تعاني منتسبات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، من تمييز على أساس الجنس، إذ يحرمن من حقوق متساوية في منظومة الضمان الاجتماعي ونظام التأمين الصحي والتعيينات والترقيات والعلاوة الاجتماعية والإجازات والابتعاث والدورات الخارجية والوصول إلى مراكز صنع القرار.
- تعاني العميدة رنا الخولي، مديرة اللجنة الاستشارية لوحدات النوع الاجتماعي في المؤسسة الأمنية ومديرة شعبة العلاقات العامة والإعلام ووحدة النوع الاجتماعي في قوات الأمن الوطني هي وزميلاتها المنتسبات لقوى الأمن الفلسطينية، تمييزا وتغييبا لمبدأ المساواة مع نظرائهن الذكور، في حقوق الانتفاع من منظومة الضمان الاجتماعي ونظام التأمين الصحي، نتيجة القوانين والأنظمة الإدارية المتبعة والتي تحصر الحالة الاجتماعية في خانة الـ "عزباء"، حسبما تقول لـ"العربي الجديد".
وتعد الخولي واحدة من 838 متزوجة من 2300 منتسبة يمثلن 7.4% من قوى الأمن في الضفة الغربية حاليا، وجميع المتزوجات مدون على أوراقهن الثبوتية "عزباء"، وفق تأكيد رئيسة وحدة النوع الاجتماعي في وزارة الداخلية، نهاد وهدان لـ"العربي الجديد".
يتوافق تأكيد وهدان مع توثيق معد التحقيق عبر استبيان شاركت فيه 13 منتسبة يعملن في جهاز الأمن الوطني والدفاع المدني والتوجيه السياسي بمحافظات "الخليل ورام الله وبيت لحم وطولكرم ونابلس وجنين"، ثمان منهن متزوجات مكتوب على أوراقهن الثبوتية "عزباء"، يؤكدن على عدم حصولهن على علاوة اجتماعية أو تأمين صحي يشمل الزوج /أو الأطفال. وأضافت خمس منتسبات إلى ما سبق معاناة التمييز في الحقوق على مستوى الدورات والابتعاث للخارج بين الذكور والإناث.
838 متزوجة من 2300 منتسبة لقوى الأمن الفلسطينية، تصنفهن الأوراق الثبوتية باعتبارهن "عزباوات"
ويقر الرائد أنس ريان، مدير التنظيم والإدارة في الدفاع المدني الفلسطيني بوجود التمييز، ويضرب المثل بمنتسبي الدفاع المدني البالغ عددهم 1277 منتسب/ة، 72 منهم من الإناث 54 منهن متزوجات، ويقول إن جميع المتزوجات مكتوب في أوراقهن الرسمية "عزباء" وبالتالي لا تستطيع تغيير حالتها الاجتماعية أو الانتفاع من علاوة اجتماعية للزوج أو الأطفال.
تمييز على أساس الجنس
تتكون الأجهزة الأمنية الفلسطينية من وزارة الداخلية والأمن الوطني والشرطة المدنية والمخابرات العامة والأمن الوقائي، والاستخبارات العسكرية، والحرس الرئاسي والدفاع المدني والضابطة الجمركية، فضلا عن هيئات مساندة لعمل الأجهزة الأمنية، هي هيئة التنظيم والإدارة، هيئة القضاء العسكري وهيئة التوجيه السياسي والوطني وهيئة التدريب العسكري وهيئة الإمداد والتجهيز ومديرية الارتباط العسكري ومديرية الخدمات الطبية العسكرية ومديرية التسليح المركزي، والإدارة المالية العسكرية، وفق ما جاء في الخطة الاستراتيجية لقطاع الأمن لأعوام 2017 : 2022 المنشورة على الموقع الرسمي لوزارة الداخلية.
