عصابات الصيد التونسية... تجريف قاع البحر وتدمير بيئته

03 نوفمبر 2024
الصيد بالجر يدمر البيئة البحرية ويخرج صغار العاملين من المهنة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه تونس تحديات كبيرة في قطاع الصيد البحري بسبب انتشار الصيد غير القانوني الذي يستنزف الثروة السمكية ويدمر البيئة البحرية، مما يهدد الصيادين التقليديين ويمنعهم من الوصول إلى مناطق الصيد الغنية.
- كشفت إحصائيات عن 910 عمليات صيد غير قانونية بين 2019 ومايو 2024، حيث تستغل الشبكات الثغرات القانونية وتستخدم أساليب عنيفة، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية وبيئية جسيمة.
- رغم الجهود لتعزيز الرقابة وتحسين التشريعات، لا يزال الصيد غير القانوني يهدد التنوع البيولوجي والاقتصاد البحري، مما يتطلب تفعيل فترات الراحة البيولوجية وفرض رقابة صارمة.

ترهب شبكات الصيد غير القانوني حرس الصيد البحري التونسي، لتستنزف ثروة البلاد السمكية وتمنع المهنيين من الوجود في مناطق عملهم، وبلغ الأمر حد استخدام وسائل تدمر البيئة وتهدد القاع بالتصحر، إذ تجرف كل ما في طريقها.

- تتزاحم المخاوف في ذهن الصياد التونسي أبولبابة السويسي أثناء توجهه إلى عمله، خشية مواجهة مصير شقيقه بعدما هاجمه قراصنة كانوا يعملون على مركب موصول بشباك الجرّ (طريقة غير قانونية لجرف قاع البحر بكل ما فيه) عام 2021، إذ اعتدوا عليه، ودمروا معدات عمله.

"لم يتمكن السويسي من مواجهتهم، إذ كان في حوزتهم أسلحة بيضاء وقوارير غاز وزجاجات حارقة يرهبون بها حرس الصيد البحري التابع لوزارة الفلاحة قبل الصيادين"، كما يقول معبراً عن حاله وأهالي منطقة القراطن في جزيرة قرقنة الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي لخليج قابس على الساحل التونسي، مضيفاً أنه ورفاقه من العاملين في الصيد التقليدي يخشون إتلاف شباكهم والاعتداء عليهم، ومن ثم يتجنبون الاقتراب من مناطق عمل المتورطين في الصيد غير القانوني الغنية بالأسماك، لذا يعانون من صعوبات كبيرة في إيجاد رزقهم، وباتوا يفضلون العودة إلى عائلاتهم حتى لو كانت شباكهم فارغة بدلاً من خسارة أعمارهم أو ممتلكاتهم، متحسراً على استحالة العمل بسبب قراصنة الصيد العشوائي المنتشرين في سواحل جزيرة قرقنة التي تضم ثمانية موانئ من جملة 41 ميناءً في تونس حسب بيانات وزارة التجهيز والإسكان.

 

شباك محظورة

تكشف إحصائيات إدارة الحرس الوطني التابعة لوزارة الداخلية والتي حصل عليها "العربي الجديد"، عن وقوع 910 عمليات صيد غير قانونية في الفترة الممتدة بين 2019 وحتى نهاية مايو/أيار 2024.

وتقع عمليات الصيد غير القانونية في خليج قابس ضمن نطاق المياه الإقليمية، وفي الجزر المحاذية له وهما جربة وقرقنة، إما عبر ربط شباك الجرّ بمراكب الصيد الكبيرة المخصصة للمياه العميقة والمزودة بأجهزة مصنوعة من الفولاذ، لتجرف كل ما يأتي أمامها من أسماك ورخويات ونباتات بحرية وبيض الأسماك والحوت، أو استخدام الكيس (شبكة ذات عيون صغيرة الحجم مثقلة بسلاسل ورصاص وتجر عبر مؤخرة القوارب) في مراكب الصيد الساحلي المسموح لها بالعمل في مناطق عُمقها أقل من 50 متراً نظراً لكونها مجهزة للعمل في المياه الضحلة، وكلا الأسلوبين يستنزفان ويتلفان الثروة البحرية ويؤديان إلى تصحّر قاع البحر، ويقبران مستقبل الجيل الحالي والأجيال المقبلة من صغار البحارة، إضافة إلى إلحاق أضرار وخسائر مادية جسيمة بمعدات ووسائل عمل الصيادين التقليديين مثل الشبكة والقصبات والخيط، كما يوضح أحمد السويسي، رئيس جمعية القراطن للتنمية المستدامة (غير حكومية تُعنى بالحفاظ على البيئة البحرية).

