أزمة "الشرق الأوسط"... طيارو الناقل اللبناني يحجزون تذكرة باتجاه واحد

11 يوليو 2022
يعاني طيارون تراجعا كبيرا في أحوالهم المعيشية (Getty)
+ الخط -

يخشى نقيب الطيارين اللبنانيين الكابتن إيهاب سلامة من وقوع استقالات جماعية بين زملائه في شركة طيران "الشرق الأوسط"، بسبب الظروف المادية الصعبة التي أجبرت 20 طيارا ومساعد طيار على مغادرة الناقل الوطني اللبناني في إجازات غير مدفوعة لمدة عام من أجل العمل في شركات أميركية وأوروبية وخليجية في محاولة لتحسين ظروفهم المعيشية وتلبية احتياجات أسرهم، كما يوضح نقيب الطيارين السابق الكابتن فادي خليل، والذي يقول إن عشرين طياراً إضافياً طلبوا إجازات غير مدفوعة ولديهم عقود عمل مغرية، منهم 6 إلى الكويت، لكن الشركة رفضت مغادرتهم.

ومن بين المغادرين، الكابتن سامي إلياس (اسم مستعار للموافقة على الحديث وعدم تعريض عمله للخطر) والذي تمتد خبرته في قيادة الطائرة إلى 16 عاماً، إذ تعسرت ظروفه المعيشية منذ انهيار سعر الليرة أمام الدولار ودخول البلاد في أزمة اقتصادية بسبب التضخم المالي الذي بدأ في يناير/كانون الثاني عام 2020، وبعدما كان يتقاضى راتبا يصل إلى 16 ألف دولار، صارت قيمة الراتب تعادل ما بين 300 و400 دولار، وحتى بعد التحسينات التي أجرتها الشركة على الراتب خلال العام الماضي يعاني إلياس من أجل توفير احتياجات عائلته المقيمة خارج لبنان رافضا خيار عودتهم إلى البلاد.

لماذا غادر الطيارون؟

تضم طيران الشرق الأوسط 180 طيارا، 90 منهم يحملون رتبة كابتن أي قائد الطائرة و90 برتبة مساعد طيار بحسب الكابتن خليل، والذي يقول إن الشركات الأجنبية تستقطب طيّاري "الميدل إيست" بسبب النقص العالمي في عدد الطيارين، وتابع :"الشركة وافقت على خيار الإجازات المدفوعة أول مرة بسبب وجود فائض في عدد الطيارين لديها، أما في الوقت الحالي، لا فائض ضمن الطيارين برتبة قائد، وقد يكون هناك فائض في من هم برتبة مساعد قائد، ممن دربتهم الشركة خلال جائحة كورونا".

20 طيارا غادروا "الشرق الأوسط" في إجازات غير مدفوعة

لكن الكابتن سلامة يقول إن فتح خيار الإجازات غير المدفوعة للطيارين، لا يحل أزمة المعاناة المادية التي يعانون منها، ويدق النقيب جرس الإنذار بقوله "معظم الطيارين يرغبون بتقديم استقالاتهم" خصوصا من هم برتبة قائد طائرة، أي من ذوي الخبرة الطويلة التي تفوق عشر سنوات ولديهم ساعات طيران كبيرة، لأنهم مطلوبون جدا للتوظيف من قبل شركات عالمية كبرى.

أما عن سبب وجود فائض محتمل يوضح سلامة أن رئيس مجلس إدارة الشركة ومديرها العام محمد الحوت خطط لتوسيع الشركة قبل جائحة كورونا، إذ وقع عقود شراء طائرات وتوظيف طيارين، لكنه اضطر إلى إلغاء صفقات الشراء بعد تداعيات الجائحة الاقتصادية، وأبقى على الطيارين وواصل تدريبهم، والعامل الثاني تراجع عدد الرحلات، ورغم تخفيف القيود حاليا إلا أن حركة الطيران لم تعد إلى سابق عهدها بشكل تام.

ظروف عمل صعبة

في مايو/أيار من عام 2021، أعلنت "الميدل إيست" أن سعر تذاكر السفر سيحدد وفقا لسعر صرف الدولار غير الرسمي في السوق السوداء بشكل يومي، لكن هذا التعديل لم يشمل رواتب الطيارين ومساعديهم، والذين خسروا 90% من قيمة رواتبهم بسبب تذبذب أسعار الدولار، بينما واجهت الشركة مطالبهم حينها بتعنت "ويلي مش عاجبوا يفل"، لكن بعد أشهر، بدأت الشركة في تحسين الرواتب بشكل تدريجي، بحسب سلامة، إذ باتوا يتقاضون 50% من راتبهم وفق "الفريش دولار" وهو الوارد حديثا، الذي يحول من الخارج دون أن يخضع للقيود المفروضة من السلطات المالية، والنصف الآخر بالليرة اللبنانية عبر البنوك، اعتبارا من فبراير/شباط الماضي، وفق توضيح الطيار سامي إلياس.

