فوجئ محمود عفيفي بطلب أطباء مستشفى المطرية التعليمي، الواقع في شرق القاهرة، نقل شقيقه أشرف إلى مشفى آخر بعد تدهور حالته الصحية جراء إصابته بفيروس كورونا (كوفيد - 19)، بسبب عدم توفر جهاز تنفس صناعي شاغر، لكن شقيقه توفي قبل تأمين سرير له بالعناية المركزة في مشفى آخر، كما يقول لـ"العربي الجديد"، موضحا أن :"أقسام العناية المركزة مزدحمة بالحالات المصابة بالفيروس، ما يجبر المصابين على الانتظار أو البحث عن واسطة للحصول على سرير عناية مركزة".
وعلى الرغم من تخصيص وزارة الصحة المصرية 363 مستشفى لمواجهة أزمة فيروس كورونا، بسعة 35 ألف سرير و4500 سرير عناية مركزة و2500 جهاز تنفس صناعي، بحسب ما أكدته الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة المصرية في مؤتمر صحافي عقد في الـ23 من ديسمبر/كانون الأول 2020، لكن ارتفاع نسبة المصابين ممن يحتاجون لأجهزة تنفس صناعي إلى 10% من بين الحالات المصابة، وفق ما أعلنه الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار الرئيس لشؤون الصحة والوقاية، خلق أزمة في ظل تعثر صناعة الأجهزة محليا وارتفاع أسعار المستوردة وصعوبة الحصول على المزيد منها.
وتأتي مصر في المرتبة السابعة في نسبة الوفيات من إجمالي عدد المصابين البالغ 196061 مريضا، من بينهم 150424 حالة تم شفاؤها، و11637 حالة وفاة، بنسبة 5.9%، وتسبقها الصين بنسبة 5.1 % والإكوادرو بنسبة 5.3%، بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر ما جاء على الموقع الرسمي لمجلس الوزراء في 22 مارس/آذار.
وكانت نسبة الوفيات خلال الموجة الأولى من انتشار الجائحة قد وصلت إلى 4.9 في المائة في نهاية ذروتها. وخلال فترة الذروة، كانت قد وصلت هذه النسبة إلى 3.6 في المائة (أدنى معدلاتها) نتيجة التوسع الكبير في التشخيص واستقبال الحالات بين شهري إبريل/نيسان ويونيو/حزيران الماضيين، قبل التوسع في اتّباع إجراءات العزل المنزلي لتخفيف الضغط على المنظومة الصحية الرسمية.
ويبلغ عدد المشافي المصرية 1848 مستشفى، بينها 1157 مشفى خاصا بنسبة بلغت 62.6% من إجمالي عدد المشافي الحكومية، والتي تصل نسبتها إلى 37.4% بإجمالي 691 مستشفى، ويبلغ عدد الأسرة في مستشفيات مصر 131 ألف سرير، تشمل 96 ألف سرير في المستشفيات الحكومية و35 ألف سرير بالقطاع الخاص، بمعدل 13.5 سريرا لكل 10 آلاف مواطن، بحسب أحدث إحصاء صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
أزمات الأوكسجين
في الثاني من يناير/كانون الثاني 2021، أقرّت وزارة الصحة المصرية بوفاة 4 مصابين بفيروس كوفيد 19 داخل غرفة العناية المركزة في مستشفى الحسينية المركزي، في محافظة الشرقية، فيما نفى المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية خالد مجاهد، في تصريحات صحافية، أن نقص الأوكسجين هو سبب الوفاة قائلا إن: "حالات الوفاة الأربع التي وقعت في وحدة العناية المركزة بمستشفى الحسينية توفوا في فترات زمنية مختلفة، وأغلبهم من كبار السن ويعانون من أمراض مزمنة ولديهم مضاعفات مرضية بسبب كورونا".
