأمونيتها" ومطابقتها للمواصفات. وأكد المجلس قبل أيام أن قرار الحظر جاء نتيجةً لاحتوائها على مادة الأربيوتين التي يمنع استخدامها في مستحضرات التجميل، وذلك لتسببها في أضرار صحية بالغة، مؤكداً اتخاذ الإجراءات الوقائية والضرورية اللازمة لضمان سحب هذه المنتجات من الأسواق المحلية ومنع دخولها للبلاد.
وكشف المجلس عن تنفيذ نيابة حماية المستهلك بالتنسيق مع المجلس القومي للأدوية والسموم حملة لمداهمة أحد المنازل الذي اتضح بعد المراقبة أنه يقوم بتصنيع مستحضر كريم فايزة بواسطة أجانب بطريقة عشوائية وصابونة لغسيل الوجه، وأسفرت الحملة عن ضبط كميات كبيرة من العبوات المصنعة والمواد الخام.
وحظر المجلس في وقت سابق مستحضرات تجميل تستخدم لتبييض البشرة لعدم مأمونيتها ومطابقتها للمواصفات واحتوائها على مواد الزئبق ومادة الهيدروكينون والإستروئيد.
اقرأ أيضا: الدنمارك.. مستوى السوريات التعليمي يثير دهشة أرباب العمل
الفتيات لايكترثن
على الرغم من خطورة مركبات تبييض البشرة، الا أن الكثير من الفتيات السودانيات يواصلن استخدامها، مثل مؤسِّسة واحد من أشهر مجموعات الفتيات السودانيات على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، والتي ترفع شعار "لا للمركبات الطبيعية لتفتيح لون البشرة".
تسعى السودانيات للانضمام إلى "الجروب"، بل ويدخلن الوساطات لقبول انضمامهن للمجموعة حتى بلغ عدد أعضاء الغروب 105.995 عضوة، كما تؤكد صاحبة فكرة المجموعة والتي دخلت عقدها الثاني بعام واحد.
تقول الفتاة السودانية التي فضّلت تعريفها بمنى أحمد (اسم مستعار)، أنها تعلم الآثار الجانبية لتلك المركبات لكنها حذرة في استعمالها، إذ تستخدمها مرة واحدة خلال الأسبوع، وتصف الفتاة نفسها بأنها غير مدمنة على مركبات التبييض.
وردا على سؤال لـ"العربي الجديد"، حول كيف تكون أمور المدمنات على تلك المستحضرات، أجابت بأنهن يضعن تلك الخلطات عقب كل وضوء للصلاة، أي خمس مرات في اليوم.
الصيادلة: تركيب المستحضرات يتم لأغراض العلاج
"تركيب المستحضرات والمركبات العلاجية اختصاص أصيل للصيدلي"، كما ترى الدكتورة الصيدلانية صفاء علي، التي تعمل في إحدى الصيدليات التابعة لوزارة الصحة.
تقول الدكتورة صفاء لـ"العربي الجديد": توجد علاجات لأنواع من الحساسيات والبهاق يقوم بتركيبها الصيدلي، وتكون مسجلة من قبل وزارة الصحة أو الجهة المسؤولة عن تسجيل الأدوية ومواد التجميل (المجلس الأعلى للصيدلة والسموم).
وتلفت صفاء إلى أن بعض الصيدليات تبيع مركبات متخصصة في علاج أمراض جلدية مزمنة كالأكزيما والحساسية، ومن ضمن آثارها الجانبية التبييض، فيما تقوم الفتيات بشرائها دون معرفة الصيدلي الغرض الذي ستستخدم فيه. وأوضحت أن تلك المركبات تحتوي على مواد ضارة جدا، عند الاستعمال الخاطئ، كالمركبات التي تحتوي على هيدروكورتيزون والكريمات والمراهم التي تحتوي على مركبات هيدروكينون. وتحكي صفاء تجربتها الشخصية عندما ذهبت إلى إحدى الصيدليات طالبةً مركّبا خاصا بالحساسية، لكنها فوجئت بالصيدلي يعتذر لعدم وجود ما تريد ويمدها بمركب بديل محظور وغير مسجل في وزارة الصحة. وتضيف بنوع من الذهول: "هذا المركب محظور دخولة في عدد من الدول، فالإمارات مثلاً تمنع دخوله نهائياً، لأن مركب stilmans وكل المركبات التي تحتوي على مادة الإستيروئيد سامة وتتسبب في السرطان".
عقاب المخالفين بالسجن والغرامة
ينص قانون الأدوية والسموم السوداني من العام 2009، على عدم جواز توزيع أو بيع أو عرض أي مستحضر صيدلاني أو مستلزم طبي أو مستحضر تجميل إذا ثبت بالتحليل المعملي أنه غير مطابق للمواصفات، وفي حال مخالفة مواد القانون، فالعقوبة هي السجن مدة خمس سنوات بالإضافة للغرامة. ووفقا للقانون، من المفترض أن تخضع جميع الصيدليات إلى رقابة وتفتيش دوري، وهو الشيء الذي لا يحدث بصورة منتظمة، حسب دكتور صيدلي يعمل في إحدى صيدليات الخرطوم فضّل عدم الكشف عن هويته.
وكشف الصيدلي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن عمليات الرقابة تلك لا تخلو من فساد لأنه في حال تم رفع تقرير بمخالفة الصيدلية لأحد لوائح القانون فإنه يتم سحب رخصة الصيدلية منه، وهو ما يدعو بعضهم لمحاولة التأثير على المفتشين في حالة وجود مخالفات في صيدليته.
توجهت معدة التحقيق إلى إدارة الصيدلة في وزارة الصحة بولاية الخرطوم وهي الجهة المناط بها مراقبة وتفتيش الصيدليات، بعدما آلت إليها تلك السلطة من "المجلس القومي للصيدلة والسموم"، لكنها واجهت رفضا حاسما من المسؤولين للحديث عن الإجراءات التي تتخذها الإدارة في رقابتها على الصيدليات والعقوبات التي تفرض في حال تم ضبط من يخالف القانون، وهو ما يشجع المخالفين على تكرار مخالفاتهم، كما تقول الشابة سناء عمر، التي تتمنى كشف من يبيعون مستحضرات التجميل السامة وفضحهم في الإعلام حتى يتوقفوا عن تدمير حياة الفتيات.