ووصل "عدد منتسبي تلك الأجهزة بالمحافظات الشمالية حتى بداية 2019 إلى 30700 منتسب، بينهم 1920 منتسبة، 1267 منهن يعملن في أجهزة الشرطة والأمن الوقائي والمخابرات العامة وقوات الأمن الوطني والخدمات الطبية العسكرية"، وفق تقرير "حقوق المنتسبات لقوى الأمن الفلسطينية "المساواة وعدم التمييز" الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) في عام 2019، الذي تناول النصوص القانونية والسياسات والإجراءات المطبقة، التي قد تنطوي على تمييز في ما يتعلق بعدم انتفاع المنتسبات للأجهزة الأمنية من منظومة الضمان الاجتماعي ونظام التأمين الصحي والتعيينات والترقيات والعلاوة الاجتماعية والإجازات والابتعاث والدورات الخارجية والوصول إلى مراكز صنع القرار، ما يترتب على ذلك من تمييز وانتقاص واضح في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة".
غالبا ما تُكلف المنتسبات للأجهزة الأمنية بأعمال مكتبية، دون تقلد مناصب قيادية
وغالبا ما تُكلف المنتسبات للأجهزة الأمنية بأعمال مكتبية، دون تقلد مناصب قيادية، وفق جهاد حرب الباحث في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أ (منظمة مجتمع مدني تعنى بمكافحة الفساد وتعزيز المساءلة). غير أن نائب رئيس جامعة الاستقلال للشؤون العسكرية، العميد ركن سلمان عبد الله، قال لـ"العربي الجديد": "أغلب المنتسبات للأجهزة الأمنية، يقمن بأعمال مكتبية حسب تخصصاتهن، والبعض يقمن بالأعمال الميدانية".
ومن مظاهر التمييز الأخرى، كما تقول لـ"العربي الجديد" الخبيرة القانونية في قضايا عدالة الأطفال والنوع الاجتماعي، فاطمة دعنا والتي تعمل في منظمة العمل الدولية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، عدم إمكانية منح أزواج المنتسبات راتبها التقاعدي في حالة وفاتها كما هو الحال مع الرجل رغم اقتطاع حقوق التقاعد شهريا من راتبها.
ما سبق يخالف القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، إذ جاء في مادته التاسعة: "الفلسطينيون سواء أمام القانون والقضاء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة"، بحسب المحامية خديجة زهران، مديرة دائرة الرقابة على السياسات والتشريعات في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، والتي ترى في إفادتها لـ"العربي الجديد" أن المؤسسة الأمنية لا تتبع سياسة تشجع على انخراط النساء في أجهزتها.
قوانين لا تحقق مبدأ المساواة
يرد عبدالكريم أبوعرقوب، رئيس وحدة العلاقات العامة في هيئة التوجيه السياسي والوطني (حكومية تساند الأجهزة الأمنية وتتولى مهام التعبئة الوطنية) على عدم وجود علاقة بين كلمة "عزباء" وهضم الحقوق المالية للمنتسبات للأجهزة الأمنية، لأن النظام المالي لا يعتمد على ما هو مكتوب بالبطاقة الشخصية بقدر اعتماده على الأوراق الثبوتية، كعقود الزواج وشهادات ميلاد الأبناء، مشيرا إلى أن القانون هو الأساس في تحديد الحقوق المالية للمنتسبات، وفق قوله لـ"العربي الجديد".
إذن لماذا يقع التمييز بين الذكور والإناث؟ تجيب إيمان رضوان، مديرة مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن (يُعنى بالحكم الديمقراطي وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان)، بالقول: "عدم تبني المؤسسة الأمنية للعديد من السياسات الإصلاحية التي تتسم بتعزيز مفاهيم النوع الاجتماعي، أحد أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق المساواة في الحقوق أو الواجبات".
