يواجه الصيادون العُمانيون تحديات عديدة، أبرزها صراع على الرزق يدور بين قواربهم الصغيرة وسفن تجارية كبيرة تعرف بالجرافات، أدى عملها إلى استنزاف المخزون السمكي وزيادة تكاليف الصيد، والأخطر تهديد البيئة البحرية
- يجد الصياد العُماني خليفة بن سالم العلوي صعوبة في العثور على كميات الأسماك التي اعتاد الحصول عليها، بسبب استنزاف المخزون المحلي والمهاجر عبر سفن الصيد المعروفة بـ"الجرافات"، والتي تستخدم شباكا تجمع مختلف أحجام الأسماك الصغيرة والكبيرة، وتهدد البيئة البحرية العمانية، نظرا لجرف أسماك القاع، مثل أنواع الكوفر والعندق، واصطياد جميع أسماك السطح، ومنها التونة والضلعة والسردين الذي يعد مصدراً غذائياً أساسياً لأسماك أخرى في السلسلة الغذائية.
يقول العلوي إنه يرى تلك الجرافات في مصائد يعمل فيها الصياد الحرفي (التقليدي ويعمل على نطاق صغير على عكس الشركات التجارية)، إذ صار من المتعذر العثور على أسماك التونة قبل مسافة 120 ميلا بحريا من الشاطئ، بعد أن كانت قريبة ويمكن الحصول عليها بعد 10 أميال بحرية، قائلا لـ"العربي الجديد":"هذا الأمر يكلف الصياد الحرفي خسارة كبيرة في الجهد والوقت والمال والإنتاج، إذ يخرج من شاطئ البحر الساعة الثالثة فجراً ويعود في الثامنة مساءً بعد أن كان يخرج بعد شروق الشمس ويعود بعد العصر، ويحتاج إلى ما بين 100 و150 ريالا عمانيا (ما بين 260 و390 دولارا أميركيا) قيمة الوقود يوميا، بعدما كان يكلفه 20 ريالا فقط".
يمارس 50 ألف صياد حرفي مهنة الصيد في عُمان عبر 23 ألف قارب
ويحصل قارب الصيد الحرفي حاليا، بالكاد، على 10 كيلوغرامات من أسماك العندق يوميا، نظرا لهجرتها إلى أماكن بعيدة عن متناول الصيادين الحرفيين، بسبب ما ألحقته الجرافات من دمار بموائلها البيئية البحرية، وفق الصياد أحمد بن عبدالله بن سعيد البلوشي، نائب رئيس الجمعية العمانية للصيادين (أهلية)، موضحا لـ"العربي الجديد" أن قارب الصيد الحرفي سابقا، كان يحصل على ما بين 200 و300 كيلوغرام من العندق يوميا".
ويبلغ عدد الصيادين الحرفيين بالسلطنة قرابة 50 ألف صياد، يمارسون مهنتهم على 23 ألف قارب وفق أحدث إحصاء رسمي حصلت عليه "العربي الجديد" عبر رد مكتوب من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه على أسئلتها.
صيد جائر
في عام 2020، بدأت ست سفن تجارية (3 منها مملوكة لشركة الوسطى للصناعات السمكية التابعة لجهاز الاستثمار العماني، واثنتان لشركة الأسماك العمانية الحكومية، وسفينة واحدة تملكها شركة فخر البحار الخاصة)، تعمل في الصيد بنظام الجرف السطحي واصطياد كميات من أسماك القاع، إذ تقوم بتحديد مواقع تجمعات الأسماك ورمي الشباك بشكل دائري حولها وغلق الشبكة من الأسفل ورفعها، وفق توضيح الصياد العلوي.
"المحزن أن تلك السفن التي تجرف جميع أنواع الأسماك تستفيد من نوع وترمي الأنواع الأخرى، ما يمثل خسارة كبيرة للمخزون السمكي ويؤدي إلى تلوث البيئة"، كما يقول ناصر بن محمد المعمري رئيس مجلس إدارة مؤسسة المرادم للأسماك (مصنع خاص لتجميد وتجهيز الأسماك الصغيرة)، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن تلك الطريقة تتسبب بخسارة كبيرة لمخزون الثروة السمكية.