ويعود قرار تجزئة رواتب الطيارين إلى قسميْن، بالدولار والعملة الوطنية إلى حقبة الثمانينيات، إذ اعتمدت الإدارة حينها على الأمر لتعويض الطيارين ماليا في مواجهة أي تضخم مالي، بعدما بدأ وقتها سعر صرف الدولار بالارتفاع، ولكن ليس بالشكل الذي نشهده في يومنا هذا، بحسب معلومات نقابة الطيارين.

وأضحى مساعد قائد الطائرة يتقاضى بعد التحسينات ما بين 1500 و2000 دولار "فريش"، علما أن راتبه كان يتراوح بين 6 إلى 7 آلاف دولار قبل التضخم المالي، أما الطيار برتبة "قائد طائرة" فيتراوح راتبه حاليا بين 5 إلى 7 آلاف دولار، علما بأن راتبه كان يصل إلى 16 ألف دولار قبل الأزمة، ويشير خليل إلى أن مساعد الطيار قد يحصل على عرض عمل في الخارج براتب يصل إلى ضعف ما يتقاضاه حاليا، وكذلك قائد الطائرة وكلما زادت خبرته يحصل على راتب أكبر مع حوافز متنوعة، مؤكدا على أهمية الاستقرار النفسي والصحي للطيارين من أجل السلامة العامة، كما يشير إلى أن "الطيار يتكبد تكاليف مادية ومجهودا جسديا ونفسيا على مدى 3 سنوات كي ينال لقب مساعد قائد، ومن ثم 10 سنوات كي ينال لقب قائد طائرة، عدا عن التدريبات المستمرة للحفاظ على رخصة قيادة طائرة وكلها عوامل يجب أخذها في الاعتبار لدى التعامل مع مشاكلهم".

ويرد رئيس العمليات الجوية في "الميدل إيست" الكابتن أحمد منصور قائلا لـ "العربي الجديد": "أولوية الشركة حاليا هي إنجاح موسم الاصطياف وتأمين الرحلات للمغتربين والسائحين، والذي من شأنه أن يساعد على رفع معدل الدخل القومي الوطني"، وتابع "الطيارون حاليا لا يعانون من مشاكل، وهذا الملف أصبح مستهلكا، والشركة تعتذر عن الرد عليه" مستدركا بالقول إن "البلد بأكمله يعاني من أزمات".

لكن مساعد قائد الطائرة سمير رامي والذي طلب تعريفه باسم مستعار حفاظا على عمله في "الميدل إيست"، يرد على ما سبق قائلا :"وصلت قيمة راتبي إلى 200 دولار خلال الأزمة وقبل التحسينات التي قدمتها الشركة، بالإضافة إلى صعوبات سحب الراتب من البنوك التي شكلت عائقا كبيرا، كنت أحصل على 8 ملايين ليرة لبنانية من البنك شهريا حين وصل سعر الدولار إلى 32 ألف ليرة في السوق السوداء"، ويضيف "بعض الطيارين كانت لديهم علاقات تخولهم سحب مبالغ أكبر من المصارف من زملاء آخرين"، في هذه المرحلة، اشتدت الضائقة المالية على الطيارين بحسب رامي الذي تابع مطالب رفع الأجور ومقابلتها بالرفض بحجة الخسائر المالية التي تواجهها الشركة نتيجة الأزمات المتتالية والتي أثّرت على أعداد المسافرين، وأن لديها التزامات مالية تجاه الموظفين جميعا وليس الطيارين فقط، ما حدا به إلى طلب إجازة غير مدفوعة، وسافر إلى الولايات المتحدة، وتابع أن العودة مرتبطة بوضع البلد الذي أراه "ميؤوسا منه".

خوف من المجهول

يرى الكابتن سلامة أن استراتيجية إدارة الشركة تعتمد على أنه "يجب أن تظل هناك مطالب لدى الموظفين، واستنادا لذلك لا يعطون الموظف كامل حقه حتى ينشغل بالمطالبة بالمتبقي بدلا من المطالبة بالمزيد"، علاوة على أن الشركة تثقل على الطيارين، بهدف التوفير ومن ذلك أنها باتت تعتمد استراتيجية "ذهاب وعودة" في الرحلات الطويلة على أن تشمل قائديْ طائرة وهو أمر قانوني، لكنه منهك للطيارين.

