الأسهم الأميركية
20 مارس 2023
+ الخط -

يجزم المضارب في سوق الأسهم الأميركية تومي بنس، بأن سر براعة صفقات أعضاء الكونغرس تعود إلى كونهم يتمتعون بمزايا معلوماتية تمكنهم من التفوق على المتاجرين الذين لا يحظون بنفس المزية حتى أنهم قد يخسرون في بعض الأحيان كل مدخراتهم، قائلا: "لابد أن يكون مطلب توقف أعضاء الكونغرس عن التداول في صلب الحملات الانتخابية للاستحقاقات المقبلة".

واشترى أعضاء الكونغرس أسهما بقيمة 180 مليون دولار، بينما باعوا أسهما بقيمة 175 مليون دولار خلال عام 2021، وكان أعضاء الحزب الجمهوري أكثر نشاطا إذ بلغ حجم تعاملاتهم 201 مليون دولار مقابل 154 مليونا لدى الديمقراطيين، بحسب بيانات منصة Capitol Trades المتخصصة في تتبع تداولات المشرعين الأميركيين في سوق الأسهم.

وقام النائب مايكل ماكول عن الحزب الجمهوري بأكبر حجم للتعاملات إذ اشترى أسهما بقيمة 31.4 مليون دولار، وباعها بقيمة 35.2 مليونا، وفي المرتبة الثانية الديمقراطي رو خانا، الذي اشترى أسهما بقيمة 33.6 مليون دولار، وباع منها ما  قيمته 19.1 مليونا، في حين أن رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، اشترت أسهما بقيمة 12 مليون دولار، من دون بيع أي أوراق مالية في ذلك العام، بينما في 2022 اشترت أسهما بقيمة 13.157 مليون دولار، فيما باعت أسهما بقيمة 15.57 مليون دولار، وفق ذات المصدر.

الصورة
تحقيق أميركا 1

ويفصح بعض أعضاء الكونغرس عن تعاملاتهم بينما يحجم آخرون، إذ تكشف مراجعة بيانات House Committee on Ethics أو لجنة الأخلاقيات بمجلس النواب الأميركي المنشورة على موقعها الرسمي في  31 مايو/أيار 2022 عن مباشرة تحقيق حول عدم إفصاح عضوها النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا جون رذرفورد عن قيامه بتعاملات في سوق الأسهم خلال المدة الزمنية المحددة طبقا لـ Stock Act 2012  أو قانون وقف تداول الأسهم من قبل أعضاء الكونغرس 2012 والذي يحدد هذه المدة بـ 30 يوما من تلقي الإشعار بالمعاملة من قبل لجنة الأخلاقيات و45 يوما من إجراء المعاملة.

وجاء في بيان اللجنة أنها تلقت إحالة من The Office of Congressional Ethics  أو مكتب أخلاقيات الكونغرس (OCE) تتعلق بالنائب رذرفورد بتاريخ 28 فبراير/شباط 2022، وتبين عبر التحقيق أن رذرفورد اشترى أسهما بأحد شركات صناعة الأسلحة يوم اندلاع الحرب الروسية الأكرانية في الـ 24 فبراير 2022.

ويغتنم المشرعون فرصة حصولهم على معلومات مسبقة عن الأحداث التي تؤثر على أسعار الأسهم فيجرون تداولات مربحة كما يقول لـ"العربي الجديد"،  كيدريك أل. بايني نائب الرئيس والمستشار العام للمنظمة غير الحزبية Campaign Legal Center  أو مركز الحملة القانونية التي تأسست عام 2002، ومقرها واشنطن وتعمل على دعم الديمقراطية.

ومن بين أهم الأمثلة على استفادة النواب من معلومات خاصة، ما تم عقب اجتماع لجنة الصحة بالكونغرس بتاريخ 24 يناير/كانون الثاني 2020 ، والذي استمع خلاله أعضاء الكونغرس لمعلومات حصرية من مختصين حول فيروس كوفيد - 19 وكيف ستواجه الولايات المتحدة الأمريكية تطوراته، بعدها مباشرة قام 12 عضوا بمجلس الشيوخ بـ 127 معاملة و 37 نائبا بـ 1358 معاملة بيع وشراء، حسب دراسة لـ مركز الحملة القانونية بعنوان Report of Periodic Transactions Filed Between March 23 and April 16 أو تقرير المعاملات الدورية المقدم ما بين 23 مارس/آذار و16 أبريل/نيسان 2020.

