حمدين صباحي والأسد
12 ديسمبر 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- يعاني السوريون من آثار القمع والاختفاء القسري بعد خمسين عاماً من حكم أسرة الأسد، حيث يواصل الأهالي البحث عن أحبائهم في سجون النظام مثل سجن صيدنايا.
- شهدت مواقف بعض الشخصيات العربية، مثل حمدين صباحي، تحولاً نحو دعم النظام السوري، رغم إدانتهم السابقة لجرائمه، بينما دعت جامعة الدول العربية إلى ضبط النفس والانتقال السياسي السلمي.
- يعكس المؤتمر القومي العربي تناقضات في مواقفه، حيث يدعم أنظمة استبدادية مثل نظام الأسد، متجاهلاً معاناة الشعوب، مما يبرز الفجوة بين الشعارات والممارسات الفعلية.

ربما لا يوجد مشهد أكثر رمزية لما آل إليه حال السوريين بعد خمسين عاماً من حكم أسرة الأسد، كهؤلاء الرجال الذين بقوا يحفرون بإصرار أرض سجن صيدنايا أملاً في الوصول إلى أخ أو ابن أو قريب اختفى منذ سنين، ولم يجدوه يوم فتح الثوار السجن وعمت الفرحة كل سورية بمختلف هوياتها الدينية والطائفية والعشائرية والقبلية، وسادت محيطها العربي باستثناء نفر يفترض أنهم مع وحدة الشعوب ويرجون الخير لها، وعلى رأسهم الأمين العام للمؤتمر القومي العربي والمرشح الرئاسي المصري السابق حمدين صباحي، الذي علق على الحدث الفارق عبر حسابه على منصة إكس قائلاً: "آه يا سورية الحبيبة.. الطعنة غائرة في قلب العروبة.. لكن العروبة لن تموت".

تحار في أمر الرجل، من طعن العروبة؟ وما الذي يقصده بعد أن وصف الأسد في عام 2012 بالطاغية، وعبر عن استنكاره الشديد للمذابح التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه؟ وبصفة خاصة قتل الأطفال، قائلاً "الثورة السورية تسجل بدماء أطفالها آخر سطر في نظام يتمسك بالحكم على جثث شعبه".

مرت السنون ولم يتغير الأسد منذ 2012 وحتى سقوطه في 8 ديسمبر/كانون الأول، بل زادت وتيرة إجرامه ضد النساء والأطفال وكل من شاء حظه العاثر أن يعيش تحت حكمه، مستخدماً السلاح الكيماوي والبراميل وغيرها من طرق القتل المكثف، لكن من تبدل هو صباحي الذي يبكي نظاماً متجبراً متجاهلاً شعباً منكلاً به، كأنه صار ناطقاً بلسان الحكام كموظفي جامعة الدول العربية التي عادة ما تتجاهل الشعوب، وتفزع للأنظمة الرسمية في أحداث كهذه، إلا أن موقفها هذه المرة كان متقدماً بكثير عن صباحي وما يمثله من تيار، بعدما قالت في بيانها إنها تطالب الفصائل المسلحة بـ"التحلي بالمسؤولية وضبط السلاح حفاظاً على الأرواح والمقدرات، والعمل على استكمال عملية الانتقال السياسي على نحو سلمي وشامل وآمن".

لا شك أن الأسد الهارب حقق ما يمكن وصفه بـ"الوحدة العربية"، ولكن في سجونه ومعتقلاته التي امتلأت بالسوريين واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين، وكان فيها يمنيون وتونسيون وعراقيون، وبالطبع راح ضحيتها رفاق لحمدين من التيار القومي، مثل أمين سر اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي السوري رجاء الناصر، وأمين فرع حمص في الحزب فيصل غزاوي الذي اختطف هو وزوجته، ومحمد معتوق، وغيرهم الكثير.

تجارياً لم يقصر الأسد وصدر الكبتاغون إلى مختلف جيرانه العرب بشكل أساسي، وبالطبع كان يجهز وريثاً يستلم الحكم الذي انتقل إليه من والده على الطريقة العربية، بالرغم من كل ما سبق لم ير صباحي مانعاً من زيارة سورية في أغسطس/آب 2023 ليترأس اجتماع الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، وضمن فعالياته التقى حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق السورية المعارضة، والذي طالبه بنقل مطالبهم إلى النظام بـ"الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين" ضمن إجراءات بناء الثقة، فما الذي حدث بعدها؟ لا شيء! استمر النظام في قمعه وصباحي في دعمه دونما اعتبار لملايين المهجرين، و135.253 من المعتقلين أو المحتجزين أو المخفيين قسراً منذ مارس/ آذار 2011 وحتى مارس 2023 بحسب أرقام المنظمات الدولية والمحلية كالشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ومما يلفت النظر لدى مشاهدة تغطيات اجتماع الأمانة العامة، تصريحات أعضاء مثل علي عبد الحميد علي الذي طالب سورية بمواصلة الانتصار لدحر الاحتلال الأميركي والتركي متناسياً الروسي والإيراني، وهو أمر لافت من سياسي يفترض أنه قومي عربي، لكن يزول العجب عندما نرى تعليق المرشد الإيراني على الأحداث الأخيرة واصفاً ما يجري بأنه نتاج مخطط أميركي صهيوني مشترك، وهو ذات الكليشيه cliché الذي يروجه الطرفان دون دليل أو اعتبار لأرواح مئات آلاف الشهداء والمصابين والمعتقلين وملايين المهجرين، والذين إما أن يكونوا أغبياء تم خداعهم جميعاً ليشاركوا في المخطط المزعوم أو خونة بحسب ذاك البهتان.

لا شك أن المؤتمر القومي العربي أكبر الكيانات التي ترفع شعار الوحدة العربية، إلا أن خطابه وممارساته خلال الأعوام الماضية تختصر العروبة ووحدة الأمة في الاستبداد بإقصاء الشعوب من دائرة الفكرة المركزية واستبدالهم بالحكام، وهو ما تكرر في مواقف بعض المنتمين إلى التيار ذاته الداعمة من قبل لصدام حسين وبعده معمر القذافي، اللذين لا يختلفان كثيراً عن الأسد ورفعا الراية ذاتها للتغطية على جرائمهم بحق شعوبهم، ولم يتورعا عن استخدام مختلف صنوف الأسلحة طوال أعوام لم يبنوا فيها دولة وتركوها خراباً بعد زوالهم.

بالتأكيد تحلم الشعوب العربية باليوم الذي تعيش فيه وتتحرك بانسيابية ضمن دولة أو كيان واحد من موريتانيا حتى العراق، لكن رهان التنظيمات التي ترفع لواء العروبة على أنظمة ديكتاتورية محض هراء، فالمستبد يجعل من جماجم شعبه سلماً إلى كرسيه ولا يهتم بغيره.