استمع إلى الملخص
- التنافس بين ترامب وهاريس: يسعى ترامب لاستمالة الناخبين العرب والمسلمين رغم تصريحاته السابقة، بينما تحاول هاريس استعادة ثقتهم عبر قضاياهم، لكن سياسات بايدن في الشرق الأوسط قد تعيق جهودها.
- التحديات والفرص: تواجه الحملات صعوبة في جذب الناخبين العرب والمسلمين، مما يتطلب وعودًا حقيقية وحلولًا ملموسة من الديمقراطيين، بينما يستغل ترامب الانقسامات الثقافية لتعزيز موقفه.
قبل أربعين عاماً توصل عالم الرياضيات والأرصاد الأميركي إدوارد لويرنتز إلى فكرة أثر الفراشة، والتي تقول إن رفرفة جناح هذا المخلوق الصغير في مكان بعيد مثل الصين قد تتسبب في وقوع أعاصير وفيضانات في مناطق أبعد مثل أميركا وأوروبا وأفريقيا، ومن ثم تطورت الفرضية ضمن ما سمي بنظرية الفوضى (Chaos)؛ والتي جعلت من الأسباب الصغيرة باعثاً قد يطلق سلسلة أحداث ونتائج كبيرة وغير متوقعة، وهكذا هي أصوات العرب والمسلمين، قليلة العدد، عظيمة التأثير هذه المرة، في الانتخابات الأميركية الموشكة وقوعاً فوق رؤوسنا وكل من يعيش على الكوكب، دون مبالغة، فسياسيات الفائز تؤثر على اقتصاد بلدك وتصل حتى مصروف بيتك كما قد تواجه مثلاً الضرر البيئي، وتحاول مواجهة التغير المناخي الملموس أثره على شارعك ومدينتك أو تفاقمه وتزيد من خطره الذي تدفع ثمنه.
أهمية تلك الأصوات في أنها عامل ترجيح أو بيضة القبان التي ستحسم مصير ما يسمى بالولايات المتأرجحة والتي صارت من نافلة القول، لا حاجة لتكرار أحوالها بينما الحدث أشبع تحليلاً، المهم أنها محل تنافس المرشحين كامالا هاريس الديمقراطية التي يمكن وصف خطة عمل ماكينتها الانتخابية بـ"أنا أو الفوضى"، ودون مجهود أو تفكير فالمقصود منافسها الجمهوري غير القابل للتوقع والباحث عن انتقامه مما يسميه بـ"الدولة العميقة" دونالد ترامب، الذي حصل على دعم غير متوقع بين قيادات وناخبين، عرباً ومسلمين، سبق أن وصمهم بادعاءات كاذبة تسببت في نمو خطير للجرائم العنصرية والمرتبطة بالإسلاموفوبيا أثناء دورته الرئاسية الأولى ووصلت حد القول "الإسلام يكرهنا"، وكرر كذبة أنه رأى آلاف المسلمين الأميركيين يحتفلون في نيوجيرزي بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول 2001.
الآن وقد أزفت الآزفة ولم يعد من وقت سوى أيام معدودات، يدور الصراع بين ترامب وهاريس على تلك الأصوات الفارقة، خاصة بعدما تقاربت نتائج استطلاعات الرأي، ووصلت مثلاً إلى نسبة 48% مقابل 48% من الناخبين المحتملين بحسب بيانات الاستطلاع الوطني النهائي الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا، وتلك النتيجة على الرغم من إنفاق مبالغ لا حصر لها على الإعلانات والفعاليات الانتخابية، والأحداث الفارقة التي شهدتها الانتخابات مثل الإدانات الجنائية لترامب ومحاولات اغتياله، في مقابل انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن من السباق، والزخم الذى تلاه مع ترشح نائبته هاريس، لكن مع ذلك يجلس الجميع على حافة الهاوية انتظاراً لخطأ مرشح أو حملة يمكن استغلاله للنيل من الخصم، وربما كان هذا ما فعله بايدن بتشبيه أنصار ترامب بالقمامة، فما كان من الرجل إلا أن استنفر حمية مؤيديه وارتدى زي عامل وجلس في سيارة جمع المخلفات ليقول لهم وللأميركيين من قبلهم: جو أهانكم واعتدى على أصواتكم وحرية اختياركم.
