المساعدات المنهوبة... تلاعب بنظام الرفاه الاجتماعي في السويد

09 أكتوبر 2022
قواعد حماية البيانات الشخصية تعيق كشف التحايل (العربي الجديد)
+ الخط -

ينهب محتالون أموالاً عامة بملايين الدولارات، تخصص من أجل مساعدة المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك دعم الأنشطة الثقافية والتعليمية والمنظمات الأهلية في السويد، في اختراق يعتمد على ثغرات نظام الرفاه الاجتماعي.

- ترصد أمينة المظالم المعنية بمراقبة الهدر في اتحاد دافعي الضرائب بالسويد (جهة رقابية)، جوزفين أوتاس، خلل إدارة أموال المساعدات الاجتماعية المقدمة للأشخاص أو منح المنظمات والجمعيات التي تعود إلى مساهمات دافعي الضرائب قائلة: "لسوء الحظ هناك احتيال ونهب لهذه الأموال"، ورغم أن نظام الضرائب على الدخل في السويد يعدّ من بين الأعلى رقابيا في العالم، لكن جزءا منها يضيع بسبب الإهمال وعدم الكفاءة والاحتيال، بحسب أوتاس.

ويحدث التحايل على نظام الرفاه الاجتماعي للحصول على إعانات ودعم مالي يخصص لعدة فئات تعاني من مشاكل مثل المرضى، ومن لديهم عجز أو إعاقة، وكذلك دعم الأطفال والجمعيات الناشطة في مجالاتهم، ويُنظم صرف الإعانات عبر مجموعة من القوانين، بحسب موقع الحكومة السويدية، لكن المحتالين يتبعون طرق خداع متعددة يوثقها تحقيق "العربي الجديد" وبالفعل ينجحون في نهب إعانات بالملايين، ويعدّ ادعاء المرض أو العجز واحدا من أبرز الأساليب التي تلجأ إليها شبكات إجرامية، كما أن هناك جمعيات ومنظمات تتحايل للحصول على منح لدعم مشاريع وأنشطة لا وجود لها على أرض الواقع.

الاحتيال عبر شركات المساعِد الشخصي

يكشف تقرير بعنوان "جرائم الرعاية الاجتماعية - المنع والوقاية والكشف والمعاقبة"، والذي أعده فريق تحقيق حكومي مؤلف من ممثلين عن 12 هيئة حكومية عام 2017، عن وجود شبكات إجرامية تمارس عمليات النصب والاحتيال بشكل منهجي عن طريق شركات تقدم خدمة توفير المساعِد الشخصي للأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، استنادا إلى قانون الدعم والخدمة لبعض الأشخاص ذوي الإعاقة (LSS) الصادر عام 1994 بهدف توفير ظروف معيشية جيدة للأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة، ولتحقيق هذه الرؤية يتم تقديم دعم لهذه الحالات عبر توفير مساعِد شخصي لإعانته على تأدية النشاطات التي يعجز عنها، ويتم الأمر عبر شركات خاصة، عددها 489 تقدم خدماتها إلى 13867 شخصا، ويشكل القادمون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 40% منهم بحسب بيانات منشورة على الموقع الإلكتروني لوكالة التأمين الاجتماعي السويدية.

تخصص الدولة منحاً للجمعيات ومساعدات للمرضى من أموال الضرائب

ويحدث التحايل باستغلال قانون LSS والذي يجيز أن يصبح العمل الذي يقوم به الأقارب مدفوع الأجر إذا قاموا بدور المساعِد الشخصي لقريب يعاني من إعاقة، بالتالي يمكن أن يقوم القريب الذي يعمل كمساعِد شخصي بتعبئة مواعيد عمل وهمية لم يقم فيها فعليا بعمله، ويحصل على تعويضات مقابلها، كما يكشف تحقيق قضائي قام به المدعي العام في نيابة سودرتاليا جنوب العاصمة استوكهولم، يعود إلى شهر سبتمبر/أيلول 2021.

