تنفس الثلاثيني السوري أحمد الزعبي الصعداء، عقب نتائج انتخابات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعدما أفضت إلى وصول أرمين لاشيت إلى رئاسة الحزب في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، ما يعد خطوة أولية نحو منصب المستشارية.
"وقوبل صعود لاشيت، وهو وزير هجرة واندماج سابق، بارتياح بين اللاجئين بعد تصاعد خطاب الكراهية بشكل متفاقم منذ عام 2015، في ظل الصعود السياسي لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف والشعبوي، بينما ظل لاشيت المعروف بسياسته الليبرالية والقدرة على التواصل مع مجتمعات المهاجرين حليفا مخلصا لميركل، ودافع عن موقفها في استقبال مئات الآلاف من طالبي اللجوء"، كما يقول الزعبي والذي يدرس في جامعة برلين لـ"العربي الجديد".
معاناة الفئة الأكبر من المهاجرين
تكشف نتائج دراسة "ماكس مقابل مراد: درجات أقل في الإملاء لأطفال المدارس الابتدائية من خلفية تركية" والصادرة عن جامعة مانهايم في يوليو/تموز 2018 أن الطلاب من أصول تركية يمنحون من قبل المعلمين والمعلمات الألمان علامات أقل مما يمنح لنظرائهم الألمان رغم تشابه الإجابات، ورصدت الدراسة إجابات 204 طلاب في كلية تدريب المعلمين بمتوسط أعمار 23 عامًا. وكان العامل الوحيد الحاسم في اختلاف الدرجات بينهم هو اسم الطالب.
ويبلغ عدد المهاجرين الأتراك في ألمانيا 2.8 مليون مهاجر، من بينهم مليون و400 ألف تركي يحملون جوازات سفر ألمانية وفقا لإحصاء صادر في عام 2019 عن منصة خدمات اللاجئين الإعلامية والتي تتضمن معلومات أساسية حول بيانات الهجرة والاندماج واللجوء في ألمانيا، ومن بينهم المسن الألماني من أصل تركي جوركان أونور، والذي قال لـ"العربي الجديد"، "ساهمنا في بناء هذا البلد، وكنا نعتقد أن أبناءنا على الأقل سيصبحون جزءاً من هذا المجتمع، لكنهم يعاملوننا كألمان درجة ثانية، وتنامي شعبية حزب البديل المعادي للأجانب يجعلنا نقلق من أن القادم أسوأ".
وجاء أونور إلى ألمانيا مطلع الستينات من القرن الماضي في ظل هجرة تركية متنامية، كما يقول مضيفا:" أطلقوا علينا لقب العمال الضيوف، ما يعني أننا سنبقي ضيوفا حتى مع حصولنا على الجنسية ومع تنامي التطرف والعنصرية يبدو أننا سنعيش أياما عصيبة، وخصوصا نساءنا ممن يرتدين الحجاب"، ولا يخفي حزب البديل عنصريته ضد الأتراك، إذ قال ألكسندر غاولاند رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البديل في "البوندستاغ"، في تصريحات صحافية منتصف فبراير/شباط 2018:" الأتراك لا ينتمون إلى ألمانيا".
لكن الخبير الأنثروبولوجي شتيفان هيرت، والذي يجري دراسة عن الخطاب اليميني في ألمانيا، يقول إن مضمون خطاب الكراهية لا يتعلق بعرق أو دين بقدر ما هو معاد لكل ما هو غريب وقادم من الخارج، وهذه سمة موجودة في كل الشعوب ولا تخص شعبا بعينه، إلا أنها قد تكون مرتفعة لدى بعض الشعوب أكثر من الأخرى، نظرا للظروف التاريخية التي مرت على بلد ما وأصبحت جزءا من الذاكرة الجمعية للشعب، وهذا ما يمكن ملاحظته بشكل متدرج ومتباين داخل البلد الواحد، فمثلا المقاطعات الواقعة في القسم الغربي من ألمانيا أكثر ترحيبا باللاجئين من المقاطعات الشرقية، مضيفا في إفادته لـ"العربي الجديد" :"خطاب التطرف في ألمانيا ليس حكرا على أبناء البلدان المستضيفة، بل تبنى جزء من قدامى المهاجرين الخطاب اليميني ضد القادمين الجدد".