وبلغ حجم اليد العاملة في قطاع الصيد البحري 42 ألف بحار، يعملون على 12.974 مركباً بحسب بيانات عام 2021، الواردة في تقرير إحصائيات الصيد البحري الصادر عن وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، والتي جاء في تقريرها عن إحصائيات الصيد البحري وتربية الأحياء المائية لعام 2022 أن عدد البحارة حاملي الرخص ارتفع إلى 43.847 مهنيا، يعملون على 12.695 مركباً.

تتسلح شبكات الصيد غير القانوني بقوارير الغاز والزجاجات الحارقة

ولا يبدو أن التراجع الطفيف في أعداد المراكب قد أثر على أعداد المتطفلين على القطاع ممن تستقطبهم شبكات الصيد غير القانوني، إذ تتزايد بحسب شهادات ثلاثة بحارة حاورهم "العربي الجديد"، ومن بينهم الصياد ناجي حديدر الذي رصد تحول زملائه من المهنيين التقليديين للعمل وفق الطرق غير القانونية، كما يعمل آخرون عبر استخدام شباك مصنعة من البلاستيك (تسمى محلياً بالدراين) يحظر استخدامها لخطرها على البيئة، إذ يتكرّر فقدانها وضياعها في البحر بسبب الظروف الطبيعية ويسهم عدم تحللها في تدمير موائل حياة الكائنات البحرية.

سبب تزايد أعداد العاملين بشكل غير قانوني يفسره الناشط سفيان الزرلي منسق شبكة التحقيقات بمنظمة Fish act (دولية تعنى بالحفاظ على المسطحات المائية ورصد عمليات الصيد غير القانونية)، بأن مراكب الصيد بالجرّ والكيس لا تدفع الضرائب وتحصد حصيلة وفيرة بجهد أقل، لأنها تجرف عمق البحر، وهو ما يثبته مقطع فيديو حصل عليه "العربي الجديد" من جمعية بيئية مختصة في قرقنة، وتم تصويره عام 2022، إذ يوثق عملية تعبئة أسماك مباشرة من الكيس في ميناء سيدي يوسف بالجزيرة، وعبر تحليل عناصر المشهد، يتضح وجود معدات الصيد المحظورة وعلى رأسها شبكة الكيس المربوطة في مؤخرة المركب وعمد الصياد إلى سحبها بعد امتلائها.

تعبئة أسماك من شبكة الكيس المحظورة في ميناء سيدي يوسف بجزيرة قرقنة التونسية

يقع هذا رغم أن أسلوب الصيد بالكيس محظور في الأعماق التي تقل عن 50 متراً بخليج قابس، وفق نص المادة 15 من قرار وزير الفلاحة الصادر عام 1995، مع مراعاة إعفاء خاص لصيد الأخطبوط خلال الفترة المحددة قانونيا بين 15 مايو و30 يونيو/حزيران، ومن 16 أكتوبر/تشرين الأول وحتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني. كما تحظر التوصية رقم 5/2018/42 والصادرة عن المفوضية العامة لمصائد الأسماك بالبحر المتوسـط (هيئة إقليمية تعمل تحت إشراف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة) الصيد بشـباك الجر في قاع البحر بين الشاطئ وخط عمق 200 متر في خليج قابس بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول من كل عام، للحفاظ على المخزون السمكي.

الصورة
الصيد المحظور في تونس (العربي الجديد)
المراكب المخالفة للقانون مزودة بشباك محظورة  (العربي الجديد)

وتصل عقوبات من يمارس الصيد باستعمال معدات الصيد البحري غير المطابقة للمواصفات المحددة للغرض حسب الفصل 34 من القانون رقم 13 لعام 1994 المتعلق بممارسة الصيد البحري إلى السجن من شهر إلى عام واحد وبغرامة تتراوح بين 200 و 10.000 دينار (بين 65 و3200 دولارا) أو بإحدى هاتين العقوبتين، حسب توضيح المحامية لدى محكمة الاستئناف إيمان العبيدي.

