تحوّلت سجون أفغانستان إلى بؤر لترويج المخدرات وتخريج المدمنين، إذ يتورط رجال أمن ومسؤولون في تسهيل دخول الممنوعات، في وقت تقر الحكومة وأميركا بفشل جهودهما في منع ترويجها.
- يعترف الناطق باسم إدارة السجون الأفغانية، عباد الله كريمي، بتصاعد ظاهرة تورط مسؤولين وعناصر أمن في ترويج المخدرات داخل بعض سجون البلاد، مثل بولي شارخي في العاصمة، والذي يضم 13 ألف سجين، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن خلايا في السجون تتاجر بالمخدرات التي تحصل عليها بشتى الطرق، إذ يتفق أهالي السجناء مع فاسدين من رجال الشرطة على إدخالها للمحكومين خلال الزيارة في مقابل رشاوى، فضلاً عن تعمّد بعض المدمنين على المخدرات ارتكاب جنايات، مثل الضرب أو سرقة أو افتعال شجار حتى تعتقلهم الشرطة، وهو ما يمثل فرصة لتهريب المخدرات إلى داخل السجون.
وساهم ترويج المخدرات في سجن بولي شارخي، أكبر مؤسسات أفغانستان العقابية، في إدمان سامسور خان أندر على الحشيش بعد 3 سنوات من سجنه، ليستمر في تعاطي المخدر بعد الإفراج عنه في يناير/ كانون الثاني 2019.
وقبل توقيفه في عام 2011 بتهمة الانتماء إلى حركة طالبان، عمل خان أندر، المنحدر من إقليم غزنة جنوبي أفغانستان، في زراعة الحشيش، غير أنه لم يكن يتعاطاه، واصفاً ما حدث له داخل السجن بالقول: "زاد السجن مشاكلي المالية والصحية بدلاً من تقليلها"، ولا يتوقف الأمر على مخدر الحشيش، إذ يجرى الاتجار بمختلف أنواع المخدرات في السجون، وفق ما يوضحه الناطق باسم إدارة السجون الأفغانية، مضيفاً أن عدد الموقوفين في 37 سجناً بأفغانستان يصل إلى 35 ألف سجين.
وتتراوح نسبة المدمنين على المخدرات من الموقوفين في السجون الأفغانية بين 15% و20% من إجمالي السجناء، بحسب ما يؤكده الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور وحيد الله مايار، مشيراً إلى أن وزارته توصلت إلى هذه النتيجة من خلال إجراء فحوص دم لعينات من السجناء قبل 18 شهراً، وهو ما أكده وزير الصحة فيروز الدين فيروز في مؤتمر صحافي عقده في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
تفاقم الإدمان داخل السجون
من بين أنواع المخدرات التي تباع في السجون الأفغانية "الحشيش، والهيروين، والأفيون"، بحسب ما قاله السجين السابق في ولاية هلمند جنوبي أفغانستان نجي الله، والذي كان يجد احتياجاته من مخدر الحشيش داخل السجن منذ توقيفه في فبراير/ شباط 2018 بتهمة طعن جار له بالسكين.
ويبلغ إجمالي المدمنين على المخدرات في أفغانستان ما بين مليونين و2.5 مليون مدمن، 40% منهم نساء، بحسب تأكيد عبد الشكور حيدري نائب مدير إدارة مكافحة المخدرات في وزارة الصحة، مشيراً إلى أن ما بين 400 ألف و500 ألف مدمن، أغلبهم على الهيروين، في حالة حرجة، وهم بحاجة إلى علاج، حفاظاً على حياتهم، كما يقول لـ"العربي الجديد".
وتزداد أعداد المتعاطين وفق دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية المستقل في كابول (يعنى بتنمية البرامج والسياسات في أفغانستان) صدرت في 3 يوليو/ تموز 2019، إذ تؤكد الدراسة وجود نحو 3.5 ملايين مواطن أفغاني يتعاطون المخدرات بشكل متفاوت، والأخطر أن بينهم 30% من الأطفال، وأظهر التقرير المشترك الصادر عن الحكومة الأفغانية وهيئة الأمم المتحدة أن زراعة الخشخاش في أفغانستان زادت بنسبة 32% في عام 2017 كما أن إنتاج الأفيون زاد بنسبة 29%، ويعزو مسؤولو وزارة مكافحة المخدرات السبب في ذلك إلى التدهور الأمني. وبحسب تقرير المفتش الخاص الأميركي في أفغانستان فإن الولايات المتحدة الأميركية حتى عام 2014 أنفقت مبلغ 7 مليارات و600 مليون دولار لمكافحة زراعة المخدرات في أفغانستان، ومع صرف هذه المبالغ الطائلة فإن الحكومة فشلت في جميع الأصعدة (منع زراعة الخشخاش، منع إنتاج الأفيون، مكافحة الاتجار بالمخدرات وتهريبها، منع الوقوع في الإدمان، ومعالجة المدمنين)، وهذا أمر يُقر به المسؤولون في الحكومة الأفغانية.