وتتناقض تصريحات المسؤول المصري مع ما جاء في مقطع فيديو يوثق الحادثة، ويظهر ارتباكا شديدا بين الأطباء والممرضين الذين يحاولون مساعدة المصابين على التنفس بوسائل يدوية، وإحضار أسطوانات أوكسجين الطوارئ التي ظهرت إحداها مع طبيب يقف بجوار مصاب داخل غرفة العناية المركزة أثناء الحادثة.
ووقعت حادثة مستشفى الحسينية بعد ساعات من أخرى مماثلة في مستشفى زفتى العام في محافظة الغربية. حينذاك، أعلنت النيابة العامة المصرية في بيان أصدرته أنها تلقت بلاغا يفيد بوفاة مريضة في قسم العناية المركزة إثر انقطاع الأوكسجين بالمستشفى وإهمال بإدارتها، وقد تبين للنيابة العامة وفاة حالة أخرى لم يُبلَّغ عنها، بينما أكد زوج ناجية من حادثة انقطاع الأوكسجين، في مقطع مصور نشره على يوتيوب في 4 يناير 2021، أن الأوكسجين انقطع عن المرضى في قسم العزل وقسم العناية المركزة 3 ساعات، ما أدى إلى وفاة شخصين، وتدهور حالة المرضى الآخرين، ومنهم زوجته التي ازدادت حالتها سوءا بحسب قوله.
وتعاني المشافي المصرية من تكرار النقص في الأوكسجين، رغم وجود 43 شركة منتجة له، بطاقة إنتاجية 9 ملايين متر مكعب، يتم توريد أغلبها للمستشفيات المتعاقدة، وفق تصريحات صحافية لوزارة الصحة في 11 يناير/كانون الثاني الماضي. وفي محاولة لتدارك الأمر، أكدت وزيرة الصحة والسكان في اجتماع اللجنة الطبية، الذي عقد في 17 مارس/آذار 2021، أن الوزارة تعمل على توفير مخزون استراتيجي من الأوكسجين بنحو 2.7 مليون ليتر، لكن الطلب على الأوكسجين تزايد بقوة خلال جائحة كورونا، بحسب رد منظمة الصحة العالمية المكتوب في "العربي الجديد"، والتي أكدت أنه على مستوى المنشأة، قد يزيد الطلب على الأوكسجين بمقدار 5-7 أضعاف عن العمليات العادية، ما يتطلب من صناع القرار اتخاذ اللازم لتأمين الحاجة منه، مشيرة إلى أنها أوصت في إرشادات الإدارة السريرية، التي تم تحديثها في يناير/كانون الثاني عام 2021، بأن تضع كل مؤسسة خطة لما يجب القيام به في حالات ندرة الموارد لتغطية حاجتها من الأوكسجين وأسرة العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي.
وجاءت مصر في المرتبة 133 عالميا من حيث كفاءة جهود مكافحة الوباء، إذ حصلت على 64.88 نقطة في التأهب لمواجهة الوباء، و82.07 نقطة في بند ضعف البلد، وفق ما جاء في قائمة تقييم السلامة الإقليمية والتي تضم 250 دولة وإقليما في العالم، ونشرها مركز الأبحاث البريطاني Deep Knowledge Group (DKG) على موقعه الإلكتروني.
مشكلة أجهزة التنفس الاصطناعي
ترفض المستشفيات الحكومية استقبال المصابين بكورونا لعدم وجود أجهزة تنفس اصطناعي كافية فيها، وهو ما حدث مع زوج فاطمة كريم (اسم مستعار بناء على طلبها)، والتي أكدت أن مستشفيي المطرية والساحل التعليمي رفضا استقباله، ما اضطرها لنقله إلى آخر خاص، حسب ما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة: "المستشفيات الحكومية التي ذهبنا إليها رفضت استقباله، ما اضطرنا لاقتراض المال لعلاجه بأحد المستشفيات الخاصة، والتي يصل فيها سعر الليلة الواحدة في غرفة العناية المركزة إلى 6 آلاف جنيه مصري (381 دولارا أميركيا)، وهو أقل سعر حصلنا عليه"، واستدركت بأسى: "زوجي الآن بين الحياة والموت".
