تستقطب لجنة الدعوة والإرشاد التابعة لحركة طالبان موظفي الحكومة المدنيين والعسكريين لدفعهم إلى الاستسلام أو الانضمام إلى صفوفها بمعداتهم وأسلحتهم، بينما فشلت ثلاثة كيانات حكومية تلعب أدواراً مشابهة في المنافسة
- يحصي المولوي محمد إلياس، القيادي في حركة طالبان وأحد مسؤوليها في لجنة الدعوة والإرشاد المنوط بها "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أدواراً تقليدية عديدة تقوم بها منذ تأسيسها في عام 1996 بعد سيطرة الحركة على السلطة في كابول، لكن مؤخراً، ومع تزايد المناطق التي تستهدف الحركة بسط سيطرتها عليها، تغيّرت طبيعة عملها وتطورت كما يقول، موضحاً أن اللجنة تعمل مع بقية أجهزة الحركة وبالتنسيق مع زعماء القبائل، لاستقطاب موظفين حكوميين وتسهيل انشقاق جنود الحكومة وضمهم إلى صفوفها.
ومع انتقال المعارك إلى أبواب المدن، يقول أمير خان متقي، وزير الإعلام والثقافة في نظام طالبان سابقاً، ورئيس لجنة الدعوة والإرشاد، في تغريدة نشرها ناطق باسم طالبان، "لا يريد المجاهدون القتال داخل المدن. ومن الأفضل أن يستخدم مواطنونا والعلماء كل القنوات للدخول في اتصال مع طالبان، بهدف التوصل إلى اتفاق منطقي لتجنيب تعرض مدنهم لأضرار".
وأصدرت لجنة الدعوة والإرشاد في إبريل/ نيسان 2021 تقريراً تضمّن انشقاق 1127 من موظفي النظام، انضموا إلى حركة طالبان، من بينهم عسكريون ورجال شرطة سلّموا أسلحة ومركبات مختلفة لقواتها.
ونشر التقرير هوية مجندي الحكومة المنضمين للحركة في ولايات "زابل، قندهار، سربل، جوزجان، فارياب، غور، بادغيس، لغمان، كنر، ننجرهار، نورستان، غازي آباد، بكتيا، خوست لوكر، بكتيكا، براون، كابل، كبيسا، بلخ، سمنكان، بغلان، تخار، بدخشان، كندز"، والذين سلّموا قواتها أسلحة خفيفة وأخرى متوسطة وصاروخين، ويبرر القيادي في حركة طالبان وعضو لجنة الدعوة والإرشاد، المولوي نظيف الله، توسع أدوار اللجنة قائلاً: "طالبان أقدمت على هذه المهمة بطلب من القبائل وأبناء الشعب الأفغاني"، في المقابل تسعى الحكومة الأفغانية إلى مواجهة الأمر، إذ اعتقلت 15 زعيماً قبلياً في 15 يونيو/ حزيران الماضي، لاتهامهم بالتوسط بين المسؤولين المحليين في الولايات وطالبان من أجل تسليمهم القواعد الأمنية وإلقاء السلاح.
أدوار متشابهة للكيانات الحكومية وطالبان
تتذكر صفية إبراهيمي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، ما تصفه بـ"ممارسات الأيام المريرة" التي عانوا منها إبان حكومة طالبان التي استحدثت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدلاً من الهيئة التي أسسها الرئيس الأفغاني الراحل برهان الدين رباني في عام 1992.
ويفرض مسؤولو الآداب العاملون في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المناطق التي تسيطر عليها طالبان على السكان رؤية الحركة فيما يتعلق بالملبس، والمظهر العام، وطول اللحية، وغيرها من الضوابط، ومن يخالفون تلك المحددات والسلوكيات يخضعون لعقوبات نظام طالبان القضائي والذي يعتمد إلى حد كبير على الاعترافات التي تُنتزَع عادة بالضرب وأشكال أخرى من التعذيب، وفق تقرير "أفغانستان: جهود طالبان لا تكفي لحماية الحقوق.. استمرار الانتهاكات وغياب الحماية مع بدء محادثات السلام" الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2020.