وبحسب التحقيق، فإن خمسة أشخاص سويديين ينحدرون من أصول أجنبية أحيلوا إلى القضاء بتهمة اختلاسهم حوالي 30 مليون كرونة سويدية (مليونا دولار و672 ألفا)، منذ عام 2008، من بينهم محامٍ وشرطي وطيار، ووفقا للمعلومات المذكورة في مذكرة التحقيق للقضية 2876-21 B في محكمة سودرتاليا، فإنهم جميعا قد عملوا كمساعِدين شخصيين لقريب من الدرجة الأولى (مسن من ذوي الاحتياجات الخاصة) وطلبوا تعويضا أكبر بكثير مما هم يستحقونه بالفعل.

وعمل المشتبه بهم في وظائف أخرى بدوام كامل في نفس الوقت الذي حصلوا فيه على تعويضات كمساعِدين شخصيين، أحد المحامين المتورطين كان عضوًا في نقابة المحامين السويدية لعدة سنوات ويعمل في مكتب محاماة، وهو أيضًا كاتب عدل سابقًا في محكمة محلية، وكذلك لم يتخل الشرطي والطيار عن أعمالهما.

ويشير تقرير "أقارب الأشخاص الذين يتلقون تعويضات مساعدة الدولة"، الصادر عن وكالة التأمين الاجتماعي السويدية عام 2018، بأن المجموعة الأكبر من المولودين في الخارج والمقيمين في السويد، الذين يتلقون بدل مساعدات حكومية، هم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بمتوسط 117 ساعة في الأسبوع، وبلغ متوسط نسبة المساعدة التي يقدمها الأقارب للأشخاص المحتاجين المولودين في الخارج 42% والنسبة المقابلة للمولودين في السويد بمعدل 30%.

قواعد حماية البيانات تصعّب كشف التحايل

تمنع لوائح وتشريعات الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات GDPR الصادرة في مايو/أيار 2018، وقانون (2018: 218) مع أحكام تكميلية للائحة حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى قانون وصول الجمهور إلى المعلومات والسرية رقم (2009: 400)، قراءة الرسائل الخاصة بالمواطنين، بخاصة إن كانت شخصية أي مرسلة من بريد إلكتروني شخصي أو رقم خاص وليس بريدا أو رقما للعمل، كذلك لا يمكن طلب مستندات معينة من هيئة الرعاية الصحية حول حالة المريض أو إجراء مقابلات مع الأطباء الذين كتبوا له تقارير مرضية، ما يعني أن جميع المعلومات المتعلقة بظروف المريض الشخصية محمية بالسرية ولا يجوز الكشف عنها إلا بعد توكيل رسمي من المريض، ويمكن إدانة أي شخص ينتهك واجب الحفاظ على السرية في المحكمة، كما أنه لا يجوز لوكالة التأمين الاجتماعي السويدية أو ممثلي مفتشية الصحة والرعاية السويدية القيام بزيارات إلى مقرات عمل الشركات التي تقدم خدمة المساعِد الشخصي أو المرضى دون موافقة مسبقة من صاحب الشركة، بحسب إفادات المصادر ونصوص القوانين السابقة.

ادّعاء المرض أو العجز من أبرز أساليب التحايل للحصول على مساعدات

لكن، كيف يُكتشف المحتالون؟ من بين الملفات التي اطلع عليها معد التحقيق عبر طلبها من النيابة العامة في مدينة أوربرو جنوب غربي العاصمة بواسطة البريد الإلكتروني، قضية احتيال بقيمة 12 مليونا ومئتي ألف كرونة (مليون و86 ألف دولار)، وقعت بين عامي 2014 و2021 واستهدفت وكالة التأمين الاجتماعي، وكان المتورط سويديا خمسينيا اشترك مع خمسة آخرين تتراوح أعمارهم بين 22 و57 عاما، من بينهم اثنان من أبنائه، وثلاثة مساعدين ينتمون إلى عائلة ثانية تربطها صلة قربى بالرجل مدعي الحاجة إلى المساعدة، ووفق محضر التحقيق فإن الرجل قد بالغ كثيرا في إصابته بإعاقة حركية وقدم تقارير طبية تفيد بأنه لا يمكنه المشي أكثر من بضعة أمتار داخل المنزل، لكن الشرطة بعد شكوك، قامت بمراقبته وصورت كيف يتحرك، ويستقل الحافلة إلى مطار أرلاندا شمال العاصمة استوكهولم، ثم يطير في رحلة إلى الخارج كما أن المساعدين قاموا مرارًا وتكرارًا بتعبئة نفس مواعيد العمل لدى المريض.

