يستهدف محتالون يدّعون العمل في شركات تداول إلكتروني في البورصات، الكويتيين والمقيمين، عبر ادعاءات الربح الوافر، ومن ثم تُخترَق حساباتهم البنكية وتُنهَب عشرات الملايين من الدولارات التي يصعب استرجاعها.
- وقع الخمسيني الكويتي جعفر محمد في فخ لعملية نصب "ممنهجة"، كما يصفها، عبر اتصال ورده في 15 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 من رقم هاتف بدا أنه محلي، وزعمت المتصلة أنها موظفة في شركة كويتية لديها محفظة استثمارية للتداول في الذهب والعملات من خلال أفضل مديري الاستثمار، وأن ما عليه سوى فتح المحفظة الخاصة به بمبلغ 80 ديناراً كويتياً فقط (259 دولاراً)، على أن يقدم إليه المدير أفضل الفرص المتوافرة للتداول مع تقديم الضمانات كافة، من تراخيص عمل الشركة والمحفظة.
وبالفعل، تواصل معه المدير المالي (وفق ما عرّف عن نفسه)، وطلب زيادة تداوله إلى 5 آلاف دينار (16.195 دولاراً)، ولا سيما أن العوائد مضمونة، وستكون في حسابه خلال 24 ساعة، ووافق جعفر، وتلقى رابطاً "لتنفيذ الصفقة بالمبلغ المتفق عليه"، ليفاجأ بسحب 9400 دينار كويتي (30.447 دولاراً) من حسابه البنكي، ومن ثم اختفى النصاب، وعندما حاول جعفر الاتصال به لم يجد رقم الهاتف فعالاً، ما دفعه إلى تقديم بلاغ رسمي في 10 يناير/ كانون الثاني 2023، ولدى تتبع جهات الاختصاص للأرقام التي وردته، تبين أنها وهمية، أي غير مرتبطة بخط تقليدي، وتعتمد على نظام الصوت عبر بروتوكول الإنترنت (VoIP) لتوجيه الإشارات الصوتية وتحويلها إلى رقمية وإرسالها عبر خطوط الإنترنت، بالتالي فهي غير مسجلة في شركات الاتصالات المحلية بالكويت، ما يعوق معرفة مستخدميها، وحتى الآن لم تتوصل الجهات الأمنية إلى هوية النصابين.
ما جرى مع جعفر يُعَدّ جزءاً من ظاهرة خداع متنامية في الكويت، إذ وقع 21 ألف شخص، من المواطنين والأجانب المقيمين، ضحايا لعمليات نصب واحتيال من شركات تداول إلكتروني وهمية منذ بداية عام 2022 وحتى مايو/أيار 2023، بحسب مصدر أمني في وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية، طلب التحفظ على اسمه للموافقة على الحديث.
إغراءات بأرباح خيالية
يتلقى نواف البغلي اتصالات متكررة، بعضها من أرقام محلية، وأخرى دولية غريبة. ويقول لـ"العربي الجديد" إنه في الغالب لا يردّ على الأرقام من خارج الكويت، "لكن في 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي ورده أكثر من اتصال من رقم كويتي وأخبرته المتحدثة أنها تعمل في شركة تداول للعملات، وحاولت تقديم إغراءات بأن استثماره معهم سيعود عليه بربح مضمون، قائلاً: "بعد أن حاولت إقناعي بالتداول أوضحت لها أنني لا أهتم بهذا المجال".
21 ألف ضحية لعمليات النصب عبر شركات التداول الوهمية في الكويت
وتكرر ما سبق مع اللبناني المقيم بالكويت حسين عطية، الذي نجا من محاولة احتيال إلكتروني عبر اتصال ورده في 12 يناير الماضي، إذ يروي ما حدث معه قائلاً: "بنوع من الفضول سعيت للتجاوب قليلاً مع المتصلة، وعندما استغربت نسبة الربح الخيالية التي تتحدث عنها، ردت قائلة إن شركتها تملك دراسات تفصيلية عن الفرص الاستثمارية في الأسواق العالمية، وإن محفظتهم تعود بالفائدة المضمونة، مؤكدة للمرة الثانية ضمان الأرباح، وعقب ذلك طلبت مني فتح الرابط الذي سترسله لي حتى أرسل لها من خلاله المبلغ الذي أرغب في الاستثمار به وهو 80 ديناراً كويتياً، ولكن هنا قررت وقف هذا الاتصال وأكدت لها عدم اهتمامي بما تعرضه".
ويقدم المحتالون إغراءات لإقناع الأشخاص بتسلّم رابط وإدخال بياناتهم البنكية، أكثرها تكراراً ما حصل مع المدرس المصري الأربعيني محمود جاد الله، الذي تلقى اتصالاً في 20 يناير الماضي، من موظفة في شركة تداول، وفق ما عرفت نفسها، تخبره أن ما عليه سوى الاستثمار بـ 100 دينار كويتي (324 دولاراً) "لتقوم الشركة، دعماً له في البداية، بإيداع القيمة نفسها لتكون محفظته بقيمة 200 دينار كويتي، من أجل أن يستثمر في فرصة ثمينة في سوق الذهب العالمي"، مؤكدة أن تلك الفرصة متاحة خلال ساعة فقط من زمن الاتصال، لكن جاد الله راودته شكوك كبيرة، ورفض التجاوب معه، ولا سيما أن الموظفة كانت تلحّ بشكل غريب على ضرورة الإسراع في تحويل هذا المبلغ لانتهاز الفرصة قبل ضياعها.
