شاع استخدام اصطلاح "الإرهاب الإسلامي" في الخطابات السياسية والإعلامية والأمنية الغربية بشكل مكثف، وزاد من وتيرة الأمر صعود اليمين عالميا، وفاقمته فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب (2017 – 2021) والذي استخدم الاصطلاح في حفل تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني 2017 حين قال: "سنعزّز تحالفاتنا القديمة، وسنبني تحالفات أخرى جديدة، وسنوحّد العالم المتحضّر ضدّ الإرهاب الإسلامي، والذي سنزيله من على وجه الأرض".
واستمرّ ترامب، والذي تمتع بتأثير قوي على رواد وسائط التواصل الاجتماعي، في استخدام الاصطلاح في تغريداته عقب كل حادثة إرهاب سواء داخل بلاده أو خارجها، وحتى بعضها تبين أن مرتكبها لا علاقة له بالإسلام.
ولكن استخدام الاصطلاح في الإعلام ومن قبل مسؤولي الأجهزة الأمنية يعود لفترة سابقة، حتى قبل هجمات 11 سبتمبر، وهو ما جَعَل أكاديميين غربيين يراجعون المصطلح وينتقدون ويحذرّون من خطورة استمرار استخدامه، بسبب ما ترتب عليه من مشكلة أمنية وتهديد للسلم المجتمعي.
مصطلح أسيء فهمه
لم تعرّف الأمم المتحدة اصطلاح الإرهاب مطلقًا بحسب ما قاله باريند لورنس برينسلو، الباحث في الدراسات الأمنية بالجامعة الشمالية الغربية في جنوب أفريقيا، بدراسته المنشورة في إبريل/نيسان عام 2018 بعنوان "الإرهاب الإسلامي: مصطلح أسيء فهمه".
ولكن برغم امتناع الأمم المتحدة عن التعريف، فإنّ كلاً من الإعلام و الأجهزة الأمنية قرّر تعريفه الخاص للإرهاب، واستخدم هذا الاصطلاح بشكل مطّرد في حوادث العنف الجماعي التي ارتكبها متشددون مسلمون منذ 11 سبتمبر 2001، في حين امتنعت تلك الوسائط الإعلامية والأجهزة الأمنية بنفس القدر، عن إطلاق اصطلاح الإرهاب على حوادث العنف والقتل الجماعي التي يرتكبها مواطنون بيض، واكتفت بوصفها بـ"جرائم الكراهية" بحسب ما توضحه الباحثة كارولينا كوربن، أستاذة القانون بجامعة ميامي الأميركية في بحثها المنشور في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017 بعنوان: "الإرهابيون دائمًا مسلمون لكنّهم ليسوا بيضًا: في التداخل بين نظرية نقد الأعراق والبروباغندا".
85 حادثة تطرف منذ 11 سبتمبر، كان اليمين الأبيض مسؤولاً عن 62 حادثة منها
وضمن مشروع بحثي في جامعة ولاية بنسلفانيا عن "تحيز الإعلام في تغطية الإرهاب" رصد باحثو دكتوراه في العلوم السياسية، مئات التقارير والمواد الإعلامية التي تم إنتاجها لتغطية حادثة كنيسة تشارلستون والتي ارتكبها ديلان رووف الذي يتبنى أفكار استعلاء العرق الأبيض في 17 يونيو/حزيران 2015 و حادثة أورلاندو التي ارتكبها الأميركي المسلم عمر متين في 12 يونيو 2016، وقارنوا بين الاصطلاحات المستخدمة في كلٍ من الحادثتين. كما طبقوا التحليل نفسه في حادثة برشلونة التي ارتكبها شاب مسلم وتشارلوتسفيل التي ارتكبها شاب أبيض، وكلتاهما وقعتا في عام 2017. وبينت نتائج البحث عن شيوع استخدام ألفاظ "الإرهاب" والإسلام في حادثتي أورلاندو وبرشلونة التي ارتكبها مسلمان، وشيوع استخدام ألفاظ مثل "المرض العقلي" والكراهية في حادثتي تشارلستون وتشارلوتسفيل اللتين ارتكبهما أبيضان ينتميان لليمين المتطرف.