تمرد وبلطجة لمنع إنفاذ القانون

تتكون شبكات الصيد غير القانوني من عناصر دخيلة، وغالبيتهم حصلوا على رخص عمل ساحلية وبعضهم لم يمتهن الصيد يوماً، وفق ما يؤكده رئيس جمعية القراطن للتنمية المستدامة، والتي تنشط في متابعة مختلف شؤون الصيد والعاملين في المجال، موضحا أن حاملي الرخص تمكنوا من الحصول عليها لأن الجزيرة خاضعة لنظام ملكية البحر منذ القدم، أي أن أهلها يمتلكون أجزاء من البحر يتم تحديد مساحتها بسعف النخيل وتكون قابلة للتوريث والبيع. وبعضهم ممن وقعوا في شراك إغراءات عصابات الصيد المحظور، خاصة مع تراجع العائد من العمل وفق الطريقة التقليدية، بحسب إفادات مصادر التحقيق.

910 عمليات صيد بالجرّ خلال الفترة بين 2019 وحتى نهاية مايو 2024

"من يتورطون في ارتكاب تلك المخالفات يتحركون عبر النسق ذاته لحماية مصالحهم"، يقول زرلي، إذ يلجأون إلى التمرّد والبلطجة لمنع إنفاذ القانون، كما يقول كاتب الدولة السابق للموارد المائية والصيد البحري عبدالله الرابحي، وهو ما يؤكده عنصر من الحرس البحري تحفظ على ذكر اسمه لكونه غير مخول بالتعامل مع الإعلام، موضحاً أن كافة من جرى ضبطهم من صيادي الكيس تونسيون وغالبيتهم من الدخلاء على مهنة الصيد البحري.

وينهب الصيادون المخالفون الوقود المدعوم، إذ يستغلون رخص الصيد الساحلي من أجل الحصول  على حصص الدعم الذي توفره الدولة لأصحاب المراكب المرخص لها، وهؤلاء يتمتعون بمنحة قيمتها تتراوح بين 35% و45% من الكلفة الأصلية للوقود، وفق بيانات وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري المنشورة على موقعها.

يوضح الرابحي أن تشديد الرقابة مكن الوزارة من توفير عوائد هامة للدولة كانت تذهب في أغلبها إلى صيادي الكيس. وهو ما تؤكده بيانات وزارة الفلاحة التي أعلنتها في بلاغ نشرته على موقعها الرسمي بتاريخ 23 سبتمبر 2023، وكشفت فيه أن عملية ترشيد توزيع الوقود المدعم مكنت الدولة من توفير 4.7 ملايين دينار (1.511 مليون دولار) للخزينة خلال الفترة الممتدة بين مارس/آذار وأغسطس/آب من العام الماضي، ما يعني أن هذه الحصص كانت توجه سابقاً إلى غير مستحقيها.

 

عجز حرس الصيد البحري

تكشف نتائج دراسة أصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) في أكتوبر 2021، حول صغار البحارة ووضعية الصيد الساحلي في جرجيس (شبه جزيرة شرق البلاد) وقرقنة وطبلبة (بلدة على الساحل الشرقي)، أن ''كلفة الإنتاج العالية بالنسبة للصيادين التقليديين خصوصاً نفقات صيانة مركب الصيد التي تصل إلى 4 آلاف دينار (1286 دولاراً) والمنافسة غير المنصفة وتقلص حجم الثروة السمكية، ضاعفت متاعب الصيادين التقليديين"، وبسبب تلك الظروف تزداد أعداد صيادي شبكات الجرّ والكيس، ويعملون ضمن شبكات ويُشعرون بعضهم البعض بحركة قوارب حرس الصيد البحري للاستعداد من أجل كبحها، ومنع وصولها إلى مراكب المخالفين باستخدام حبال تعيق تقدم قواربهم، كما يرشقون الحرس بمواد مشتعلة ويخيفونهم بآلات حادة، لمنعهم من الاقتراب خاصة أنهم غير مسلحين، بحسب تأكيد عنصر الحرس البحري العامل في قرقنة.

