TripAdvisor: ملك وحيد على عرش السياحة والسفر

05 مايو 2019
يدخل الموقع 465 مليون شخص شهرياً (فيوتشر بابلشينغ/Getty)
+ الخط -
في تسعينيات القرن الماضي، كانت فنادق حول العالم تعلّق لافتةّ على مكاتب الاستقبال فيها، كُتب عليها: "النزيل ملكُ"، في إطار إعطاء النزيل إحساساً بأهميته، والإيحاء بسعي الفندق الدؤوب إلى راحته. اليوم طبعاً، اختفت هذه اللافتة أو لم تعد مقروءة، فعند الفنادق، وعند النزلاء، لم يعد هناك سوى ملك واحدُ لا يشاركه العرش أحد: موقع TripAdvisor.

تروي ليندا كينستلر في مقال مطوّل كتبته عن الموقع في أغسطس/آب 2018 في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أنها أثناء تواجدها في أحد فنادق العاصمة البوليفية، حاول أحدهم اقتحام غرفتها فجراً. تصف الرعب الذي رافقها وكيف حاولت إحكام قفل الباب بوضع كرسي عليه، إلى أن غادر الشخص. في الصباح وعندما اشتكت للموظف في مكتب الاستقبال تجاهل الأمر، معتبراً انه بلا أهمية: "غاضبةً، توجّهت إلى السلطة العليا في عالم السفر، إلى السلطة التي يخشاها كل فندق، وكل متحف، وكل مطعم حول العالم: وضعت تقييماً سيئاً للفندق على موقع "تريب أدفايزور"". هذه الحادثة تختصر فعلياً كيف يحكم هذا الموقع عالم السياحة والسفر حول العالم.

خلال عقدين من الزمن تقريباً نجح TripAdvisor في تغيير شكل السفر، وقطاع السياحة إلى الأبد: مراجعات، وصور، وتوصيات، وفيديوهات، وتقييمات... كل تفاعل قد يدمّر فندقاً أو موقعاً سياحياً وقد يجعله يزدهر. هذا الانفجار الذي حقّقه "تريب أدفايزور" في عالم الرحلات انعكس أيضاً ملايين استثمارية، حولّته إلى واحد من أكثر المواقع تحقيقاً للارباح: انطلق الموقع سنة 2000 باستثمار بلغت قيمته 3 ملايين دولار، لتتجاوز قيمته اليوم 7 مليارات دولار، حيث يستخدمه شهرياً حوالي 456 مليون شخص. يدخل هؤلاء إلى الموقع إما للتخطيط لرحلاتهم، أو لترك تقييم عن مكان أو معلم زاروه أو مكثوا فيه، أو للمشاركة في آلاف النقاشات التي تفتح يومياً.

في 19 عاماً إذاً، تحوّل "تريب أدفايزور" إلى نموذج للنجاح. لكن تماماً كباقي مواقع التواصل الاجتماعي، المتخصصة وتلك العامة والمفتوحة على كل النقاشات والمواضيع، فإنّ صناعة المحتوى الإلكتروني على الموقع واجهتها مشاكل كثيرة، جعلت، وتجعل منه حتى اليوم، عرضة لسلسلة اتهامات قد تكون أقسى من تلك التي تتعرض لها تطبيقات ومواقع أخرى.

فتح نجاح TripAdvisor، وقدرته شبه المطلقة على تقييم وتحديد سلبيات وإيجابيات أي وجهة حول العالم، الباب واسعاً أمام نوع جديد من الأعمال: المراجعات المزيّفة Fake Reviews. شركات توظفّ آلاف الأشخاص فقط للدخول إلى الموقع وكتابة تعليقات جيدة عن وجهات وأماكن محددة، وإعطاء تقييمات سيئة للمنافسين.
لم تتأخر إدارة الموقع في اكتشاف ذلك، خصوصاً بعد التحقيق الذي فتحته مطلع 2012، هيئة معايير الإعلان البريطانية، حول طبيعة العمل ومحتوى الموقع بعد شكاوي متعددة من فنادق ومطاعم بريطانية عن تدمير عملها نتيجة المراجعات المزيفة. وخلص التحقيق الذي استمر 4 أشهر بإلزام "تريب أدفايزور" بعدم الادعاء أو الإيحاء "بأن جميع المراجعات التي ظهرت على الموقع كانت من مسافرين حقيقيين، أو كانت صادقة، وحقيقية أو موثوقة". وهو ما جعل الموقع يغيّر شعاره من: "مراجعات يمكنك الوثوق بها" إلى "تعرف بشكل أفضل. احجز بشكل أفضل. اذهب (إلى وجهتك) بشكل أفضل".