ووثقت دراسة هيرت المتوقع صدورها مع نهاية العام الجاري "أن تطرف بعض قدامى المهاجرين ورفضهم فكرة فتح الحدود أمام موجات النزوح عزز خطاب اليمين المتطرف في ألمانيا وهو ما انتشر بعد ما أصبحت صحف وقنوات تلفاز تستشهد بخطابات مهاجرين قدامى وتفرد لهم مساحات للحديث عن مخاطر وصول موجات جديدة من اللاجئين على المجتمع الألماني"، الأمر الذي استغله حزب البديل في حملته المناهضة للمهاجرين، إذ شارك اللاجئ السوري كيفورك الماسيان والذي تم تعيينه موظفا في كتلة الحزب البرلمانية في خطابات وفعاليات للتحذير من "خطر المهاجرين".
تصاعد جرائم الإسلاموفوبيا
وثقت إحصائيات وزارة الداخلية الاتحادية وقوع 950 جريمة إسلاموفوبيا في عام 2017، فيما تم تسجيل 824 جريمة في عام 2018، بينما سجل التقرير السنوي الصادر عن مكتب مناهضة التمييز في يونيو/ حزيران 2020، ارتفاع عدد جرائم العنصرية المسجلة ضد المسلمين في ألمانيا بنحو عشرة في المائة، وأكدت الحكومة أن المؤسسات والمنظمات التابعة للمسلمين تعرضت لـ 871 اعتداء في 2019، أسفرت عن مقتل شخصين، وإصابة 33 آخرين بجروح.
وتأسس مكتب مناهضة التمييز في عام 2006، ويقدم المشورة للأشخاص الذين يتعرضون للتمييز بسبب أصلهم العرقي أو انتمائهم الديني أو ميولهم الجنسية أو بسبب أعمارهم. وشملت الحوادث المسجلة في العام الماضي، إثارة الفتنة وإتلاف الممتلكات وسب وإهانة المسلمين والتعدي على ممتلكات الغير والكتابة على الجدران.
ومن بين من تعرضوا للاعتداءات العنصرية، أيمن مزيك رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا منذ عام 2010، والذي يعتبر من أبرز الشخصيات في البلاد، وعلى الرغم من أن مزيك ولد عام 1969 في مدينة آخن من أم ألمانية وأب سوري، لكنه مع تنامي الكراهية ضد المسلمين بات يتلقى مئات التهديدات بالقتل والشتائم عبر الرسائل البريدية، ووسائل التواصل الاجتماعي، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن حزب البديل والعنصريين هم الأقلية، لكن الأكثرية الصامتة بالمقابل يجب أن ترفع صوتها في مواجهة خطاب الكراهية الذي يستهدف المسلمين في ألمانيا، بعدما وصلت العنصرية والكراهية إلى حد لم يسبق له مثيل"، وتابع: "العنصرية تصاعدت بفعل حزب البديل وحركة "وطنيون أوروبيون" ضد أسلمة الغرب (بيغيدا) وشخصيات سياسية، إلى جانب ما لعبه الإعلام من دور في التحريض. نتمنى من السلطات الألمانية القيام بردة فعل واضحة حيال ذلك".