تتضح الفوارق في الإمكانيات من خلال مقطع فيديو حصل عليه "العربي الجديد"، ويوثق مطاردة حرس الصيد البحري لقارب صيد بالكيس على بعد أميال قليلة من ميناء سيدي يوسف، ويظهر بالمقطع المسجل في سبتمبر 2022، أحد عناصر حرس الصيد البحري محذّراً الصيادين المخالفين ويطالبهم بالتوقف ورفع شباكهم، إلا أنهم لم يمتثلوا للتحذيرات وفرّوا، ولم تمضِ سوى دقائق قليلة حتى انتشرت 10 مراكب صيد بالجر وحاصرت مركب حرس الصيد البحري، وفجأة هاجمته إذ ألقى الصيادون حبلاً، طوقوا به محرك مركب الحرس من الأسفل لشلّه تماماً، ما دعا قائد المركب إلى مطالبة زملائه بالتراجع قائلاً: "حاصرونا بالحبل، ارجعوا للوراء، ارجعوا".

الصيد بالجر يدمر البيئة البحرية ويخرج صغار العاملين من المهنة (Getty)

قرار القائد يعود إلى أنه لا يريد المغامرة بمركبه أو عناصره، إذ لو تقدم القارب نحو المخالفين سيغرق لأن المحرك مقيّد، كما يقول عنصر الحرس البحري، معيداً ذلك إلى افتقارهم إلى أي وسائل حماية أثناء أداء مهامهم، وأهمها السلاح الذي يقتصر حمله على عناصر جيش البحر (التابع لوزارة الدفاع) أو وحدات الحرس الوطني التابعة لوزارة الداخلية.

أما وحدات حرس الصيد فتفتقر للتأهيل والأدوات اللازمة للقيام بعمليات نوعية مثل مداهمة مراكب الصيد غير القانوني، رغم تزايد أنشطتهم وخطرها على تدمير البيئة البحرية، لكن إدارة الحرس الوطني وجيش البحر ينشغلان بالأولويات الأمنية مثل تفكيك الشبكات الإرهابية، كما يغيب التنسيق بين تلك الجهات، وكل ذلك تسبب في إعاقة تطويق هذه الظاهرة التي نمت بسبب الأزمة السياسية التي ألقت بظلالها على أداء مختلف الوزارات وأنعشت الفوضى والتطاول على الدولة، لنشهد انفلاتاً لافتاً في عامي 2019 و2021 وتوسعاً كبيراً في عمليات الصيد غير القانونية، بحسب تفسير كاتب الدولة السابق للموارد المائية والصيد البحري.

وتعكس إحصائيات إدارة الحرس الوطني هذا التصاعد، إذ بلغت مخالفات الصيد بالجر (باستخدام المراكب الكبيرة) نحو 271 عملية فيما بلغت عمليات الصيد بالكيس (باستخدام زوارق الصيد الساحلي) 693 عملية، بينما بلغت مخالفات عدم ترقيم مراكب الصيد التي لا تحمل تراخيص قانونية 526 مخالفة، خلال الفترة بين عامي 2019 وحتى نهاية مايو 2024، ويحمّل الرابحي الدولة مسؤولية هذا التزايد، معتبراً أن مرده "التقصير النابع من خوفها من الاحتقان الشعبي طيلة السنوات الماضية لذلك غضت الطرف عن الصيد بالكيس والجر رغم خطورتهما، في محاولة لشراء السلم الأهلي وعدم إثارة متاعب أمنية".

هل تنجح عمليات الرقابة عبر الأقمار الصناعية؟

تراجعت مخالفات الصيد بالكيس إلى 44 عملية منذ يونيو الماضي، في حين لم يسجل حرس الصيد البحري أي مخالفات تتعلق بالصيد بشباك الجرّ. ويربط الرابحي هذا الانخفاض بتوظيف أنظمة مراقبة بحرية لتعقب مراكب الصيد عبر الأقمار الصناعية، وبحسب توضيحه فإن هذه الأجهزة تمكن من تتبع حركة المراكب في عرض البحر وتسجيل المخالفات، وهو ما ساهم في تقليل الظاهرة.

