بعد بضعة أيام من التحاقها بجامعة لانكستر البريطانية، حزمت العشرينية بيث جاك أمتعتها وعادت إلى مسقط رأسها في مدينة برمنغهام وسط المملكة المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، في محاولة للتخلص من أعباء مادية ستثقل كاهلها إذا ما استمرت في العيش بالسكن الجامعي، خاصة بعد قرار الدراسة عن بعد، استجابة للإغلاق الذي فرضته السلطات البريطانية لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد 19)، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أنها حسمت أمرها لأن دراستها لتخصص الجغرافيا لا تستلزم الحضور أو الاستعانة بمختبرات كما في الدراسات العلمية.
على العكس من جاك، يعاني الطالب التايلاندي شيمانيكر آتي في متابعة الدروس عن بعد والوصول إلى فهم صحيح للمعلومة بالإضافة إلى معاناته بسبب فارق التوقيت (حوالي 7 ساعات) بين بلده والمملكة المتحدة،كما أن دراسته لتخصص الهندسة الميكانيكية بجامعة لانكستر تتطلب حضورا، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن الصعوبة تكمن في عدم الوصول إلى المختبرات، ما يعني أن مشروع تخرجه في سنته الأخيرة سيكون نظريا، والنتائج على هذا الحال لن تكون كما يريدها.
تراجع البحث العلمي
توقفت الدراسة في جامعات بريطانيا في مارس/آذار 2020، وبات على الطلبة الجلوس أمام شاشات أجهزة الحاسوب والاستماع إلى محاضراتهم، وفق الرد المكتوب الذي تلقته معدة التحقيق من المكتب البريطاني للدراسات الجامعية. ويتزايد الرفض للأمر، إذ إن 29% من طلبة بريطانيا غير راضين تماما، عن هذه التجربة، وفق مسح لآراء طلاب الجامعات أثناء جائحة كورونا أجراه مكتب الإحصاء الوطني البريطاني (ONS) خلال الفترة من 20 و25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
%29 من طلاب الجامعات البريطانية غير راضين عن الدراسة عن بعد
ويشكل عدم التواصل وانعدام العلاقة بين الأساتذة وطلابهم، معضلة يتحمل تبعاتها كلا الطرفين، وفق ما رصده البروفيسور البريطاني من أصل عراقي، علي قادر، والذي أمضى ثلاثين عاما في تدريس مادة الرياضيات في جامعة سالفورد بمدينة مانشستر، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الطالب لا يشعر بدافع قوي لمتابعة الدروس عن بعد، وتابع أن بعض الطلاب لا يولون اهتماما لدروسهم ولا يكلفون أنفسهم الاستماع لما يطرح أو الرجوع فيما بعد إلى المحاضرات المسجلة والاستفادة من المعلومات، مستدركا: "على الأساتذة استيعاب هذه التجربة وتوسيع آفاقهم وشرح المادة بطريقة سلسة تصل إلى الطالب بسهولة ومن هنا يمكن جذبهم والاستحواذ على اهتمام العدد الأكبر منهم، وإذا لم يجدوا ضالتهم في محاضرات هذا الأستاذ أو ذاك، نتيجة لرتابة الشرح فلا بد أن يسعى الطالب إلى فتح أبواب النقاش مع الجهات المعنية في الجامعة والسعي للبحث عن المعلومة أينما وجدت".
وخلّف التحول إلى التعليم عن بعد آثارا على البحث العلمي، إذ تقلص وقت الباحثين في المختبرات لإنجاز أعمال لا يمكن القيام بها من البيت بنسبة 96%. كما أن ساعات البحث العلمي انخفضت بنسبة 10%. فمن 44 ساعة عمل أسبوعيا انخفضت إلى 40 ساعة بسبب الجائحة. واضطر الباحثون إلى قضاء وقت أقل في مواقع البحث العلمي، بحسب دراسة صادرة عن برنامج VITAE (مؤسسة بريطانية تدعم البحث العلمي وتطوير مهارات الباحثين) في 8 أكتوبر 2020 بعنوان "تأثير كوفيد 19 على البحث العلمي في الجامعات والمعاهد".