ومن بين أدوات وأسباب تعزيز خطاب الكراهية، تسليط وسائل الإعلام المعبرة عن اليمين الضوء على بعض الجرائم التي ارتكبتها نسبة قليلة من اللاجئين وتصويرهم على أنهم مجرمون من خلال ضخ أخبار سلبية شبه يومية عنهم، وترسيخ فكرة مفادها أن ألمانيا تواجه غزوا بربريا، وفق ما رصده اللاجئ والصحافي السوري محمد الشيخ علي، والذي يعمل على قضايا اللاجئين، مضيفا لـ"العربي الجديد": "دعم قدامى المهاجرين تلك النظرة المثيرة للجدل، إلى حد تصويت بعضهم لحزب البديل في مدينة كاسل وفق ما رصدته"، لكن علي يتوقع بالمقابل تراجع خطاب الكراهية في السنوات المقبلة بسبب توافق أوروبي على محاربة صعود اليمين المتطرف، واندماج العدد الأكبر من اللاجئين الجدد وخاصة السوريين الذين أصبح أكثر من نصفهم يعمل أو يدرس، وهو ما يؤيده الطبيب السوري محمد المحمود المقيم في مدينة ماينز، مشيرا إلى إحصائيات صادرة غرفة الأطباء الألمانية في عام 2017 ، رصدت قدوم 10 آلاف طالب طب بشري إلى البلاد، ما شكل وفرة في الأطباء وجعل المشافي الألمانية تختار الأفضل والأكفأ عقب موجة اللجوء الكبيرة في 2014.
السوريون في المرتبة الثانية من حيث عدد الأطباء الأجانب بألمانيا
ويبلغ عدد الأطباء السوريين العاملين في ألمانيا من غير الحاصلين على الجنسية 3632 طبيبا، ويأتي السوريين في المرتبة الثانية من حيث عدد الأطباء الأجانب، بعد الرومانيين، وحصلوا على ترخيص ودعم حكومي، فيما يعمل 2300 صيدلاني سوري في قطاعات الأدوية المختلفة والصيدليات، وفق إحصائيات غرفة الأطباء الألمانية.
الخطر القادم من الشرق
بلغ عدد أعضاء حزب البديل، 34751 عضواً، بحسب بيانات منصة الإحصاء statista الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2020، فيما كشفت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة والتي جرت في سبتمبر/أيلول 2019، أن قوة الحزب تكمن في ألمانيا الشرقية وتصدرت ساكسونيا النسبة الأعلى للمصوتين لصالح الحزب بنسبة 27.5 بالمئة من الأصوات بزيادة بلغت نسبتها 17.8 بالمئة مقارنة بالانتخابات السابقة.
34751 عضوا في حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي
وحلّ ثانياً بعد حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، الذي يحكم الولاية منذ الوحدة الألمانية، والذي حصل 32 بالمئة من الأصوات، وفي ولاية براندنبورغ التي يحكمها الحزب الاشتراكي، الشريك في ائتلاف ميركل، حقق حزب البديل المركز الثاني بحصوله على 23.5 بالمئة من الأصوات بزيادة نحو 11 بالمئة عن الانتخابات الماضية، وهو ما يفسره الباحث المختص في حزب البديل بمركز كوريكتيف للأبحاث الاستقصائية ماركوس بينزمان بأن الحزب وجد بيئة خصبة في مقاطعات ألمانيا الشرقية وسكانها، مشيرا إلى أن جانب معتبر من السكان مازال متأثراً بالديكتاتورية التي نشأ عليها قبل هدم جدار برلين قبل نحو ثلاثين عاماً، وتابع: "يقدم حزب البديل نفسه في تلك الولايات على أنه معاد للمهاجرين والاتحاد الأوروبي، وهذا طريق سهل لمخاطبة فئة منغلقة تتملكها مشاعر الخوف من الغرباء الأوروبيين أو اللاجئين السوريين والأفغان، ويزعم أنه بوصوله إلى الحكم سيخلص ألمانيا وتلك المقاطعات من المشاكل الأمنية والفقر ونقص التنمية ومشاكل السكن"، وهو ما يقلق اللاجئين المتواجدين في تلك المناطق والذين بات بعضهم يفكر في الانتقال خاصة بعد الاعتداءات التي شهدتها مدينة كمنيتس، بولاية ساكسونيا في أغسطس/آب، على المهاجرين من قبل يمينيين متطرفين.