ازدواجية المعايير
يرصد معهد جيكساو المتخصّص في متابعة وإدامة الأمن السيبراني شبكات لشبان بيض مؤمنين بأيديولوجية التفوق الأبيض وفق ما جاء في بحثٍ عن عنف اليمين المتطرف صدر في عام 2020 ويفندون مقولة أن هؤلاء عبارة عن حالات فردية، إذ تبيّن عبر البحث، تواصل شبكات المتطرفين البيض عبر الإنترنت، وهو ما يدعمه توثيق مركز قانون الفقر الجنوبي، (يعمل على دعم العدل العرقي ومحاربة أيديولوجية التفوق الأبيض)، لتخطيط وتنفيذ أفراد ينتمون لليمين الأبيض لحوادث قتل جماعي في الولايات المتحدة منذ عام 1995 وحتى عام 2019 وهؤلاء يؤمنون بأيديولوجية التفوق العرقي الأبيض، ويعادون الحكومة ويخرجون عن القانون وبالتالي يعتدون على أماكن يرفضون وجودها، من مثل كنائس السود، وعيادات الإجهاض، ومحالّ تجارية من أمثال وولمارت ومقارّ شُرَطيّة.
ويكشف تقرير حكومي أميركي بعنوان: "مكافحة التطرف العنيف" صدر في إبريل/نيسان عام 2017 عن وقوع 85 حادثة تطرف منذ 11 سبتمبر، كان اليمين الأبيض مسؤولاً عن 62 حادثة في حين كان المتطرفون المسلمون مسؤولين عن 23 حادثة. وقد امتنع الإعلام والأجهزة الأمنية عن إطلاق وصف الإرهاب على حوادث اليمين الأبيض، وصنفت هذه الحوادث باعتبارها جرائم كراهية. بل إنّ ثاني أكبر حادث إرهابي دموي ارتكب في الولايات المتحدة كان الاعتداء على مبنى فيدرالي أميركي في أوكلاهوما عام 1995 وجرى على يد متطرف أبيض يؤمن بنظرية التفوق العرقي الأبيض، وتسبب في مقتل 168 شخصا منهم 19 طفلا.
لماذا الاعتراض على استخدام الاصطلاح؟
يعترض باحثون في حقلي الدراسات الأمنية والسياسية على النهج الإعلامي والأمني في التعامل مع حوادث الإرهاب والقتل الجماعي، حيث يختلف وصف الجريمة باختلاف مرتكبيها، فإن كانوا مسلمين فهي جرائم إرهاب، وإن كانوا بيضا فهي جرائم كراهية. وتقول لوريتا لينش، المحامية الأميركية التي تقلدت منصب النائب العام الثالث والثمانين للولايات المتحدة، في ولاية باراك أوباما الثانية إن: "جرائم الكراهية هي الإرهاب المحلّي الأصيل"، وللتوصيف تبعات قانونية، فجريمة الإرهاب يترتب عليها عقوبات مشدّدة أكثر من جريمة القتل بدافع الكراهية. وبينما مُرّر قانون لمواجهة الإرهاب في الولايات المتحدة بعد حادثة أوكلاهوما التي نفذها إرهابي أبيض، فإنه تم تطبيقه في الحقيقة على المسلمين ممن نفذوا عمليات إرهاب وقتل جماعي، ولم يطبق على نظرائهم من البيض بحسب الباحثة كوربين.
ولهذا الاعتراض على استخدام اصطلاح "الإرهاب الإسلامي" عدّة أسباب، أولها أنه يربط مباشرة وبحتمية بين الإرهاب والإسلام، ما يجعل فهم ظاهرة عمليات العنف الجماعي التي يرتكبها متشددون مسلمون غير ممكن في الحقيقة، إذ يحيل الاصطلاح والخطاب المرتبط به إلى أسباب متعلقة بالدين نفسه، أي إلى مجموعة من النصوص التي توضع موضع اتهام. وهذا في نظر الباحث برينسلو يمنع من فهم الوجه الأهم في الظاهرة وهو الوجه السياسي. ويقول برينسلو إنّ الاصطلاح انحرف في استخدامه حيث يدلّ "الإرهاب" ابتداءً على أنّ الإرهابي يحاول إحداث حالة نفسية من الخوف حتى يجبر الحكومة والمواطنين على ردّ فعل عقلاني، في حين أنّ داعش مثلاً بحسب الباحث يتصرّف بطريقة لاعقلانية مدفوعة بدوافع أصولية دينية.
