استمع إلى الملخص
- التأخير في المشروع يكلف الكويت حوالي 300 مليون دينار سنويًا بسبب تأثيراته السلبية على الصحة العامة، مثل زيادة الأمراض التنفسية، ويفاقم من التصحر بسبب الرعي الجائر والتخييم العشوائي.
- الحكومة الكويتية تبذل جهودًا لتنفيذ المشروع بإنجاز 20% منه، متضمنًا زراعة 315 ألف شجرة و35 مليون شتلة لإعادة تأهيل الحياة الفطرية، مع دعوات لتعزيز المشاركة المجتمعية لمواجهة التحديات البيئية.
تأخّر إنجاز مشاريع الحزام الأخضر 30 عاماً في الكويت، التي تعاني طقساً قاسياً، وصل إلى حد تسجيل خامس أعلى درجة حرارة على مستوى العالم في عام 2016، ما أدى إلى تفاقم التصحر وآثاره الخطرة بيئياً وبشرياً، ومنها انتشار الربو.
- يشكل تفاقم مساحة الأراضي الجافة في الكويت هاجساً ملحاً لدى الباحثة موضي الحمادي، رئيسة قسم رصد التصحر في الهيئة العامة للبيئة سابقاً (حكومية)، إذ وصلت نسبة المساحة الجافة والمتصحرة إلى 90% من أراضي البلد، جراء تأخر لأعوام طويلة في تطبيق مراحل مشروع الحزام الأخضر، سواء تلك المرتبطة بحدود البلاد أو في داخلها على أطراف الطرق والمناطق السكنية.
ومن خلال عملها توصلت الحمادي المختصة بدراسة طبقات الأرض، إلى أن تفاقم أزمة التصحر ونتائجها السلبية على البيئة والاقتصاد، يعود إلى عدم تفعيل دور الوزارات المعنية بالمشروع، الذي كان يمكنه التقليل من تعرض الكويت للعواصف الترابية والغبارية التي تضرب البلاد على مدار 4 أشهر كل عام، أغلبها خلال الصيف، نظراً لموقعها الجغرافي، وظروفها المناخية، وطبيعتها الجيولوجية، وخصائص تربتها، وسمات غطائها النباتي، وأنماط استخدام أراضيها.
تأخّر حكومي يزيد مخاطر الاحتباس الحراري
"تأخّرت حكومة الكويت في تطوير خطة استراتيجية ورئيسية لتنمية المساحات الخضراء، عبر إنجاز مشروع الحزام الأخضر الذي أعدت أهم ملامحه منذ عام 1991، لكن إطلاق مشاريعه رسمياً كان في عام 2015، وتقوم خطته التنفيذية على إعداد مناطق مزروعة بأشجار وشجيرات، وزيادة المحميات عبر زراعة 315 ألف شجرة، خلال 10 سنوات، تمتد على مسافة 420 كيلومتراً على طول الخط الحدودي من أجل صد الرمال المتحركة، بالإضافة إلى خطة تهدف إلى زراعة 35 مليون شتلة لإعادة تأهيل الحياة الفطرية"، وفق ما تكشفه نتائج الجزء الثالث من دراسة أعدها فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (بحثي كويتي) بعنوان زيادة انكشاف الكويت على مخاطر الاحتباس الحراري: المخاطر والتحديات، والمنشورة في 16 أغسطس/آب 2021.
90% من مساحة الكويت أراض جافة ومتصحرة
و"أهدرت الكويت نحو 30 عاماً دون إنجاز المشروع البيئي الحيوي، وكلفة تأخر إنجازه ضخمة جداً وذات تداعيات خطيرة على حياة الكويتيين على المدى القرب والمتوسط، وحتى في حال اعتمدت الحكومة مساراً مضاعفاً لزراعة أشجار تتأقلم مع البيئة الصحراوية فإنه يمكن توقع ظهور حزام شجري لكن مع بداية 2040" بحسب الدراسة، وهو ما يفسره رأفت ميساك، عضو الجمعية الكويتية لحماية البيئة (تعنى بالحفاظ على مقدرات البيئة ومكافحة التلوث) والمدير التنفيذي لشركة الرؤية الكويتية لإدارة المشاريع البيئية (خاصة)، بأن الأجهزة التنفيذية بأدواتها وإمكاناتها المتاحة لا تستطيع أن تتحكم أو تسيطر على وقوع العواصف الرملية والغبارية التي تزيد من خطر التصحر والجفاف، إلا أنه يمكنها أن تخفف من حدتها، عبر فعاليات المشروع الوطني للحزام الأخضر، الذي جرى غرس أول شجرة منه في يوليو/ تموز 2021.