بعد هذا التحقيق أنشأت الإدارة هيئة خاصة مؤلّفة من مئات الموظّفين، مهمتها يومياً رصد التقييمات والمراجعات الخاطئة. كما أنشات وحدة ميدانية، تقوم بزيارة بعض الأماكن التي تشكّ أنها توظف أشخاصاً لتحسين صورتها. وبالفعل تمكّنت هذه الوحدات الخاصة من إقفال آلاف الحسابات. على سبيل المثال وقبل كأس العالم في كرة القدم العام الماضي في روسيا، عشرات آلاف التقييمات المزيفة أغرقت الموقع، لفنادق ومطاعم ومقاه في مختلف المدن الروسية. وبعد التحقيق وجد فريق العمل 1300 حساب مزيف، كما مسح 1500 مراجعة لأماكن محددة، ووضع 250 مطعماً على لائحة المراقبة "لمحاولتها شراء المراجعات المزيّفة". كما تمكّنت إدارة الموقع من الحصول على قرارات قانونية بإقفال 18 شركة تقوم ببيع المراجعات والتقييمات الخاطئة.

لكن مشكلة المراجعات المزيّفة ليست الوحيدة التي تواجه TripAdvisor. في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، نشرت صحيفة "ميلووكي جورنال سنتينال" الأميركية المحلية، تحقيقاً للصحافيين راكيل روتلدج وأندرو موليكا، يرصدان فيه حذف الموقع الشهير لكل المراجعات التي تتحدث فيها النساء عن تعرّضهن لتحرش جنسي او اغتصاب أو مضايقة في فندق أو مطعم أو معلم سياحي.

كانت إدارة الموقع تحذف المراجعة وترسل لصاحبها رسالة عن خرق ما كتبه "لشروط النشر الصديقة للعائلات". ولعلّ القصة الأشهر كانت عام 2010، عندما تعرّضت الأميركية كريستي لوف لعملية اغتصاب من قبل حارس في الفندق الذي كانت تنزل فيه في إجازتها في كانكون في المكسيك. كتبت لوف مراجعة مفصلة لتجربتها، لتكتشف بعد دقائق أن ما كتبته قد حذف. بعد عام من هذه الجريمة، تعرّضت سيدة أخرى للاغتصاب في الفندق نفسه. كل هذه المعطيات جمعتها الصحافية روتلدج مع زميلها موليكا، ونشراها، ليؤدي ذلك إلى تراجع في القيمة السوقية للموقع بمليار دولار. طبعاً بعدها اعتذرت إدارة الموقع الشهير، مؤكدة أنها ستعمل على إرساء سياسات جديدة، في التعامل مع المراجعات التي تحتوي على مضامين مشابهة.
لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً، فقبل شهرين، نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، تحقيقاً كشفت فيه أسماء عشرات الفنادق والأماكن التي تحوم حولها شبهات اغتصاب وتحرش، مع شهادات للضحايا، يتمّ التسويق لها على TripAdvisor.

قد تكون المشاكل التي تواجه موقع السفر الشهير كثيرة، حاله كحال أغلب مواقع التواصل. لكن حتى الساعة، يبدو أن اي بديل لم ينجح في تراجع أهميته، والدليل على ذلك، عشرات آلاف التعليقات التي لا تزال تغرق الموقع يومياً.
المساهمون