يواجه المسرّحون من العمل في سلطنة عُمان عراقيل تعيقهم عن الانضمام إلى صندوق الأمان الوظيفي ومن ثم الحصول على مبلغ إعانة (المنفعة) لمدة 6 أشهر، يصفها المستفيدون بـ"القليلة" في ظل بحث 85 ألف مواطن عن وظائف.
- يشعر العُماني خالد بن محمد الوردي بالقلق من قرب توقف صندوق الأمان الوظيفي عن صرف إعانة "المنفعة" (مبلغ مالي) التي يستفيد منها بعد تسريحه من العمل، والتي ستنتهي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، بعد صدور قرار حكومي خلال اجتماع مجلس الوزراء في مايو/أيار المنصرم بتمديد صرف المبلغ على أن ينتهي في التاريخ المذكور.
ومنذ تسريح الوردي من عمله في مجال حفر آبار النفط، يحاول الحصول على وظيفة ثابتة لكن دون جدوى، وحينما يفكر في حال أسرته المؤلفة من 5 أفراد تزداد مخاوفه من المصير الذي ينتظرهم، إذ تصل قيمة ما يتلقاه إلى ما يعادل 60% من راتبه السابق، وهو مبلغ، بحسب الوردي، "يسدّ جزءا من الالتزامات لكنه لا يغطي كل احتياجات الأسرة في ظل الغلاء المعيشي الذي يعاصرونه".
ويستفيد الوردي من نظام الأمان الوظيفي المطبق في البلاد بموجب المرسوم السلطاني رقم 82/2020، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لدعم من أُنهيت خدماتهم من العاملين في القطاع الخاص، ويعمل الصندوق تحت مظلة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية. وبلغ عدد المستفيدين النشطين من منفعة الأمان الوظيفي حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي 15.653 شخصا، بحسب بيانات الهيئة التي زودت "العربي الجديد" بها.
مماطلة الشركات في منح العاطلين وثائق التسريح
يؤكد المستفيدون أنهم خاضوا مشوارا طويلا لترتيب اشتراكهم في الصندوق بعدما استغنت شركاتهم عن خدماتهم بشكل مفاجئ خلال جائحة كورونا، ومن بينهم أحمد بن خميس الحمداني، الذي عمل مندوب علاقات عامة في شركة خاصة، وسُرح منها عام 2021.
ويشتكي الحمداني من صعوبة وطول إجراءات الانتساب لصندوق الأمان الوظيفي، إذ قضى 3 أشهر بين عدة جهات حتى يتمكن من تقديم معاملته، أولها الشركة التي أنهت خدماته وباتت تماطل في منحه ما يثبت ذلك وكان بحاجة إليه حتى يقدمه ضمن الوثائق المطلوبة للاشتراك بالصندوق، ومكتب سند الذي يتم من خلاله تقديم الطلب باعتباره جزءا أساسيا من الإجراءات المعمول بها للانتساب لمظلة الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى زياراته المتكررة للبنك من أجل تأجيل أقساطه الشهرية في ظل توقف راتبه، لكن المصرف، وفق رواية الحمداني، لا يتعامل إلا بالمستندات الورقية وتأخر الشركة في منحه رسالة تسريح من العمل عرقل عملية تأجيل أقساطه أيضا، واصفا المعاناة التي يتكبدها المسرح من عمله على المستوى المعنوي والمادي بـ"الشديدة".
15.653 مسرّحاً مستفيداً من مبلغ "المنفعة" حتى نهاية يونيو 2023
ويرى الحمداني أن الهرولة وراء الشركة لمطالبتها بمستند لإثبات إنهاء خدمات الموظف يجب أن لا تقع على كاهل المسرح من وظيفته، "والذي يتعرض حتما للمماطلة والتهرب من قبل الشركة التي لا ترغب في إثبات تسريحها للمواطن العماني حتى لا تدان بأي طريقة كانت"، ويضيف أنه يعاني من ضغط مادي نتيجة فقدان عمله من جهة، واضطراره لمراجعة الجهات المعنية يوميا أو الاتصال بهم، والأوْلى، من وجهة نظره، أن تتكفل وزارة العمل بهذه الإجراءات، كونه يقع على عاتق الشركات إخطارها بأسماء المسرحين مسبقا ليتم إدراجهم ضمن قائمة الباحثين عن عمل، بالتالي فإن جميع البيانات والإثباتات المطلوبة للصندوق موجودة لديها، مستدركا "هناك شركات مقرها في الصحراء وتبعد عشرات الكيلومترات عن محافظة مسقط، كيف سيتردد إليها المسرحون للحصول على وثائقهم؟".