لجنة طالبان للدعوة والإرشاد تستقطب موظفين وعسكريين تابعين للحكومة
وتغير اسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحكومية إلى إدارة الحسبة (تتبع وزارة الحج والشؤون الدينية منذ عام 2013) بعد تولي الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي زمام الحكم في عام 2001، وتهتم بمحاربة المنكرات ومنع الانحرافات الدينية، وفق تأكيد الناشطة ملاله مولوي زاده والتي تعمل في إدارة إرشاد النساء بوازرة الشؤون الدينية لـ"العربي الجديد".
وتنشط ثلاثة كيانات ضمن الحكومة الأفغانية حالياً بدلاً عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي إدارة الحسبة، وإدارة إرشاد الأئمة، وإدارة إرشاد النساء وتتبع وزارة الشؤون الدينية، لكن إدارة الحسبة هي التي تقوم بالدور الأكبر الذي كانت تقوم به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها "القضاء على المنكرات بطريقة حسنة دون استخدام العنف"، وفق رياض الله صابر، مدير إدارة الحسبة، والذي قال لـ"العربي الجديد": "نهتمّ بالقضاء على المشعوذين وكل من يروّج للفساد وينشر ما يضر باللحمة الدينية والوطنية، فضلاً عن رعاية الشباب والتصدي لكل عمل تخريبي يستهدفهم مثل المخدرات والإباحية".
انتهاك الحريات الشخصية
خلال العام الماضي شاهد الشاب جنيد الله، أحد سكان مديرية خوجياني بولاية ننجرهار شرقي أفغانستان، أصدقاء له يتعرضون للضرب في أحد حواجز طالبان بسبب وجود أغانٍ على هواتفهم المحمولة، لكن أكبر أغا؛ وزير سابق للعدل في حكومة طالبان ويعيش حالياً في كابول للمساهمة في دفع عملية السلام، يقول لـ"العربي الجديد" إن لجنة الدعوة والإرشاد تركز حالياً على محاربة المنكرات والمساوئ الأخلاقية والانحرافات الدينية من خلال وضع البرامج وآلية التعامل مع المواطنين ومع الملفات الاجتماعية والدينية، بعد أن كانت تركّز على إرغامهم على العبادات وغيرها من الأمور مثل حظر حلق اللحى ومنع سماع الأغاني ولبس النساء "البرقع".
ثلاثة كيانات حكومية تُناط بها أدوار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ويقول لطف الله حفيظ أستاذ القانون بكلية الشريعة والقانون في جامعة إستقامت الخاصة لـ"العربي الجديد" إن طالبان لا تحترم الحريات الشخصية التي كفلها القانون المدني الأفغاني من خلال فرض ممارسة الطقوس الدينية على الشعب بالقوة، رغم أنه مسلم ومحافظ، قائلاً إن المادة 44 من القانون تنصّ على أن "الحرية حق طبيعي لكل شخص لا يمكن لأحد التنازل عنه". وتنصّ المادة 45 على أنه "إذا تعرض أي مواطن للاعتداء في حقوقه الشخصية عليه أن يسجل الدعوى من أجل الحفاظ على حقوقه الشخصية ومن أجل الحصول على التعويض إذا تعرض لأي خسارة"، لكن كل هذا يغيب في مناطق سيطرة الحركة، إذ يعقد مسؤولون محليون في لجنة الدعوة والإرشاد مجالس دعوية وتربوية ويشددون على حضور أبناء وزعماء القبائل إليها، وفق تأكيد الزعيم القبلي دلاور خان والذي ينتمي إلى قبيلة شينواري بولاية ننجرهار، قائلاً: "الحركة تتعامل مع القبائل بقوة وقسوة". وهو ما يؤكده الزعيم القبلي زين الله خان الذي ينتمي إلى قبيلة خيربوني في خوجياني بولاية ننجرهار، منتقداً طريقة تعامل طالبان مع القبائل الأفغانية، وقائلاً: "أفغانستان دولة مسلمة ولها قيم وأعراف لا تُعارض الدين الإسلامي لكن المسؤولين في حركة طالبان يفرضون رؤيتهم على الجميع".