إشكاليات التمييز بين شركات التداول المرخصة والوهمية
يجمع الأشخاص الذين يوثق "العربي الجديد" تجاربهم على وجود صعوبة في تمييز شركات التداول الوهمية من تلك الحقيقية، ولا سيما في ظل انتشار التداول الإلكتروني حالياً، وهو ما يؤكده نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة أرزان المالية للتمويل والاستثمار، جاسم زينل، قائلاً "إنه يصعب التفريق بين شركات التداول المرخصة وغير المرخصة، خصوصاً أن من يتداول في الشركات المشبوهة من المبتدئين، وإذا أراد متضرر تقديم شكوى لجهة قانونية مختصة في هذا الأمر، فإنها ستكون غير مجدية، لأنها الواقعة حصلت من خلال أرقام هواتف وهمية، وأموال العميل تحوَّل بين أكثر من جهة، وبالتالي من الصعب جداً استعادة هذه الأموال، وكثير من الناس ذهبت أموالهم دون رجعة، وفي حال اهتمام العميل باستثمار أمواله في أسواق المال والعملات العالمية، فما عليه سوى البحث والسؤال عن الشركات المحلية التي تنشط في هذا المجال، ومن ثم زيارتها وفتح حساب تداول معها أو محفظة استثمارية، واتباع الإجراءات القانونية المتعارف عليها في هذا المجال بعيداً عن شركات النصب والخداع"، مبيناً أن هناك 10 شركات تداول مرخصة من قبل البنك المركزي الكويتي، تعمل في الوساطة المالية بين المتداولين لتسهيل صفقات بيع الأسهم والمنتجات المصرفية وشرائها.
ولتجنب الوقوع في مصيدة شركات التداول الوهمية، يشدد محسن خان، مسؤول التدريب في معهد نور سي إم (Noor CM) الأهلي التابع لشركة NCM للاستثمار، على ضرورة تأكد المتداولين من شهادة وتفاصيل منشأ شركة التداول، وموقعها والكيان الحكومي الذي ينظم عملها ويراقبه، والتعرف إلى مخاطر الاستثمار أو التداول الإلكتروني أيضاً، والسؤال عما إذا كانت الشركة تقدم خدمات التدريب وعن توافر خيار الإيداع من طريق التحويل البنكي لديهم أو لا، وأن يكون للشركة حساب بنكي معتمد لدى أحد البنوك العاملة في الكويت. علماً أن الشركات الحقيقية لا تعتمد على الترويج لعملها عبر الاتصالات الهاتفية، بل على التواصل المباشر مع العميل، وتعلن نفسها من خلال الإعلانات في وسائل الإعلام المختلفة.
وتردّ هيئة أسواق المال الكويتية بأنها تمارس دورها الرقابي وتفرض قراراتها على الشركات المعتمدة داخل الكويت، وتراقب أعمالها، وإن مارست النصب، فستعاقب بالإغلاق وترفع عليها دعاوى قضائية لتعويض العملاء، ولمحاربة استغلال المواطنين الراغبين في التداول، أقرت إجراءات تنظيمية لعمل شركات الوساطة المالية غير المسجلة تحت مظلتها، واعتبرت المشتقات المالية التي تنشط فيها تلك الشركات بمثابة أوراق مالية تخضع لرقابتها، وأصدر مجلس مفوضي أسواق المال في 20 إبريل/نيسان 2021 تعليمات تنظم أعمال تلك الشركات التي تندرج تحت مسمى وسيط لحفظ حقوق الراغبين في الاستثمار في المشتقات المالية بالبورصات العالمية، في محاولة لإنهاء النصب عبر شركات التداول والتسويق الوهمي التي تتخذ من أعمال الوساطة في الفوركس والعملات والمعادن منفذاً للاحتيال على جمهور المتعاملين الراغبين في استثمار أموالهم، بحسب رد الهيئة على "العربي الجديد".
خسائر طائلة
يستخدم النصابون أسماء شركات وبنوك معروفة لدى التواصل مع الزبائن، وفي مقدمتها أكبر البنوك المحلية في الكويت، وكذلك في المنطقة العربية، ويطلب المتصل من الضحية الكشف عن بيانات سرية تتعلق ببطاقته الائتمانية من أجل اختراقها. وطوّر النصابون من آليات عملهم لتتحول إلى اتصال من مصدر مجهول يعرّف نفسه على أنه شركة تداول معروفة، وإما أن يكون اتصالاً عادياً (من رقم وهمي) أو عبر تطبيقات الاتصال، بحسب توضيحات مصادر التحقيق.
