دمار في غزة (Getty)
10 أكتوبر 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- المقاومة الفلسطينية تُعتبر وسيلة لاستعادة الحقوق في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مما يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية ويجعلها محور اهتمام دولي بعد محاولات التطبيع الإقليمي.

- الفلسطينيون يواجهون تحديات كبيرة مثل حصار غزة والتوسع الاستيطاني، مما يفرض قيودًا مشددة وظروفًا معيشية قاسية، ويجعل المقاومة خيارًا لا مفر منه في ظل غياب الحلول السلمية.

- رغم التحديات، تمكنت المقاومة من إعادة تشكيل المعادلة السياسية في المنطقة، مما يعزز صمود الفلسطينيين ويجعلهم طرفًا فاعلًا في تقرير مصيرهم ومستقبل المنطقة.

هل من حق الناس، فلسطينيين وغيرهم، السؤال عن جدوى فعل المقاومة في 7 أكتوبر؟ بالطبع نعم ويجب الرد عليهم بخطاب منطقي مقنع يصل إلى عقول وقلوب عموم الجماهير أو من يطلق عليهم في السيرة النبوية "سواد قريش"، فهم من يدفع الثمن أو من يُطلب منهم التضحية، لذا يجب التعاطف مع معاناتهم الهائلة ومنحهم أسباباً لن تتضح دون عرض سياق الحدث الفارق، ليس في حياة الفلسطينيين فقط، وإن كانوا من يدفعون الثمن الأكبر، بل عربياً وحتى على مستوى العالم الذي أصبح مهتماً بالقضية، ويتفاعل معها ويتظاهر شبابه ويعتصمون من أجلها، بعدما كانت تذوي ليتحقق أمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في إدماج دولة الاحتلال في المنطقة دون صيغة "الأرض مقابل السلام" التي كان يفترض أن تعيد إلى السكان الأصليين قليلاً من حقوقهم، لكنه انتقل إلى ما سبق أن سماه في كتابه "مكان تحت الشمس"، بـ "السلام المسلح"، والذي تتمتع فيه إسرائيل بفوقية واستعلاء استعماري، ليس على الفلسطينيين فحسب، وإنما على دول المنطقة التي كانت في الطريق لتطبيعٍ في مقابل "وهم الحماية" من الأخطار التي تهدد بعضهم خارجياً (إيران) وداخلياً كل ما قد تخبئه الأقدار جراء احتكار السلطة والثروة.

جاء 7 أكتوبر وأوقف المسار وعادت المطالبات الأميركية والسعودية والأوروبية وغيرها بدولة فلسطينية، بعدما كانت قد أضحت صرحاً من خيال لم يعد موجوداً إلا في أحلام السلطة الوطنية تناكف به خصومها، وتكبح من خلاله جماح مقاومتهم للاحتلال، بالرغم من أن نتنياهو قال لهم في كتابه الصادر بالعبرية، عام 1993، وترجمته "دار الجليل" الأردنية إلى العربية بعدها بثلاثة أعوام: "المطروح هو حكم ذاتي مع الاحتفاظ بسلطات مركزية معظمها أمني في أيدي الإسرائيليين".

حتى يتضح أين كنا، تكفي عملية بحث بسيطة عبر "غوغل" عن عناوين وكالات الأنباء الصادرة في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لنجد "توقعات بتكثيف المستوطنين الإسرائيليين اقتحام المسجد الأقصى استجابة لدعوات من جماعات يمينية إسرائيلية بمناسبة عيد العرش (المظلة) اليهودي، في مقابل دعوات من فصائل ومنظمات فلسطينية مختلفة لشد الرحال إلى المسجد. وتكرر الخبر في اليوم الموالي، والذي بعده وهكذا وصولاً إلى اليوم الموعود أي 7 أكتوبر. كانت القضية قد دخلت طي النسيان فعلاً وقولاً.

الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، بلغ عدد المستوطنين فيها 726 ألفاً و427 مستوطناً خلال عام 2022، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية (نواة مستوطنة)، أقيمت عشر منها خلال العام ذاته، كما جاء في التقرير السنوي لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان. صار الفلسطيني محاصراً بالحواجز مقيماً في معازل، عليه أن يحتمل ما يجري فيها يومياً، من إذلال ومهانة وقتل.

الوضع في غزة لم يكن أفضل، حصار ممتد منذ عام 2006، وتحكم في ما يدخل، حتى السعرات الحرارية التي أجبرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكومتها على الكشف في أكتوبر 2012 عن دراسة قامت بها لاحتساب عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها الفلسطينيون لتفادي سوء التغذية، وبناء عليها كانت تدخل وتمنع أنواعاً من الأغذية والبضائع حسب هواها، كذلك من يخرج لعلاجٍ أو عملٍ أو غيره كان يتعرض للمساومة، إما أن يعمل مع الاحتلال ضد أهله أو يمنعه ليواجه مصيره، ومن بينهم مرضى سرطان أو ذووهم ومنهم آباء وأمهات لأطفال تم حرمانهم من مرافقة أبنائهم ليموتوا بمفردهم بعيداً عن أحضانهم.

في الداخل المحتل أطلق الاحتلال عصابات الجريمة المنظمة على الفلسطينيين الذين أجبرهم على حمل جوازات سفر إسرائيلية، كما ميز ضد مدنهم والخدمات العامة المقدمة إليهم، وغيرها من صور العنصرية التي تفاقمت بعد تكريس مبدأ يهودية الدولة قانونياً في عام 2018.

