تجذب مراكز طبية تركية غير مؤهلة، بعضها يحمل ترخيصاً وأخرى لا تملكه، مرضى أجانب يرغبون في إجراء عمليات تجميل، عبر إعلانات على مواقع التواصل، تعد بنتائج دقيقة في مقابل أسعار رخيصة، ما يهدد السياحة العلاجية في البلاد.
- عانت العشرينية السورية المقيمة في تركيا فاطمة أمين، من مضاعفات صحية بعد إجرائها لعملية تجميل في عيادة خاصة بمدينة إسطنبول في سبتمبر/أيلول 2020، وعقب تواصلها مع القائمين على العيادة لسؤالهم عن أسباب تورم وجهها، تنصلوا من المسؤولية ورفضوا تعويضها عما جرى كونها وقّعت على تعهد بعدم تحمّل العيادة مسؤولية أي مضاعفات ناتجة عن العملية، كما تقول فاطمة التي طلبت تعريفها بهذا الاسم لشعورها بالحرج، مضيفة: "ردهم لم يثنِني عن الذهاب لمواجهتهم بما جرى ومطالبتهم بتعويض عما أنفقته لكنني فوجئت بأن المكان صار مغلقا"، وتردف: "تبين من سؤال الجيران أن المكان غير مرخص وبالتالي لم يعد بإمكاني اتخاذ أي إجراء قانوني".
"أدركت بعد فوات الأوان خطئي" تقول فاطمة بندم، مضيفة: "أنصح بعدم تصفّح إعلانات العيادات المنتشرة على موقع فيسبوك".
وتنتشر تلك الإعلانات، إذ رصد معد التحقيق 50 صفحة وحساباً على وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف المرضى الأجانب من الراغبين في إجراء جراحات وممارسات تجميلية بلغات مختلفة من بينها العربية، ومن بين هؤلاء الثلاثينية العراقية شيماء محسن، والتي ظهرت على وجهها آثار حروق بعد إجراء عملية تنظيف للبشرة بالليزر في يوليو/تموز 2021، لتكتشف أن المكان الذي لجأت إليه في إسطنبول حاصل على ترخيص صالون تصفيف للشعر وبالتأكيد فإن من يعملون فيه غير مؤهلين للقيام بإجراء طبي يتم تنفيذه على يد جراح تجميل أو طبيب جلدية، وفق ما أخبرها به طبيب عاين وجهها كما تقول لـ"العربي الجديد".
عمليات فاشلة في مراكز مرخصة
لا يقتصر خطر فشل عمليات التجميل على المراكز غير المرخصة، بل قد يحدث حتى في تلك الحاصلة على ترخيص طبي، ومن بينها مركز أجرى فيه المغربي رشيد باحميد (يقيم في الدنمارك) عملية زراعة شعر، في 13 مارس/آذار 2018، لكنها لم تتكلل بالنجاح، إذ شعر بعد شهر من عودته إلى الدنمارك، بألم في الرأس، ثم تساقط الشعر من الجهة الخلفية للرأس، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "بعد 6 أشهر من إجراء العملية التي كلفتني 1900 دولار أميركي، زاد الوضع سوءا، وذهبت إلى طبيب في الدنمارك، لمعرفة سبب تساقط الشعر، فأخبرني بأن العملية كانت خاطئة على مستوى مكان منح الشعر، ولا يمكن علاج الأمر أو إجراء عملية ثانية"، ويضيف: "حدث لي كل هذا، رغم أنني عملت بنصائح الأطباء الذين أجروا لي عملية الزرع، مثل رعاية الشعر وعدم التعرض للإجهاد أو السباحة ولعب الرياضة، كما أنني لا أدخن".
وتكرر الأمر، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مع البريطاني من أصول سورية، ناظم دويدري، والذي عانى من فشل عمليتي زراعة شعر لمقدم الرأس وخلفه، بذات المركز الذي تحتفظ "العربي الجديد" باسمه، موضحا أنه عانى من التهابات في فروة الرأس، ومنطقة الصدر التي أخذوا منها الشعر لإعادة زراعته بالرأس.
ويؤكد أنه تواصل مع المركز، فطلبوا منه العودة مجددا، لإجراء عملية أخرى، لكنه رفض إنفاق المزيد على العملية وتكاليف السفر والإقامة في إسطنبول، وعندما طالب المركز باسترداد ما أنفقه رفضوا.