ورغم الإنهاك وتراجع الأحوال المعيشية، إلا أن من لم يقدموا استقالاتهم يقولون إن الأمر يعود إلى وجود فترة إخطار إنهاء العلاقة التعاقدية والتي تبلغ 3 أشهر للطيار المساعد و4 أشهر للكابتن قائد الطائرة، وهذه الفترة قد تتقاطع مع موعد بدء العمل مع الشركات العالمية، فمثلا من المحتمل أن يكون موعد بدء العمل مع الشركة الأجنبية أو العربية بعد شهر أو شهرين، لكن إدارة الميدل إيست لن تتنازل عن حقها في فترة الإشعار فيُلغى العقد، وفي حال لم يتمم الطيار مدة الإشعار، من حق الشركة قانونيا أن ترفع دعوى ضده، بحسب توضيح كابتن طيار برتبة "قائد" وهو مدرب أيضا (فضل عدم ذكر اسمه)، مضيفا أن الشركة قد تمنع الطيار المستقيل من العودة مستقبلا إلى العمل فيها، وهناك مخاوف من أن تعقّد الشركة فرص عمل الطيار في شركات أخرى، عبر عدم منحه توصية إيجابية.

الصورة
خوف من المجهول

هل تتفاقم الأزمة؟

يقول الكابتن خليل إن خطة الشركة لمواكبة صيف حافل للمرة الأولى منذ جائحة كورونا تعتمد على تشغيل قائدي الطائرة وقتا إضافيا مقابل بدل مادي، بينما يؤكد مدير عام الطيران المدني فادي الحسن في إفادة لـ "العربي الجديد" أن "حركة الطيران نشطة جدا حاليا، إذ استعادت نحو 90% من وتيرتها مع وصول ما يقارب 12 ألف راكب يوميا عبر مطار بيروت الدولي، وبحسب قوله فإن الميدل إيست مُدركة لحجم الرحلات الحالية، وليس من الوارد أن تصل الأزمة بين الطيارين والإدارة إلى حدّ تؤثر فيه على استمرارية التشغيل، متمنيا أن تعالج الشركة الأمر بأسرع وقت.

تراجعت الناقلة اللبنانية عن صفقات شراء طائرات عقب كورونا

وتنفق الشركة مجهودا ووقتا كبيرا في تدريب الطيّارين إذ تجرى في مرحلة التأهيل الأولى، فحوصات طبية ونفسية للمرشحين، وفي المرحلة الثانية، يسافر الطيارون إلى إسبانيا للتدرب لمدة سنة وشهرين، ثم يعودون بعد نيلهم رخصة طيران تخولهم قيادة طائرات صغيرة، وفي لبنان، يتلقون تدريبا على مدى سنة أو سنة ونصف في مركز طيران الشرق الأوسط، وفي المرحلة الأخيرة، يخوض الطيارون تدريبا على خطوط الطيران برفقة قائد خبير، وتتراوح فترة التدريب الأخيرة بين 6 أشهر إلى سنة، أما بالنسبة إلى التكلفة المادية لفترة التدريب في إسبانيا، فتتراوح بين 100 إلى 120 ألف دولار، يدفع المتدرب جزءا منها والشركة تُغطي الباقي، على أن يقوم الطيارون بتقسيط المبلغ المتبقي من خلال اقتطاع الشركة نسبة من راتبهم على مدى عدة سنوات حتى استرداد المبلغ، ويفضل بعض الطيّارين دفع المبلغ كاملا منذ البداية، بحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من النقابة والطيارين.

وحول شكاوى الطيارين من تداخلات الواسطة في عمل الشركة، يقرّ الكابتن خليل بأنها قد تلعب دوراً في اختيار المرشحين للتدريب في مدرسة الطيران في إسبانيا، أي في الدورة الأولى أو الثانية، ولكن ليس لها أي تأثير على المستوى المهني للطيارين الذين اختيروا في قطاع الطيران إذ يتم اختيارهم بناءً على الكفاءة وفق قوله، ويتفق معه النقيب سلامة قائلا لـ"العربي الجديد" :"الواسطة تلعب دوراً محدوداً جداً في اختيار الموظفين، وهي تقتصر فقط على المرحلة الأخيرة والنهائية، مثلاً في حال تفوق مرشَحَين في الامتحانات المختصة، والشركة بحاجة إلى شخص واحد فقط، قد يتم اختيار الشخص صاحب الواسطة، ولكن بعد التوظيف، الطيارين الذين لديهم علاقة جيدة مع الإدارة يتم تيسير أمورهم بشكل أفضل".

ضربت الأزمة الاقتصادية في لبنان الناقل الوطني، إذ يعاني طيارو "الشرق الأوسط" من ظروف معيشية صعبة في ظل إنهاك وضغوط العمل بهدف التوفير