وطالب مركز الحملة القانونية  في رسالة بعثها إلى لجنة الأخلاقيات بالكونغرس في 17 مارس 2022 بتقديم توضيحات للرأي العام حول نشاط المشرعين في سوق الأسهم، وكشف المركز بناء على معلومات استقاها من الإفصاحات Disclosures التي قدمها أعضاء الكونغرس أن 5 أعضاء تحفظ عن ذكر أسماءهم، ينتمون إلى خمس لجان هي الزراعة والتغذية والغابات ولجنة القوات المسلحة واللجنة المصرفية ولجنة الإسكان والشؤون الحضرية، ولجنة التجارة والعلوم والنقل، ولجنة المالية، يمتلكون أسهما في شركات تتأثر بعمل لجانهم، ما قد يؤدي إلى اتخاذهم قرارات تخدم مصالحهم الشخصية، منتهكين القاعدة 37.7 لمجلس الشيوخ و التي تمنع أي موظف مضى على التحاقه 90 يوما ويتقاضى 25 ألف دولار في السنة أو أكثر من امتلاك أسهم، من دون إذن كتابي من لجنة الأخلاقيات، من أجل منع التأثير المباشر على عمله في اللجنة التي ينتمي إليها، ولكن عدم تطبيق القانون فتح الباب أمام تجاوزات مثل ما جرى في 13 فبراير 2020 إذ باع السيناتور الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا، ريشارد بار، أسهما تتراوح قيمتها بين 628 ألفا ومليون و720 ألف دولار أميركي، وفي اليوم نفسه باع شقيق زوجته جيرالد فوث أسهما تترواح قيمتها ما بين 97 ألفا و280 ألف دولار بعد أن تلقى بار الذي كان يترأس لجنة الاستخبارات إحاطة حول فيروس كورونا من قبل خبراء من بينهم دكتور أنتوني فاوتشي كبير المستشارين الطبيين للرئيس بايدن.

اللافت أنه بعد فتح تحقيق حول تزامن تداولات السيناتور ريشارد بار وقريبه مع ما تلقاه من معلومات سرية حول فيروس كورونا، أغلقت وزارة العدل الأميركية التحقيق بهدوء وقالت إنها لن تلاحقه بتهمة تجارة الأسهم بناء على معلومات داخلية، حسب ما ذكرته طالبة الدكتوراه سناء ميسيا Sana Mesiya، في مقال بعنوان Failures of the Stock Act and the Future of Congressional Insider Trader Reform أو فشل قانون تداول الأسهم ومستقبل التجارة بناء على معلومات داخلية، والمنشور في مجلة القانون الجنائي الأميركي التي تصدر عن جامعة جورج تاون.

الإفلات من العقاب 

يمنع أي موظف فيدرالي غير منتخب من المشاركة في أي نشاط يمكن التنبؤ بتأثيره على الوضعية المالية له أو لشريك حياته طبقا للقانون 18 U.S.C. 208، في المقابل أعفى الكونغرس الأميركي أعضاءه المنتخبين من القيود السابقة كما يقول البروفيسور في القانون بجامعة مينيسوتا والموظف السابق بإدارة الرئيس جورج بوش ريشارد. و. بينتر في مقال منشور بتاريخ 24 يناير 2022 على موقع Bloomberg Industry Group (مكتب أعمال يوفر خدمات قانونية) بعنوان Why Members of Congress Should Not Trade Stocks أو لماذا يجب على أعضاء الكونغرس عدم الاتجار بالأسهم.

يضيف بينتر الذي يرى في استثناء المنتخبين من المنع المفروض على غيرهم نفاقا سياسيا، أن المشكلة لها جوانب عديدة منها أن تداول الأسهم بناء على معلومات داخلية حتى وإن تم اعتباره جناية، لكن من الصعب إثباتها، بسبب ما يعرف بـ Speech and Debate clause، حسب المادة 01، القسم 06 من الدستور الأميركي الذي يمنع طرح أسئلة على المشرعين حول ما دار بينهم وبين زملائهم من حديث حول مشاريع قوانين أو تحقيقات أو أي مسائل أخرى تتعلق بعمل الكونغرس.

وحتى التشريع الهادف إلى وقف تداول الأسهم من قبل أعضاء الكونغرس أو ما يعرف ب The Stock Act لم ينجح في وضع حد لتداولات المشرعين، والسبب "رمزية العقوبة" كما تقول إلهان عمر عضو الكونغرس عن ولاية مينيسوتا لـ"العربي الجديد"، تضيف أنها لا تتعدى غرامة بـ 200 دولار، ويتم إلغاؤها في غالب الأحيان من قبل لجنة الأخلاقيات بالكونغرس بعد تقدم المعني بإرسال Waiver أو طلب إعفاء، الأمر الذي يجعل المشرعين يستمرون في التعدي على القانون كما تضيف المتحدثة التي قالت إنها قدمت بالمشاركة مع زملائها ممثلي مينيسوتا في مجلس الشيوخ، دين فيليبس، وأنجي كريج وبيتي ماكولوم مشروع قانون لوقف تداول الأسهم من قبل المشرعين.

ويلزم مشروع القانون الذي سمي TRUST in Congress Act أو قانون الثقة في الكونغرس المشرعين وأفراد عائلتهم بالاستعانة بالصناديق الائتمانية، (تحفظ وتدير الأصول نيابة عن شخص آخر بمساعدة طرف ثالث محايد)، لبيع وشراء الأسهم خلال فترة خدمتهم في الكونغرس، بهدف منعهم من استغلال عملهم لتحقيق مصالح شخصية كما تقول إلهان عمر.