وتوضح إليزابيث أندرسون المدعية العامة في مكتب الادعاء العام في أوريبرو لـ"العربي الجديد"، أن المتورطين أبلغوا عن تقديم المساعدة عندما لم يكونوا في منزله أو حتى في نفس البلد ليحصلوا على مبالغ أكبر.

برامج ودورات وهمية لنهب الدعم

تلقت الفلسطينية السورية فداء حسين اتصالا من موظفة زعمت أنها تعمل في جمعية متعاونة مع الاتحادات الشعبية للتعليم (عددها 10 وتهدف لدعم المرأة المهاجرة للدخول إلى سوق العمل، أو تشجيع المهاجرين على المشاركة في الانتخابات، أو التقريب بين أتباع الديانات المختلفة)، وعرضت عليها الالتحاق بحلقة دراسية مجانية حول ريادة الأعمال لدى السيدات المهاجرات، وبعد حصولها على الرقم الشخصي والموافقة، أبلغتها لاحقا بإلغاء الدورة، دون تقديم مبرر.

هذا الإجراء أصبح شائعا وفق ما تُظهره مراجعة "العربي الجديد" للتقارير السنوية التي تقدمها الاتحادات العشرة إلى مجلس التعليم الشعبي، وهو منظمة غير حكومية تنفذ مهام الحكومة وتتحمل المسؤولية الرسمية في توزيع المساعدات الحكومية إلى الجمعيات المحلية والاتحادات الوطنية للتعليم الشعبي، إذ تبين أن تسعة من الاتحادات الدراسية العشرة التابعة له حذفت ما مجموعه 600.000 ساعة من أنشطة الحلقات الدراسية للأعوام 2017-2019، وتكشف مراجعة بيانات الاتحاد العاشر Studiefrämjandet (اتحاد ترقية وتطوير التعليم) قيامه بحذف ما يصل إلى 8.3% من أنشطة الحلقات الدراسية، ما دفع المجلس إلى إصدار قرار باستعادة الأموال المدفوعة مقابل تلك الساعات التي حصل فيها تلاعب من قبل الاتحادات، ووصلت قيمتها إلى 39 مليون كرونة سويدية (3.474 ملايين دولار)، وفق تقرير نشره المجلس في 15 إبريل/نيسان 2021، بعد إجرائه مراجعة شاملة لأنشطة اتحادات التعليم الشعبي بين الأعوام من 2017 وحتى 2019.

وكالة
وكالة التأمين الاجتماعي السويدية (العربي الجديد)

وتصف ريبيكا سفينسون، مدير وحدة الاتصال وتنمية المعرفة لدى مجلس التعليم الشعبي، عمليات الحذف للحلقات الدراسية منها بـ"احتيال ممنهج"، إذ جرى الإبلاغ عن أنشطة وحلقات دراسية مرتين بالإضافة إلى أخطاء إدارية في العمل، وأضافت لـ"العربي الجديد": "في العديد من الحالات، تم إنهاء التعاون، وإغلاق العمليات وإدخال تدابير التحكم مثل التوقيع الرقمي لتحديد هوية الشخص الذي وقع على تقارير الساعات الدراسية، بهدف زيادة عمليات المراقبة وتوفير طريقة أكثر أماناً وتمنع الاحتيال في التقارير".