ولم تختلف تجربة الوردي عن الحمداني، في ظل مماطلة الشركة التي أنهت خدماته بمنحه رسالة استغناء عن خدماته حتى يقدمها للصندوق، قائلا لـ"العربي الجديد": "أتعجب لماذا يتم إعطاء الشركات المسرِحة الضوء الأخضر للموافقة على إنهاء خدمات المواطنين وإعلان إفلاسها قبل ضمان حقوق هؤلاء الذين سوف يهرولون طويلا لتحصيلها".
ما سبق، يؤكد على أهميته حيدر عبد الرضا اللواتي، الحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال والناشط في مجال الحقوق العمالية، مشددا على أهمية تبسيط إجراءات التسجيل للحصول على منفعة الدعم الشهرية عبر إلزام الشركات بتقديم رسالة التسريح التي تعد الوثيقة الرسمية التي تعترف بها الجهات المعنية دون مماطلة، مع ضرورة مراعاة ظروف المسرح وعدم اتخاذ مسألة الوثائق حجة لتأخير حقه في الحصول عليها، ومراعاة ظروفه أيضا من قبل الجهات المطالبة بحقوقها التمويلية والبنكية في فترة تعطله عن العمل، معتبرا أن المشكلة الأساسية و"المؤسفة" هي التسريحات المفاجئة للشباب العماني، ولا بد من إلزام الشركات والمؤسسات بضرورة إخطار الموظفين بعملية التسريح قبل 6 أشهر على الأقل، ليتسنى لهم البحث عن فرص أخرى قبل إنهاء عملهم، مشيرا إلى أن قضية المسرحين من أعمالهم في السلطنة لم تبدأ مع تفشي جائحة كورونا، إنما بدأت قبل ذلك بسنوات وتحديدا منذ منتصف عام 2014، بالتزامن مع تأثيرات تراجع أسعار النفط والتي تركت آثارا سلبية على المؤسسات والشركات المحلية العمانية.
وسبق أن رصد "العربي الجديد" في تحقيق سابق ظاهرة التسريح الجماعي عبر استغلال العقود المؤقتة التي تعتمدها شركات القطاع الخاص، إذ سجل الاتحاد العام لعمال عمان 292 شكوى فردية للتسريح عن العمل و33 شكوى جماعية، ورصد فصل 2652 عمانيا من وظائفهم عام 2019، كما أن تقارير الاتحاد للأعوام بين 2014 وحتى 2018، تظهر الأرقام الكبيرة لعدد المسرحين من أعمالهم في السلطنة، إذ يصل مجموعهم إلى 10 آلاف شخص فصلوا من 106 شركات انتهجت طريق تسريح العُمانيين من أعمالهم.
تعطل نظام التسجيل في مكاتب "سند"
استغرق تسجيل الحمداني في واحد من مراكز سند أكثر من أسبوعين، وهذه المراكز هي المخولة بتقديم وإنجاز خدمات الجهات الحكومية والخاصة بما يعزز الحكومة الإلكترونية، لكن ما يحدث مع المسرحين الذين يسعون للالتحاق بالصندوق في أقرب وقت ممكن، أنهم يصطدمون بتعطل أو إغلاق نظام التسجيل لدى مكاتب سند، وهو "أمر محبط جدا"، كما يقول الحمداني، الذي لطالما استفسر عن أسباب ذلك، ويأتيه الجواب من الموظفين بأن الضغط الكبير على البرنامج بسبب أعداد الشباب العمانيين المسرحين الذين يطمحون للتسجيل بأسرع وقت يتسبب بتوقفه المتكرر. ويستذكر الحمداني أنه كان يعود للمركز أكثر من مرة في اليوم ذاته، للسؤال عما إذا كان البرنامج قد عاد للعمل حتى يتمم معاملته.