ويمكن لمشروع الحزام الأخضر أن يقلل من تأثير العواصف الرملية والظواهر الجوية الغبارية الآتية من خارج الكويت بنسبة تتراوح بين 20 و30%، بينما يحدّ من العواصف الرملية المحلية خلال الصيف، وعلى مدار فصول السنة، بنسبة تصل إلى 70%، كما أنه يساعد في خفض درجات الحرارة بين 3 و7 درجات مئوية في محيط المشروع، و3 درجات مئوية أو أكثر، في ضواحي مدينة الكويت، كما يؤكد محاضر مادة الأرصاد والمناخ والبيئة في عدد من المؤسسات الخاصة والحكومية عيسى رمضان.
ويتضمن المشروع زراعة أشجار وشجيرات بأطوال مختلفة، على أن تغرس على مراحل، وتتوزع على طرقات ومزارع ومناطق سكنية ومشاريع سياحية وجامعات، كما يوضح رمضان أن تأثير المشروع في حال إنجازه، يمكن أن يُلمس بقوة في المنطقة الشمالية الغربية، حيث تكثر الكثبان المسببة لمعظم العواصف الرملية شبه اليومية، التي تكلف الدولة سنوياً ملايين الدنانير لإزالة الرمال المتراكمة التي تصل إلى المنشآت الحيوية الواقعة في مسار الكثبان.
كيف يهدد التصحر صحة الكويتيين؟
تصل كلفة التأخير في تنفيذ مشاريع الحزام الأخضر إلى خسائر تقدر بـ 300 مليون دينار كويتي (977 مليون دولار أميركي) في كل عام، ويدخل ضمنها خدمات الرعاية الصحية التي تقدم للمصابين بالربو، جراء العواصف الترابية التي تضرب البلاد، كما تقول الباحثة الحمادي، مضيفة أن التكلفة الباقية تعود إلى عمليات صيانة المرافق من التلف، وتنظيف الشوارع جراء العواصف، بينما حدد القائم بأعمال المدير العام لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، الدكتور مانع السديراوي، في تصريحات صحافية خلال شهر يناير من العام الماضي، حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العواصف الرملية والغبار سنوياً بـ 190 مليون دينار (622 مليون دولار).
"وقد تتراجع مؤشرات الحياة الصحية للأجيال القادمة، ما لم يجر مضاعفة تشجير البلاد، من أجل تحقيق هدف الكويت الخضراء في 2035، في ظل الحاجة إلى تلطيف الجو، وامتصاص نسبة أكبر من ثاني أكسيد الكربون، عبر زراعة ما يتراوح بين مليون إلى 4 ملايين شجرة على الأقل، إذ يهدد تدهور الواقع البيئي ونقص نسبة الغطاء النباتي مخزون الأكسجين الطبيعي في البلاد الذي يتنفسه الفرد في الفضاء المفتوح، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً للمواطنين على المدى البعيد"، بحسب ما توصلت إليه دراسة زيادة انكشاف الكويت على مخاطر الاحتباس الحراري.
90% من مساحة الكويت أراض جافة ومتصحرة
ويتجلى التهديد الكبير في تزايد أعداد الكويتيين المصابين بالربو وغيرها من الأمراض التنفسية المزمنة، ومن بينهم مريم المطيري ذات الخمسة أعوام، التي أدت موجات الغبار المتلاحقة والممتدة على مدار العام إلى إصابتها بالمرض، كما يقول والدها بداح المطيري لـ"العربي الجديد"، موضحاً أنه يتابع حالتها بشكل دوري في عيادات الجهاز التنفسي، وبالأخص عندما تضرب العواصف أجواء الكويت، ويشتد عليها تبعات ضيق التنفس.