الصورة
تحقيق أميركا 2

70℅ من الناخبين الأميركين مع منع تداول المشرعين للأسهم 

يؤيد 70℅ من الناخبين الأميركين منع أعضاء الكونغرس من النشاط في سوق الأسهم، ويرى 68℅ منهم أن المنع لا بد أن يشمل زوجات وأزواج المشرعين، بحسب استطلاع للرأي منشور على موقع منظمة Truthout (غير ربحية تأسست عام 2001 في كاليفورنيا) في 22 يونيو 2022.

وقدم العديد من المشرعين مشاريع قوانين تهدف لمنع تداول الأسهم، اختلفت المقترحات في شدتها بين من يدعو لمنع التداول الشخصي للأسهم من قبل المشرعين على غرار الديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس إليزابيث وورين والديمقراطية عن ولاية واشنطن بارميلا دجيابال، أو المواصلة في السماح للمشرعين بامتلاك أسهم طالما كان الأمر بطريقة شفافة وفق ما يدعو إليه السيناتور الديمقراطي عن ولاية جورجيا توماس جوناثان أوسوف وزميله الديمقراطي ممثل ولاية أريزونا مارك كيلي.

وتباينت المشاريع من حيث منع أفراد عائلات المشرعين من تداول الأسهم، إذ اعتبر داعمو التوجه الصارم زوج رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الذي يمتلك أسهما بملايين الدولارات ولا تخطئ اختياراته نموذجا عن الأمر، والسبب قد يكون حسب Truthout إطلاعه الجيد على القوانين وحركة السوق.

وتعتبر بيلوسي وزوجها من أبرز متداولي الأسهم ما دفع السيناتور الجمهوري عن ولاية ميزوري، جوش هاولي إلى نشر تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر في 18 يوليو/تموز 2022 قائلا : "أوقفوا تداول الأسهم من طرف أعضاء الكونغرس وأزواجهم وزوجاتهم وأطلقوا عليه تسمية The Pelosi Act أو قانون بيلوسي".

وتقول دونا إم ناجي العميد المشارك التنفيذي وأستاذة كلية بن دوتون للقانون في كلية القانون بجامعة إنديانا في بلومينغتون وأحد المختصين الذين قدموا شهاداتهم بالكونغرس حول مقترحات إصلاح قانون تداول الأسهم في أبريل/نيسان 2022، أنها تثمن المشاريع العشرة المقدمة، ولكنها ترى أنها غير كافية لوقف استفادة المشرعين من معلومات سرية والسبيل الوحيد لذلك يكمن في تطبيق القانون 18 U.S.C. 208 عليهم والذي يمنع الموظفين الفيدراليين من المشاركة في أي نشاط يمكن التنبؤ بتأثيره على الوضعية المالية له أو لشريك حياته.

وتضيف أن وقف تداول المشرعين للأسهم فقط لن يكون حلا لمعضلة تعارض المصالح الذي يهز الثقة في الكونغرس ويعطي انطباعا بتفشي الفساد، فما تحتاجه الولايات المتحدة حسبها هو قانون يقلل من الاعتقاد بأن المشرعين يحققون أرباحا ويتجنبون خسائر حين يقترحون، أو يدعمون أو يصوتون على قانون معين، لذا طلبت من الكونغرس أن يركز على مشكلة امتلاك استثمارات معينة إضافة لتركيزه على تداول الأسهم.

مطالب باستقالة المستفيدين من معلومات حساسة

تصاعدت أصوات منادية باستقالة بعض أعضاء الكونغرس الذين استفادوا من بيع وشراء أسهم خلال فترة انتشار فيروس كورونا، أبرزهم رئيس لجنة الاستخبارات الجمهوري ريشارد بار، والجمهورية كيلي لوفلر ممثلة ولاية جورجيا، لكن استمرار الظاهرة يعد أمرا غير أخلاقي كما تقول إلهان عمر لـ"العربي الجديد"، وتضيف إن تداولات أعضاء الكونغرس في سوق الأسهم بناء لى اطلاعهم على معلومات سرية وحساسة تؤثر على الأسواق، يجب أن يكون غير قانوني، وهو ما تؤيده إيفيت ألكساندر المشرعة الديمقراطية السابقة في مقاطعة كولومبيا ولديها مكتب للاستشارات القانونية، وتقول أن النواب عليهم أن يكونوا مثالا يحتذى به في خدمة الشعب الأميركي بدل الاستفادة من وظيفتهم لخدمة مصالحهم الشخصية.

ولا يستبعد المحلل الأمني الجمهوري والدبلوماسي السابق بيتر همفري، تصويت الكونغرس مستقبلا لمنع تداول المشرعين للأسهم، بالنظر إلى توافق مشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول الأمر، لكن لا يمكن التنبؤ بمتى يتم الأمر، كما يقول.

لكن الديمقراطية لورا شوارتز المستشارة السابقة لدى إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، ترى أن قضية تداولات أعضاء الكونغرس في سوق الأسهم تتراجع أمام مشاكل التضخم مثل ارتفاع الأسعار وأزمات توريد السلع وكذا الجدل المجتمعي حول قرارات مثل  إلغاء السماح للنساء بالإجهاض.