ويمتلك مستشفى المطرية المخصص لعزل المصابين بكورونا 15 جهاز تنفس صناعي و43 سرير عناية مركزة، حسب إفادة الدكتور وائل الدرندلي، مدير المستشفى العام، مؤكدا أنه تم تجهيز الأقسام الداخلية في المستشفى بـ208 أسرة، فضلا عن تجهيز قسم لعزل أية إصابة بالفرق الطبية، بطاقة استيعابية 26 سرير و8 أسرة عناية مركزة، كما يقول.
وتوصي منظمة الصحة العالمية في دليلها للإرشادات المبدئية للتدبير العلاجي السريري لمرض كوفيد-19، الصادر في 27 مايو/أيار 2020، بالإدارة الفورية للعلاج بالأوكسجين وفق حاجة المريض، باستخدام واحد من أنظمة الأوكسجين، سواء في وحدات الطوارئ أو وحدات العناية المركزة، وتأتي أجهزة المعالجة بالأوكسجين وأجهزة التنفس الاصطناعي الاختراقي وغير الاختراقي ضمن قائمة منظمة الصحة العالمية للأجهزة الطبية ذات الأولوية اللازمة للاستجابة لأزمة كوفيد-19، ما يوجب على الحكومات السعي لتأمينها.
صعوبة الحالات في غرف العناية المركزة
يجد الأطباء المصريون صعوبة في التعامل مع المصابين بكورونا المحجوزين في العناية المركزة، كما يقول الدكتور محمد صابر الذي يعمل في مستشفى كفر الشيخ العام شمالي مصر، ويضيف:"المريض العادي بغرف العناية المركزة أعرفه جيدا، أعرف مرضه، وأعرف أعراضه وتشخيصه، وعلاجه، أما المصاب بكورونا فأعراضه تختلف من شخص لآخر، كما أن المرض نفسه كان لا يزال مجهولا بالنسبة لنا"، مضيفا:"لا يوجد علاج واضح ومحدد للمصابين بالفيروس، ما يصعب الأمر على الأطباء"، وتابع: "هناك صعوبة في التعامل مع مريض يشعر باقتراب الموت، بعدما سمع عن وفاة مصاب أو تدهور حالة آخر يرقد في سرير بجانبه".
"وهو ما يستدعي الاهتمام بالمصاب نفسيا إلى جانب التدخل الطبي والعلاج الدوائي، لكن ارتداء الكمامات والنظارة و"الفيس شيلد" (واق خاص بحماية الوجه) يعيق الطبيب من التعامل مع المصاب نفسيا وطمأنته، لأن تلك الأدوات لا تسمح باستخدام تعبيرات الوجه في التعامل معه، كالضحك، والابتسامة، وغيرها من التعبيرات المطمئنة له"، وفق الدكتور صابر، وهو ما تؤكد عليه منظمة الصحة العالمية موضحة أن النجاح في مكافحة كوفيد 19 يتطلب أن تكون القوى العاملة الصحية جاهزة، ليس فقط الأطباء والممرضون والممرضات من ذوي الخبرة في رعاية المرضى المصابين بأمراض خطيرة، ولكن أيضا مختلف الأطراف ذات الصلة، مثل مهندسي الطب الحيوي والمعالجين التنفسيين وموظفي الصيانة وغيرهم.