وتستخدم جهات الاحتيال وسائل إقناع أخرى، من ضمنها رسائل تضم صور شخصيات معروفة في مجتمع المال الكويتي، في أثناء تقديمهم التهاني إلى مستثمرين حققوا أرباحاً خيالية نتيجة التداول معهم، ويدرج إلى جانب الصور أرقام هواتف للاتصال بهذه الشركات من أجل الإيقاع بفريسة جديدة راغبة في الاستثمار، مع تقديم تعهدات بأرباح تفوق رأس المال المستثمر بضعفين وأكثر، وبتوفير ضمانات "خصوصاً للحالمين بالثراء"، بحسب ما جاء في رسائل رصدها معد التحقيق.
خسر الضحايا 55 مليون دينار كويتي منذ عام 2022 وحتى مايو 2023
ويخسر الضحايا، سواء من المواطنين أو الوافدين العاملين في الكويت، أموالهم التي كانوا يكدّون لادخارها طوال السنوات، بسبب الوقوع في فخ شركات التداول الوهمية، بحسب المحلل الاقتصادي الكويتي علي العنزي، الذي يعمل في شركة السيف للوساطة المالية، وهو ما يؤكده المصدر الأمني في وحدة الجرائم الإلكترونية الذي كشف أن ضحايا شركات التداول الوهمية خسروا 40 مليون دينار (129.539 مليون دولار) عام 2022، و15 مليوناً (48.590 مليون دولار) منذ بداية 2023 وحتى نهاية مارس الماضي. ويعزو ارتفاع عدد عمليات النصب الإلكتروني خلال العامين الماضيين إلى التطور التكنولوجي وانتشار التداول الإلكتروني، مبيناً أن عمليات النصب في آخر عامين قفزت بنسبة بلغت 300% عما كانت عليه في 2020 و2021. وكان كبار السن هم الغالبية العظمى من ضحايا الجرائم الإلكترونية، مشيراً إلى أن هؤلاء ليست لديهم الخبرة الكافية بالتكنولوجيا لمواجهة الأساليب الاحترافية المستخدمة في النصب والاحتيال الإلكتروني، خصوصاً أن الرسائل عبر تطبيق واتساب، والمكالمات المجهولة تعد أبرز الوسائل المتبعة من قبل المحتالين للاستيلاء على أموال تلك الفئة.
ويلجأ المحتالون إلى توظيف برامج تمكنهم من سحب المال من رصيد الشخص، كما حصل مع الأربعينية المصرية المقيمة في الكويت أمل إبراهيم علي، عندما تلقت اتصالا في 18 أغسطس/آب 2022، وكانت المتحدثة فتاة شرحت لها أساليب التداول الإلكتروني، واستمرت أمل بالحديث معها لمدة 10 دقائق وخلالها أقنعتها بتنزيل برنامج اكتشفت بعدها أنه تم سحب مبلغ 12 ألف دينار كويتي (38.826 دولارا) من حسابها البنكي، عبر برنامج سمح لها بالدخول إلى الهاتف، وكانت تسحب من الرصيد مستفيدة من وصول رسائل OTP التأمينية التي اطلعت عليها بعد اختراق الهاتف، إذ تصل تلك الرسائل لأي عميل عند إجراء عملية سحب إلكترونية من حسابه، وتتضمن مجموعة من الأرقام وبدونها لا تكتمل عمليه السحب، "وبالتالي نجحت في سحب هذا المبلغ الكبير دون أن أشعر بذلك"، تقول أمل: "عند تقديم بلاغ لدى إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، كانت الإجابة أنه لا يمكن ملاحقتها قضائيا نظرا لأن عمليات السحب تمت بالاستقطاع البنكي ومن خلال رسائل OTP والتي يتم تصنيفها لدى مؤسسات الدفع المحلية والدولية على أنها عملية دفع سليمة تمت بكامل إرادة العميل".
ويوضح المهندس فادي عطا، المتخصص في تقنية المعلومات والذي يعمل في شركة خاصة، ما جرى مع أمل علي بقوله إن هذه العملية تتم عبر استخدام برامج تخترق الهاتف دون انتباه الشخص، وأخطرها هو برنامج AnyDesk، وهو برامج مجاني للاستخدام الشخصي ومدفوع الأجر للشركات والمؤسسات، ويستخدم للربط بين الأجهزة المختلفة، واستغل أشخاص البرنامج للتحكم الكامل وعن بعد في بعض الأجهزة، إذ تكمن خطورته والبرامج الأخرى المماثلة له في إمكانية استغلالها في عمليات النصب والاحتيال من خلال اختراق الأجهزة والحصول على الصور والبيانات الشخصية، وكذلك إجراء مختلف العمليات باسم المستخدم الحقيقي كتحويل الأموال من البنك مثلا، محذرا من الاتصالات المريبة التي قد تستغرق وقتا طويلا مع أشخاص غير معروفين لأنها قد تعرض الشخص لمحاولات اختراق لأجهزتهم والتحكم فيها خلال فترة الاتصال عبر اقناعهم بتنزيل برامج باعتبارها تستخدم في "تجارب للتداول" بحسب ادعاءاتهم لكن في الحقيقة يجري السيطرة على الهاتف، وهو ما حدث مع أمل التي خسرت أموالها بلا رجعة.