العنف المسلح في أميركا... انقسامات مجتمعية تفشل محاولات المواجهة

10 أكتوبر 2021
المجتمعات الملونة تعاني من عنف السلاح المتفاقم (Getty)
+ الخط -

يتفاقم العنف في أميركا بالتزامن مع زيادة مبيعات الأسلحة، على الرغم من إطلاق استراتيجية وطنية لمواجهة الأسباب الجذرية للظاهرة، في ظل نسب متقاربة بين من يؤيدون تقييد امتلاك البنادق والمسدسات ومن يرفضون الأمر.

- أسست الأميركية تشريل ساي منظمة تحمل اسم ابنها Jarell Christopher Seay، بعدما قتل وعمره 18 عاما، رميا بالرصاص في أمسية عيد الفصح، قبل 10 سنوات غرب مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، إذ كان الشاهد الوحيد على جريمة قتل، كما تقول الناشطة التي تعمل عبر جمعيتها على توعية المجتمع المحلي بخطورة ثقافة حمل السلاح وما يترتب عليها من عنف مستشر.

وتقلق الأعداد المتزايدة للضحايا منذ بداية العام ساي ورفاقها في المجتمع المدني الأميركي، إذ قتل 33006 من الأميركيين نتيجة العنف المسلح وانتحارا بالأسلحة المختلفة، بينما أصيب 30434 آخرين حتى 27 سبتمبر/أيلول بحسب توثيق أرشيف عنف الأسلحة النارية Gun Violence Archive (مستقل يستقي بياناته من 7500 مصدر حكومي)، وهي أرقام مفزعة بحسب ساي التي تقول لـ" العربي الجديد": "ما يجري في الولايات المتحدة وصمة عار، انظر كيف فشلنا في توفير بيئة آمنة لأطفالنا".

تفاقم أعداد ضحايا القتل الجماعي

يعد قتل 4 أشخاص أو أكثر من دون أن يفصل بين الجريمة والأخرى فترة سكون عبر سلاح مستخدم في منطقة جغرافية محددة، قتلا جماعيا بحسب تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي للظاهرة المتنامية، إذ قتل 43559 أميركيا من بينهم 299 طفلا، أعمارهم أقل من 11 سنة خلال العام الماضي، وهو ما يزيد بـ 4021 ضحية مقارنة مع عام 2019 الذي شهد 39538 قتيلا، بحسب توثيق أرشيف عنف الأسلحة النارية، وكانت عطلة نهاية الأسبوع الأولى لشهر يوليو والتي توافقت مع عيد الاستقلال الأميركي الأكثر دموية خلال العام الجاري بـ 14 حادث إطلاق نار جماعي، بينما شهدت ولاية كاليفورنيا التي تعد الأكبر من حيث عدد السكان، 1690 جريمة قتل باستعمال السلاح، تلتها ولاية تكساس بـ 1409 ضحية، فيما أتت في المرتبتين الأخيرتين كل من ولاية وومينغ بـ 13 ضحية وفيرمونت بـ 11 ضحية.

وجرى فحص الخلفية الأمنية لـ 4 ملايين و691 ألف راغب في امتلاك السلاح، خلال شهر مارس/آذار الماضي، وهو ما يمكن اعتباره رقما قياسيا، في ظل ارتفاع مبيعات السلاح خلال الشهر ذاته بنسبة 36℅ عن تلك المحققة خلال شهر فبراير/شباط والتي قدرت بـ 3 ملايين و442 ألف قطعة، بينما شهد شهر إبريل/نيسان بيع 3 ملايين و514 ألف قطعة سلاح بحسب بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ويطرح الإقبال الواسع على اقتناء الأسلحة تساؤلا حول أسعارها، وهو ما يظهر عبر المقارنة بين سعر هاتف أيفون 11 (64 غيغابايت) على سبيل المثال، والذي يقدر بـ 599 دولارا أميركيا على موقع أمازون، فيما لا يتعدى سعر مسدس من نوع Colt Defender 177 Caliber BB Gun Air Pistol، مزود بـ 16 طلقة عتبة الـ60 دولارا.