"ويبلغ عدد من يعملون في قطاع الصيد بشكل مباشر أو غير مباشر 200 ألف عماني، بداية من الصيادين وشركات النقل وعمال الشحن والتفريغ والمصانع وعاملين في أسواق الدلالة وحتى محال بيع الأسماك"، وهؤلاء جميعا يتأثرون بما يحدث من صيد جائر، وفق ما يرصده البلوشي، مضيفا أن ضرر الجرافات حالياً يتركز على محافظتي جنوب الشرقية والوسطى، إذ تصطاد هذه السفن ما بين 1000 و1800 طن من الأسماك كل ستة أو سبعة أيام.
لكن وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه قالت، لـ"العربي الجديد"، إنها قامت بتحديد حصص الصيد لكل نوع من سفن الصيد التجاري، حسب طريقة الصيد وحجم السفينة ونوعية الأسماك المستهدفة بما يتماشى مع الكميات القابلة للاستغلال من المخزون السمكي لكل نوع موجود في البيئة العمانية، كما حددت الوزارة الأنواع التي يمكن للصيد التجاري استهدافها وهي أسماك السطح الصغيرة، منها سمك الماكريل وأسماك السطح الكبيرة ومنها أسماك التونة، بينما كفل قانون الصيد البحري وحماية الثروة المائية الحية رقم 20 لسنة 2019 حق الصيادين الحرفيين في استغلال الأسماك بشكل مستدام من دون تحديد للأنواع. ويشير الرد إلى أن الوزارة حددت نسبة الصيد العرضي (الأسماك التي يتم صيدها عن غير قصد أثناء اصطياد أنواع أخرى) من أسماك السطح الكبيرة بـ10 بالمائة من إجمالي ما يجرى صيده. لكن مصادر التحقيق تتساءل هل تلتزم الجرافات بتلك النسب؟.
يجيب المهندس علي بن محمد بن سالمين العلوي، عضو لجنة الأمن الغذائي والمائي بمجلس الشورى العماني، مؤكدا وجود بعض التجاوزات من قبل سفن الصيد التجاري، قائلا لـ"العربي الجديد" إن "ما يتحدث عنه الصيادون الحرفيون صحيح"، ويضيف أن بعض سفن الصيد التجارية تمارس عمليات الصيد بالشباك القاعية والجرف للكتلة الحيوية للحيوانات البحرية في حدود أماكن صيدها وخارجها، ما يتسبب باستغلال المخزون السمكي في منطقة الصيد الحرفي ويؤثر سلباً على الصيادين الحرفيين، فضلا عن التأثير الضار على البيئة والشعاب المرجانية وكميات الإنتاج المستقبلية.
وحددت التراخيص التي تمنحها وزارة الثروة الزراعية والسمكية لسفن الصيد التجاري كمية العمل السنوي لكل سفينة، فالترخيص الممنوح لسفن شركة الوسطى للصناعات السمكية يضمن حجم الصيد (من أسماك السطح الصغيرة) عبر الجرف السطحي بـ50 ألف طن سنويا، وحدد الترخيص الممنوح لسفن شركة الأسماك العمانية كمية الصيد السنوي من خلال استخدام أسلوب التحويط بـ10 آلاف طن للسفينة الواحدة، فيما حدد الترخيص الذي مُنح للسفينة التابعة لشركة فخر البحار كمية الصيد سنويا بـ10 آلاف طن، وفق المهندس العلوي، مشيرا إلى ضرورة مراعاة الالتزام بالكميات المنتجة بواسطة سفن الصيد التجاري، مع عدم التأثير على الصيد الحرفي حتى لا يخرج الصيادون هؤلاء من العمل، كما تستقر كمية الإنتاج الكلية للقطاع، وبالتالي أسعار الأسماك.
سفن مخالفة للقانون
بلغ إجمالي الإنتاج السمكي 840 ألف طن خلال عام 2020، بقيمة إجمالية قدرت بـ364 مليون ريال عماني (قرابة مليار دولار أميركي)، بحسب وزارة الثروة الزراعية والسمكية، لكن الصياد البلوشي يرى أن الرقم السابق لم يفلح في تقليل تأثير عمل الجرافات على السوق المحلي من حيث الأسعار وتوفر بعض الأنواع، قائلا إن "عمان بعد أن كانت مصدرة للأسماك أصبحت تستورد أسماك القاع من الدول المجاورة، مثل إيران واليمن والامارات، وأنواع عديدة ارتفع سعرها محليا".