تورط مسؤولين في تجارة المخدرات
تنتشر عصابات وشبكات ترويج المخدرات داخل السجون، ويسيطر كل منها على أحد مباني السجن، بتواطؤ مع الشرطة ومسؤولي المبنى، وفق المحامي الأفغاني شفيع الله غرني الذي يترافع في قضايا مخدرات ومتابع لعدد من موكليه في سجون أقاليم "قندهار، هلمند، ننجرهار، وبلخ" منذ 5 أعوام، مؤكداً أن الخلايا التي توصل المخدرات إلى السجون تتكون من التجار في الخارج وأفراد الشرطة من العاملين داخل السجون، وهؤلاء يساعدون عصابات المخدرات على استمرار عملهم داخل السجون.
ويؤكد الناطق باسم الداخلية الأفغانية السابق نصرت رحيمي ما قاله المحامي غرني، قائلاً: "مسؤول مكافحة المخدرات في أمن كابول ميان أحمد أحمدي كان من بين أفراد أكبر خلايا تهريب وتجارة المخدرات في أفغانستان"، مضيفاً أن وزارة الداخلية اعتقلت في السادس من فبراير/ شباط الماضي 6 أفراد ضالعين في تجارة وتهريب المخدرات، منهم أحمدي الذي كان يوصل المخدرات إلى جميع أطراف كابول عبر خلايا صغيرة تعمل داخل العاصمة، كما يقول
ومن بين المعتقلين أيضاً نائب مسؤول سجن بولي شارخي الذي حكم عليه بالسجن 28 عاماً، بتهمة إيصال المخدرات إلى السجن بواسطة سائقه، وفق ما أكده الناطق باسم إدارة السجون الأفغانية، وتبدأ عقوبة تهريب وتجارة المخدرات بالسجن من 6 أشهر إلى عام في حال كان حجم المخدرات المضبوطة أقل من 10 غرامات، وتصل حتى السجن المؤبد في حق من تاجر وساهم في ترويج كميات أكثر من 5 كيلوغرامات وفق قانون مكافحة المخدرات رقم 0875 لسنة 2006، كما يقول المحامي عبد الكريم حفيظ الذي يعمل في شركة روزان ستوك Rosenstock للخدمات القانونية، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن العقوبة القانونية لا تفرق بين مسؤول في الحكومة أو مدني، لكن أغلب من يتم وقفهم من المدنيين.
أدوات تفتيش ومراقبة السجون غير فعالة
تصل المخدرات إلى السجون بسبب وجود ثغرات في نظام التفتيش والمراقبة، والذي يعتمد على اليد والعين المجردة، وبالتالي لا يمكنه الوقوف في وجه شبكات الجريمة المنظمة المتعاونة مع الشرطة في ترويج المخدرات داخل السجون، إذ لا يمكن تفتيش من يتمتعون بالسلطة والنفوذ، وفق ما قاله وزير الصحة فيروز الدين فيروز.
بالإضافة إلى ما سبق فإن كثرة عدد زوار السجن تعد عقبة كبيرة تمنع التصدي لهذه الظاهرة، إذ إن عدد زوار سجن بولي شارخي يتراوح بين 2500 و3 آلاف زائر كل يوم. فكيف يمكن التصدي لهذا العدد؟ وكيف يمكن فحصهم بشكل دقيق في ظل أن السجون ليست لديها أجهزة كشف إلكترونية متطورة، باستثناء بعض السجون التي توجد فيها بوابات للكشف عن السلاح، كما يضيف كريمي.
ويتم إخفاء المخدرات في أغراض السجناء التي يحضرها الزائرون، مثل الملابس وداخل الأطعمة، لكنها حيل يمكن التصدي لها إلى حد ما، لكن في حالة إخفاء المخدرات في أجزاء من الجسم أو داخل ملابس النساء، فمن الصعب الوصول إليها من دون أجهزة إلكترونية.
لكن توفر تلك الأدوات لن يجدي نفعاً طالما يتورط أفراد من الشرطة في تجارة وتوزيع المخدرات بالسجون، وفق مصادر التحقيق، ومنهم محمد أواب، الموظف المتقاعد في سجن بولي شارخي والذي ما زال على تواصل مع زملائه من العاملين في سجون "جلال أباد، هرات، وكابول"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن التدهور الأمني والفساد الإداري في السجون سبب مهم ساعد على إفشال الجهود المبذولة في مكافحة المخدرات.
وتصل المخدرات إلى سجون النساء كذلك كما تقول المحامية عافية ناصري، مضيفة لـ"العربي الجديد" أن الحصول على المال من أجل شراء المخدرات يجبر السجينات على الأعمال الإجرامية حتى داخل السجن، رغم أن بعضهن موقوفات ومعهن أطفال ما دون السابعة من العمر.
وتعالج وزارة الصحة الأفغانية 40 ألف مدمن سنوياً، بحسب عبد الشكور حيدري نائب مدير إدارة مكافحة المخدرات، ومن الخطوات التي اتخذتها وزارة الداخلية، وفق نصرت رحيمي، تخصيص غرف للمدمنين في بعض السجون. لكن المحامي غرني يقول إن تلك الخطوات هشة ولا جدوى منها طالما أن هناك أفراداً من الشرطة والمسؤولين يتاجرون بالمخدرات ويوفرونها داخل السجون.