الصورة
تحقيق أميركا 2

أما البنادق، فيقدر سعر الآلية من نوع FN M249 5.56mm Belt، على موقع ARMS UNLIMITED، بـ 7 آلاف و699 دولاراً بعد الخصم، في حين تتراوح قيمة البندقية نصف الآلية ما بين 772 دولاراً وحتى 1019 دولاراً، مع إمكانية التقسيط بدفع حوالي 85 دولاراً في الشهر عبر موقع أمازون.

ويؤكد مارك باردين أحد مؤسسي مجموعة منع العنف باستخدام الأسلحة النارية في تصريحات صحافية، أن العديد من المجتمعات في جميع أنحاء البلاد وعلى رأسها الملونة، تتعامل مع عنف السلاح المتفاقم باعتباره جزءا من حياتهم اليومية، في ظل غياب الدعم والاهتمام الوطني بحل ناجز للظاهرة.

هل تنجح استراتيجية بايدن؟

شهدت جرائم العنف المسلح في الربع الأول من العام الجاري زيادة بنسبة 24℅ مقارنة مع عام 2020، و49℅ عما كانت عليه في الفترة ذاتها من عام 2019، الأمر الذي دفع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للإعلان عن استراتيجية تهدف إلى مواجهة الأسباب الجذرية للعنف المسلح، وحسب ما نشر على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض في 23 يونيو الماضي، فإن تدفق الأسلحة النارية المستخدمة في ارتكاب أعمال عنف يمكن وقفه، عن طريق التصدي لتجار الأسلحة بطريقة غير قانونية (دون التقيد بشروط امتلاك السلاح)، وتوفير الدعم المالي لجهاز الشرطة بهدف وضع المزيد من الضباط في حالة تأهب، وتوفير فرص عمل وبرامج صيفية وخدمات متنوعة موجهة إلى الشباب، ومساعدة أصحاب السوابق العدلية على الاندماج في المجتمع.

لكن مارك أوليفيا مدير العلاقات العامة في (NSSF) الجمعية الوطنية لرياضات الرماية، (تضم في عضوتها الآلاف من مصنعي السلاح وموزعيه) والذي يمتلك عدة أسلحة يستعملها في الصيد والرماية وحماية نفسه، يرى أن الإدارة الحالية عليها تطبيق القوانين الموجودة بدلا من اقتراح نصوص أخرى، لأن خلق المزيد من القيود لن يجعل المجتمع الأميركي أكثر أمانا، بل سيحرم الراغبين في امتلاك السلاح من ممارسة حقهم الدستوري بسبب بعض المخالفين للقانون كالمسبوقين قضائيا والقصّر وذوي الأمراض العقلية الذين يحظر عليهم حمل السلاح.

23 مليون قطعة سلاح تم بيعها العام الماضي في أميركا

ويعتقد أوليفيا المنتمي للحزب الجمهوري، أن عوامل أخرى يتم تغييبها حين يتعلق الأمر بما يثار عقب حوادث إطلاق النار الجماعي، ومن ذلك ما جرى في 22 مارس/آذار الماضي بولاية كولورادو، فالقاتل الذي أطلق النار على 10 أشخاص في أحد محلات البقالة، سبق أن كانت له سلوكيات مشبوهة جعلت عائلته تسحب منه سلاحه الناري، لكن لم يتصل أحد بالشرطة لإبلاغها عن تصرفاته المريبة، والنتيجة كانت إطلاقه النار على أبرياء وقتلهم بكل برود، يستدرك أوليفيا قائلا: "جرائم القتل موجودة منذ بداية الحياة، قابيل قتل هابيل، العنف منتشر في كل العالم وغير قاصر على الولايات المتحدة فقط".

ويعدد المتحدث الأمثلة التي شاهدها خلال عمله السابق في مشاة البحرية، قائلا: "الحرب الطائفية في العراق كانت مليئة بالعنف، ومجازر رواندا التي نفذت بالمناجل والسيوف، في النهاية الشر ليس مقتصراً على الأسلحة النارية بقدر ما هو متغلغل في قلوب البشر غير القادرين على التعاطف واحترام بعضهم".