وحددت وزارة الثروة الزراعية والسمكية مسافة ممارسة النشاط للصيادين الحرفيين بدءًا من 7 أميال بحرية وحتى مسافة 200 ميل بحري، ومناطق الصيد لأسطول سفن الصيد الساحلي بدءا من 10 أميال بحرية (يمكن للصياد الحرفي ممارسة نشاطه في نطاق الصيد الساحلي كذلك)، ومناطق الصيد لأسطول سفن الصيد التجاري (تصطاد حصة سنوية) بدءا من 20 ميلا بحريا، وفق توضيح وزارة الثروة الزراعية والسمكية.
لكن 4 صيادين يؤكدون لمعد التحقيق توثيقهم ممارسة سفن الصيد التجاري نشاطها قبل 20 ميلا بحريا، ما جعلهم يتقدمون بشكاوى إلى وزارة الثروة الزراعية والسمكية، ومنهم البلوشي الذي يقول: "رصدت وغيري من الصيادين سفن الصيد التجارية (الجرافات) وهي تعمل على مسافة 13 و15 ميلا بحريا"، وهو ما يؤيده الصياد الحرفي حمد بن ثابت الجعفري قائلا لـ"العربي الجديد" إن "الأضرار واضحة ونتائجها ملموسة من قبل الصياد الحرفي، وحتى الجهات المعنية، على كميات الأسماك والبيئة البحرية اللازمة لنموها".
106 مخالفات لسفن صيد تجارية في المناطق المحظورة خلال عام 2020
وبناءً على شكاوى الصيادين، تم خلال عام 2020 ضبط 106 مخالفات تتعلق بالصيد في المناطق المحظورة، بحسب المهندس العلوي، الذي أكد قيام وزارة الثروة الزراعية والسمكية بإنهاء وسحب تراخيص 4 سفن للصيد التجاري، مشيرا إلى أن الوزارة قدمت عرضا بذلك إلى لجنة الأمن الغذائي والمائي بمجلس الشورى في 27 مارس/آذار 2021، وتم إبلاغ مركز الأمن البحري التابع لوزارة الدفاع العمانية لمتابعة مغادرة تلك السفن السلطنة.
ضعف رقابي
تحظر الفقرة (أ) من المادة 37 من قانون الصيد البحري على سفن الصيد التجاري والربابنة "القيام بالصيد في المناطق والمواقع غير المصرح لها بالصيد فيها، ومناطق الصيد المحظورة". وتؤكد وزارة الثروة الزراعية والسمكية لـ"العربي الجديد" أنها تراقب أسطول الصيد التجاري عبر منظومة التتبع الإلكتروني المرتبطة بالأقمار الصناعية، وفق مسافات وأعماق قانونية محددة ويسمح فيها بممارسة نشاط الصيد التجاري. لكن الصياد أحمد البلوشي يرى ضعفا في دور الرقابة على الجرافات بسبب قلة الكادر المخصص لذلك، إذ يوجد 45 مراقبا مختصا فقط في السلطنة كلها.
ويتفق معه المهندس العلوي مؤكدا عدم كفاية الكادر البشري لوظيفة "مراقب"، خصوصا في بعض المحافظات الساحلية التي تمتاز بأنشطة صيد واسعة من قبل السفن والقوارب الحرفية والساحلية والتجارية، ما أدى إلى ارتكاب المخالفات، مشيرا إلى ضرورة قيام الجهة المعنية بإعداد برنامج تأهيلي متطور يستهدف هذه الوظائف، من أجل رفع مستويات كفاءة الكادر البشري وسرعة ودقة تفاعله مع مختلف أنواع وأنشطة الصيد وحماية المخزون السمكي من الاستنزاف، مطالبا بعدم التوسع في منح تراخيص لسفن صيد تجارية جديدة، وتحديدا للسفن الأجنبية، حتى يتم تقييم التجربة الحالية.