ويتضمن الإطار القانوني لحقوق المنتسبين والمنتسبات لقوى الأمن (قانون التقاعد العام رقم 7 لعام 2005 وتعديلاته، وقانون التأمين والمعاشات لقوى الأمن رقم 16 لعام 2004) بعض الفجوات في إعمال مبدأي المساواة وعدم التمييز في الحقوق على أساس الجنس والشروط التمييزية التي تحول دون تحقيق مبدأ المساواة بين المنتسبات والمنتسبين لقوى الأمن الفلسطينية في الحقوق المالية، وفق تقرير "حقوق المنتسبات لقوى الأمن الفلسطينية، الذي أكد أن التمييز هنا يتعلق بـ"عدم قدرة المرأة على توريث راتبها التقاعدي لزوجها بالشروط نفسها التي يخضع لها الراتب التقاعدي للرجل في حالة وفاته".
وتؤكد دراسة "تمثيل المرأة ومشاركتها في صنع القرار لدى مؤسسات قطاع العدالة والأمن" الصادرة عن منظمة كير العالمية (هيئة إغاثية وتعمل على مشاريع التنمية الدولية طويلة الأجل) في مايو/آيار2020، على "وجود نصوص قانونية تمييزية ضد النساء، تثبت الصورة النمطية المجتمعية لهن، وتحد من وصولهن إلى مواقع صنع القرار كنوع من المعيقات التشريعية والقانونية". وأهم النصوص وردت في قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية رقم 8 لسنة 2005، وفق تلك الدراسة، إذ عرفت المادة الأولى "العسكري: كل ضابط أو ضابط صف أو فرد في أية قوة من قوى الأمن".
ونصت الفقرة الأولى من المادة 72 من ذات القانون على أن "العلاوة الاجتماعية تصرف للضابط عن زوجته غير الموظفة وعن أبنائه وبناته وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون". تبدو اللغة التمييزية بوضوح في المادتين، إذ خاطبت الضباط الذكور، دون وجود أي إنصاف أو عدالة للمرأة الضابط/ة، ومراعاة لاحتياجاتها وأدوارها، بحسب الدراسة.
من يتحمل مسؤولية التمييز؟
تجمع مصادر التحقيق على تحميل الحكومة الفلسطينية مسؤولية التمييز على أساس الجنس، ويقول جهاد حرب، إن الحكومة وقيادات الأجهزة الأمنية مسؤولة عن عدم تحقيق مبدأ المساواة من خلال تعديل التشريعات التمييزية. وبدون قانون واضح وصريح لن يستطيع أحد أن يتصرف بمفرده حتى لو كان هناك اجتهاد أو قناعة ذاتية لإصلاح الوضع الحالي، كما يقول أبوعرقوب.
ورغم مراجعة تلك التشريعات قبل ثلاث سنوات، واقتراح تعديلات في قانون الخدمة المدنية لقوى الأمن من قبل لجنة قطاع التشريعات العادلة بقيادة وزارة العدل واللجنة الاستشارية للنوع الاجتماعي في القطاع الأمني، ورفعها إلى مجلس الوزراء، لكن لم يتم إقرارها، وفق الخبيرة القانونية دعنا، مؤكدة أن تلك التعديلات ليست من الأولويات التشريعية لمجلس الوزراء، وتقول: "هناك تحديات داخلية في المؤسسات الأمنية، متمثلة بنظرة صناع القرار لأدوار ومفهوم احتياجات النساء وإدماج النوع الاجتماعي في قوى الأمن".
وتقع مهمة إدماج قضايا النوع الاجتماعي في السياسات والتشريعات على عاتق الحكومة والأجهزة الأمنية والمؤسسات النسوية لضمان مبدأي المساواة وعدم التمييز، حسب خديجة زهران، والتي لفتت إلى أن وحدات النوع الاجتماعي المشكلة في الأجهزة الأمنية ووزارة شؤون المرأة يقع على عاتقها دور كبير في هذا الإطار. ويتوجب اتباع سياسات تراعي اتفاقية سيداو المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز من خلال مواءمة التشريعات والقوانين المحلية المرتبطة بقطاع الأمن، واتخاذ خطوات على صعيد القانون والسياسات والممارسات لتغيير دور المرأة وصورتها النمطية في العمل الأمني والعسكري، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات تعزز التمييز الإيجابي في العمل.