فشل الجهات الحكومية
يرصد عالم الدين المولوي عبد الرشيد قصوراً كبيراً في صفوف العاملين بإدارة الحسبة، بسبب المستوى الضعيف لأئمة المساجد الذين تعيّنهم وزارة الشؤون الدينية، مشيراً إلى أن المجتمع الأفغاني يعاني من الشعوذة والخرافات التي تروج في أوساط الشعب، من دون أن تحرّك الحكومة ساكناً رغم ما لديها من الإمكانات، وهو ما أسفر عن قتل وحرق الفتاة فرخنده، من قبل حشود، بعد اتهامها من قبل بعض المشعوذين بأنها أساءت إلى القرآن الكريم في مارس/ آذار 2015، ولاحقاً تبيّن أن الفتاة تشاجرت معهم وأنهم اتهموها زوراً للانتقام منها.
ويرفض رئيس إدارة الحسبة رياض الله صابر اتهام إدارته بالتقصير والفساد، مؤكداً أن عدد العاملين في الإدارة 43 موظفاً، قائلاً: "عددنا غير كاف".
وفي المقابل تُخضع لجنة الدعوة والإرشاد التابعة لحركة طالبان أئمة المساجد لامتحان قبل تعيينهم بالتشاور مع رموز القبائل، لكنها توجّه الأئمة لاحقاً لخدمة توجهاتها، ومن لا يُصغي يتم إبلاغ اللجنة المحلية كي يتم التعامل معه من خلال توبيخه وزجره وفي بعض الأحيان يتم سجنه لأيام معدودة، وفق محمد رياض خان أحد سكان مديرية سرخ ولاية لوجر. وتمنع لجنة طالبان أئمة المساجد من أداء مهامهم في حال عدم تنفيذ تعليمات الحركة، كما حدث مع عبد الحكيم جهاردراي، إذ منع من التدريس في مدرسة تخارستان الشهيرة الواقعة في مدينة قندوز شمال افغانستان، ومُنع من إلقاء خطب الجمعة في المساجد، بحجة أنه ينتمي إلى فكر متشدد، وفق رواية قريبه نويد الحق.
وفي مديرية جلريز بولاية ميدان وردك أقيل عالم الدين مولوي محمد سليم في سبتمبر/ أيلول 2020 من إمامة المسجد، بذريعة التباطؤ في أداء مهام الإمامة، كما تقول طالبان.
ويقول فضل المولى أحد سكان منطقة جلريز إن الرجل كان من الأئمة المشهورين ومن علماء الدين الذين لهم نفوذ في المنطقة ولكنه لم يكن يصغي لسياسات طالبان، وهو ما تكرر مع سبعة أئمة في إقليمي لغمان ولوجر، وكذلك مع المدرسين الذين تعينهم الحكومة، لكن طالبان تسيطر على مناطق عملهم، إذ تعرض البعض للفصل من قبل لجنة الدعوة والإرشاد التابعة للحركة، بحجة رسوبهم في امتحان تضعه بالتنسيق مع لجنة التعليم التابعة لها، من أجل تحديد المستوى العلمي والديني للمختصين بتدريس المواد الدينية، كما يقول عبد القاهر أحمد شاه عضو لجنة التعليم في حركة طالبان بشرق أفغانستان، ومن بين هؤلاء مدرسون في مدرسة كريم داد بمديرية نرخ في ولاية ميدان وردك، تمت إقالتهم في يوليو/ تموز 2020 بحجة رسوبهم في امتحان الحركة، كما يقول لـ"العربي الجديد" الزعيم القبلي نبي الله سنكري والذي ينتمي إلى قبيلة حسين خيل في منطقة جالريز جنوب غرب مركز كابول.
ويرد الناطق باسم الداخلية الأفغانية، طارق آرين لـ"العربي الجديد" قائلا إن حركة طالبان تتخذ خطوات لفرض رؤيتها الدينية والاجتماعية على المواطنين في مناطق سيطرتها التي خرجت عن نطاق ونفوذ الحكومة، قائلاً: "نسعى جاهدين من أجل بسط نفوذ الحكومة على المناطق التي تقع تحت سيطرة طالبان ووقف تلك الممارسات".