وتدخل حالة المطيري ضمن نسبة 1 من كل 4 كويتيين يعانون من الربو، كما تقول مديرة إدارة تعزيز الصحة بوزارة الصحة الدكتورة عبير البحوه، والتي لفتت إلى أن تكلفة علاج المرض تصل إلى 60 مليون دينار سنوياً (195 مليون دولار).
الرعي الجائر والتخييم العشوائي يفاقمان خطر الظاهرة
تقع دولة الكويت بين خطي عرض 28.45 و30.05 شمال خط الاستواء، وبين خطي طول 46.30 و48.30 شرق خط غرينتش، ولكونها ضمن الإقليم الجغرافي الصحراوي، فإن مناخها قاري يتميز بصيف طويل حار جاف، وشتاء دافئ قصير ممطر أحياناً ما ينعكس سلباً على الغطاء النباتي في الكويت، الذي صار فقيراً جداً ومحدوداً، نظراً لقلة كميات الأمطار في المناطق الصحراوية، كما توضح الحمادي.
ويتراوح متوسط درجات الحرارة بين 45 مئوية صيفاً و6 درجات مئوية شتاء، وتسجل درجات حرارة عالية في الكويت وصلت حتى 51 درجة مئوية في شهر يوليو عام 1978، بينما أدنى درجة حرارة سُجلت في يناير/ كانون الثاني عام 1964 وكانت 4 تحت الصفر، ويصاحب هذا التباين الكبير في درجات الحرارة فروق كثيرة في المعدلات السنوية لهطول الأمطار التي تتراوح أحياناً بين 22 مليمتراً وقد تصل إلى 352 مليمتراً سنوياً، بحسب بيانات البوابة الإلكترونية الرسمية لدولة الكويت.
وتفاقم الأنشطة البشرية من التبعات التي تخلفها الظروف البيئية القاسية، كونها تستنزف موارد البيئة الصحراوية الشحيحة، ما يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي الطبيعي، وأبرز تلك الأنشطة وأكثرها ضرراً الرعي الجائر والتخييم العشوائي، اللذان يأتيان على رأس الممارسات الخاطئة التي تؤدي إلى تدهور التربة، والقضاء على الغطاء النباتي الذي يمكنه أن يحدّ من التصحر، ويحتل الرعي الجائر الصدارة، كونه العامل الذي يشكّل 70% من إجمالي أسباب التصحر، كما يشكّل التخييم في موسمي الشتاء والربيع والأنشطة الترفيهية نحو 10%، وتتوزع النسبة المتبقية بين العمليات العسكرية التي جرت في صحراء الكويت، خلال الاحتلال العراقي عام 1991 بواقع 15%، في حين أن نسبة 5% المتبقية ناتجة عن موت الأشجار والنخيل، وعدم الاهتمام بالحزام الأخضر، سواء على حدود الكويت أو داخلها، بحسب ما توصلت إليه الباحثة الحمادي.
ويؤدي وجود السيارات في البر إلى القضاء على دورة الحياة للنباتات الصحراوية، كما يوضح الناشط البيئي شبيب العجمي، رئيس فريق حلم أخضر التطوعي (جمعية نفع عام)، مشيراً إلى أن أكثر من 400 ألف سيارة تتحرك في الصحراء خلال فترة التخييم الربيعي الممتدة من نوفمبر/تشرين الثاني وحتى مارس/آذار من كل عام، ما يؤدي إلى دكّ وتدمير التربة، وقتل الأحياء البرية، وبالتالي تقليل المساحات الخضراء، بدلاً من إنعاشها بسبب هطول الأمطار، معتبراً أن "أثر المخيمات الربيعية أقسى من الحروب"، كونها تُنظم سنوياً.
ويجري في كل عام، منح تراخيص إلى 40 ألف مخيم ربيعي، بحسب إحصاءات بلدية الكويت، وفي كل منها ما يصل إلى 10 سيارات على الأقل، كما يضيف العجمي محذراً من تبعات التوسع العمراني الذي لعب دوراً في تزايد التصحر، وهو ما تؤكده دراسة مركز الخليج العربي، التي رصدت تفاقم ظاهرة تقلّص عدد الأشجار لأسباب أغلبها مرتبطة بإزالتها من أجل التطور الحضري.