وتلزم وزارة الفلاحة ملاك مراكب الصيد البحري بالانخراط في هذه المنظومة وتجهيز مراكبهم بالأجهزة المطلوبة بعد الحصول على التراخيص من مصالح وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي، كما جاء في بلاغ نشرته عبر صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، مؤكدة أن هذا الإجراء يرمي لتعزيز السلامة البحرية والتصدي للصيد العشوائي وضمان سلامة المهنيين بالبحر.

لكن بالرغم من تلك الإجراءات يشعر الشتاوي عليّة رئيس نقابة الصيد الساحلي بالقلق بعد أن باتت "جميع الشبكات التي ترمى في البحر تعود فارغة لأصحابها، ما يعني استنزاف الثروة السمكية، وأصبح الأخطبوط مفقودا جراء الصيد العشوائي المحظور"، مطالبا السلطات بفرض رقابة ناجعة لتفعيل فترات الراحة البيولوجية وحماية عمليات تكاثر الأسماك، إذ بلغ إجرام مخالفي القانون حدّ قتل سلحفاة البحر لأنها تقطع شباك الجر ما تسبب في نفوق أعداد كبيرة منها، "حتى إننا نجد 60 سلحفاة يوميا قذفتها الأمواج إلى الشاطئ"، وفق وصف علية.

أهمية وضرورة ضبط القطاع تعود إلى أن الصيد البحري يسهم بنسبة 7% من الإنتاج القومي الفلاحي (الزراعي) وهو ثالث قطاع مساهم في التصدير، إذ تم تصدير نحو 38.447 طناً من المنتجات السمكية بقيمة 871 مليون دينار (281 مليون دولار) عام 2022، بحسب الرابحي، لكن الفوضى والأنشطة الإجرامية التي نمت في القطاع أدت إلى تقلص الكميات المصدرة ووصلت إلى 23 ألف طن بقيمة 498 مليون دينار (161 مليون دولار) حتى أغسطس /آب عام 2023، ثم ارتفعت بشكل طفيف وبلغت 24 ألف طن بقيمة 548 مليون دينار (177 مليون دولار) في ذات الفترة من عام 2024، بحسب تقرير بعنوان نشاط القطاع الفلاحي، الصادر عن المرصد الوطني للفلاحة (حكومي) في اكتوبر 2024.

و"يؤكد التناقص المستمر في الكميات المصدرة والذي توضحه الإحصائيات السابقة، أن القطاع يواجه مخاطر بسبب عمليات الصيد المحظور"، كما يقول المهندس البيئي حمدي حشاد الذي يعمل مستشارا في شؤون المناخ والبيئة لدى منظمة Friedrich-Naumann (غير ربحية تمولها الحكومة الألمانية)، موضحا أن فقد الأخطبوط على سبيل المثال مرتبط بالصيد الجائر الذي بلغ مستويات قياسية بفعل تعمد قوارب الصيد بالكيـس اصطياده خلال موسم تكاثره، حتى أنه لاحظ وجود وجبات الأخطبوط في المطاعم الفاخرة طوال العام ويصل ثمن الطبق إلى 100 دينار (30 دولاراً).

وما يتعرض له الأخطبوط وسلحفاة البحر، وغيرها من الكائنات البحرية التي يستهدفها الصيد المحظور خطره وخيم على التنوع البيولوجي في خليج قابس، لأن فقدان أي عنصر يدمر سلسلة غذائية بأكملها ''فالغذاء المفضّل للأخطبوط هو السرطان، بالتالي فإن نقصه يتسبب في تجاوز التعداد الطبيعي للسرطان في البحر، ليحدث اختلال في التوازن البيئي والغذائي، لأن السرطان يأكل كل المكونات البحرية ولا يترك شيئاً، كما يسبب نفوق سلحفاة البحر في خليج قابس أضراراً بيئية، نظراً لدورها في تقليل عقرب البحر، بحسب حشاد، وهو ما يعبر عنه الصياد صالح عبد السلام من قرقنة، قائلا: "بات البحر شحيحا، نضع أكثر من 15 شبكة وبالكاد تمتلئ اثنتين منها، فقدنا رزقنا بسبب عصابات الصيد بالكيس، نغير أماكن الصيد ونهدر الوقت والجهد بلا جدوى".