من المحتمل أن ينخفض عدد الملتحقين بجامعات المملكة المتحدة من شرق آسيا بنحو 14 ألف طالب في العام الدراسي 2020/2021 مقارنة بالعام الدراسي 2018/2019
ويمثل عدم الوصول إلى المختبرات وأقسام المعلومات والأرشيف التحدي الأكبر أمام الباحثين، فضلا عن تأجيل جمع البيانات، وظروف العمل المنزلي غير الملائمة، بسبب الافتقار إلى المعدات وعدم القدرة على الوصول إلى البرامج أو أدوات تكنولوجيا المعلومات المناسبة وفق المصدر ذاته. وعبّر أكثر من 80% من الباحثين عن قلقهم بشأن إلغاء المؤتمرات العلمية والتأثير السلبي على سجل النشر الخاص بهم، و70% منهم قلقون بشأن الاضطرار إلى تأجيل التجارب أو إلغائها، وفق نتائج الدراسة التي استطلعت 10408 باحثين بريطانيين خلال الفترة ما بين 26 مايو/أيار والتاسع من يونيو/حزيران2020.
توالي الضربات على الجامعات البريطانية
ألقى فيروس كورونا بظلاله على الوضع المادي للجامعات التي لم تنج بعد من كبوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى جاءتها الضربة القاضية من كورونا والذي لم يكن في الحسبان، وفق مصادر التحقيق. إذ جعل أكثر من 150 جامعة بريطانية في مواجهة خسائر مادية بفعل الجائحة لانخفاض إقبال الطلبة المبتعثين، بحسب إفادة المكتب البريطاني للدراسات الجامعية.
ومن المحتمل أن ينخفض عدد الملتحقين بجامعات المملكة المتحدة من شرق آسيا بنحو 14 ألفاً في العام الدراسي 2020/2021 مقارنة بالعام الدراسي 2018/2019، ما يؤدي إلى انخفاض في الإنفاق على الرسوم الدراسية ونفقات المعيشة بمبلغ يصل إلى 463 مليون جنيه (633 مليون دولار)، وتمثل تلك النتائج انخفاضا بنسبة 12% في أعداد الطلاب الذين يختارون الدراسة في المملكة المتحدة، حسب دراسة "جامعات المملكة المتحدة تواجه عجزا في العام الدراسي 2020/2021" الصادرة عن المجلس الثقافي البريطاني في 9 يونيو/حزيران 2020.
ومع تسرب عدد كبير من الطلاب قبل إكمال دراستهم، فقد تستمر الجامعات في فقدان المزيد من مدخولاتها المالية، بحسب التقرير السنوي للإنفاق على التعليم في بريطانيا 2020، الصادر عن معهد الدراسات المالية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي يشير إلى أن معاشات الموظفين تعد الأكثر تعرضا للمخاطر المالية. كما أدى انخفاض معدلات الفائدة وانخفاض معدلات العائد إلى عجز كبير بالفعل في نظام المعاشات التقاعدية بالجامعات، وقد تصل التكلفة طويلة المدى للجامعات إلى 8 مليارات جنيه إسترليني، أي ضعف التكلفة المقدرة سابقا بـ 4 مليارات جنيه إسترليني وفق التقرير السنوي ذاته.
خسائر مالية جراء الإغلاق
يتوقع المكتب البريطاني للدراسات الجامعية، تراوح إجمالي الخسائر طويلة الأمد لقطاع التعليم العالي في بريطانيا ما بين 3 مليارات جنيه و19 مليار جنيه، مؤكدا في رده المكتوب أن الجامعات تعرضت لخسائر في دخل السكن الداخلي وخدمات المطاعم والمؤتمرات في العام الدراسي 2019/2020، تقدر بنحو 790 مليون جنيه.
واضطر بعض الجامعات إلى مراعاة ظروف الطلبة في ظل جائحة كورونا بتخفيض أجور السكن الجامعي للطلاب بشكل مؤقت، ومنها جامعة مانشستر التي منحت جميع الطلبة في السكن الجامعي تخفيضا للفصل الدراسي من سبتمبر/أيلول 2020 حتى 31 يناير/كانون الثاني 2021 بنسبة 30%. كما تقول، الطالبة في كلية الصيدلة، مريم حسن، لكن بيث تقول: "العام الجديد أضيفت للعقد فقرات جديدة ليست من ضمنها الحالات الطارئة، أي أنهم لن يعيدوا مبالغ من أجور السكن بسبب الإغلاق كما حدث العام الماضي".
ومع ظهور السلالة الجديدة من كورونا وإعلان المملكة المتحدة عن إغلاق وطني تام يستمر حتى 8 مارس/آذار 2021، تأمل العشرينية طيبة خان القادمة من مدينة ويلز جنوب غربي بريطانيا لدراسة هندسة الطيران بجامعة سالفورد، أن يتم إرجاع مبلغ فترة الإغلاق على الأقل، إذ لا ينبغي عليها دفع أجور السكن، مطالبة الحكومة بتحمل خسائر الجامعات التي تنعكس على الطلاب.