ويقول برينسلو إن الاصطلاح الأوقع هو اصطلاح "التطرف" ويتابع: "المتطرفون هم الفاعلون الذين يسعون لإحداث تغيير سياسي كبير في الوضع السياسي الحالي من خلال طرق غير قانونية وعنيفة وبالتالي فهم يُحدِثون خللاً في مبدأ احتكار الدولة للعنف". وبالتالي يرى أن منفذي مثل هذه العمليات يحاولون إحداث التغيير الذي يقصدون إليه من خلال إعادة المجتمع إلى وضعٍ سابق ونظام قيمي سابق. ولذلك يقترح تسمية ظاهرة ارتكاب أعمال عنف وقتل جماعي من قبل متشددين مسلمين، بـ"الرجعية الإسلامية"، أي محاولة إرجاع المجتمع إلى وضعٍ متخيل سابق.
نمت مجموعات تعادي المسلمين عموماً، بسبب التنميط عبر مصطلح "الإرهاب الإسلامي" ما ألحق أضراراً بالمسلمين الأميركيين سواء أكانت مادية أو معنوية.
ويقول كذلك، إن الملاحَظ أن أكثر من يلتحقون بهذه الجماعات هم الشباب تحت الثلاثين، لاعتقادهم بعدم المساواة وغياب العدل. ولذا فإن: التطرف هو نتيجة الفشل السياسي والحكومي في تحقيق المساواة بين جميع فئات المجتمع. وبالتالي نحن أمام مشكلة سياسية ويجب أن تناقش باعتبارها كذلك. أي أنه عوضًا عن مناقشة نصوص دينية واتهام الدين نفسه بالحضّ على مثل هذا النوع من العنف، فالمسائل التي يجب أن تُناقش هي غياب العدل والمساواة بين فئات المجتمع، ومشكلات الشباب تحت الثلاثين".
ومن الأسباب التي دعت إلى الاعتراض على استخدام هذا الاصطلاح مشكلة تقويض الأمن الداخلي للولايات المتحدة بحسب الباحثة كوربن، حيث ترى أن الأجهزة الأمنية تعلم تمام العلم أن جرائم القتل الجماعي التي يرتكبها البيض كان من الممكن تصنيفها "إرهابًا" لو كان مرتكبها مسلمًا. ولكن الخطاب المصدّر إلى الإعلام، والذي لا تراه مقصودًا بالضرورة، هو التقليل من شأن حوادث الإرهاب الأبيض، بل وإهمال تغطيتها الإعلامية في كثير من الأحيان. وتتعمد الباحثة تسميته جرائم العنف والقتل الجماعي من قبل متطرفين يؤمنون بالتفوق العرقي بـ"الإرهاب المسيحي الأبيض" وفق ما جاء في بحثها "الإرهابيون دائمًا مسلمون، ولكن ليسوا بيضًا" وتقول إن هذا على شاكلة تسمية الإرهاب بـ"الإسلامي"، إذ إن هذا الإرهاب يرتبط بأيديولوجية التفوق العرقي الأبيض. بحيث إنّ الجمهور الأميركي الآن بات يتصور أنّ الخطر الأمني من هذا النوع يأتي من جهة الجهاديين فقط.
والسبب الثالث أنّ ربط الإرهاب بالإسلام عمومًا في الخطابين الإعلامي والأمني أدّى إلى شيوع كَذِبة "كل الإرهابيين مسلمون" بين المواطنين الأميركيين بعد 11 سبتمبر كما ذهبت إلى ذلك الباحثة كوربن، أي إلى تنميط المسلمين وإلصاق عنوان الإرهاب بهم. وهذا ما يعني تهديد السلم الاجتماعي بين عموم الأميركيين المسلمين وباقي المواطنين الأميركيين. وقد أدّى هذا بالضرورة إلى اعتداءات وتمييز ضد المسلمين، في المدارس وفي العمل وفي الأحياء السكنية وغيرها. حيث نمت مجموعات تعادي المسلمين عمومًا، وقد أدّى هذا التنميط إلى أضرار تلحق بالمسلمين الأميركيين سواء أكانت أضرارًا مادية أو معنوية.
وبعد فإنّ الازدواجية في التعامل الأمني والإعلامي لحوادث القتل الجماعي، أدّت إلى تهديد حقيقي ومستمر للأمن، فالإرهاب الأبيض قُلّل من خطورته في حين استمرت عملياته وتفاقم سقوط ضحايا بسببها، كما أدّى ربط الإرهاب بالإسلام في الخطاب الإعلامي والأمني إلى تنميط المسلمين في كل مكان، وبالتالي استعداء الآخرين ضدهم، وتهديد السلم المجتمعي في العموم.