ويعضد ما سبق ما جاء في تقرير مراجعة أنشطة الدولة الصادر في سبتمبر/أيلول 2022 عن مكتب التدقيق الوطني (يجري تدقيقا لفعالية استخدام أموال الدولة)، والذي تابع نتائج تتعلق بدراسة أنشطة النقابات ومجلس التعليم، مؤكدا أن الرقابة والمتابعة غير متوفرتين على جميع المستويات، وأن هناك مؤشرات واضحة على أن الدعم الحكومي يؤول لغايات أخرى، وتابع: "توجد أوجه قصور في مراقبة مدفوعات اتحادات الطلاب عبر مجلس التعليم الشعبي، علما بأنه خلال العام الماضي تم توزيع ملياري كرونة (17 مليارا و816 مليون دولار)، على الاتحادات تلك".

جمعيات ومنظمات تتحايل للحصول على دعم

تعتبر أوتاس أن ثغرات في القواعد وعملية إدارة الدعم والمنح المقدمة للاتحادات والجمعيات تفتح الباب للتحايل، وتحديدا فيما يتعلق بحصول الجمعيات على منح لعمل لا وجود له، بحسب ما جاء في ردها على "العربي الجديد".

ودفعت ثلاثين سلطة حكومية، و21 مجلساً إدارياً للمقاطعات، و20 منطقة، و290 بلدية 21 مليار كرونة سويدية (1.8 مليار دولار)، منحاً للجمعيات الثقافية والإعلامية والجمعيات الدينية، بحسب تقرير ميزانية الدولة للعام الماضي 2019-2020، لكن يمكن أن تكون هذه الجمعيات والمنظمات أداة للتحايل على الحكومة، بحسب أدمون فاضل، الناشط السوري في العمل المدني بالسويد منذ 2013، والذي ساهم بتأسيس عدد من الجمعيات والمنظمات الأهلية الهادفة إلى مساعدة المهاجرين على الاندماج في السويد، موضحاً أن الجمعيات غير الهادفة للربح قد تستخدم كأدوات للجرائم المالية، ومن أمثلة ذلك أن يسجل بعض الأشخاص جمعية غير ربحية تعمل في القضايا الثقافية، ويقدمون إفادة إلى خدمة التوظيف العامة السويدية بأن بعضهم يعمل في إدارة مقهى تابع للجمعية، وتتلقى الجمعية دعم التوظيف من خدمة التوظيف العامة السويدية (مكتب العمل)، والتي يوضح موقعها الإلكتروني أنه يحق للجمعيات الحصول على مزايا دعم التوظيف في حال كان لديها رقم ضريبي، ولكن ما يحدث أن هذه الجمعيات لا تبلّغ مكتب العمل عن دخلها القادم عبر البلدية كمنحة حكومية لدعم أنشطتها، ليحصل القائمون على الجمعية على الأموال من الجهتين وهذا يعتبر مخالفاً وفقاً لقوانين مكتب العمل، بالإضافة إلى أرباح المقهى الذي يديرونه، وهذا يعدّ جريمة مالية وجزءاً من عمليات التحايل على النظام الضريبي ونظام المساعدات ويضيف: "في الوقت نفسه، يمكن للأشخاص القائمين أو العاملين في هذه الجمعيات، بالإضافة إلى ما يحصلون عليه من دعم التوظيف من مكتب العمل الحصول على مزايا المرض من وكالة التأمين الاجتماعي السويدية، حيث يدعي الشخص المرض، ويحصل على 80% من راتبه لمدة أسبوعين، بعد ذلك يمكنه تقديم تقرير طبي بأنه يعاني من مرض في الغالب لا يكون مرضاً خطيراً، لكن يمكن الحصول على إجازة مرضية مدفوعة من خلاله مثل ادعاء الإصابة بالاكتئاب، أو الاحتراق الوظيفي (تراجع الإنتاجية بسبب ضغط العمل)، وبذلك يحصل على الراتب كاملاً وهو جالس في المنزل، أو يمكنه ممارسة عمل ثانٍ بالأسود (بدون عقد) أو حتى السفر إلى الخارج"، كما يقول أدمون.