أكبر شركات بيع الأسلحة الخفيفة

انقسام مجتمعي عميق

ينقسم الأميركيون حول مدى نجاعة فرض المزيد من القيود على امتلاك السلاح في الحد من جرائم العنف المسلح، وفق دراسة قامت بها كاثرين شيفر، الباحثة في مركز بيو للأبحاث، نشرت في 11 مايو الماضي تحت عنوان حقائق أساسية عن الأميركيين والأسلحة، وتوصلت شيفر إلى أن 49℅ من الأميركيين البالغين يرون بأن فرض المزيد من القيود على حق امتلاك السلاح سيحد من انتشار حوادث القتل العشوائي والجماعي، في حين يعتقد 42℅ أن الوضع لن يتغير، وتتفق الأغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على منع المصابين بأمراض عقلية من شراء الأسلحة بنسبة 85% من الجمهوريين و90% من الديمقراطيين، مع أهمية إخضاع الراغبين في شراء الأسلحة لتحقيق وفحص أمني وهو ما يؤيده 70% من الجمهوريين و92% من الديمقراطيين.

2.5 مليار دولار أنفقتها جماعات الضغط خلال عقدين لمنع تقييد امتلاك السلاح

النتائج السابقة تراها المشرعة الديمقراطية إيفيت ألكسندر والتي عملت في مقاطعة كولومبيا وتمتلك مكتبا للاستشارات، منطقية قائلة: "ارتفاع جرائم القتل نتيجة حتمية لتزايد أعداد المسلحين، وبالتالي فالسبيل الوحيد لوقف قتل الأبرياء هو وقف بيع السلاح خاصة بطرق غير قانونية".

وفي تعليقها على الاستراتيجية المقترحة من طرف الرئيس بايدن، قالت ألكسندر، يحتاج الأمر إلى مواجهة جادة، خاصة أنه في العام الماضي في ظل وباء كورونا، والاحتجاجات ضد وحشية الشرطة، زادت مبيعات الأسلحة النارية، إذ تم شراء 23 مليون قطعة سلاح، وردا ع سؤال بخصوص ما إذا كانت تمتلك سلاحا شخصيا، أجابت المتحدثة بالسلب، وأكدت عدم نيتها اقتناء أية قطعة سلاح في المستقبل، قائلة: "المواطن العادي ليس في حاجة إلى سلاح، هذه أداة مخصصة لرجال الأمن".

وتعيد ألكسندر فشل الولايات المتحدة في القضاء على العنف المسلح، إلى لوبيات شركات تصنيع وبيع السلاح والتي لن تدخر جهدا لإبقاء الوضع على ما هو عليه.

وتخصص شركات الأسلحة الأميركية الملايين من ميزانياتها للضغط على السياسيين عبر التبرع لحملاتهم الانتخابية، حسب ما رصدته ورقة بحثية صادرة في فبراير الماضي عن Center For Representative Politics المختص في تتبع مصادر الأموال المؤثرة على الساسة، إذ صرفت شركات الأسلحة عن طريق شبكات واسعة من جماعات الضغط والمانحين ما قيمته 2.5 مليار دولار خلال العقدين الماضيين للتأثير على سياسة الدفاع في الولايات المتحدة الأميركية، كما قامت بتعيين أكثر من 200 شخص عملوا في الحكومة ضمن جماعات للضغط.

إضافة لما تقوم به شركات صناعة وتسويق الأسلحة، تقدم جمعيات الدفاع عن حق امتلاك السلاح ملايين الدولارات لدعم الحملات الانتخابية، وتعد الجمعية الوطنية للبنادق، أحد أكبر المانحين للحزب الجمهوري، إذ قدرت تبرعاتها للرئيس السابق دونالد ترامب خلال ترشحه للرئاسيات عام 2016، ومجموعة من الجمهوريين المترشحين للتجديد النصفي في الكونغرس بـ 52.6 مليون دولار، ما جعلها أكبر قوة مؤثرة في الانتخابات آنذاك.

وتواصل دعم الجمعية الوطنية للبنادق، للرئيس السابق ترامب والمترشحين للكونغرس في انتخابات عام 2020 بمنحهم 28.5 مليون دولار، في حين قدمت جمعية Everytown for Gun Safety، لحملة الديمقراطيين وعلى رأسهم الرئيس الحالي جو بايدن ما قيمته 21.6 مليون دولار أميركي، وهي أرقام تعكس كيف نجح المنتجون ولوبياتهم خلال سنوات طويلة في منع تقييد تجارة الأسلحة كما تقول المشرعة الأميركية.