الكلام يطول في حجم المعاناة الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر ولن تكفي له هذه السطور، وكل الفلسطينيين متضررون قبل الحرب وبالتأكيد بعدها، لكن المعركة الجارية أحدثت فارقاً على مستوى الصراع، كما يقول الصحافي والأسير الفلسطيني، محمد بدر، والذي اعتقل عدة مرات أحدثها بعد 7 أكتوبر وخرج الشهر الماضي، وغيره الكثير من الأسرى الذي يتم التنكيل بهم اليوم على الهواء مباشرة، لإمتاع جمهور وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، في صورة تشبه كثيراً ما تسرب من سجن أبو غريب في العراق على يد الاحتلال الأميركي الراعي والمشارك في الحرب الدائرة على غزة، وهو ما يتجاهله من يركزون على جانب واحد من الصورة، وكأن المقاومة اتخذت قرارها بينما كان الفلسطينيون يرفلون في "نعيم الاحتلال".

هؤلاء ثلاثة أقسام بعضهم من المتضررين فعلاً، ويجب النقاش معهم والتواضع أمام آلامهم، والقسم الثاني من مشروع السلطة المتنافر مع المقاومة إلى درجة أنه لم يتورع عن التحريض ضدها إلكترونياً (راجع تحقيق العربي الجديد المنشور في يوليو/تموز 2022 "استهداف المحتوى الفلسطيني... حملات رقمية يقودها منتسبون للسلطة")، والقسم الثالث تحالف ذباب إلكتروني عربي وإسرائيلي يرى الحل في نسيان الفلسطينيين وتجاهلهم وكأن إسرائيل تعدهم باللبن والعسل، لذا يتغافلون عن تصريحات وزير ماليتها، بتسلئيل سموتريش، الموثقة بالصوت والصورة، بأن "دولتهم شيئاً فشيئاً، ستشمل الأراضي الفلسطينية، وأراضي في الأردن وسورية ولبنان والعراق ومصر وحتى في المملكة العربية السعودية"، بحسب وثائقي جديد بث منذ شهر من إنتاج قناة آرتيو الفرنسية الألمانية (تابعة للخدمة العمومية)، للصحافيين جيرون سيسكبن ونيتسان بيرلمان، بعنوان "وزيرا الفوضى".

السؤال الآن ما هي الخيارات المتاحة للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال؟ هل يوجد بدائل عن المقاومة التي أعادتهم طرفاً فاعلاً في مستقبلهم وما يجري في المنطقة بعدما تجاهلهم الإسرائيليون وقبلهم قادة دولها المكتفون برطانات عن حل الصراع بينما يطبعون على غير رغبة شعوبهم وبشكل مجاني؟

نحن لا نقاوم لأننا عدميون، بل لأنه لا يوجد سبيل آخر لاستعادة الأرض والحقوق، تقول المقاومة، وهل ترك العدو لنا خياراً آخر؟ فبعد تضحياتهم الهائلة وقبلهم شعبهم، عاد مستقبل إسرائيل في المنطقة محلاً للتساؤل، وصارت البلاد في خضم أزمة وجود يقول ساستها، كما يواجه الحزب الديمقراطي مأزقاً في إقناع العرب والمسلمين للتصويت لمرشحته في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة لأنها لم تقدم لهم وعداً بإنهاء الحرب، أي أن تأثير القضية وصل لأول مرة إلى انتخابات رئيس أقوى دولة في العالم.

البعض ينظر للنتائج الآنية المؤلمة، لكن ما يجري ليس مباراة من شوطين، بل أطول حرب بين الإسرائيليين والعرب منذ نهاية الصراع الذي رسم حدود دولة إسرائيل عام 1949، وآثارها لن تظهر فوراً لأنها تشبه ما جرى مثلاً في الحرب الأميركية على فيتنام نهاية يناير/كانون الثاني عام 1968، إذ قامت فيتنام الشمالية بشن واحدة من أكثر الهجمات المفاجئة ضد فيتنام الجنوبية الموالية للأميركان، ما عرف باسم "هجوم تيت"، الذي تم خلال فترة الهدنة وأثناء الاحتفال برأس السنة القمرية، واستهدف 100 موقع في جنوب فيتنام، وعلى رأسها العاصمة سايغون، والقواعد العسكرية، والبعثات الدبلوماسية الأميركية. صحيح أنه لم ينهِ الحرب فوراً، لكن الخبراء صنفوه بعد أعوام، نقطة تحول بسبب الخسائر الأميركية، ما تسبب في زيادة تراجع الدعم الشعبي للحرب في الولايات المتحدة واستقالة وزير الدفاع، روبرت ماكنمارا، وتقوية مقاومة الفيتناميين الشماليين بسبب تخلخل معادلة الردع الأميركية، لذا انسحبت الولايات المتحدة بالفعل من فيتنام بعد سبع سنوات من الهجوم، الذي نقل الصراع إلى أرض نهبها المحتل وكان يظنها مستقراً وموئلاً، وهو أول ما قامت به المقاومة ونجحت فيه بشكل غير متوقع في بداية معركة السابع من أكتوبر.

الأمثلة كثيرة من الجزائر وحربها ضد فرنسا وأفغانستان وما جرى فيها وصولاً إلى الانسحاب المذل للأميركيين، وكلها أحداث تؤكد أن العبرة بالخواتيم وهذه الحرب نتائجها لن تظهر الآن، طالما لم يفز الاحتلال في المعركة على الأرض، وكذلك مع هزيمته المؤكدة في الصراع على السردية واستمرار صمود المقاومة التي تستنزفه، وأفشلت تحقيق أهدافه المعلنة بالوصول إلى الأسرى وتدمير حماس وغيرها من الترهات، لكن لا يكفي أن تتمنى للضحية التوفيق كما يقول تشي غيفارا، ولن أكمل العبارة بما قاله من ضرورة مشاركتك لمصيرهم، إنما تمعن فيما يحدث وفكر في أبعاده قبل أن تجزم بالهزيمة.