ما رد الحكومة؟
يوضح نائب المدير العام لقطاع الشؤون الفنية في الهيئة العامة للبيئة عبد الله الزيدان، في سياق رده على تأخر تنفيذ مشروع الحزام الأخضر، إن "المشروع ضخم ويحتاج إلى مجهود كبير لإنجازه وتحقيق الأهداف المرصودة له بالصورة المطلوبة"، مؤكدا أن دولة الكويت قطعت شوطا جيدا في تنفيذ المشروع الذي سيرى النور خلال السنوات المقبلة بصورة تدريجية، إذ بلغت نسبة تنفيذ المشروع نحو 20% حتى الآن.
وتبذل الهيئة العامة للبيئة جهوداً مضاعفة بالتعاون مع الهيئة العامة للزراعة بهدف وضع حد للتصحر الذي يصيب مساحات كبيرة من الكويت، ما يؤدي إلى أضرار بالمنشآت والممتلكات بحسب حديث الزيدان لـ"العربي الجديد"، موضحا أن التعاون المشترك يمتد إلى المشاريع الحدودية وكذلك الداخلية لزيادة المساحات الخضراء في المناطق السكنية وزيادة رقعة الزراعات التجميلية على الطرق، مشددا على أهمية التعاون والتكامل بين جميع الجهات المعنية، سواء العامة أو الخاصة أو القطاع الأهلي وأفراد المجتمع، وصولا إلى تحقيق "التوازن البيئي".
لكن الناشط البيئي العجمي يشير إلى غياب الحوافز أو الدعم الحكومي لحث المجتمع المدني على المشاركة في تلك الجهود، حتى أن زراعة الأشجار والنخيل داخل المحافظات والمناطق السكنية مرتبطة بمبادرات فردية معزولة، وفي حال لم تعمل الحكومة على خلق ثقافة الاهتمام بزراعة النباتات والأشجار بين المواطنين، فضلاً عن محدودية اهتمام الإعلام المحلي بالتوعية البيئة اللازمة خاصة زراعة الأشجار لن تحقق المشاركة المطلوبة.
كيف يتم تنشيط الغطاء النباتي البري ؟
يمكن تنشيط الغطاء النباتي البري عبر تخصيص أراض لمحميات مؤقتة يجرى استصلاحها على مدى سنتين، ومن ثم فتحها للرعاة والماشية لتكون سنداً لهم في توفير العلف المناسب، وهي واحدة من السياسات البيئية التي تحتاجها الكويت كما تؤكد الباحثة الحمادي، ضرورة اعتماد حزمة متكاملة من الحلول لإعادة الحياة إلى الصحراء، ويجب من وجهة نظرها وقف المخيمات الربيعية كلياً لمدة لا تقل عن خمسة أعوام، مع تحديد مناطق محصورة ومحدودة المساحة لإقامتها لأنها من أكثر الأنشطة تدميراً للبيئة البرية.
ولا بد من الالتفات إلى نثر بذور النباتات البرية في الصحراء باستخدام الدرون الزراعي، وسنّ تشريعات وقوانين بيئية صارمة تحد من المخالفات البيئية التي تدمّر الصحراء والأحياء، وأيضا فرض مشاركة شركات النفط التي لديها مواقع في البرّ من أجل زراعة النباتات البرية الصحراوية والابتعاد عن زراعة أشجار أو نباتات غير ملائمة للبيئة، بحسب الحمادي والناشط البيئي سعد الحيان، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنه "لم ولن يستسلم لكل ما سبق"، وقاد مبادرة لتشجير منطقة مطربة القاحلة في شمال الكويت التي سجلت فيها خامس أعلى درجة حرارة على مستوى العالم، وبلغت 53.9 درجة مئوية في 21 يوليو 2016، آملاً في أن تدعم الدولة الأنشطة الشبيهة، وتتحرك بفاعلية من أجل تنفيذ مشاريع الحزام الأخضر.