تسييس أغاني الحجر الصحي

03 مايو 2020
يظهر لحام يؤدّي التحية العسكرية (لؤي بشارة/فرنس برس)
+ الخط -
تأثر العديد من الفنانين العرب بفيديو كليب أغنية "هنغني كمان وكمان"، الذي أصدرته الفنانة اللبنانية إليسا أخيرًا. إذْ تمكنت إليسا فيه من إنتاج فيديو فني بالاعتماد على التقنيات المتاحة، وشكل الحياة الاجتماعية في ظروف الحجر الصحي، من خلال تصوير محادثة سكايب تجمعها بهيفا وهبي، وهما ترتديان البيجاما، ومن حولهما "فانز" إليسا الذين يرقصون، بينما تؤدي إليسا أغنيتها. وسرعان ما استخدمت عبير نعمة عائلتها لتصوير كليب أغنية "رح نرجع" بالأسلوب ذاته، بشاشة تم تقطيعها إلى وحدات أصغر تضم جميع أفراد العائلة الذين يغنون معاً آملين انتهاء فترة الحجر الصحي. كما استفادت الفنانة اللبنانية شانتال بيطار من الشكل الفني ذاته بتصوير كليبٍ لأغنيتها الأكثر اقتراناً بالظروف، والتي حملت اسم "الحجر الصحي"، فاجتمعت بالكليب مع العازفين البعيدين عنها ضمن شاشة واحدة، لترسِّخ بدورها هذا الشكل الفني وتبسطه. 

وبالمجمل، فإن الرابط الذي جمع بين جميع الأغاني التي اعتمدت على الأسلوب ذاته بالفيديو هو اقترانها بـ"ثيمة" الترفيه عن المحجورين بسبب الأزمة الصحية التي يعيشها العالم بأسره، وتشجيعهم على تمضية الحجر بالرقص والغناء وزراعة الأمل بمستقبل أفضل. ولم تتضمن تلك الأغاني أيَّ أبعاد سياسية، إلى أن جاءت نقابة الفنانين السوريين لتصنع نسختها الخاصة، التي استلهمت فيها من تلك التجارب، لتنتج نسخة مشوهة ومشبعة بالتوجهات السياسية التشبيحية.

وفي الكليب الذي أنتجته نقابة الفنانين السوريين، تمَّ جمع عدد كبير من الإعلاميين والفنانين والرياضيين السوريين المؤيدين للنظام، ومن ضمنهم: دريد لحام، شكران مرتجى، ليليا الأطرش، زهير قنوع، شادي حلوة، عمر السومة، إبراهيم عالمة وآخرون، ليؤدوا معاً النشيد السوري "حماة الديار". وقسمت الشاشة في الفيديو إلى مربعات صغيرة ملونة بألوان العلم السوري، لتضم المشتركين بالفيديو بشاشة واحدة. ويتوسّطهم مستطيلان كبيران يظهر فيهما جميع المشتركين بالتناوب لثوان معدودة.

وفي الفيديو، يظهر المشتركون كجنود يؤدّون التحية العسكرية، وهو أمر يمكن أن نلمسه من الوضعية التي اتّخذها الفنان دريد لحام، والذي ظهر وهو يحيي العلم واضعاً يده على جبهته، ومن اللباس العسكري الذي يطغى على الصورة، ويرتديه العديد من المشاركين، كالفنانة عبير شمس الدين.

ومن الطريف أن الأغنية التي تظهر في الفيديو لا تعتمد على أصوات الأشخاص المشاركين فيه، إذْ اكتفى صناعه بإنتاج فيديو يضم فنانين وإعلاميين ورياضيين بشاشة واحدة، دون أن يعتمدوا على أصواتهم لصناعة نسخة جديدة من النشيد السوري الوطني، بل تم الاعتماد بدلاً من ذلك على جوقة غنائية تؤدي النشيد الوطني، تتلاشى فيها هوية جميع المؤدين.
ومن الأمور الغريبة أيضاً، أن النقابة حاولت ركوب موجة موضة فيديوهات الحجر الصحي، رغم أن الحجر الصحي لا يتم تطبيقه ضمن دمشق سوى لساعات محددة. كما أن النقابة ذاتها أصدرت قبل أيام قراراً يقضي باستكمال عمليات تصوير الأعمال الدرامية.
وينتهي الفيديو برسالة مسيسة مباشرة، تذكر أن الهدف من العمل وتوقيته هو التعبير عن الشكر للجيش السوري الذي يكافح فيروس كورونا. وهو ما بدا مثيراً للسخرية، إذ إنه في الوقت الذي يتوجه فيه الإعلام العالمي لتقديم الشكر والدعم للأطباء على الجهود التي يبذلونها لخدمة البشرية في هذه المرحلة، فإن إعلام النظام السوري لا يزال يعمل على ترسيخ صورة تؤكد أن جيش النظام هو مخلص البشرية!
المساهمون