تماطل الشركات في منح موظفيها رسالة تسريح من العمل
لكن هيئة التأمينات الاجتماعية تقول في ردها على "العربي الجديد" إن "التسجيل عن طريق مكاتب سند للحصول على المنفعة شأنه شأن جميع الخدمات الإلكترونية في الهيئة، والأصل أن يدخل الشخص بنفسه وإن لم يستطع عليه الرجوع إلى مكاتب سند وهو ما يسهل الإجراءات وليس إطالتها، وإن واجه مشاكل في ذلك عليه الحضور للهيئة أو أحد فروعها"، ويشير الرد إلى أن "الجهات المعنية جميعها قائمة بالدور المنوط بها، وتسهيلا للمستفيدين من المنفعة يجري إعداد نظام إلكتروني مشترك بين جميع الجهات المعنية بالأمر لتقديم الطلب، والنظام مجهز لإعطاء الموافقة على الاستفادة من المنفعة من عدمها مباشرة، ولكل جهة عمل دور مكمل للجهة الأخرى وهذا أمر طبيعي إلى أن يتم وضع جميع الجهات الخدمية تحت سقف واحد يسهل الخدمة للعميل بشكل أفضل".
صعوبة نيل عمل في 6 أشهر
يحدد نظام صندوق الأمان الوظيفي مدة صرف المنفعة بستة شهور كحد الأقصى، متصلة أو متقطعة بواقع 60% من متوسط أجر الاشتراك خلال الأربعة وعشرين شهرا السابقة على إنهاء الخدمة، بحسب ما نصت عليه المادة 13 من النظام.
ويجمع المسرحون الذين قابلهم "العربي الجديد" على أن هذه المدة غير كافية ليتمكنوا خلالها من إيجاد فرصة عمل أخرى وتأمين مصدر دخل جديد، في ظل شحّ الوظائف في السلطنة، مقابل ارتفاع عدد الباحثين عن عمل، والذي تجاوز 85 ألفا، بحسب تصريحات صحافية لوزير العمل محاد بن سعيد باعوين، في يناير/ كانون الثاني 2023.
ويؤكد اللواتي من خلال رصده أن هذه الفئة تعاني من صعوبة في الحصول على وظيفة جديدة براتب يتناسب ووضعهم السابق لتغطية التزاماتهم المعيشية وسداد قروضهم البنكية. لكن رد الهيئة على "العربي الجديد"، يبين أن "تمديد صرف المنفعة يأتي فقط بتوجيهات سامية لمن لا تزال الشروط منطبقة عليهم، وحاليا سوف يستكمل الصرف لهم لغاية ديسمبر/ كانون الأول 2023، مع ضرورة تحديث البيانات للتأكد من انطباق الشروط".
ويصطدم المسرحون بمشاكل ناجمة عن جهلهم بمسألة تحديث البيانات بشكل دوري لاستمرار استفادتهم من المنفعة، كما حصل مع مازن بن حمد العزري، الذي عمل سائقا في شركة خاصة، ويمرّ بظروف صعبة بسبب تسريحه من عمله، وبعد إجراءات طويلة للتسجيل في الصندوق وقبوله، فوجئ بحجز منفعته لشهرين متتاليين نتيجة عدم تحديث بياناته وذلك بجلب مستند من وزارة العمل يثبت أنه ما زال باحثا عن وظيفة، وما زاد الطين بلة أن العزري يسدد قرضا بنكيا ولدى توقف المنفعة لشهرين عانى من ضائقة مالية شديدة إلى جانب ملاحقته وكفيله بالمطالبات المالية.
وبينما يتخوف المسرحون مما تخبئه لهم الأيام القادمة عقب توقف المنفعة، ترى مهندسة الصيانة والتشغيل أميمة بنت عبد الأمير العجمي نفسها محظوظة بأنها كانت من أوائل المنتسبين للصندوق بعد تسريحها دون سابق إنذار عام 2020، وبمجرد الإعلان عن المرسوم السلطاني باشرت بالإجراءات وكانت عملية التسجيل مرنة وسريعة، وتعزو ذلك إلى عدم وجود الضغط على التسجيل في ذلك الوقت، وتؤمل نفسها بأن يتم تمديد استفادتها من جديد بعد ديسمبر.