في محاولتها الأخيرة لاستعادة الناخبين العرب والمسلمين، أطلقت حملة هاريس سلسلة إعلانات على "فيسبوك" تستهدف المسلمين، وأنشأت قنوات على تطبيق واتساب، ووزعت منشورات تحتوي على أقوى تصريحاتها حول الحرب في غزة، والتي جعلت العديد من الناخبين الذين صوتوا في المرة الماضية لجو بايدن يقولون إنهم قد يبقون في منازلهم، أو يصوتون لطرف ثالث، أو حتى يصوتون للرئيس السابق دونالد ترامب، بسبب سياسات إدارة بايدن في الشرق الأوسط شديد التماهي مع إسرائيل، بحيث لم يعد هناك فارق حقيقي بين الحزبين في أنظارهم، ويبدو أن رسالة هاريس غير مقنعة فالتعاطف مع الفلسطينيين لم يعد كافياً بعدما قتلت إسرائيل آلاف الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، لذا ما فائدة رطانة المرشحة الداعية لاحترام القوانين الدولية؟ وهنا لم يعد أمام الحملة سوى ما ذكرته بأن ترامب الذي استخدم كلمة فلسطيني كمسبة، تعني عودته إلى فرض حظر السفر على الأشخاص من البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
أي أن حملة المرشحة "الديمقراطية" تقدم خيارين بائسين لهذه المجموعة من الناخبين، "هل تفضل أن تُمنع عائلتك من دخول البلد، أم أن تُقتل في غارة جوية إسرائيلية؟"، وهذا أسوأ تكتيك لأنه يدعم من خطة ترامب الرامية إلى عزل هذه المجموعة وحرمانها من تقييم موضوعي وعقلاني يفاضل بين سياسات المرشحين ويقيمها وفق حسابات المكسب والخسارة، فإذا كنت خاسراً في الحالتين فما الذي سيدفعك للخروج من بيتك وحشد محيطك لمرشح لن يغير كثيراً من واقعك؟
في المقابل تستهدف حملة ترامب الأميركيين العرب والناخبين اليهود عبر مجموعة سياسية مرتبطة بـ إيلون ماسك، الملياردير الطامح إلى لعب دور تنفيذي في الحكومة، وتضخ إعلانات تروج رسائل متناقضة حول موقف هاريس من سياسات الشرق الأوسط، ففي ميشيغن، التي تضم 300 ألف منهم وفاز الرئيس بايدن بالولاية بنحو 155 ألف صوت في عام 2020، تنشر المجموعة إعلانات تصور هاريس على أنها مؤيدة لإسرائيل، وفي الوقت نفسه، في ولاية بنسلفانيا، يتم استهداف الناخبين اليهود بإعلانات تدعي أن هاريس تتملق الفلسطينيين.
ثمة عناصر أخرى مؤثرة على تصويت الأميركيين والمحافظين منهم بشكل عام، وفيهم العرب والمسلمون مثل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والانقسامات الثقافية حول الإجهاض والمثلية، وغيرها من القضايا المؤججة للاستقطاب والتي يستفيد منها ترامب جيداً، وفي كل الأحوال لا يمتلك المرء إلا احترام المنظومة الديمقراطية وحق الناس في اختيار من يشاؤون دون وصاية، إلا أن هاريس عليها أن تساعد نفسها في تلك اللحظات الأخيرة وتقدم شيئاً لهذه الفئة التي اعتادت التصويت للحزب الديمقراطي ولا تتركها نهباً لترامب أو تلقي بأصواتها في تهلكة مرشحة ثالثة لا حظ لها.
فما الذي يمنع الحملة الديموقراطية من التفاعل مع قضايا محلية تخصهم؟ مثل تقديم حلول توقف استهدافهم العشوائي عبر وكالات حكومية وضعت أسماءهم ضمن قائمة مليونية لقاعدة فحص بيانات الإرهاب، والتي تتفرع عنها قائمتا المنع من ركوب الطائرات والتفتيش الإضافي، وخارجياً تقديم وعد حقيقيا دون مراوغة بوقف الحرب على غزة، ما يجعل منها مرة ثانية أملاً حتى لو كان مؤجلاً في مقابل تحويل ترامب إلى dead loss أو خسارة تامة.