مبادرات "إعلامية" لصناعة أجهزة التنفس
عانت مصر قبل انتشار جائحة كورونا من عجز بنسبة 30% في أجهزة التنفس الاصطناعي، لكن الجائحة زادت الحاجة إليها، كما يقول الدكتور روبرت بطرس، المتحدث باسم مبادرة تنفس (مجتمعية لإنتاج أجهزة تنفس صناعي لمواجهة كورونا). وهو ما دفع إلى الإعلان عن خطة لبدء تصنيع الأجهزة محليا، إذ أعلن مدحت نافع، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية (حكومية)، خلال تصريحات صحافية في 31 مارس/آذار الماضي، أنهم عاكفون على توفير المتطلبات لتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي، مشيراً إلى أن الشركة ستتكامل مع الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع. موضحا أن المصانع الخاصة بتصنيع السيارات، معداتها وخطوط تجميعها تستخدم في تصنيع أجهزة التنفس الصناعي المطلوبة، وهناك مصنعان خصصا لهذا الغرض.
وإلى جانب ما أعلنه نافع، قال خالد غنيم، وكيل شعبة المستلزمات الطبية في اتحاد الصناعات، أن هناك 3 شركات خاصة للمستلزمات الطبية اتخذت قرار التصنيع، لكنه رفض الإعلان عن أسماء هذه الشركات.
لكن هذه المحاولات لم تفلح بحسب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب. ويوضح نافع:"من غير المتوقع أن يتم الانتهاء من تلك الأجهزة سريعا"، مرجعا ذلك إلى أن صناعة الجهاز تواجه تحديات، ومنها المكونات ذات المواصفات الحساسة.
وبسبب الحاجة الكبيرة لتلك الأجهزة، قدمت الحكومة الأميركية في التاسع من أغسطس/آب الماضي، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، 250 جهاز تنفس صناعي لوحدات العناية المركزة في 24 مستشفى في 12 محافظة مصرية، هي الأكثر احتياجاً إلى أجهزة التنفس الصناعي، لتوفيرها للمصابين بكورونا، وفق الموقع الرسمي لسفارة الولايات المتحدة الأميركية في مصر. كما عملت المبادرات المجتمعية على المساهمة في شراء أجهزة تنفس صناعي، ومنها مساهمة "المجتمع المدني بالمنصورة بمحافظة الدقهلية، الذي تبرع بشراء 35 جهاز تنفس صناعي وجهز غرفة كاملة للعناية المركزة بجامعة المنصورة"، وفق ما قالته الدكتورة إيناس عبد الحليم، عضو مجلس النواب، في تصريحات صحافية.
ويتكون جهاز التنفس الصناعي من محركات وفلاتر وصمامات، كما يحتاج إلى دوائر إلكترونية، وكل مكون من هذه المكونات يجب أن يكون على أعلى درجة من الكفاءة، وأقل نسبة خطأ فيه تعني أنه سيقتل المريض في الحال، كما يقول الدكتور شريف عزت، رئيس شعبة صناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية باتحاد الصناعات المصرية
وأعلنت مبادرة تنفس، التي تضم أطباء وصيادلة ومهندسين وشخصيات عامة، عن خطتها بتصنيع 5 آلاف جهاز من نوع PB 560 (صغير الحجم)، وفق بطرس، موضحا أن المبادرة تواصلت بشكل مباشر مع شركة ميدترونيك Medtronic العالمية للاستفادة من خبراتها في صناعة أجهزة التنفس، ويضيف أن جهود فريق العمل مستمرة في التواصل مع مصانع الجيش والقطاعين العام والخاص من أجل تنفيذ الأجهزة في مصانعها، بعد الانتهاء من الخطوات التحضيرية، بينما أعلنت الجامعة البريطانية في مصر، ممثلة بمركز دراسات النانوتكنولوجي التابع لها، موافقتها على أن تكون المستشار العلمي للمبادرة، وحول التواصل مع الجهات الحكومية المصرية، قال بطرس: "قمنا بالتواصل مع الحكومة على كل المستويات، وحصلنا على وعود بسبب عدم الانتهاء من وضع التصور النهائي، وحين الانتهاء سيتم التعامل مع كافة الجهات بشكل رسمي"، لكنه لا يعرف متى ستخرج تلك الأجهزة إلى النور، حسب قوله.