وللحصول على حق الرد، تواصل معد التحقيق مع المركز للسؤال عن الحالات الموثقة وتفاصيل شكواها، فجاء الرد المكتوب عبر قسم التسويق: "بخصوص المرضى الذين تم التواصل معهم، تمت معالجة القضايا مع المحامي الخاص بنا. نجري أكثر من 80 ألف عملية في السنة و90% من المرضى راضون عن جميع الخدمات وعلاقتهم مع المركز قوية حتى اليوم".
إقبال كبير على السياحة الطبية
حصلت 413 شركة وسيطة على ترخيص خدمات السياحة الطبية حتى 15 يونيو/حزيران الماضي، وفق الموقع الرسمي لوزارة الصحة التركية.
وتحل دول الشرق الأوسط إضافة إلى ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في مقدمة الأقطار التي يأتي مواطنوها إلى تركيا لإجراء عمليات التجميل، إذ أجريت بها 945 ألفا و477 عملية تجميل (في الأنف، وشفط الدهون وتجميل محيط العين والحقن في الوجه) في عام 2020، وفق بيانات الجمعية الدولية لجراحي التجميل (ISAPS)، والتي توضح أن تركيا تأتي في المرتبة الخامسة عالميا بعد الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وألمانيا واليابان. وتشير البيانات إلى أن حصة تركيا السوقية من إجمالي العمليات بلغت ما نسبته 3.9٪ من حجم السوق العالمية، رغم انتشار جائحة كورونا.
وتلعب شركات السياحة العلاجية والطبية التركية دورا هاما في جذب الراغبين في إجراء عمليات التجميل، كما يقول إحسان صوفو أوغلو، صاحب شركة الدليل الشامل لجميع الفعاليات التجارية والصناعية السياحية والمستشفيات والعلاج في إسطنبول، والذي يوضح أن زراعة الشعر والجراحة التجميلية وعلاج الأسنان والعيون غير مدرجة في معظم سياسات التأمين الصحي حول العالم، لذا يفضل المرضى تركيا ذات الأسعار المعقولة لزراعة الشعر والجراحة التجميلية.
لماذا تفشل العمليات؟
"تظهر نتائج عمليات التجميل لاحقا، ولا يمكن للمريض تقييمها إلا بعد فترة من الوقت، كما أن بعضهم يعود إلى بلده وبالتالي يفاجأ بما يجري وتبدأ تبعات فشل العملية في الحدوث بشكل متوالٍ"، كما يقول أورهان جلقمة، صاحب شركة كاميليا كلينك للسياحة الطبية لـ"العربي الجديد"، ويتفق مع الرأي السابق أيمن صقللي، الطبيب في قسم الطوارئ بمستشفى إلغي الخاص، قائلا لـ"العربي الجديد": "بعض الحالات تفشل بسبب تفاعلات الجسم وعدم تقبله للعملية، والبعض الآخر بسبب المواد المستخدمة والتي قد تؤدي إلى حساسية، لكن في بعض الأوقات تفشل العمليات بسبب أخطاء طبية مسؤول عنها الفريق الذي أجرى العملية"، مضيفا أن التمييز بين هذه الأمور الثلاثة يكون عبر تقييم من قبل لجنة طبية مختصة ومفوضة من الجهات المسؤولة عن القطاع الصحي في تركيا، ويتابع: "في حالة الخطأ الطبي يحتاج المريض إلى تقارير طبية يخوض بها مواجهة قضائية مع المركز أو المؤسسة الصحية التي أجرت له العملية وبدون ذلك لا يمكنه الحصول على حقوقه كاملة".
تظهر نتائج العمليات وطبيعة المضاعفات بعد عودة المريض إلى بلده
ومن واقع عمله، يحذر الطبيب صقللي من عدم اعتماد بعض المراكز على مواد طبية من نوعية جيدة يتم شراؤها من أماكن مرخصة من قبل وزارة الصحة، ويظهر عليها كود يبين مكان الصنع وتاريخ انتهاء الصلاحية، مشيرا إلى أن استخدام مواد غير مناسبة تنتج عنها ندبة دائمة في مكان الجراحة أو تشوه أحيانا لا يمكن إصلاحه.
ويلجأ بعض المرضى إلى مراكز تجميل سواء مرخصة أو غير مرخصة، بناء على عرض سعري منخفض التكلفة مقارنة بمراكز متخصصة وتطبق المعايير الصحية التي تلزمها بها وزارة الصحة، كما يضيف الطبيب صقللي، مشيرا إلى أن بعض المراكز تعلن عن بعض العمليات بتكلفة 1200 دولار على سبيل المثال، في حين أن ذات العملية تجريها مراكز أخرى بـ 5 آلاف دولار، ويؤكد مختصون قانونيون أن مسؤولية جراحي التجميل تحتاج إلى تأطير وضبط في القوانين التركية، كما يوضح المحامي المختص بالقضايا المدنية والإدارية، ألبير عثمان كنج، صاحب مكتب للمحاماة في إسطنبول لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن اللجوء إلى المراكز غير المرخصة أو المرخصة ذات السعر المنخفض المبالغ فيه وتصديق دعايتها المنتشرة على مواقع التواصل بإجراء عمليات رخيصة التكلفة خطر كبير يهدد حياة المرضي، مضيفا أن مكافحة وجود المراكز غير المرخصة غير كافية حتى اليوم، ما يجعلها تصطاد المزيد من الزبائن وتشوه سمعة سوق السياحة الطبية والعلاجية في تركيا.
كوادر غير مؤهلة
"قد تجري بعض العمليات كوادر غير مؤهلة تعمل في مراكز التجميل المرخصة وكذلك في تلك غير الحاصلة على ترخيص"، وفق ما يقوله 4 أشخاص يعانون من آثار عمليات فاشلة، وهو ما يؤكده أورهان جلقمة، قائلا: "من واقع متابعة مشاكل عمليات التجميل، نجد أن أغلبها كانت في مراكز حاصلة على رخصة كشف أو معاينة وليست لديها رخصة لإجراء جراحة التجميل"، ويضيف ليس كل من يعمل في هذه المراكز طبيبا مختصا، قد يجري ممرض حقن البوتوكس أو زراعة الشعر ويتم تقديمه للمريض أو السائح، على أنه طبيب.
أطباء غير مؤهلين يجرون عمليات تجميل متخصصة
ويتابع أن الأمر الأكثر خطورة هو أن عمليات التجميل التي تجري في هذه العيادات غير الحاصلة على ترخيص، قد ينتج عنها تداعيات تحتاج إلى تدخل طبي سريع في حال وقوع أمر طارئ، ولكن عدم وجود المختصين قد يهدد حياة المريض.
ولدى المريض عام واحد بعد أن يدرك حدوث ضرر جسدي له للتقدم بشكوى، وفترة 5 سنوات بعد إجراء الجراحة لرفع دعوى قضائية، وفقاً لما جاء في نص المادة 147/6 من قانون الالتزامات التركي رقم 6098 والصادر في فبراير/شباط 2011، والذي تخضع عقود تلك العمليات له، ويحدد القانون كيفية الحصول على رخصة مزاولة المهنة من وزارة الصحة والشروط الواجبة في من يقوم بهذا العمل وتجري عمليات تفتيش على تلك المراكز للتأكد من تطبيقها لتلك الشروط، حسب إفادة المحامي كنج، والذي يوضح أن المادة الرابعة من لائحة المؤسسات الصحية المختصة بعمليات التشخيص والعلاج، الصادرة في عام 2008 برقم 26788 تشترط على المشغل الحصول على "وثيقة صادرة عن وزارة الصحة، تتضمن فروع الاختصاص التي سيتم قبولها وعلاجها من قبل المراكز الطبية والعاملين الذين تتطلبهم هذه التخصصات، والمختبرات التي تخدمها".
لكن "في حال مراجعة الجهات الحكومية المختصة لمراكز التجميل من أجل التفتيش والتدقيق في الكوادر العاملة، يستخدم أصحاب المراكز المخالفة حيلاً مثل إغلاق المركز، أو إخفاء العاملين عند قدوم الموظفين الحكوميين لزيارتها" كما يقول جلقمة.
متطلبات التقدم بشكوى
فكر دويدري باللجوء للقضاء، لكنه يقول إن إقامته في بلد آخر تحول دون ذلك، فضلا عن نفقات التقاضي، بخلاف شيماء محسن، التي تستعد للعودة من العراق بعد تماثلها للشفاء للبدء بمرحلة تقديم شكوى بعد الحصول على التقرير الطبي اللازم، كما تقول.
ويتطلب الأمر تقريرا من الطب العدلي للبدء بالإجراءات القانونية، وفق المحامي كنج، موضحا أن العقد الموقع بين المريض والمركز يصنف وفق قانون الالتزامات ضمن عقود العمل، وفي حال حدوث تصرف غير مسؤول من الطبيب أو أضرار بحق المريض، فإن المسؤولية يتحملها الطبيب، خاصة إن كانت هناك علة دائمة، قائلا :" على كل من يرغب في إجراء عملية تجميل التحقق من رخصة المركز حتى لا يقع ضحية، ومعرفة من سيجري العملية، والتأكد من وثائق الكادر الطبي، وما يوقع عليه من أوراق للحفاظ على حقوقه".